بيعجبني كتير هدول الناس يلي بيبعتولك تهنئة برمضان،- عماد يوسف

بيعجبني كتير هدول الناس يلي بيبعتولك تهنئة برمضان،
و طبعاً مو (الكل)
وكلمة مو الكل حطيناها بين قوسين
============
المشكلة في بعض الناس إنو بيمشوا ورا التقليد بدون ما نحاول نعرف ليش ماشيين؟!!
يعني مثلاً؛ منحتفل برمضان ومنبارك أصحابنا وأهلنا بدون ما نحاول نعرف شو هو رمضان وليش إنوجد رمضان!!!
أنا مابدي إحكي دين، بالنهاية الدين هو فلسفة، فلسفة لتفسير الوجود والخلق و الخالق. فلسفة مُرَكّبة، إجت نتاج تراكم ثقافات و تراث إنساني كبير قبلها، إمتد آلاف السنين من عمر البشرية لحتى وصلنا لخاتم النبييّن، سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم. ضمن هذه الفلسفة هناك أركان لهذا الإيمان، و من ضمن هذه الأركان في شي إسمو صوم، و يلي هو شهر بالسنة بيجي بأوقات مختلفة لتغيّر نمط حياتك و تعطي مساحة ولو صغيرة من نفسك وروحك وذاتك للتفكّر و التأمل و الزهد و الترّفع عن الشهوات و أطايب الطعام و ملّذات الحياة.
شهر رمضان ليس كما يُمارس طقوسه الكثيرون، رمضان هو انعتاق للذات والروح من إغراءات الدنيا و ملّذاتها و أطايبها. وهو شهر التفكّر بنفسك و ذاتك وخالِقك والوعي لدورك في هذا الوجود و تأثيرك في هذه الدورة الكونية التي تتشاركها مع كائنات أخرى، هي موجودة بذات الدورة الحياتية الواحدة. تبدأ من النملة الصغيرة ولا تنتهي بأكبر الظواهر الكونية و الحياتية، والتي تُشكّل جميعها تلك الدورة الحياتية الواحدة، والتي من المفروض أن تتناغم و تتآلف و تنسجم في معزوفة كونية واحدة، يُشكّل الحُبّ، و الألفة، و التضامن، و التعاضد، فيها أسمى مقوّماتها.
شهر رمضان ليس طقساً دينياً بقدر ماهو دورة تدريبية لوعي الذات. وعيها لمن حولها، و إحساسها بوجودها و وجود الآخرين من حولها. وعيها لرمي كل ما يختلج في أعماقنا من مشاعر كره، وحقد، و ضغينة، تجاه الآخرين و تجاه العالم والكون و الطبيعة. نعم؛ إن رمضان ليس انقطاعاً عن الطعام وحرمان منه، بل هو أن تُعطي مساحة للراحة لهذه الأعضاء و الخلايا الجسدية التي تمتلك وعياً أعلى و أسمى من وعيك بكثير، لماذا؟ لأنها ببساطة ترتبط بالوعي الكوني العام الشامل، الذي يرتبط بالخالق، بمهندس هذا الكون العظيم جلّ وعلا.
وكما تحتاج أجهزة جسدك التي تأخذ الطعام إلى الراحة، فإن خلايا عقلك تحتاج أيضاً إلى الراحة كي لاتتراكم فيها السموم بسبب الأفكار السلبية و طاقات الكره والضغينة و الأحقاد، تلك الطاقات المدّمرة، و التي تُمرض العقل وتُهلكه، وتؤدي به إلى الأمراض و الضعف و الهزال العقلي...!!!
أتعجّب من البعض الذين يأتي عليهم رمضان ويرسلون التهاني في كل الاتجاهات، وهم مازالوا يحملون الأحقاد و الكره، و خصال التمييز المناطقي و الطائفي و الطبقي و السياسي و المذهبي و الإثني.!!!!
رمضان ليس شهراً للصوم عن الطعام فقط، مع إننا لانصوم كما يجب، لأننا نقضي الليل والمساء نغرف أطايب الطعام و أشهاه كي نُعّوّض ما حُرِمنا منه نهاراً. شهر رمضان هو صوم العقل قبل الجسد، و صوم الروح قبل العقل، و صوم الذات قبل صوم الروح والعقل والجسد . في فلسفة الصيام، تذكير لما نحن فيه، حروب، اضطرابات، كره، أحقاد، موبقات، شهوات، ملّذات، إذراء الفقير، إحتقار للعقل، و أصحاب العقول. استهزاء بالزاهدين و النزيهين و الشرفاء. و إلى ماهنالك من موبقات نُتقُنها ونُمارسها في أدق تفاصيل حياتنا اليومية. شهر رمضان يأتي ليُخبرك و يُذكِّرك بأن تُراجع نفسك، تُعيد حساباتك، و تبحث عن روحك التائهة و عقلك الضائع أين هما، وماذا يفعلان؟!!
التوقف عن الطعام هو راحة للجسد، فالجسد هو قميص وهبنا إياه ربُّ العزِّةِ ونفخ فيه الروح، تلك الروح التي أتت منهُ، يجب أن تبقى نقيّة، صافية، تتحلّى بالطهارة والعفّةِ و التناغم الكوني. فتقوم بدورها في دورة الوجود التي اجتباها الله لتُشارك بها و تبني هذا العالم كما أمرها الله بالتقوى والإحسان و المعروف، أي بمعنى آخر، أن تُغنيه بمشاعر الحُبّ و الألفة ِ و السلام والمحبة. لذلك جاء رمضان بمنطق فلسفي عميق يحمل أبعاداً أكثر بكثير من أن نتوقف عن الطعام و الشراب لبعض ٍ من الساعات و نعاود الالتهام بعد المغرب حتى بزوغ الفجر .
كل من يجد نفسه قد تحرّر من ضغائنه، و أحبَّ أخيه في الوطن والدين والإنسانية، يحق له أن يُهنّئ بشهر رمضان. وكما قال عليه السلام مولانا وسيدنا علي؛ "الناس نوعان؛ أخُ لك في الدين و أخُ لك في الإنسانية".
لا يُعمّرُ الأرضَ سوى مشاعر الحُبّ، و التضامن، و التكافل، والاحساس بالفقير، واحترام المسكين قبل صاحب الجاه والسلطات، و الشعور بالمغلوب على أمرهم قبل أصحاب المعالي و المتعالين و من يُعطون الأوامر . لا يكون تهنئة برمضان قبل أن نخضع لعملية تنظيف ٍ شاملة لذاتنا وروحنا و عقولنا قبل أمعائنا و أجهزتنا الجسدية. فمن يتمنى الموت للأمريكيين المدنيين بالكورونا لا يحق له الاحتفال برمضان، و من يرقص طرباً لعدد الوفيات من الفرنسيين المدنيين لا يشفع له، صومهُ رمضان لأنه يحمل أحقاداً وكرهاً لإخوته في الإنسانية. من ينافق على جاره مدّعياً حبّه له، وهو يحمل له مشاعر النفور و الكره لأنه من طائفة ٍ أخرى أو مذهب آخر أو منطقة أخرى أو عشيرة مختلفة، لا يحق له إدعاّء شرف الصوم و استقبال رمضان. من يستعرض صدقاته، و حسناته، ويتشدّق على المحتاجين و الفقراء و الشهداء ويأخذ الصور التذكارية لأعماله، لا يحق له أن يدّعي الفضيلة و الفرح بقدوم رمضان. ومن يتباهى بأطايب الطعام وأشهاه ويتفاخر أمام جيرانه وأصحابه و خلانه بكمية الطبخ واللحوم التي يحضرّها على مائدة الإفطار، لا علاقة له برمضان ولا بالصوم و لا بسواه من أركان الإيمان. من ومن ومن ومن، لنسأل أنفسنا، ونقف أمام مرآة ذاتنا صاغرين، خاشعين، أذلاّء مكسورين لربِّ العزّة العظيم. فيروس صغير بحجم 400 نانو متر أذَلَّ البشرية ودَمّرَّ ما لم تُدمّره حروب التاريخ مجتمعةً، فلنقف أمام مرآة ذاتنا، ونسأل؛
من نحنُ؟!!!
هكذا نكون على أول خطوة في طريق تطبيق رمضان و أركان الإيمان وليس بالضرورة الإسلام فقط. فالإيمان أعلى من تسميات الأديان .
و كل عام وكل من يعرف رمضان و معنى فلسفة رمضان، بألف خير و محبة و صحة ٍ وعافية.
عماد يوسف