نبيل القدس ابو اسماعيل المدير العام
الجنس : عدد المساهمات : 38802 تاريخ التسجيل : 18/03/2009
| موضوع: ثالثاً – أسلوب التربية بالقدوة الحسنة 2019-02-19, 10:27 pm | |
| ثالثاً – أسلوب التربية بالقدوة الحسنة : كل إنسان محتاج إلى القدوة الحسنة التي يتأسى بها , فمهما يكن من إيجاد منهج تربوي متكامل , ورسم خطه محكمة لتربية الأخلاق فإنه لا يغني ذلك عن وجود واقع تربوي يمثل إنسان مرب يحقق بسلوكه وأسلوبه التربوي كل الأسس والأساليب والأهداف التي براد إقامة المنهج التربوي الأخلاقي عليها . لذلك بعث الله محمداً عبده ورسوله ليكون قدوة للناس يحقق المنهج التربوي الإسلامي , يقول تعالى : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) ولقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : (( كان خلقه القرآن )) وحقاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشخصه وشمائله وسلوكه , وتعامله مع الناس ترجمة عملية بشرية حية لحقائق القرآن وتعاليمه وآدابه وتشريعاته ولما فيه من أسس تربوية إسلامية , وأساليب تربوية قرآنية. ولقد فطر الناس على حب القدوة والبحث عن الأسوة . ليكون لهم نبراساً يضيء لهم سبيل الحق , ومثالاً حياً يبين لهم كيف يطبقون شريعة الله , لذلك لم يكن لرسالات الله من وسيلة لتحقيقها على الأرض إلا بإرسال الرسل , يبينون للناس ما أنزل الله من شريعة , يقول الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ* بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل/43-44]. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قدوة لأصحابه وللمسلمين في تعليم الوضوء , وتعليم الصلاة , وتعليم مناسك الحج , كما كان قدوة في أخلاقه وصفاته من : رحمة وبر , وعطف وشجاعة , وحسن معاملة .. فعن سهل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مره على المنبر , ولما انتهى من صلاته أقبل على الناس فقال : ( يا أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعملوا صلاتي ). أين تتجلى القدوة ويقوى أثرها ؟ (1) وتتجلى القدوة في مواقف غريبة على الناس , لم يألفوها , أو ربما ألفوا خلافها , كما حصل عندما أراد الله لرسوله أن يتزوج امرأة زيد الذي كان رسول الله قد تبنَّاه , ليبين للناس عملياً أن زيداً ليس له شيء من حقوق البنوة الطبيعية أو تشريعاتها، يقول تعالى :{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً }[الأحزاب/37]
(2) كما تتجلى القدوة في المواقف التي تحتاج إلى التضحية , كالحروب والإنفاق ونحو ذلك , وكان رسول الله مثالاً للمربي القدوة يتبعه الناس ويعجبون بجوده وشجاعته وصبره .
(3) وكان قدوة في حياته الزوجية , والصبر على أهله وحسن توجيههن فقال خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) .
(4) وكان صلى الله عليه وسلم قدوة في حياته الأبوية وحسن معاملته للصغار , ولأصحابه ولجيرانه , وكان يسعى في قضاء حوائج المسلمين , وكان أوفى الناس بوعده , وأشدهم ائتماناً على الوداع حتى لقب في الجاهلية بالأمين , وكان أكثر الناس ورعاً وحذراً من أكل مال الصدقة , أو الاقتراب مما استرعاه الله من أموال المسلمين .
ومن أمثلة صفاته ما رواه أنس رضي الله عنه قال لم يكن رسول الله فاحشاً ولا لعاناً , ولا سباباً , وكان يقول عند المعاتبة : مالك تربت يمينه أو ترب جبينه) ,(ولا يدفع السيئة بالسيئة , ولكن يعفو ويصفح ),( وما خير رسول الله بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً , فإن كان إثما كان أبعد الناس منه , وما انتقم رسول الله لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها )) , (( ما ضرب رسول الله شيئاً قط بيده , ولا امرأة , ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله , وما ينل منه شيء قط فينتقم صاحبه , إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله )) روته عائشة رضي الله عنها .
وعن تعامله مع النساء عن أنس رضي الله عنه أن امرأة كان في عقلها شيء , فقالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة , فقال : (( يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك , فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها )) وعن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله في بعض أسفاره وغلام أسود يقال له أنجشة يحدو , فقال له رسول الله ( يا أنجشة رويدك سوقاً بالقوارير ) وفي روايةرفقاً بالقوارير ) .
وحتى الرضع : فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ما رأيت أحداً كان أرحم الناس بالعيال من رسول الله ، قال : كان إبراهيم مسترضعاً له في عوالي المدينة , فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وأنه ليدخن ( ينتشر فيه الدخان بسبب إشعال النار للحدادة ) وكان ظئره – زوج المرضعة – قيناً ( أي حداداً ) فيأخذه فيقبله ( أي فيأخذ ابنه إبراهيم فيقبله ) ثم يرجع ، قال عمرو : فلما توفي إبراهيم ، قال رسول الله إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة ).
أما عن حِلْمِ رسول الله فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : (( كنت أمشي مع النبي وعليه برد نجراني غليظ الحاشية , فأدركه أعرابي , فجبذه بردائه جبذه شديدة , حتى نظرت إلى صفحه عاتق رسول الله قد أثرت بها حاشية البرد من شد جبذته , قال : يا محمد , مُرْ لي من مال الله الذي عندك , فالتفت رسول الله ثم ضحك , ثم أمر له بعطاء ). أما عن شجاعته فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان رسول الله أحسن الناس , وكان أجود الناس , وكان أشجع الناس , ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة , فانطلق ناس قِبَل ( جهة ) الصوت , فتلقاهم رسول الله راجعاً , وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عرى (ليس عليه سرج ) ، في عنقه السيف , وهو يقول : (( لم تراعوا , لم تراعوا )) قال : وجدناه بحراً أو أنه لبحر قال : وكان فرساً يبطأ ) وقال البراء : ( كنا والله إذا احمر البأس ( اشتد ) نتقي به – أي الرسول – وإن الشجاع منا الذي يحاذى به ). وعن الجلادة والصبر وقوة التحمل والجهاد : فعن جابر رضي الله عنه قال : إنا كنا نحفر فعرضت كدية شديدة ( صخرة قوية ) فجاؤوا إلى النبي وقال له الصحابة هذه كدية عرضت لنا ، فيقول الرسول : ( أنا نازل ) حيث يقوم الرسول وبطنه معصوب بحجر من الجوع فيأخذ المعول فيضرب الصخرة , فتعود كثيباً أهيل (( تراباً ناعماً ). وبالنسبة للرحمة : فيقول بعثت بالرحمة ) وذلك مصداقاً لقوله تعالى :{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء/107]. ومن العالمين كانت رحمته للحيوان حيث يقول إن الله كتب الإحسان على كل شيء , فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة , وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة, وليحد أحدكم شفرته , وليرح ذبيحته ).
وأما كرمه فقد روى أنس رضي الله عنه ( أن رسول الله لم يسأل عن الإسلام إلا أعطاه , قال فأتاه رجل فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة , قال : فرجع إلى قومه , فقال : ياقوم أسلموا فإن محمد يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ). وأخيراً عن حيائه , فقد كان عليه الصلاة والسلام ( أشد حياء من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه ))
رابعاً – أسلوب التربية بالتجارب العملية والتفكير : هناك أمور في الحياة لا يتعلمها الإنسان , ولا يستفيد منها إلا بالبحث والتفكير والتجربة العلمية , ويصبح التقليد فيها عيباً . وهذه الأمور تتعلق بالنظر في الكون المحيط , والتقاط العبر والعظات من الأحداث . وإن كتاب الله تعالى لحافل بالكثير مما يرشد الإنسان ليتأمل ما في الكون من صنع الله مثل: خلق الليل والنهار , والشمس والقمر , ويقول الله تعالى ( ومن آياته أن خلقكم من تراب ....الآيات ) وتعقب كل آية الهدف من التفكير فيها فيقول سبحانه :{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }[البقرة/164]. وقوله سبحانه {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ }[آل عمران/190]. ومثل ذلك قوله سبحانه:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }[يونس /6]. {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ}[الروم/22]. إن القرآن العظيم يخاطب العقل ويوقظ الحواس للتفكر ، ويحث العلماء على مزيد من النظر والتفكر ، فلا ينبغي للإنسان أن يكون متحجرا جامدا ، بل يكون ناظراً متفكراً ، يقارن الأشياء ويميز الصحيح من السقيم والحق من الباطل والنافع من الضار ، ولهذا لا عجب أن تجد القرآن يذم التقليد الأعمى واتباع الآباء دون تفكير أو تأمل , ووصف الذين لا يفكرون ولا يبصرون ولا يسمعون (أي لا ينتفعون بما وهبهم الله من الحواس ) بأنهم كالأنعام بل هم أضل منها سبيلاً ، ويتوعدهم بجهنم في الآخرة ، فيقول سبحانه وتعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف/179].
ما السبب فيما توعدهم الله به من العذاب وبماذا وصفهم الله تعالى ؟ تجارب عملية ذكرها القرآن الكريم : ومن التجارب العملية في القرآن قصة ابني آدم وحيرة قابيل في ماذا يفعل بجثة أخيه فتعلم بالتجربة العملية مما فعله الغراب . تراجع سورة المائدة ، الآيات [27-31] ويناقش الجانب العملي فيها .
ومن التجارب العملية في القرآن قصة إبراهيم عليه السلام الواردة في سورة البقرة عندما سأل الله تعالى أن يريه كيف يحيى الموتى ، فبين الله جل وعلا لنبيه إبراهيم عليه السلام هذا الأمر بالتجربة العملية . تراجع سورة البقرة ا لآية [260] ويناقش الجانب العملي فيها .
وفي قصة أخرى لإبراهيم عليه السلام يلجأ إلى هذا الأمر ويؤكد بالحقيقة الظاهرة عجز خصمه عن رد الحق . البقرة [258] . إن إبراهيم عليه السلام لم يعتمد في إلجام خصمه على المنطق العلمي هنا بل اعتمد على الشيء الظاهر للعيان وطلب من المجادل أن يثبت صحة دعواه بتغيير هذه الحقيقة عما هي عليه والإتيان بها على وجه آخر فبهت الذي كفر .
ومن التجارب العلمية في السنة النبوية : ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( أتانا رسول الله في مسجدنا هذا , وفي يده عرجون ابن طاب ( العرجون : عود الشماريخ القديم , وابن طاب: رجل من أهل المدينة نُسب إليه نوع من نخل المدينة ), فرأى في قِبَل المسجد نخامة ( النخام : البلغم ) فحكها بالعرجون , ثم أقبل علينا فقال : أيكم يحب أن يعرض الله عنه ؟! قال : فخشينا ، ثم قال : أيكم يحب أن يعرض الله عنه ؟! قال : فخشينا ، ثم قال : أيكم يحب أن يعرض الله عنه ؟! قلنا : لا أينا يا رسول الله ( أي لا أحد منا ) قال : فإن أحدكم إذا قام يصلي , فإن الله تبارك وتعالى قِبَل وجهه , فلا يبصقن به بادرة , فليقل بثوبه هكذا ( أي فليفعل بثوبه هكذا ) , ثم طوى ثوبه بعضه على بعض ثم دلكه , ثم قال : أروني عبيراً , فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله , فجاء بخلوق ( طيب ) فأخذه رسول الله فجعله على رأس العرجون , ثم لطخ به على أثر النخامة . قال جابر : فمن هنا جعلتم الخلوق في مساجدكم )) وعن أبي هريرة رضي الله عنه ( أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله في ناحية المسجد فصلى , ثم جاء فسلم عليه , فقال له رسول الله : وعليك السلام , ارجع فصل فإنك لم تصل ، فصلى , ثم جاء فسلم , فقال : وعليك السلام , ارجع فصل فإنك لم تصل، فقال في الثانية أو في التي تليها : علمني يارسول الله - وفي رواية - : والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني , فقال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن , ثم اركع حتى تطمئن راكعاً , ثم ارفع حتى تستوي قائماً , ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً , ثم ارفع حتى تطمئن جالساً , ثم افعل ذلك في صلاتك , وإذا انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك ) . فهنا يحاول الرسول بالتجربة العملية أن يصحح للرجل الخطاء , فطلب منه تصحيح الخطأ بنفسه فلما عجز الرجل وسأله صحح له الرسول خطأه وعلمه الطريقة الصحيحة للصلاة , وقد انتظر الرسول حتى يسأله الرجل ليكون أثر التعليم أوقع في نفسه .
وعن أنس رضي الله عنه قال : ( إن رجلاً من الأنصار أتى النبي فسأله - أي أن يعطيه من مال الصدقة - فقال : أما في بيتك شيء ؟ قال : بلى حِلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه الماء قال :ائتني بهما، فأتاه بهما , فأخذهما رسول الله بيده وقال : من يشتري هذين ؟ قال رجل :أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه , وأخذ الدرهمين , وأعطاهما الأنصاري , وقال : اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك , واشتر بالآخر قدوماً فائتني به ، فأتاه به فشد فيه رسول الله عوداً بيده , ثم قال : اذهب فاحتطب وبع , لا أرينك خمسة عشر يوماً ، ففعل ، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضهما ثوباً وببعضها طعاماً ، فقال رسول الله : هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة , إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة : لذي فقر مدقع , أو لذي غرم مفظع , أو لذي دم موجع. لقد عَلَّمَ النبيُ هذا الرجلَ كيف يُعِف نفسه عن مسألة الناس والاعتماد على غيره في جلب قوته ، وأرشده بأسلوب عملي كيف يواجه الحاجة والفقر . لقد شجعه على العمل وبين له الطريق الذي يجب أن يسلكه ليعيش كريم النفس مترفعا عن استجداء الناس ، فالفقر ليس عيبا ولا نقصا ولكن العيب والنقص أن يتقاعس الإنسان عن العمل وهو قادر عليه ليكتفي بسؤال الناس والتطلع إلى ما في أيديهم . إنه المثل الرائع الذي يعلمه النبي للأمة كلها كيف تعيش بعزة نفس وكرامة ذات ، ليغرس الخلق والمبدأ والقيم في أروع صورها .
لقد علم الرجل الأول كيف يحمي دينه ويحافظ على صلاته ، وعلم أهل ذاك المسجد كيف يجب أن يقفوا بين يدي ربهم ، وكيف تكون مساجدهم نظيفة مهيأة ، وعلم الآخر كيف يصون نفسه ويواجه متاعب الحياة وحاجتها بالجد والعمل ، وليس بالتقاعس والكسل .
درس يجب أن نستفيد منه في دروب الحياة ومسالكها .
| |
|