نبيل - القدس
الا ان مجرد القراءة والمتعة الفكرية لن يكون له اي تاثير في من يتابع هذه المواضيع الا اذا تم التفكر والتدبر بها وفهم واقعها بدقة
نبيل - القدس
الا ان مجرد القراءة والمتعة الفكرية لن يكون له اي تاثير في من يتابع هذه المواضيع الا اذا تم التفكر والتدبر بها وفهم واقعها بدقة
نبيل - القدس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نبيل - القدس

البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
ابرز المواضيع - اضغط على الكتابة

شجرة العشاق وثمرة الأشواق - نبيل القدس

اعذب الكلام قسم الشعر

قضايا للمناقشة

اعلام وشخصيات

براعم المنتدى - اطفالنا

إبداعات الأعضاء - أشعار وخواطر
معرض الصور

غناء عراقي
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث


 

المواضيع الأخيرة
» 73-من دروس القران التوعوية - التوكل والتواكل
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-11-08, 10:09 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 17- من ذاكرة الايام - من مواقف شهامة الرجال
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-11-07, 8:33 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 72- من دروس القران التوعوية- المال ...
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-11-07, 6:55 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 71-من دروس القران التوعوية-معالجات الاسلام للفقر والعوز
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-11-06, 8:20 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 70- من دروس القران التوعوية -العمل لكسب الرزق والمعاش
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-11-05, 7:44 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 69- من دروس القران التوعوية-حرب الاسلام على الفقر واسبابه
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-11-05, 8:17 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 68-من دروس القران التوعوية -الاسلام وحده المحقق للعبودية والاستخلاف
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-11-05, 1:35 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 33-حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة - مفهوم التزكية
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-11-04, 12:43 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 67- من دروس القران التوعية- الالتقاء على كلمة سواء
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-11-02, 8:30 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 66- من دروس القران التوعوية -تحقيق العدل في اوساط البشرية مهمة جمعية
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-11-02, 11:32 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» حديث الجمعة -الى متى ننتظر ؟؟!!
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-11-01, 1:08 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» الطائفة الناجية!!!
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-11-01, 1:01 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 65- من دروس القران التوعوية - كُونُوا رَبَّانِيِّينَ !!
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-31, 12:46 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 64- من دروس القران التوعوية - وقاية النفس من الشح
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-30, 2:59 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» شركات تصميم تطبيقات الجوال في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-29, 11:10 am من طرف سها ياسر

» 32-حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة - العقيدة العملية
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-29, 1:04 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 63- من دروس القران التوعوية- العدل والعدالة في القران
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-28, 8:03 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 62-من دروس القران التوعوية :الشورى
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-27, 6:04 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 61- من دروس القران التوعوية-الحذر من مؤسسات الضرار حتى لو لبست لباس شرعي
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-25, 9:51 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 60- من دروس القران التوعوية - اسباب النفاق
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-25, 5:18 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 59- من دروس القران التوعوية -العداء المستحكم في النفوس !!
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-24, 7:17 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 58- من دروس القران التوعوية - التكاليف الشرعية جاءت ضمن قدرات الانسان
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-23, 8:08 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 57- من دروس القران التوعوية - ادب الدعاة
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-22, 6:10 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-21, 10:03 am من طرف سها ياسر

» 56- من دروس القران التوعوية - البينة !!!
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-21, 4:01 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 31- حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-20, 11:58 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 55- من دروس القران التوعوية- انا سنلقي عليك قولا ثقيلا
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-20, 9:54 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 54- من دروس القران التوعوية :-التحذير من الوهن
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-19, 1:15 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» خواطر مع دماء الشهداء
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-18, 11:32 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» تعليق على حادثة عملية البحر الميت اليوم
مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2024-10-18, 11:30 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

المواضيع الأكثر شعبية
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني
دعاء الهى انت تعلم كيف حالى....كلمات رائعه لمشارى راشد///خوخه
ومدحت بطيبة طه - صلى الله على محمد - مديح نبوي ولا أجمل
اسماء الجن الكفار و المسلمين
بيت من الشعر اذهلني - الشاعر كريم العراقي
من هنا نقول صباح الخير - مساء الخير - زهرة اللوتس المقدسية
صباح الخير- مسا الخير-منتدانا -النبيل- بعيونكم ولعيونكم صباح الخير-سلام الله عليكم -مساء الخير -ليلة سعيدة ///سعيد الاعور 29.02.2012
صورة اعجبتني لنجعلها صفحة لكل من عنده صورة مميزة او كريكاتير او منظر رائع ومميز/سعيد الاعور
سجل حضورك اليومي بالصلاه على نبي الله
من ذا يبلغها بأني متعب - كلمات علي العكيدي
عداد للزوار جديد
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 347 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 347 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 752 بتاريخ 2024-09-20, 4:22 am
تصويت
المواضيع الأكثر نشاطاً
سجل حضورك اليومي بالصلاه على نبي الله
من هنا نقول صباح الخير - مساء الخير - زهرة اللوتس المقدسية
مقهى المنتدى
تعالو نسجل الحضور اليومي بكلمة في حب الله عز وجل
صورة اعجبتني لنجعلها صفحة لكل من عنده صورة مميزة او كريكاتير او منظر رائع ومميز/سعيد الاعور
صباح الخير- مسا الخير-منتدانا -النبيل- بعيونكم ولعيونكم صباح الخير-سلام الله عليكم -مساء الخير -ليلة سعيدة ///سعيد الاعور 29.02.2012
صفحة الاستغفار اليومي لكل الاعضاء ـ لنستغفر الله على الاقل 3 مرات في الصباح والمساء//سعيد الاعور
من هنا نقول صباح الخير - مساء الخير - زهرة اللوتس المقدسية
سجل حضورك اليومي بالصلاه على نبي الله
من هنا نقول صباح الخير - مساء الخير - زهرة اللوتس المقدسية
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
نبيل القدس ابو اسماعيل - 38802
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
زهرة اللوتس المقدسية - 15399
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
معتصم - 12434
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
محمد بن يوسف الزيادي - 4323
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
sa3idiman - 3588
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
لينا محمود - 2667
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
هيام الاعور - 2145
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
بسام السيوري - 1763
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
محمد القدس - 1219
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
العرين - 1193
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
أفضل 10 فاتحي مواضيع
نبيل القدس ابو اسماعيل
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
محمد بن يوسف الزيادي
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
زهره النرجس
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
زهرة اللوتس المقدسية
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
معتصم
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
معمر حبار
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
هيام الاعور
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
د/موفق مصطفى السباعي
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
sa3idiman
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
لينا محمود
مفهوم الطبع ---- I_vote_rcapمفهوم الطبع ---- I_voting_barمفهوم الطبع ---- I_vote_lcap 
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1031 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Mohammed mghyem فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 66414 مساهمة في هذا المنتدى في 20318 موضوع
مواضيع مماثلة
عداد زوار المنتدى
free counterAmazingCounters.com


 

 مفهوم الطبع ----

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد بن يوسف الزيادي




الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 4323
تاريخ التسجيل : 03/05/2010
العمر : 66

مفهوم الطبع ---- Empty
مُساهمةموضوع: مفهوم الطبع ----   مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2022-11-04, 9:56 pm

---------1 ---------
-
[size=70]الطبع[/size]
مفهوم الطبع
أولًا: المعنى اللغوي:
أصل مادة ( ط ب ع) تدل على معنيين:
الأول: نهاية ينتهي إليها الشيء حتى يختم عندها.
والثاني: طبع الإنسان وسجيته، أي: ما طبع عليه الإنسان في مأكله ومشربه، وسهولة أخلاقه وحزونتها، وعسرها ويسرها، وشدته ورخاوته، وبخله وسخائه1.
وقيل: إنّ أصل الطبع: الصدأ، والوسخ، والدنس، يكثر على السيف وغيره، ثم استعير فيما يشبه ذلك من الأوزار والآثام وغيرهما من المقابح2.
وقال الراغب: «الطبع: أن تصوّر الشيء بصورة مّا، كطبع السّكّة، وطبع الدّراهم، وهو أعم من الختم وأخص من النقش، ومنه قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ) [المنافقون٣].
وبه اعتبر الطّبع والطبيعة التي هي السجية، فإن ذلك هو نقش النفس بصورة مّا، إمّا من حيث الخلقة، وإمّا من حيث العادة، وهو فيما ينقش به من حيث الخلقة أغلب»3.
وأما مادة (ق ل ب) فتدل على معنيين:
الأول: خالص شيء وشريفه.
الثاني: رد شيء من جهة إلى جهة.
فمن الأول: قلب الإنسان، سمي بذلك؛ لأنه أخلص شيء فيه وأرفعه. وخالص كل شيء وأشرفه قلبه.
ومن الثاني: قَلَبَتُ الثوب قَلْبًا. وقلبت الشيء: كَبَبْتُه، وقَلَّبْتُه بيدي تقليبًا4.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الطبع اصطلاحًا: أََثَرٌ يثبت على الشيء بعد إحكام غلقه وسده، ويكون لازمًا له، لكيلا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء5.
و(الطَّبَعُ) بتحريك الباء: الدنس، وقد حمل بعضهم قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النحل١٠٨]. على ذلك، ومعناه: دنّسه، ومن ذلك أيضًا: طبع الله على قلب الكافر؛ كأنه ختم عليه حتى لا يصل إليه هدى ولا نور، فلا يوفق لخير6.
قال ابن عاشور: «الطبع: إحكام الغلق بجعل طين ونحوه على سد المغلوق بحيث لا ينفذ إليه مستخرج ما فيه إلا بعد إزالة ذلك الشيء المطبوع به، وقد يَسِمُون على ذلك الغلق بِسِمَة تترك رَسْمًا في ذلك المجعول، وتسمى الآلة الواسمة طابَعًا- بفتح الباء-»7.
والطبع: أثر يثبت في المطبوع ويلزمه فهو يفيد من معنى الثبات واللزوم ما لا يفيده الختم؛ ولهذا قيل: طبع الدرهم طبعًا، وهو الأثر الذي يؤثره فلا يزول عنه8.
والقلب اصطلاحًا: هو محل النفس والعقل والعلم والفهم والعزم. وسمي قلبًا لتقلبه في الأشياء بالخواطر والعزوم والاعتقادات والإرادات9.
وعرفه الجرجاني فقال: «هو لطيفة ربانية لها بهذا القلب الجسماني الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر تعلق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان، ويسميها الحكيم: النفس الناطقة، والروح باطنه، والنفس الحيوانية مركبة، وهي المدرك، والعالم من الإنسان، والمخاطب، والمطالب، والمعاتب»10.
والطبع على القلوب: «كناية عن بلوغها مستوى من القسوة وجفاف عواطف الخير، فهي لا تتأثر ببيان، ولا تستجيب لموعظة. فكأنها بيوت مقفلة مطبوع عليها، أو قطعة من المعدن قد علاها الصدأ فغشاها»11.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (من ترك ثلاث جمع تهاونًا بها، طبع الله على قلبه)12، أي: ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه13.
الطبع في الاستعمال القرآني
وردت مادة (طبع) في القرآن (١١) مرة 14.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة
عدد المرات
المثال
الفعل الماضي
٦
(       [المنافقون:٣]
الفعل المضارع
٥
(        [غافر:٣٥]
وجاء الطبع في القرآن بمعنى إحكام الإغلاق مع الختم 15.
الألفاظ ذات الصلة
مفهوم الطبع ---- OTrn4xcmE3sAAAAASUVORK5CYII= الختم:
الختم لغة:
الخاء والتاء والميم أصل واحد، وهو بلوغ آخر الشيء، وكثيرًا ما يفسر الختم بالطبع؛ لأن الطبع على الشيء لا يكون إلا بعد بلوغ آخره16. وقيل: الختم: هو التأثير في الطين ونحوه17.
الختم اصطلاحًا:
قال الكفوي: الختم في الاصطلاح: «قريب من (الكتم) لفظًا لتوافقهما في العين واللام، وكذا معنى؛ لأن الختم على الشيء يستلزم كتم ما فيه»18. والختم: أصله في الحسيات، ومنه ختم الكتاب بالطين لتأمين إيصاله دون فض، واستعمل بتوسع في الختم المعنوي، ومنه الختم على القلوب19.
الصلة بين الختم والطبع:
لم يفرق اللغويون بين الختم والطبع، قال ابن منظور: الختم على القلب: أي: أن لا يفهم شيئًا ولا يخرج منه شيء كأنه طبع. وفي التنزيل العزيز: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة٧]؛ هو كقوله: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النحل١٠٨]. فلا تعقل ولا تعي شيئًا20، وقال الدامغاني: إنّ ختم كطبع21.
وقال الزجاج: معنى ختم في اللغة وطبع معنى واحد، وهو التغطية على الشيء، والاستيثاق من أن لا يدخله شيء 22.
وفرّق العسكري بين الختم والطبع بقوله: «إن الطبع أثر يثبت في المطبوع ويلزمه، فهو يفيد من معنى الثبات واللزوم ما لا يفيده الختم، ولهذا قيل: طبع الدرهم طبعًا، وهو الأثر الذي يؤثره فلا يزول عنه، كذلك أيضًا قيل: طبع الإنسان؛ لأنه ثابت غير زائل. وقيل: طبع فلان على هذا الخلق إذا كان لا يزول عنه»23.
وفرّق ابن القيم بين الختم والطبع فقال: قلت: الختم والطبع يشتركان فيما ذكر، ويفترقان في معنى آخر، وهو أن الطبع ختم يصير سجيّة وطبيعة، فهو تأثير لازم لا يفارق24، وبهذا يشير إلى أن الطبع أشد من الختم.
مفهوم الطبع ---- GAAAABJRU5ErkJggg== الران:
الران لغة:
يقال: «الرّان والرّين» وهما لغتان، ويرجع معناه إلى الغلبة والرسوخ، قال أبو عبيدة: «(ﭽﭾ ﭿ) : غلب على قلبه»25.
وقيل: إنّ أصل الرين: الطبع والتغطية، يقال: ران الذنب على قلبه يرين رينا وريونا: غلب عليه وغطاه26، وإلى ذلك ذهب الزجاج27.
الران اصطلاحًا:
هو الطبع والدنس والصدأ، يغشى القلب ويغطيه من توالي الذنوب وكثرتها، ومنه قوله تعالى: (ﭹﭺ ﭻﭼ ﭽﭾ ﭿ) [المطففين:١٤].
وهو الموضع الوحيد في القرآن الكريم الذي ذكر فيه (الران)، ومعنى الآية: أي صار ذلك كصدأ على جلاء قلوبهم فعمي عليهم معرفة الخير من الشر28. وقال الحسن ومجاهد: «هو الذنب على الذنب، حتى تحيط الذنوب بالقلب، وتغشاه فيموت القلب»29.
الصلة بين الران والطبع:
قال مجاهد: الرين أيسر من الطبع، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشد من ذلك كله30.
وقال ابن الأثير: كانوا يرون أن الطبع هو الرين31. وقال أبو معاذ النحوي: الرين: أن يسود القلب من الذنوب. والطبع: أن يطبع على القلب، وهو أشد من الرين، وهو الختم. قال: والإقفال أشد من الطبع، وهو أن يقفل على القلب32.
وقال الزجاج: «يقال: ران على قلبه الذنب يرن رينا، إذ غشي على قلبه». قال: «والرين، كالصدأ يغشى القلب»33.
قال ابن القيم: «وأما الرين والران: فهو من أغلظ الحجب على القلب وأكثفها»34.
وقيل: إن الختم والطبع والرين ألفاظ تجري على شيء واحد، وهو: تغطية الشيء والحيلولة بينه وبين ما من شأنه أن يدخله ويمسه35. وإلى ذلك ذهب بعض اللغويين، قال ابن منظور: إنّ معنى «ران» في الآية: أي غلب وطبع وختم، وبنحوه قال ابن الأثير36.
مفهوم الطبع ---- OH1eLkppIVILS4Rs42Vw04u335Dcg561UD4olQCLkpZAcIPYacs149QIvr+JGXQlGAtl9HkrwUigLicSQvhaIAnYBa34KiAH3tmr4D8dNLXgpFATXpAT2gByhgtyX4D4YbFNyg4AYFNyi4QcENCm5QcIOCGxTcoOAGBTcouEHBDQpuUHCDgpsff2MeV9vFl5YAAAAASUVORK5CYII= الأكنة:
الأكنة لغة:
من الكنّ: وهو وقاء كل شيء وستره، والجمع أكنانٌ، قال الله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النحل٨١].
والأكنّة جمع (أكنان): مفردها: كنان، وتعني: الأغطية. ومنه قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنعام٢٥]37.
الأكنة على القلوب اصطلاحًا:
هي غطاء محكم على القلب يمنع الفهم ويحجب الهداية، وهي بهذا المعنى تتشابه مع معنى الطبع على القلوب. وقال الزجاج في قوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [فصلت٥]. أي: في غلف، أي: ما تدعونا إليه لا يصل إلى قلوبنا لأنها في أغطية38.
وقال الراغب: في معنى قوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [فصلت٥].أي: في غفلة من هذا. وقيل: معناه: قلوبنا أوعية للعلم. وقيل: معناه: قلوبنا مغطاة39.
الصلة بين الأكنة والطبع:
قال الراغب: إنّ الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل، أو ارتكاب محظور، ولا يكون منه تلفت بوجه إلى الحق، يورثه ذلك هيئة تمرنه على استحسان المعاصي، وكأنما يختم بذلك على قلبه، وعلى ذلك قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [النحل١٠٨].
وعلى هذا النحو استعارة الكنّ في قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنعام٢٥]. فجعل معنى الأكنة يقوم مقام الختم والطبع40.
مفهوم الطبع ---- YccLqE+W1JsAAAAASUVORK5CYII= الغلف:
الغلف لغة:
قال ابن فارس: إن مفردة غلف تدل على غشاوة وغشيان شيء لشيء، وقلب أغلف: كأنما أغشي غلافًا، فهو لا يعي شيئًا. قال الله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ) [النساء١٥٥].
وقرأت: (غلف)، أي: أوعية للعلم. والقياس في ذلك كله واحد41. وقيل في معنى: «غلف، أي: صم42. وقيل أيضًا في تفسيرها: أي: في غطاء محجوبة عما تقول»43.
الغلف اصطلاحًا:
لا يختلف عن المعنى اللغوي، من حيث إنه غشاء وغطاء يحجب القلب عن الإيمان. وتتفق دلالة الغلف مع دلالة الأكنة ويتشاركان المعاني نفسها، إلا إن بينهما فرقًا دقيقًا، وهو أن معنى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنعام٢٥]. أي: مجموعة أغطية وأستار، واحدًا تلو الآخر حتى يحجب عنها الفهم والهداية والإيمان؛ بدلالة صيغة الجمع، وأما (غلف) وورودها بالصيغة نفسها، فتعني: أن هذه القلوب غطيت وأغشيت بأغلفة، وكأن القلب صار غلاف لنفسه، ولذا نجد الجملة مع الغلف استغنت عن حرف الجر، بعكس الأكنة حيث عديت بحرف الجر.
الصلة بين الغلف والطبع:
وجه التشابه في المعنى في قوله: (ﭜ ﭝ) مع قوله: (ﭖ ﭗ ﭘ)، فهما يشتركان في المعنى من حيث عدم الانتفاع بالآيات والنذر؛ لإحاطة هذه القلوب بأغلفة وأغطية تمنع من وصول الإيمان، فقلوبهم لا تفقه علمًا، ولا تعي حقًّا، ويتفارقان من حيث الشدة، فالطبع أشد أثرًا في القلب من الأكنة والغلف.
ومن دلائل تقارب المعاني بين الغلف والطبع اقترانهما في سياق واحد كما في قوله تعالى في وصف قلوب الكفار: (ﭛ ﭜ ﭝ) [النساء١٥٥].
فذكر المفسرون فيه وجهين: أحدهما: أن (غلفًا) جمع غلاف، والمعنى على هذا أنهم قالوا: (ﭜ ﭝ)، أي: أوعية للعلم، فلا حاجة بنا إلى علم سوى ما عندنا، فكذبوا الأنبياء بهذا القول. والثاني: أن (غلفًا) جمع أغلف وهو المتغطي بالغلاف، أي: بالغطاء، والمعنى على هذا أنهم قالوا: قلوبنا في أغطية، فهي لا تفقه ما تقولون44، فكان الجواب من الله تعالى بقوله: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [النساء١٥٥]. فجاء بلفظ الطبع كنتيجة وعقاب وخاتمة، فهي ليست مغلفة بطبعها. إنما كفرهم جَرَّ عليهم أن يطبع الله على قلوبهم، فإذا هي صلدة جامدة مغطاة، لا تستشعر نداوة الإيمان ولا تتذوق حلاوته، فلا يقع منهم الإيمان، إلا قليلًا، ممن لم يستحق بفعله، أن يطبع الله على قلبه45.
مفهوم الطبع ---- X6COOeoIb2AAAAAElFTkSuQmCC الأقفال:
الأقفال لغة:
جمع قفل، قال ابن فارس: القاف والفاء واللام أصل صحيح يدل على صلابة وشدة في شيء، ومنه القفل: سمي بذلك؛ لأن فيه شدًّا وشدة. يقال: أقفلت الباب فهو مقفل46، ثم عبّر عن كلّ مانع للإنسان من تعاطي فعل، فيقال: فلان مقفلٌ عن كذا. وقيل للبخيل: مقفل اليدين، كما يقال: مغلول اليدين47.
الأقفال اصطلاحًا:
لفظ يستعار لمنع وصول الحق والإيمان إلى قلوب الكفرة والمنافقين المخبر عنهم بالختم. قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [محمد٢٤].
والمقتفل من الناس: الذي لا يخرج من بين يديه خيرًا48.
الصلة بين الأقفال والطبع:
الأقفال أشد أنواع الطبع على القلوب، قال مجاهد لما ذكر الرين والطبع قال: والإقفال أشد ذلك كله49. والأقفال: تحول بين القلوب وبين القرآن وبينها وبين النور، فإن استغلاق قلوبهم كاستغلاق الأقفال التي لا تسمح بالهواء والنور50. ويستلزم لإزالة هذه الأقفال تدبر القرآن الكريم فهو يزيل الغشاوة ويفتح النوافذ لدخول الإيمان، قال تعالى (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [محمد٢٤].
وفي مقام الألفاظ ذات الصلة بالطبع على القلوب يقول الشيخ عبد الرحمن حبنكة واصفًا الطبع والختم والران والأكنة والغلف والأقفال: «إنّ من فطرة الإنسان إذا هو عاند وأصر على الباطل بعد معرفة الحق المبين، وأعلن تكذيبه وكفره بالحق، أن يصاب قلبه بالصمم، وأن يتبلد حسه تجاه الحق والخير، فإذا ألقي عليه الهدى أعرض عنه، ولم يستمع إليه، ولم يدرك جوانب الحق فيه، ولم يتحرك وجدانه وضميره بعاطفة إيجابية نحو الخير، ويكون كالصخر الأصم الذي لا يقبل ندى معرفة، ولا يندى بعاطفة، فإذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى من القسوة وجفاف عواطف الخير، فإنه يكون مغلف القلب، مسدود المنافذ، محجوبًا بحجاب غليظ، حتى يكون بمثابة البيت الذي أغلق بابه، وضرب عليه بالأقفال، ثم ختمت الأقفال بطابع الطين أو الشمع، إشعارًا بوصولها إلى غاية إقفالها أو بمثابة المعدن الذي يعلوه الصدأ حتى يغشيه تغشية تامة، ويحجبه حجبًا كاملًا، وهذا هو الران الذي يغشّي قلوب الكافرين المكذبين»51.
----- يتبع في التعليق ادناه فتابع 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد بن يوسف الزيادي




الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 4323
تاريخ التسجيل : 03/05/2010
العمر : 66

مفهوم الطبع ---- Empty
مُساهمةموضوع: رد: مفهوم الطبع ----   مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2022-11-04, 9:58 pm

[size=70]الطبع[/size]
مفهوم الطبع
أولًا: المعنى اللغوي:
أصل مادة ( ط ب ع) تدل على معنيين:
الأول: نهاية ينتهي إليها الشيء حتى يختم عندها.
والثاني: طبع الإنسان وسجيته، أي: ما طبع عليه الإنسان في مأكله ومشربه، وسهولة أخلاقه وحزونتها، وعسرها ويسرها، وشدته ورخاوته، وبخله وسخائه1.
وقيل: إنّ أصل الطبع: الصدأ، والوسخ، والدنس، يكثر على السيف وغيره، ثم استعير فيما يشبه ذلك من الأوزار والآثام وغيرهما من المقابح2.
وقال الراغب: «الطبع: أن تصوّر الشيء بصورة مّا، كطبع السّكّة، وطبع الدّراهم، وهو أعم من الختم وأخص من النقش، ومنه قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ) [المنافقون٣].
وبه اعتبر الطّبع والطبيعة التي هي السجية، فإن ذلك هو نقش النفس بصورة مّا، إمّا من حيث الخلقة، وإمّا من حيث العادة، وهو فيما ينقش به من حيث الخلقة أغلب»3.
وأما مادة (ق ل ب) فتدل على معنيين:
الأول: خالص شيء وشريفه.
الثاني: رد شيء من جهة إلى جهة.
فمن الأول: قلب الإنسان، سمي بذلك؛ لأنه أخلص شيء فيه وأرفعه. وخالص كل شيء وأشرفه قلبه.
ومن الثاني: قَلَبَتُ الثوب قَلْبًا. وقلبت الشيء: كَبَبْتُه، وقَلَّبْتُه بيدي تقليبًا4.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الطبع اصطلاحًا: أََثَرٌ يثبت على الشيء بعد إحكام غلقه وسده، ويكون لازمًا له، لكيلا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء5.
و(الطَّبَعُ) بتحريك الباء: الدنس، وقد حمل بعضهم قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النحل١٠٨]. على ذلك، ومعناه: دنّسه، ومن ذلك أيضًا: طبع الله على قلب الكافر؛ كأنه ختم عليه حتى لا يصل إليه هدى ولا نور، فلا يوفق لخير6.
قال ابن عاشور: «الطبع: إحكام الغلق بجعل طين ونحوه على سد المغلوق بحيث لا ينفذ إليه مستخرج ما فيه إلا بعد إزالة ذلك الشيء المطبوع به، وقد يَسِمُون على ذلك الغلق بِسِمَة تترك رَسْمًا في ذلك المجعول، وتسمى الآلة الواسمة طابَعًا- بفتح الباء-»7.
والطبع: أثر يثبت في المطبوع ويلزمه فهو يفيد من معنى الثبات واللزوم ما لا يفيده الختم؛ ولهذا قيل: طبع الدرهم طبعًا، وهو الأثر الذي يؤثره فلا يزول عنه8.
والقلب اصطلاحًا: هو محل النفس والعقل والعلم والفهم والعزم. وسمي قلبًا لتقلبه في الأشياء بالخواطر والعزوم والاعتقادات والإرادات9.
وعرفه الجرجاني فقال: «هو لطيفة ربانية لها بهذا القلب الجسماني الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر تعلق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان، ويسميها الحكيم: النفس الناطقة، والروح باطنه، والنفس الحيوانية مركبة، وهي المدرك، والعالم من الإنسان، والمخاطب، والمطالب، والمعاتب»10.
والطبع على القلوب: «كناية عن بلوغها مستوى من القسوة وجفاف عواطف الخير، فهي لا تتأثر ببيان، ولا تستجيب لموعظة. فكأنها بيوت مقفلة مطبوع عليها، أو قطعة من المعدن قد علاها الصدأ فغشاها»11.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (من ترك ثلاث جمع تهاونًا بها، طبع الله على قلبه)12، أي: ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه13.
الطبع في الاستعمال القرآني
وردت مادة (طبع) في القرآن (١١) مرة 14.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة
عدد المرات
المثال
الفعل الماضي
٦
(       [المنافقون:٣]
الفعل المضارع
٥
(        [غافر:٣٥]
وجاء الطبع في القرآن بمعنى إحكام الإغلاق مع الختم 15.
الألفاظ ذات الصلة
مفهوم الطبع ---- OTrn4xcmE3sAAAAASUVORK5CYII= الختم:
الختم لغة:
الخاء والتاء والميم أصل واحد، وهو بلوغ آخر الشيء، وكثيرًا ما يفسر الختم بالطبع؛ لأن الطبع على الشيء لا يكون إلا بعد بلوغ آخره16. وقيل: الختم: هو التأثير في الطين ونحوه17.
الختم اصطلاحًا:
قال الكفوي: الختم في الاصطلاح: «قريب من (الكتم) لفظًا لتوافقهما في العين واللام، وكذا معنى؛ لأن الختم على الشيء يستلزم كتم ما فيه»18. والختم: أصله في الحسيات، ومنه ختم الكتاب بالطين لتأمين إيصاله دون فض، واستعمل بتوسع في الختم المعنوي، ومنه الختم على القلوب19.
الصلة بين الختم والطبع:
لم يفرق اللغويون بين الختم والطبع، قال ابن منظور: الختم على القلب: أي: أن لا يفهم شيئًا ولا يخرج منه شيء كأنه طبع. وفي التنزيل العزيز: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة٧]؛ هو كقوله: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النحل١٠٨]. فلا تعقل ولا تعي شيئًا20، وقال الدامغاني: إنّ ختم كطبع21.
وقال الزجاج: معنى ختم في اللغة وطبع معنى واحد، وهو التغطية على الشيء، والاستيثاق من أن لا يدخله شيء 22.
وفرّق العسكري بين الختم والطبع بقوله: «إن الطبع أثر يثبت في المطبوع ويلزمه، فهو يفيد من معنى الثبات واللزوم ما لا يفيده الختم، ولهذا قيل: طبع الدرهم طبعًا، وهو الأثر الذي يؤثره فلا يزول عنه، كذلك أيضًا قيل: طبع الإنسان؛ لأنه ثابت غير زائل. وقيل: طبع فلان على هذا الخلق إذا كان لا يزول عنه»23.
وفرّق ابن القيم بين الختم والطبع فقال: قلت: الختم والطبع يشتركان فيما ذكر، ويفترقان في معنى آخر، وهو أن الطبع ختم يصير سجيّة وطبيعة، فهو تأثير لازم لا يفارق24، وبهذا يشير إلى أن الطبع أشد من الختم.
مفهوم الطبع ---- GAAAABJRU5ErkJggg== الران:
الران لغة:
يقال: «الرّان والرّين» وهما لغتان، ويرجع معناه إلى الغلبة والرسوخ، قال أبو عبيدة: «(ﭽﭾ ﭿ) : غلب على قلبه»25.
وقيل: إنّ أصل الرين: الطبع والتغطية، يقال: ران الذنب على قلبه يرين رينا وريونا: غلب عليه وغطاه26، وإلى ذلك ذهب الزجاج27.
الران اصطلاحًا:
هو الطبع والدنس والصدأ، يغشى القلب ويغطيه من توالي الذنوب وكثرتها، ومنه قوله تعالى: (ﭹﭺ ﭻﭼ ﭽﭾ ﭿ) [المطففين:١٤].
وهو الموضع الوحيد في القرآن الكريم الذي ذكر فيه (الران)، ومعنى الآية: أي صار ذلك كصدأ على جلاء قلوبهم فعمي عليهم معرفة الخير من الشر28. وقال الحسن ومجاهد: «هو الذنب على الذنب، حتى تحيط الذنوب بالقلب، وتغشاه فيموت القلب»29.
الصلة بين الران والطبع:
قال مجاهد: الرين أيسر من الطبع، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشد من ذلك كله30.
وقال ابن الأثير: كانوا يرون أن الطبع هو الرين31. وقال أبو معاذ النحوي: الرين: أن يسود القلب من الذنوب. والطبع: أن يطبع على القلب، وهو أشد من الرين، وهو الختم. قال: والإقفال أشد من الطبع، وهو أن يقفل على القلب32.
وقال الزجاج: «يقال: ران على قلبه الذنب يرن رينا، إذ غشي على قلبه». قال: «والرين، كالصدأ يغشى القلب»33.
قال ابن القيم: «وأما الرين والران: فهو من أغلظ الحجب على القلب وأكثفها»34.
وقيل: إن الختم والطبع والرين ألفاظ تجري على شيء واحد، وهو: تغطية الشيء والحيلولة بينه وبين ما من شأنه أن يدخله ويمسه35. وإلى ذلك ذهب بعض اللغويين، قال ابن منظور: إنّ معنى «ران» في الآية: أي غلب وطبع وختم، وبنحوه قال ابن الأثير36.
مفهوم الطبع ---- OH1eLkppIVILS4Rs42Vw04u335Dcg561UD4olQCLkpZAcIPYacs149QIvr+JGXQlGAtl9HkrwUigLicSQvhaIAnYBa34KiAH3tmr4D8dNLXgpFATXpAT2gByhgtyX4D4YbFNyg4AYFNyi4QcENCm5QcIOCGxTcoOAGBTcouEHBDQpuUHCDgpsff2MeV9vFl5YAAAAASUVORK5CYII= الأكنة:
الأكنة لغة:
من الكنّ: وهو وقاء كل شيء وستره، والجمع أكنانٌ، قال الله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النحل٨١].
والأكنّة جمع (أكنان): مفردها: كنان، وتعني: الأغطية. ومنه قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنعام٢٥]37.
الأكنة على القلوب اصطلاحًا:
هي غطاء محكم على القلب يمنع الفهم ويحجب الهداية، وهي بهذا المعنى تتشابه مع معنى الطبع على القلوب. وقال الزجاج في قوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [فصلت٥]. أي: في غلف، أي: ما تدعونا إليه لا يصل إلى قلوبنا لأنها في أغطية38.
وقال الراغب: في معنى قوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [فصلت٥].أي: في غفلة من هذا. وقيل: معناه: قلوبنا أوعية للعلم. وقيل: معناه: قلوبنا مغطاة39.
الصلة بين الأكنة والطبع:
قال الراغب: إنّ الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل، أو ارتكاب محظور، ولا يكون منه تلفت بوجه إلى الحق، يورثه ذلك هيئة تمرنه على استحسان المعاصي، وكأنما يختم بذلك على قلبه، وعلى ذلك قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [النحل١٠٨].
وعلى هذا النحو استعارة الكنّ في قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنعام٢٥]. فجعل معنى الأكنة يقوم مقام الختم والطبع40.
مفهوم الطبع ---- YccLqE+W1JsAAAAASUVORK5CYII= الغلف:
الغلف لغة:
قال ابن فارس: إن مفردة غلف تدل على غشاوة وغشيان شيء لشيء، وقلب أغلف: كأنما أغشي غلافًا، فهو لا يعي شيئًا. قال الله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ) [النساء١٥٥].
وقرأت: (غلف)، أي: أوعية للعلم. والقياس في ذلك كله واحد41. وقيل في معنى: «غلف، أي: صم42. وقيل أيضًا في تفسيرها: أي: في غطاء محجوبة عما تقول»43.
الغلف اصطلاحًا:
لا يختلف عن المعنى اللغوي، من حيث إنه غشاء وغطاء يحجب القلب عن الإيمان. وتتفق دلالة الغلف مع دلالة الأكنة ويتشاركان المعاني نفسها، إلا إن بينهما فرقًا دقيقًا، وهو أن معنى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنعام٢٥]. أي: مجموعة أغطية وأستار، واحدًا تلو الآخر حتى يحجب عنها الفهم والهداية والإيمان؛ بدلالة صيغة الجمع، وأما (غلف) وورودها بالصيغة نفسها، فتعني: أن هذه القلوب غطيت وأغشيت بأغلفة، وكأن القلب صار غلاف لنفسه، ولذا نجد الجملة مع الغلف استغنت عن حرف الجر، بعكس الأكنة حيث عديت بحرف الجر.
الصلة بين الغلف والطبع:
وجه التشابه في المعنى في قوله: (ﭜ ﭝ) مع قوله: (ﭖ ﭗ ﭘ)، فهما يشتركان في المعنى من حيث عدم الانتفاع بالآيات والنذر؛ لإحاطة هذه القلوب بأغلفة وأغطية تمنع من وصول الإيمان، فقلوبهم لا تفقه علمًا، ولا تعي حقًّا، ويتفارقان من حيث الشدة، فالطبع أشد أثرًا في القلب من الأكنة والغلف.
ومن دلائل تقارب المعاني بين الغلف والطبع اقترانهما في سياق واحد كما في قوله تعالى في وصف قلوب الكفار: (ﭛ ﭜ ﭝ) [النساء١٥٥].
فذكر المفسرون فيه وجهين: أحدهما: أن (غلفًا) جمع غلاف، والمعنى على هذا أنهم قالوا: (ﭜ ﭝ)، أي: أوعية للعلم، فلا حاجة بنا إلى علم سوى ما عندنا، فكذبوا الأنبياء بهذا القول. والثاني: أن (غلفًا) جمع أغلف وهو المتغطي بالغلاف، أي: بالغطاء، والمعنى على هذا أنهم قالوا: قلوبنا في أغطية، فهي لا تفقه ما تقولون44، فكان الجواب من الله تعالى بقوله: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [النساء١٥٥]. فجاء بلفظ الطبع كنتيجة وعقاب وخاتمة، فهي ليست مغلفة بطبعها. إنما كفرهم جَرَّ عليهم أن يطبع الله على قلوبهم، فإذا هي صلدة جامدة مغطاة، لا تستشعر نداوة الإيمان ولا تتذوق حلاوته، فلا يقع منهم الإيمان، إلا قليلًا، ممن لم يستحق بفعله، أن يطبع الله على قلبه45.
مفهوم الطبع ---- X6COOeoIb2AAAAAElFTkSuQmCC الأقفال:
الأقفال لغة:
جمع قفل، قال ابن فارس: القاف والفاء واللام أصل صحيح يدل على صلابة وشدة في شيء، ومنه القفل: سمي بذلك؛ لأن فيه شدًّا وشدة. يقال: أقفلت الباب فهو مقفل46، ثم عبّر عن كلّ مانع للإنسان من تعاطي فعل، فيقال: فلان مقفلٌ عن كذا. وقيل للبخيل: مقفل اليدين، كما يقال: مغلول اليدين47.
الأقفال اصطلاحًا:
لفظ يستعار لمنع وصول الحق والإيمان إلى قلوب الكفرة والمنافقين المخبر عنهم بالختم. قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [محمد٢٤].
والمقتفل من الناس: الذي لا يخرج من بين يديه خيرًا48.
الصلة بين الأقفال والطبع:
الأقفال أشد أنواع الطبع على القلوب، قال مجاهد لما ذكر الرين والطبع قال: والإقفال أشد ذلك كله49. والأقفال: تحول بين القلوب وبين القرآن وبينها وبين النور، فإن استغلاق قلوبهم كاستغلاق الأقفال التي لا تسمح بالهواء والنور50. ويستلزم لإزالة هذه الأقفال تدبر القرآن الكريم فهو يزيل الغشاوة ويفتح النوافذ لدخول الإيمان، قال تعالى (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [محمد٢٤].
وفي مقام الألفاظ ذات الصلة بالطبع على القلوب يقول الشيخ عبد الرحمن حبنكة واصفًا الطبع والختم والران والأكنة والغلف والأقفال: «إنّ من فطرة الإنسان إذا هو عاند وأصر على الباطل بعد معرفة الحق المبين، وأعلن تكذيبه وكفره بالحق، أن يصاب قلبه بالصمم، وأن يتبلد حسه تجاه الحق والخير، فإذا ألقي عليه الهدى أعرض عنه، ولم يستمع إليه، ولم يدرك جوانب الحق فيه، ولم يتحرك وجدانه وضميره بعاطفة إيجابية نحو الخير، ويكون كالصخر الأصم الذي لا يقبل ندى معرفة، ولا يندى بعاطفة، فإذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى من القسوة وجفاف عواطف الخير، فإنه يكون مغلف القلب، مسدود المنافذ، محجوبًا بحجاب غليظ، حتى يكون بمثابة البيت الذي أغلق بابه، وضرب عليه بالأقفال، ثم ختمت الأقفال بطابع الطين أو الشمع، إشعارًا بوصولها إلى غاية إقفالها أو بمثابة المعدن الذي يعلوه الصدأ حتى يغشيه تغشية تامة، ويحجبه حجبًا كاملًا، وهذا هو الران الذي يغشّي قلوب الكافرين المكذبين»51.
======
يتبع في التعليقات فتابع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد بن يوسف الزيادي




الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 4323
تاريخ التسجيل : 03/05/2010
العمر : 66

مفهوم الطبع ---- Empty
مُساهمةموضوع: رد: مفهوم الطبع ----   مفهوم الطبع ---- I_icon_minitime2022-11-04, 10:03 pm

نتائج الطبع على القلوب
للطبع على القلوب نتائج وخيمة ذكرها الله تعالى في كتابه، وهذه العقوبة إنما هي نتيجة لأعمال الإنسان بعد إنذاره وتحذيره، ومعلوم أن قلب الإنسان ينال من الطبع على قلبه بقدر تلوثه بالذنوب والمعاصي، وعلى هذا الأساس فإن الموانع والحجب التي تضرب على القلب تعطل حواس الإنسان كالسمع والبصر، فتمنعه من الإدراك؛ لأن الطبع على القلوب يقترن به الطبع على الاسماع والأبصار؛ لأنها أهم منافذ القلوب، وكأن الله تعالى بهذا الطبع سد عنهم طرق هذه الحواس، فغدوا لا ينتفعون بها (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الحج٤٦].
وكذلك ينتج عن طبع القلوب البقاء على الكفر وعدم الإيمان بالله تعالى، ومن نتائجه أيضًا الجهل وعدم الفهم والعلم، واتباع الهوى والشهوات والإصرار على المنكرات.
أولًا: تعطيل وسائل المعرفة:
إن من أفظع النتائج السلبية والوخيمة التي تحصل بعد الطبع على القلوب هو تعطيل وسائل المعرفة والإدراك من السمع والبصر وغير ذلك، والقرآن الكريم حينما يتحدث عن القلب يصفه بأنه المنظم لكل السلوك البشري والمتحكم بكل تصرفات الإنسان، بل هو المتحكم بكل وسائل الإدراك الأخرى.
فالإبصار لا يتم إلا عن طريقه، والسمع لا يكون إلا بعد إذنه، والتعقل والتفقه لا يكتمل إلا بكون القلب حاضرًا.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأعراف١٧٩].
والمعنى أن لهؤلاء الذين ذرأهم الله لجهنم - والعياذ بالله- من خلقه لهم قلوب لا يتفكرّون بها في آيات الله ولا يتدبرون بها أدلته الوحدانية، ووصفهم بأنهم (ﭛ ﭜ ﭝ) لإعراضهم عن الحق، وتركهم التدبر، فهم لهم (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) أي: لهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته فيتأملونها ويتفكروا فيها، فيعملوا بها صحة ما تدعوهم إليه رسلهم، وفساد ما هم عليه مقيمون من الشرك بالله (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) آيات الله، فيعتبروا فيها، ولكنهم يعرضون عنها187.
فالآية القرآنية الكريمة تشير إلى أن وسائل المعرفة من السمع والبصر وغير ذلك قد تعطلّت؛ لأنهم انشغلوا بما استحوذ عليهم من شهواتهم، فصارت عقولهم لا تفكّر في شيء غيره، وتخطط للحصول على الشهوة، وكذلك العيون لا ترى، إلا ما يستهويها، وكذلك الآذان، وكل منهم يرى، غير مراد الرؤية ويسمع غير مراد السمع.
والفرق بين فقه القلوب ورؤية العين وسماع الآذان، أن فقه القلب هو فهم القضايا التي تنتهي إليها الإدراكات، إذ إن لكل وسيلة إدراكًا، وهي من المحسات، وبعد أن تتكون المحسات يمتلك الإنسان خميرة علمية في قلبه وتنضج لتصير قضية عقلية منتهية ومسلمًا بها، فكل الحواس إذن تربي المعاني عند الإنسان، وحين تربي المعاني في النفس الإنسانية تتكون القضايا التي تستقر في القلب188، لذلك يمتن الحق سبحانه وتعالى على خلقه بأنه علمهم فقال: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ) [النحل٧٨].
قال ابن كثير بعد أن ذكر منّة الله تعالى على عباده بإيجادهم: ثم بعد هذا يرزقهم تعالى السمع الذي به يدركون الأصوات، والأبصار التي بها يحسون المرئيات، والأفئدة وهي العقول التي مركزها القلب على الصحيح189.
فالقلوب توصل إلى عملية التفقه والتعقل، والأعين عن طريقها تصل إلى الإبصار، والأذن أول خطوة للوصول إلى عملية السمع، ولهذا نجد أن الخالق سبحانه وتعالى نفى عن الكفار السمع والبصر والعقل، لعدم انتفاعهم بها كما قال سبحانه: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ).
فهم يسمعون ويبصرون بالحواس الظاهرة، وبها قامت عليهم الحجة، ولا يسمعون ولا يبصرون بالحواس الباطنة، التي هي سماع القلب، التي هي روح حاسة السمع، والتي هي حظ القلب، ولو سمعوه من هذه الجهة لحصلت لهم الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة190.
قال شيخ الإسلام: «والقلب الحي المنّور، فإنه لما فيه من النور يسمع ويبصر ويعقل، والقلب الميت فإنه لا يسمع ولا يبصر»191.
ومن المعلوم أن الإدراك قواه ثلاثة هي: السمع والبصر والفؤاد، وكلها من شأن النفس المدركة بالقلب. لذا قال الإمام الغزالي: (اعلم أن محل العلم هو القلب)192.
ورأى كذا لما يعلم بالقلب ولا يرى بالعين، ولكنهم خصوه بما يراه القلب بعد فكر وتأمل، وطلب لمعرفة وجه الصواب مما تتعارض فيه الأدلة193. فالتعقل والسمع في الحقيقة من شأن القلب الذي هو النفس المدركة.
يقول شيخ الإسلام: «فصاحب العلم في حقيقة الأمر هو القلب، وإنما سائر الأعضاء حجبته له ترسل إليه الأخبار ما لم يكن ليأخذه بنفسه، فمدار الأمر على القلب»194. وتأثر القلب بما يراه ويسمعه أعظم من تأثره بما يلمسه ويذوقه ويشمه؛ لأن هذه الثلاثة هي أهم طرق العلم وهي السمع والبصر والعقل195، يقول ابن القيم: «فإن القلب إذا فسد فسد السمع والبصر، بل أصل فسادهما من فساده»196.
نستنتج من ذلك أن فهم المسموع أو المرئي إنما يكون بالقلب، والخطاب الإلهي موجه لفهمه، ومعجزاته المخلوقة جعلت مبصرة، ليفهم وجه الاستدلال منها، لذا كان كل إثبات أو مدح للسمع أو البصر إنما هو لإدراك الغاية من المسموع والمبصر، وإلا صارت هذه القوى لا تتجاوز درجة الإحساس والشعور، وهذا نصيب البهائم، فهي ذات سمع وبصر وقلب لكن لم تمنح الفؤاد، وهو من القلب.
فتأمل تشبيه الخالق سبحانه وتعالى للكفار بالأنعام بأن لكل واحد منهم قلبًا وأذنًا وعينًا، غير أنها معطّلة عن الفقه والسمع والبصر، فقلب البهيمة ينقصه فؤاد، وقلب الكافر يلزمه إعماله ليكتمل، فهؤلاء الكفار أبدانهم حية تسمع الأصوات وترى الأشخاص، ولكن حياة البدن بدون حياة القلب من جنس حياة البهائم197. فالسمع والبصر والفؤاد محتوى ضمن كل هو القلب.
فالقلب هو المدخل الوحيد إلى مراكز الإدراك في العقل البشري؛ لأن القلب له أكثر من مهمة يقوم بها، فبالإضافة إلى مهمته كعضو إحساس تابع لمركزه في الدماغ، فإنه أيضًا متحكم في كل وسائل الإدراك الأخرى، فالإبصار لا يتم إلا عن طريقه، والسمع لا يكون إلا بعد إذنه، والتفقه والتعقل لا يكتمل إلا بكون القلب حاضرًا، لذلك يقول الحق سبحانه واصفًا أهمية القلب في كل عمليات الإدراك: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأعراف١٠٠].
قال الطبري في تفسير قوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ) أي: «لا يسمعون موعظة ولا تذكيرًا، سماع منتفع بها»198.
فالطبع على القلوب لا يستعمل إلا في الشر، والمراد أن هذه القلوب وصلت من الفساد إلى حالة لا تقبل معها خيرًا، كالهدى والإيمان والعلم النافع الذي هو فقه الأمور ولبابها، وإنما يحصل الطبع بالإصرار على الشرور والمعاصي199.
يقول الشعراوي: وجعل الطبع على القلوب نتيجة للاختيار؛ لأن القلوب وعاء اليقين الإيماني، فحين يملأ إنسان وعاء اليقين بالكفر، فهذا يعني: أنه عشق الكفر وجعله عقيدة عنده200.
وكذلك قوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الحج٤٦].
هذه الآية من سورة الحج تشير بصورة واضحة وجلية إلى حقيقة مفادها أن القلب يمثل المدخل إلى العقول بكل معانيه وخاصة مراكز الإدراك (السمع والأبصار والأفئدة) فالقلب هو المدخل الوحيد إلى مراكز الإدراك في العقل البشري.
يقول ابن عطية في تفسيره لهذه الآية: «وهذه الآية تقتضي أن العقل في القلب، وذلك هو الحق، ولا ينكر أن للدماغ اتصالًا بالقلب يوجب فساد العقل متى اختلّ الدماغ»201. وفي قوله: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) لفظ مبالغة كأنه قال: ليس العمى عمى العين، وإنما العمى حق العمى عمى القلب202. وبيّن القاسمي أنّ المعنى ليس الخلل في مشاعرهم، وإنما هو في عقولهم بإتباع الهوى والانهماك في الغفلة203.
والله تعالى جعل العمى للعين عدم إدراك المرئيات واستقبال الصور، والجهل عمى القلب، أي فقدان لبصيرته، (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) أي: الإدراك التام إنما يكون بالقلب، وتعطله بعمى القلب، والعمى لا يطلق إلا على البصر، فكانت الأبصار في (أولي الأبصار) فهي إحدى قوى القلب لرؤية الحق وفهم الحجة، فالعمى هنا أصاب بصيرة القلب.
ثم لما كان التعقل والسمع في الحقيقة من شأن القلب، أي: النفس المدركة، وهو الذي يبعث الإنسان إلى متابعة ما يعقله أو يسمعه من ناصحه، عدّ الله تعالى إدراك القلب رؤية له ومشاهدة، ومن لا يعقل ولا يسمع أعمى القلب204، كأنه قال تعالى: لا عمى في أبصارهم فإنهم يرون بها، لكنّ العمى في قلوبهم205، فأبصارهم وإن كانت سالمة لا عمى بها، ولكن العمى الحقيقي هو عمى القلوب، فعمى الأبصار ليس بشيء إذ قيس بعمى القلوب والبصائر206.
فالقلب هو العاقل والمدبر والمتفقه والعالم والسامع والمبصر، فهو الذي يدرك ما يتلقى من الحواس، وتعطّله تعطل للحواس، فالأذن تنقل المسموعات له، وخاصية السمع، بمعنى: إدراك المسموع وفهمه هي بالقلب، والعين تنقل المرئيات للقلب، وخاصية التبصر، بمعنى: إدراك المرئي وفهمه هي بالقلب، فمهمة القلب التعقل والتدبر والتفكر والسمع، والبصيرة والنظر والتأمل والفهم، بل هو النفس المدركة.
فمن الحقائق المطلقة التي ذكرها القرآن الكريم وأكدها في كثير من آياته أن القلب هو مركز العاطفة، والتفكر، والتعقل، والذاكرة، والقرآن الكريم دقيق في كلماته فقال: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الحج٤٦].
فالذي يفهم ويعقل هو القلب وليس الدماغ، وكذلك قوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الأعراف١٧٩].
فهو يخاطب فينا مركز الإدراك والفهم وهو القلب، وليس الدماغ؛ لأن القلب هو مركز الإيمان والعقيدة، والفهم والإدراك، فالقلب هو مناط المسؤولية، والذي يحرم نعمة الفهم والإدراك هو الذي يطبع الله على قلبه207.
لذلك يمكن القول: إن الطبع على القلوب يقترن به الطبع على الأسماع والأبصار؛ لأنها أهم منافذ القلوب إلى مواد المعارف التي تأتي من خارج كيان الإنسان208.
ولذلك قال الله تعالى في شأن من شرح بالكفر صدرًا في سورة النحل: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [النحل١٠٨ - ١٠٩].
فالخالق عز وجل صرف عنهم طريق الهدى وكأنه بهذا الطبع سدّ عنهم طرق هذه الحواس، حتى لا ينتفعوا بها في اعتبار وتأمل209. فهو أغلقها عن قبول الحق، ذلك لأن القلب هو الوعاء الذي تصبّ فيه الحواس التي هي وسائل الإدراكات المعلومية، وأهمها السمع والبصر، فبالسمع تسمع الوحي والتبليغ من الله، وبالبصر ترى دلائل قدرة الله في كونه وعجيب صنعه مما يلفتك إلى قدرة الله، ويدعوك للإيمان به سبحانه، فإذا ما انحرفت هذه الحواس عمّا أراده الله منها، وبدل أن تمد القلب بدلائل الإيمان تعطّلت وظيفتها210.
ثانيًا: عدم الإيمان:
ومن نتائج الطبع على القلوب هو عدم الإيمان بالله تعالى والبقاء على الكفر، فالختم، والطبع، والغشاوة، والقفل، هي عقوبات للكفار والمنافقين في الدنيا، وقعت عليهم بسبب سوء أعمالهم وعدم قبولهم الحق، وهذه العقوبات لم يفعلها الله تعالى بعبده من أول وهلة حين أمره بالإيمان، ودعاه إليه، وإنما عاقبه الله بها بعد تكرار الدعوة منه للكفار، وتكرار الإعراض منهم، والمبالغة في الكفر والعناد، فحينئذ يطبع الله على قلوبهم ويختم عليها، فلا تقبل الهدى بعد ذلك.
يقول محمد التويجري: «والإعراض والكفر الأول لم يكن مع ختم وطبع، بل كان منهم اختيارًا، فلما تكرر منهم صار طبيعة وسجية»211.
قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الأعراف١٠١].
فأوضح الله تعالى في هذا النص القرآني أن من سنن كونه الطبع على قلوب الكافرين، فهو نتيجة تحصل بسبب ما يكسب الكافرون بكفرهم وجحودهم من ذنوب، وبسبب طول الأمل عليهم وهم مكذبون212.
قال الطبري: هذه القرى التي ذكرت لك يا محمد أمرها وأمر أهلها يعني: قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب نقص عليك من أنبائها، فنخبرك عنها وعن أخبار أهلها، وما كان من أمرهم وأمر رسل الله التي أرسلت اليهم، لتعلم أنّا ننصر رسلنا والذين أمنوا في الحياة الدنيا على أعدائنا وأهل الكفر بنا، ويعلم مكذبوك من قومك ما عاقبة أمر من كذّب رسل الله، فيرتدعوا عن تكذيبك، كما طبع الله على قلوب هؤلاء الذين كفروا بربهم وعصوا رسله من هذه الامم التي قصصنا عليك نبأهم يا محمد، في هذه السورة، حتى جاءهم بأس الله فهلكوا به، كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين، الذين كتب عليهم أنهم لا يؤمنون أبدًا من قومك213.
قال ابن عباس والسدي: يعني: فما كان هؤلاء الكفار الذين أهلكناهم ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذّبوا من قبل، يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم، فأقرّوا باللسان وأضمروا التكذيب، فقد كان في علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون بالرسل، بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم؛ لأن شؤم المبادرة إلى تكذيب الرسل سبب للطبع على القلوب والإبعاد عن الهدى214.
وصيغة (ﮤ ﮥ ﮦ) تفيد مبالغة النفي بلام الجحود الدالة على أن حصول الإيمان كان منافيًا لحالهم من التصلّب في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم فلا تلين شكيمتهم بالآيات والنذر215.
فهؤلاء الكفار كان ينقصهم القلب المفتوح، والحس المرهف والتوجه إلى الهدى، كان ينقصهم الفطرة الحية التي تستقبل وتنفعل، فلما لم يوجهوا قلوبهم إلى موجبات الهدى ودلائل الإيمان طبع الله على قلوبهم وأغلقها، فما عادت تتلقى ولا تنفعل ولا تستجيب216.
إن اللجاج في الكفر والإصرار عليه هو الذي حجب عنهم النور الإلهي، ولم يوفقهم الله إلى الإيمان بسبب أنهم كذبوا من قبل فكان تكذيبهم سببًا لأن يمنعوا الإيمان.
وقوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الأعراف١٠١].
أي: كما طبع الله على قلوب الأمم الخالية التي أهلكها، كذلك يطبع على قلوب الكفار الذين كتب عليهم أن لا يؤمنوا من قومك يا محمد صلى الله عليه وسلم217.
قال الرازي: «أي: إن لم نهلكهم بالعقاب نطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون ولا يتعظون ولا ينزجرون»218. وهذا الطبع على القلوب ليس قهرًا منه تعالى، ولكن لاستبطان الكفر وإخفائه في قلوبهم219.
وبيّن صاحب المنار أن مثل هذا الذي وصف من عناد هؤلاء وإصرارهم على ضلالهم، وعدم تأثير الدلائل والبينات في عقولهم، يكون الطبع على قلوب الذين صار الكفر صفة لازمة لهم، بحسب سنة الله تعالى في أخلاق البشر وشؤونهم، وذلك بأن يأنسوا بالكفر وأعماله، حتى تستحوذ أوهامه على أفكارهم، ويملأ حب شهواته جوانب قلوبهم، ويصير وجدانًا تقليديًّا لهم، لا يقبلون فيه بحثًا ولا يسمعون فيه نقدًا، فيكون كالسّكّة التي طبعت في أثناء لين معدنها بصهره وإذابته ثم جمدت، فلا تقبل نقشًا ولا شكلًا آخر220.
وفي نص آخر بين الله تبارك وتعالى أن سبب الطبع على قلوب اليهود إنما هو بكفرهم، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [النساء١٥٥].
وهذه الآية القرآنية الكريمة تسجل على اليهود أولًا: نقضهم للمواثيق، ثم تسجّل عليهم ثانيًا: كفرهم بآيات الله، وتسجل عليهم ثالثًا: قتلهم الأنبياء بغير حق (فقد قتلوا زكريا ويحيى) وغيرهما من رسل الله، ولا شك أن قتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يدل على شناعة جريمة قتلهم وعلى توغلهم في الجحود والعناد والفجور، وسجّل عليهم، رابعًا: قولهم قلوبنا غلف، يعني: عليها غشاوة وأغطية، عما تدعونا إليه، فلا نفقه ما تقول ولا نعقله، فكان العقاب على هذه الجرائم العظيمة أن طبع الله على قلوب هؤلاء اليهود221.
وقد ردّ الله تعالى عليهم بقوله: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ). والطبع معناه: إحكام الغلق على الشيء وختمه بحيث لا ينفذ إليه شيء آخر، والمعنى: أن هؤلاء القائلين إن قلوبهم غلف كاذبون فيما يقولون، وتخليهم عن مسؤولية الكفر ليس صحيحًا؛ لأن كفرهم ليس سببه أن قلوبهم قد خلقت مغطّاه بأغطية تحجب عنها الحق - كما يزعمون - بل الحق أن الله تعالى ختم عليها، وطمس معالم الحق فيها، بسبب كفرهم وأعمالهم القبيحة222.
فكلما تكاثرت الذنوب طبع على القلوب، وليس الطبع على القلوب مرضًا عاديًا، بل هو من مضاعفات الأمراض الخطيرة كالكفر والنفاق والشرك وغيرها، يقول ابن تيمية رحمه الله: «والله سبحانه جعل مما يعاقب به الناس على الذنوب سلب الهدى والعمل النافع»223. ويقول ابن القيم: «إن الله عاقب الكفار بأمور تمنعهم من الإيمان وذكر منها: الختم والطبع والأكنة»224.
وقد خان اليهود الأمانة، ونقضوا العهود، وأفسدوا في الأرض، فطبع الله على قلوبهم.
يقول ابن القيم: «إن الطبع والإبعاد عن توفيقه وفضله إنما كان بكفرهم الذي اختاروه لأنفسهم وآثروه على الإيمان، فعاقبهم عليه بالطبع، والمعنى لم نخلق قلوبًا لا تعي، ولا تفقه ثم نأمرهم بالإيمان وهم لا يفقهونه، بل اكتسبوا أعمالًا عاقبناهم عليها بالطبع على القلوب والختم عليها»225.
إن كفرهم بالحق بعد أن علموه كان سببًا لطبع الله على قلوبهم (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) حتى صارت غلفًا، والغلف جمع أغلف، وهو القلب الذي قد غشيه غلاف كالسيف الذي في غلافه، ولا ريب أن القلب إذا طبع عليه أظلمت صورة العلم فيه وانطمست226.
فهو سبحانه قد خلق القلوب على الفطرة، بحيث تتمكن من اختيار الخير والشر، إلا أن هؤلاء اليهود قد أعرشوا عن الخير إلى الشر، واختاروا الكفر على الإيمان نتيجة انقيادهم لأهوائهم وشهواتهم، فالله تعالى طبع على قلبوهم بسبب إيثارهم سبيل الغي على سبيل الهدى والرشد، فصاروا لا يؤمنون إلا قليلًا.
وقوله تعالى: (ﭦ ﭧ) أي: أن هذا إيمانهم لا قيمة له عند الله تعالى؛ لأن الإيمان ببعض الأنبياء والكفر ببعضهم، يعدّه الإسلام كفرًا بالكل، فلا يؤمنون إلا قليلًا هم عدد قليل كعبد الله بن سلام وأشباهه227.
يمكن أن نستنج مما سبق أن هذه العقوبة إنما وقعت في حق أقوام مخصوصين معاندين من الكفار، فعل الله بهم ذلك عقوبةً منه لهم في الدنيا وبهذا النوع من العقوبة العاجلة، كما عاقب بعضهم بالمسخ قردة وخنازير، وبعضهم بالطمس على أعينهم، وبعضهم بخسف ديارهم، فهو سبحانه يعاقب بالطمس على القلوب كما يعاقب بالطمس على الأعين، كما أن هذه القلوب التي عاقبها بالطبع عليها هي ليست قلوب مغلقه بطبعها، وإنما هم بكفرهم جرّ عليهم أن يطبع الله على قلوبهم، فإذا هي صلدة، لا تستشعر نداوة الإيمان ولا تتذوق حلاوته.
ثالثًا: عدم العلم والفقه:
لا شك أن الجهل وعدم العلم شر محض على الإنسان، وآثاره وخيمة، ونتائجه خطيرة، فما عبد غير الله تعالى إلا بسبب الجهل وعدم العلم، ذلك أن الجهل يعني: خلو النفس من العلم، فعندما ينتشر الجهل ويغيب الإيمان عن القلوب يصبح الجهل هو المتحكم بالنفس والمتسيّد عليها.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الروم٥٨ - ٥٩].
هذه الآية أكدت على أن الله تعالى ضرب للناس في هذا القرآن من كل مثل حكيم، من شأنه أن يهدي القلوب إلى الحق، ويرشد النفوس إلى ما يسعدها، فتارة يضرب المثل بآيات الأفاق والأنفس، وتارة بالوعد والوعيد، وتارة بالأمر والنهي، وتارة بالبشرى والإنذار، وتارة بالاستدلال، ورغم هذا البيان، فإن فريقًا من الجاهلين والغافلين يجحدون بآيات الله تعالى، ويقولون على سيبل التطاول والتبجح: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) ، يقول الكفار: ما أنتم معشر المؤمنين إلا متّبعون للباطل بما يدعوكم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم 228.
والحقيقة إن هذا القول الذي صدر منهم إنما هو بسبب جهلهم وبعدهم عن الحق، وقد بين الإمام ابن القيم رحمه الله أن الجهل نوعان: الأول: عدم معرفة الحق، والثاني: عدم العمل بموجبه ومقتضاه، وكلاهما له ظلمة ووحشة في القلب، فكما أن العلم يوجب نورًا، وأنسًا، فالجهل يوجب ظلمة ويوقع وحشة229. وهذه الآية تشمل الأمرين كلاهما.
ثم يعقّب الخالق سبحانه على هذا التطاول والغرور في القول من قبل هؤلاء الجهلة بقوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ).
وهذا دليل على أن أسوأ أحوال الإنسان عندما يطبع على قلبه لكثرة جهله، فيصبح لا يفهم ولا يعقل شيئًا، فيختم الله على قلوب الذين لا يعلمون حقيقة ما تأتيهم به يا محمد من عند الله من هذه العبر والعظات والآيات البينات فلا يفقهون عن الله حجة، ولا يفهمون عنه ما يتلو عليهم من آي كتابه؛ فهم لذلك في طغيانهم يترددون230.
ونبه الخالق سبحانه على كثرة المطبوع عليهم بجمع الكثرة فقال: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ). أي: لا يجددون -أي: لعدم القابلية- العلم بأن لا يطلبوا علم ما يجهلونه مما حققه هذا الكتاب من علوم الدنيا والآخرة رضًى منهم بما عندهم من جهالات سموها دلالات، وضلالات ظنوها هدايات وكمالات231.
يقول ابن عاشور: «والطبع على القلب: تصيّيره غير قابل لفهم الأمور الدينية وهو الختم»232.
فهم لجهلهم وكفرهم طبع الله على قلوبهم فلا يدخلها خير؛ لأنها قلوب جاهلة، قلوب مشمئزة من ذكر الله، قلوب مقفلة لا يخترقها التدبر ولا التفهم، وهي قلوب زائفة منحرفة، بل هي قلوب عمياء، أصبحت لا تدرك الأشياء على حقيقتها، بل ترى الحق باطلًا والباطل حقًّا233.
والآية في الحقيقة تشير إلى أسوأ أنواع الجهل وهو الجهل (المركب) الجهل الذي يحسبه صاحبه علمًا، ولا يصغي لمن أراد إيقاظه من غفلة الجهل هذه234. فالخالق سبحانه طبع على قلوب هؤلاء الجهلة الذين لا يطلبون العلم، ويصرّون على خرافات اعتقدوها. يقول الدكتور وهبة الزحيلي: «فإن الجهل المركب يمنع إدراك الحق، ويوجب تكذيب المحق»235. فهذا الصنف من الناس لا يعلمون ولا يعملون على إزالة جهلهم، لتوهمهم أنهم ليسوا بجهلاء، وهذا أسوأ أنواع الجهل؛ لأنه جهل مركب، إذ إن صاحبه يجهل أنه جاهل.
ولا بد من الإشارة إلا أن الطبع على قلوب هؤلاء لا يكون إلا بعد استنفاذ كل وسائل الدعوة، فإن لم يستجيبوا فلا أمل في هدايتهم ولا جدوى من سماعهم يقول الشعراوي: فإذا قلت: إذا كان الحق سبحانه قد وصفهم بأنهم لا يعلمون، فلماذا يطبع على قلوبهم؟ ولماذا يحاسبهم؟ فأجاب بقوله: «لأن عدم العمل نتيجة تقصيرهم، فالحق سبحانه أقام لهم الأدلة والآيات الكونية الدالة على وجوده تعالى، فلم ينظروا في هذه الآيات، ولم يستدلّوا بالأدلة على وجود الخالق القادر سبحانه، وضرورة البلاغ عن الله، إذن: فعدم علمهم نتيجة غفلتهم وتقصيرهم»236.
هكذا هم أهل الكفر يكذّبون بكل آية، ولا يكتفون بالتكذيب، بل يتطاولون على أهل العلم الصحيح، فيقولون عنهم: إنهم مبطلون، فهؤلاء الذين لا يعلمون، مطموسو القلوب، لا تتفتح بصيرتهم لإدراك آيات الله، متطاولون على أهل العلم والهدى، ومن ثم يستحقّون أن يطمس الله على بصيرتهم، وأن يطبع على قلوبهم، لما يعلمه سبحانه وتعالى عن تلك البصائر وهذه القلوب237.
ويمكن أن نستنتج مما سبق أن هذه الآية القرآنية فيها دليل على وجوب طلب العلم الشرعي الذي هو معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته؛ لأن من عرف ربه حق المعرفة رقّ قلبه، ومن جهل حق ربه قسا قلبه، ولا يكون القلب قاسيًا إلا إذا كان صاحبه من أجهل العباد بالله عز وجل، وكلما عظم الجهل بالله وبحقوقه كان العبد أكثر جرأة على حدود الله ومحارمه، وكلّما وجد الشخص يديم التفكير في ملكوت الله، ويتذكر نعم الله عليه وجد في قلبه رقة، والخالق سبحانه طبع على قلوب هؤلاء الجهال بسبب معارضة الحق ومعاندته، فهم بسبب جهلهم فقدوا العلم النافع الذي يرشد إلى الحق ويجنب الباطل؛ لأن ذنوبهم غطّت القلوب وغشيتها حتى ذهب النور عنها فبقت في ظلمة، فالجهل هو العقبة التي تحول بين المسلمين وبين كمالهم وسعادتهم؛ لأن جميع الجرائم في المجتمع إنما تكون ناتجة عن ظلمة القلوب وعدم البصيرة لجهل أصحابها.
رابعًا: الاستمرار والإصرار على إتباع الهوى:
ومن نتائج الطبع على القلوب هو الاستمرار والإصرار على إتباع الهوى، و(الهوى) هو محبة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه238، فهو دافع داخل الإنسان يحركه الى ما يحب ويشتهي. قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [النازعات:٤٠].
أي: عن شهواتها وما تدعو إليه من معاصي الله عز وجل239.
لذلك فإن اتباع الهوى يطمس نور العقل، ويعمي بصيرة القلب، ويصد عن اتباع الحق، ويضل عن الطريق المستقيم، فلا تحصل بصيرة العبرة معه ألبته، والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره، فأرته نفسه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، فالتبس عليه الحق بالباطل، فأنى له الانتفاع بالتذكر، أو بالتفكر، أو بالعظة، فكلما ضعف نور الإيمان في القلب كلما كانت الغلبة للهوى240.
وأخبر الله سبحانه وتعالى أن باتباع الهوى يطبع الله على قلوب العباد بقوله: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [محمد١٦].
فقد ذمّ الخالق سبحانه في هذه الآية الذين اتبعوا أهوائهم؛ لأنهم لا يستفيدون مما يسمعون، ولا يتأثرون بموعظة، ولا يعون أو يعقلون ما يرشدون به. يقول الطبري: ومن هؤلاء الكفار يا محمد (ﯘ ﯙ ﯚ) وهو المنافق، يستمع ما تقول فلا يعيه ولا يفهمه، تهاونًا منه بما تتلو عليه من كتاب ربك، تغافلًا عما تقوله، وتدعو إليه من الإيمان241.
فالخالق سبحانه ذكر بأن هؤلاء يستمعون القرآن الذي هو غاية الإعجاز والبلاغة والبيان، ولكن يحال بينهم وبين سماعه، فإذا خرجوا بعد سماعه، يقولون لمن أوتي العلم (ﯤ ﯥ ﯦ) كأنهم ما سمعوا أصلًا، والذي حال بينهم وبين الفهم ما ذكره الله عنهم أنهم اتبعوا أهواءهم، فطبع الله على قلوبهم، وطمس على معرفتهم حيث اتبعوا أهواءهم، فلم يستفيدوا، فالهوى هو الذي أعماهم وأصمهم، وفي ذلك دلالة واضحة على أن الهوى مانع من موانع الانتفاع بالقرآن.
وقوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [محمد١٦].
أي: أولئك المنافقون الذين هذه صفتهم هم القوم الذين ختم الله على قلوبهم، فلم يؤمنوا، ولم يهتدوا إلى الحق، واتبعوا شهواتهم، وأهواءهم في الكفر والعناد، بسبب استحبابهم الضلالة على الهداية، فهم لما تركوا اتباع الحق أمات الله قلوبهم فلم تفهم ولم تعقل، فعند ذلك اتبعوا أهواءهم في الباطل، فصاروا لا يعقلون حقًّا، ولا يفهمون حديثًا242.
قال السعدي: «أي: ختم على قلوبهم، وسدّ أبواب الخير التي تصل إليه بسبب إتباعهم أهواءهم التي لا يهوون فيها إلا الباطل»243.
وجيء باسم الإشارة (أولئك) بعد ذكر صفاتهم تشهيرًا بهم، وجيء بالموصول وصلتيه خبرًا عن اسم الإشارة، لإفادة أن هؤلاء المتميزين بهذه الصفات، هم أشخاص الفريق المتقرر بين الناس، أنهم فريق مطبوع على قلوبهم؛ لأنه قد تقرر عند المسلمين أن الذين صمموا على الكفر هم قد طبع الله على قلوبهم، وأنهم متبعون لأهوائهم244. وهذا الصنف من الناس لا يهتدون ولا يؤمنون مهما أنذروا بالآيات القرآنية، وشاهدوا من الآيات الكونية، ومهما سمعوا وعاينوا من المعجزات النبوية الواضحة 245.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: «وأما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق»246.
يقول ابن تيمية: «واتباع الهوى يصّد عن التصديق بالحق واتباع ما أوجبه العلم به، وهذه حال عامة المكذبين مثل مكذبي محمد صلى الله عليه وسلم وموسى صلى الله عليه وسلم وغيرهما، فإنهم علموا صدقهما علمًا يقينيًّا لما ظهر من آيات الصدق ودلائله الكثيرة، لكن اتباع الهوى صد عن الحق»247.
والهوى حينما يغلب على القلب ويقهره فلا ينتفع القلب بفائدة قط، بل يصبح كريشة في مهب الرياح أينما ذهبت انكفأت معها، وتدور المعركة بين القلب والهوى، فكلما قوي القلب انقهر الهوى، وحينما يضعف القلب يستأسر الهوى ولا يرجى منه نفع أو فائدة248.
قال ابن الجوزي: «اعلم أن مطلق الهوى يدعو إلى اللذّة الحاضرة من غير فكر في عاقبة، ويحثّ على نيل الشهوات عاجلًا، وإن كانت سببًا للألم والأذى في العاجل، ومنع لذات في الأجل، فأما العاقل فانه ينهى نفسه عن لذة تعقب ألمًا، وشهوة تورث ندمًا، وكفى بهذا القدر مدحًا للعقل وذمًّا للهوى»249.
فكلما قوي القلب ودفع الهوى عند أول محنة صقل وثبت وعظم فيه الإيمان وبدأ شعاعه فيه يدب، وفي حال ضعف القلب وهجوم الهوى وانتصاره على القلب تكون الظلمة ويقع السواد حتى يسقط القلب بالكلية، يقول ابن القيم: «فإن العلم نور الله يقذفه في قلب عبده، والهوى والمعصية رياح عاصفة تطفيء ذلك النور ولا بد أن تضعفه»250.
وإن من أعظم أضرار الهوى حينما يتمكن من القلب أن يهوي بصاحبه في لجج الفتن، فلا يرى حقًا إلا ما وافق هواه، ولا يرى باطلًا إلا ما ينكر هواه.
يقول ابن القيم: «فإن اتباع الهوى يعمي عين القلب، فلا يميز بين السنة والبدعة أو ينكسه فيرى البدعة سنة والسنة بدعة»251.
ويقول في موضع آخر: «أن اتّباع الهوى يغلق عن العبد أبواب التوفيق، ويفتح عليه أبواب الخذلان»252.
ومن كل ما تقدم يمكن أن نستنتج أن الاستمرار على اتباع الهوى يفسد القلب، ويطمس نوره، ويعمي بصره، ويحول بينه وبين السلامة، وأن الأمة التي يتبع فيها الهوى، يشيع فيها الحمق والقصور العقلي، كما تبين لنا أن الطبع على القلوب هو نتيجة حاصلة من إتباع الهوى، فالذي يهوي ويتبع الهوى، يضع على عينيه غشاوة، وفي أذنه وقر، فإذا سدّت الآذان، وغشيت العين، أصبح القلب مغلقًا مطبوعًا عليه، فلا فهم صحيح ولا قصد حسن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مفهوم الطبع ----
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مفهوم الطبع ----
» الطبع غلاب
» مفهوم الرجولة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نبيل - القدس :: اخبار - مقالات سياسية - :: قسم خاص - محمد بن يوسف الزيادي-
انتقل الى: