22- حديث الاثنين- العصمة

موضوع: 22- حديث الاثنين- العصمة 2024-08-19, 3:57 am

بسم الله الرحمن الرحيم
22-الحلقة الثانية والعشون من حدبث الاثنين في مباحث العقيدة والايمان
{العصمة في شرعنا وعقيدتنا ولغتنا }...
العصمة في معاجم اللغة يتردد معناها بين المنع و الوقاية والحفظ و الحماية .. والعاصم هو المانع والحامي .. والمعتصم هو من يطلب العصمة ومن يستمسك بما من شأنه ان يكون عاصما .. فحينما يدعو اللّه سبحانه و تعالى الناس إلى الإيمان يأمرهم بالاعتصام بحبل اللّه، فيقول سبحانه:﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣ ال عمران﴾. فهذا مطلب شرعي من الله للمؤمنين ليتمسكوا بدينهم وايمانهم المولد للالفة والمحبة والتعاضد والتناصر بينهم ...
قال ابن منظور: «العِصْمة في كلام العرب المَنْعُ، وعِصْمةُ الله عَبْدَه أن يَعْصِمَه مما يُوبِقُه، عَصَمه يَعْصِمُه عَصْماً منَعَه ووَقَاه وفي التنزيل: (لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ)(هود43)... واعْتَصَمَ فلانٌ بالله إذا امتنع به، والعَصْمة: الحِفْطُ، يقال: عَصَمْتُه فانْعَصَمَ، واعْتَصَمْتُ بالله إذا امتنعْتَ بلُطْفِه من المَعْصِية، وعَصَمه الطعامُ: منَعه من الجوع، وهذا طعامٌ يَعْصِمُ: أي يمنع من الجوع، واعْتَصَمَ به واسْتَعْصَمَ: امتنعَ وأبَى، قال الله عز وجل حكايةً عن امرأَة العزيز حين راودَتْه عن نفْسِه(فَاسَتَعْصَمَ)(يوسف32)، أي تَأَبَّى عليها ولم يُجِبها إلى ما طلبَتْ»(انظر لسان العرب مادة عصم).
وان الناظر لنصوص القران الكريم ليجد ان العصمة في الشرع اربعة انواع:
ا- اعتصام الامة بدينها وكتاب ربها وهدي نبيها كما اسلفنا ..﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣ ال عمران﴾ ..
2- عصمة الملائكة ، وهي منعهم من المعصية والمخالفة جبلياً .. بمعنى انه تعالى نزع منهم القدرة على المعصية،،لانهم ليسوا اهل ابتلاء وتمحيص واختبار .. لأن ليس لهم شأن إلاّ إجراء الأمر الإلهي في مجراه وتقريره في مستقرّه حسب مراد الله تعالى، فهم مجبورون على الطاعة مجبولون عليها، لانه موكول اليهم القيام ببعض الامور الكونية والوجودية.. ومما دل على ذلك قول الله تعالى :_ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦التحريم﴾ و قوله تعالى:- ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧ الانبياء﴾ ...
3- عصمة القران العظيم : لقد ضمن اللّه عصمة القرآن الكريم وصيانته من كلّ خطأ وتحريف للألفاظ من الزيادة أو النقصان أو التبديل، كما في صريح قوله:﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩ الحجر﴾...ويقول سبحانه:- ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢ فصلت﴾.، ويقول أيضاً:﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩الاسراء﴾. فهذه الأوصاف ونظائرها تنص على صيانة وحماية وحفظ القرآن من كلّ خطأ وضلال،، وأنّه يتصدر المرتبة العليا من اليقين بالعصمة والنزاهة في حقه وحق نصوصه بل وجميع كلماته وحروفه ... حيث اكرم الله تعالى الامة بنقله توترا جيل عن جيل عن الاجيال السابقة وما يزال اسانيد رواته وحفظته وقراءه متصلة ليومنا الحاضر حتى تصل الى النبي صلى الله عليه واله وسلم .. فان كنتم تجهلون ذلك فاسئلوا القراء عن اسانيدهم وشهادات معلميهم بها!!!
4- عصمة البشر او عصمة بني الانسان!!
وهذه تقسم الى:-
أ- عصمة تكليف ، اي الطلب من المشرع تعالى بان يعتصم خلقه بما من شأنه ان يعصمهم ويحميهم ويمنعهم ويقيهم من الزلل وعواقبه كما في الاية -103- من ال عمران المذكورة سابقا ..
ب- عصمة تسامي وتكامل .. وهو تتطلبه مروءة الانسان من الاتصاف بمكارم الاخلاق وحسن الصفات وعالي المعاني وراقي القيم وجميل الطباع، والترفع عن الهنات والدناءات والصغار وسيء الطبع !! وهذا ما تولده الفطرة النقية السليمة في نفوس اصحابها .. فلذلك رأينا العرب في الجاهلية يحرص اكثرهم على تحقيق ما يُمتدح به وتجنب ما يُذم به ،، فكان لهم من الحجى ما يتحاجزون به عن الشرور والدروب الردية الدنيئة ..!!
ج - عصمة اهل القيادة والسيادة : فقد كانت العرب في جاهليتها لا تنقاد لمجهول الهوية ولا لمجهول النسب ، لانه لا يؤتمن على ارواح ولا اموال ولا اعراض من يتولى امرهم .. وليس له من النسب ولا الحسب يثير حفاظه و ما يحافظ عليه !! وكانوا لا ينقادون لرديء الصفات ولا للئيم الطبع ولا لسيء الاخلاق !! والا اُعتبر ذلك الانقياد لو حصل من خوارم المروءة وانعدام النخوة وضياع الشهامة!!!
ان العصمة من كبائر الاثام و الذنوب تنشأ من النظر العقلي الفطري المولد للعلم القطعي بعواقب المآثم والمعاصي بالنسبة لذلك الذنب، كتجنبنا من بعض الأفعال القبيحة نتيجةً لمعرفة النتيجة الوخيمة لتلك الافعال !!
د - عصمة الهداية والتوفيق :- وهي الهام من الله تعالى ومكافأة لم ن سلك سبل هدايته فينعم عليه بالتوفيق ، فان سعيك إلى الارتقاء بنفسك في مدارج الصلاح ومجاهدتها على الخير وعدم الهبوط الى مدارك الفساد و الشر أمر عظيم ، وهو دليل على أنك قد وضعت رجلك على طريق الهداية إن شاء الله، فالله تعالى يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )[العنكبوت:69]، وهي عصمة تسديد وتوفيق تأتي بالاتباع والطاعة والتزام منهج الهدى وتحري احكامه ومعالمه..فتكون نتيجة سعي ارادي اختياري يتحصلها الانسان بلطف الله وعنايته بالمؤمنين السلكين نهج مرضاته ..
ه - عصمة الانبياء والرسل :-
لما كان الله تعالى ذاتا ووجودا فوق مدارك احاطة العقل ، والعقل اعجز عن ان يدرك ربه ادراك احاطة بذاته سبحانه، فكان لا بد من مبلغ ورسول بين الله وبين البشر يبلغهم بمراد ربهم منهم..
والبشر حينما يريد احدنا ان يرسل لغيره برسالة يختار ان يكون حامل الرسالة قويا اهلا لحملها وامينا عليها ونبيها حكيما نزيها ،، قال طرفة بن العبد :-
إذا كنتَ في حاجةٍ مرسلاً***فأرْسِلْ حَكِيماً، ولا تُوصِهِ
هذا في حال الرسول المبلغ من انسان لانسان !! فما بالك بالرسول الذي يصطفيه الله تعالى ويختاره للتبليغ عنه سبحانه !!
قال الراغب: "عصمة الأنبياء-عليهم الصلاة والسلام- حفظهم بما خصوا به من صفاء الجوهر، ثم بما أولاهم من الأخلاق والفضائل، ثم بالنصرة وتثبيت أقدامهم، ثم بإنزال السكينة عليهم، وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق"(روح المعاني للألوسي).
وعرفها صاحب كتاب نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض بأنها: "لطف من الله تعالى يحمل النبي على فعل الخير، ويزجره عن الشر مع بقاء الاختيار تحقيقاً للابتلاء".
وقال الشوكاني: "واختلفوا في معنى العصمة فقيل: هو أن لا يمكن المعصوم من الإتيان بالمعصية، وقيل: هو أن يختص في نفسه أو بدنه بخاصية تقتضي امتناع إقدامه عليها، إنها القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية، وقيل: إن الله منعهم منها بألطافه بهم فصرف دواعيهم عنها، وقيل: إنها بتهيئة العبد للموافقة مطلقا، وذلك يرجع إلى خلق القدرة على كل طاعة"(ارشاد الفحول).
وقيل: "المراد بالعصمة الحفظ من صدور الذنب"(الألوسي) ..
وعرفها البعض بقوله: "أي يكون الرسل والأنبياء معصومين في تحمل الرسالة والتبليغ عن الله فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم، ولا يكتمون شيئا منه".
ونستطيع ان نقول :- "ان العصمة في حق الانبياء والرسل : هي وقاية الله تعالى وتأهيله بلطفه وحفظه ظواهر الأنبياء وبواطنهم، مما تستقبحه الفطر السليمة قبل اختيارهم للنبوة دون نزع ارادتهم وجبرهم كالملائكة، فيذهب عنهم اذا دور الابتلاء والتمحيص والاختبار،، لكنهم وفقوا لتنسجم دواعي الاشباع للاحتاياج الغرائزي والبدني ليكون لا يختار المشين الشانيء،لانهم باختصار قوم مصطفون لمهام النبوة،،، وحفظهم سبحانه من الكبيرة وصغائر الخسة بعدها، و تولى توفيقهم للتوبة والاستغفار من الصغائر، والتي تكون منهم باختيارهم خلاف الاولى دون ان يكون معصية منهي عنها اصلا، و عدم إقرارهم عليها من قبل ربهم لتبقى لهم صورة الكمال والسمو والرقي ليبقوا اسوة وقدوة لاتباعهم ، ولانه لا يجوز عقلا و لا شرعا ان يخالف النبي او الرسول ما يدعو الناس للالتزام به ،، ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)هود"،....
فان لم يكن النبي والرسول معصوما في البلاغ فكيف سيُتبع!؟ وان لم يكن معصوما في اخلاقه وصفاته فكيف سيكون اسوة؟! وان لم يكن معصوما في افعالو فكيف سيكون قدوة؟؟!! وكيف سيتولد الايمان واليقين باخبار من ليس بمعصوم؟؟؟!!! ولان الايمان امر قطعي ودلائله قطعية، ولان السلوك مرتبط بالايمان ارتباطا وثيقا من حيث هو الدافع والمانع والباعث على الاقدام او الاحجام، وهو المحسن والمقبح للافعال،، فلا بد ان يستند الى يقين ثابت ،، فكان من ثوابت العقيدة ومقتضيات الايمان الايمان بعصمة الانبياء والرسل عليهم افضل الصلاة والسلام...
ولكن النبي او الرسول ليس معصوما من الخطأ في امور الدنيا من حيث علومها وخبرتها !! فالنبي صلوات ربي عليه واله حينما نهى الناس في المدينة عن تأبير النخل ،كان ذلك باجتهاد شخصي بشري، ولم يفعله بوصفه رسول،،انما فعله اشفاقا منه عليهم لما يكبدهم ذلك من جهد شاق ، حيث يجمعون اللقاح من اكمام الشجر الذكري ويتسلقون الشجر الانثوي فينثرون حبيبات اللقاح على بوادر اثمارها،، فمكة بلد غير ذي زرع.. ولم يسبق له مشاهدة ذلك العمل في مرباه،،ولم يكن صاحب علم في الزراعة ،، ليعلم ان ذلك من ضروريات اثمار النبات وعقد الثمار ..فاستغربه ونهى عنه لا محرما ولا كارها من ناحية تشريعية صادرة عن الوحي ..
انما عدم معرفة لهذا الواقع وما يلزم فيه .. فليس من مهمته تعريف الناس بعلم الزراعة والنبات،،، فلذلك قال لهم لما راجعوه : انتم ادرى بشؤن دنياكم!!
فلذلك كان الصحابة الكرام يدركون هذا الامر في شخصية النبي البشر الذي يختلف عنهم بانه يوحى اليه وعصمته اتية من تأهله لتلقي هذا الوحي،، فكانوا يسألونه امنزل انزلك الله اياه ، كما في بدر والامر متعلق بمكان نزول الجيش وهذا يتطلب تقنيات وخبرات فنية عسكرية قتالية،، ويسألونه اوحي هذا يا رسول الله؟؟ يوم شاور الانصار ليعطي المشركين جزءا من ثمار المدينة ليرجعوا في الخندق ،، فيبين لهم انه من باب الاشفاق عليهم ورفع الحرج والمشقة التي سببها حصار الاحزاب..وكما حصل في المشورة للخروج الى احد،، وهكذا فان الصحابة الكرام كانوا ادرى الناس بما يفعله على اساس انه وحي وتشريع وما كان يفعله من اختياره لما يراه الانسب للحال والوضع الذي يكون عليه المسلمون..
قال الكفوي: "واعلم أن الأنبياء عصموا دائما عن الكفر، وقبائح يطعن بها أو تدني إلى دناءة الهمة، وعن الطعن بالكذب، وبعد البعثة عن سائر الكبائر لا قبلها، وعن الصغائر عمداً، لا الصغائر غير المنفرة خطأ في التأويل، أو سهوا مع التنبه، وتنبيه الناس عليها لئلا يُقتدى بهم فيها، أما المنفرة كسرقة لقمة أو حبة، أو غير ذلك مما يدل على دناءة الهمة، فهم معصومون عنها مطلقا"(كتاب الكليات للكفوي).
أما الشواهد الدالة على العصمة من كتاب الله عز وجل فهي كثيرة جدا، فمنها على سبيل المثال قوله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحَى)(النجم)، و(سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى)(الاعلى)، وغيرها من الآيات التي تثبت تأييد الله لرسله ووقايتهم وحفظهم.....
واستودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

» 19- حديث الاثنين في الايمان والعقيدة ..
» 4- الحلقة الرابعة من حديث الاثنين
» 10- الحلقة العاشرة من حديث الاثنين