82- من دروس القران التوعوية- الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عيني

بسم الله الرحمن الرحيم
82- من دروس القران التوعوية :-
واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب جماعي وفردي عيني وليس كفائي ...
من المشتهر بين الناس ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية !!
وفرض الكفاية كما هو معلوم ما ان قام به البعض سقط عن البقية ...
والصحيح انه فرض عين لا فرض كفاية ؛ ولكن التكليف به جاء بصيغة الجماعة ؛ ليشمل وجوبه جميع افراد المجتمع المؤهلين لتلقي الخطاب الشرعي ... فالامر بالمعروف هو نوع من الدعوة للخير المأمور بها كل مؤمن؛وكذلك انكار المنكر سواء كان المنكر اعتقادي ام فكري ام قولي ام كان سلوكي ام خلقي ؛ فعلاوة على انه مطلب دعوي الا انه مطلب احترازي لحماية وحفظ الهوية و الدين ومنهج الحياة والافراد والجماعات والتجمعات والمجتمعات والامة كلها ...
والمسلمون يقومون باداء فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تعبدا لله وابتغاء ثوابه وتجنبا لعقابه الدنيوي بتفشي الفساد الموجب للعقاب الجماعي؛ والاخروي بالعذاب والحساب على التقصير فيه.. فالدوافع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المسلم: الأول: رجاء ثواب الله تعالى، الثاني: الخوف من العقوبة على تركه، الثالث: الغضب لله تعالى أن تنتهك محارمه؛ او يُجاهر بمعصيته، وإجلال الله ومحبته وتعظيمه، فهو أهلٌ لأن يُطاع فلا يعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، الرابع: النصيحة للمؤمنين والرحمة بهم من أن تنالهم عقوبة الله تعالى ان أخطأوا؛ والتذكير لهم ان سهوا او نسوا او غفلوا؛ وشحذ هممهم بالترغيب فيما عند الله تعالى من نعيم مقيم؛ والترهيب من عقابه وعذابه الأليم؛ ان تكاسلوا وتقاعسوا وفتروا .
.. ونستطيع أن نلخص دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أمرين أساسيين هما، الأول: حراسة الدين في واقع حياة الناس وحفظ استقامتها به، و الثاني: تكوين رأي عام فاضل للفضيلة منكر دوما للمنكر .
فلذلك نجد هذه المهمة من الصفات الملاصقة لطبيعة اهل الايمان نساء ورجالا كما في قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [سورة التوبة: 71]. وهذا بلا شك يشمل كل فرد من الرجال والنساء؛ فلذلك لم يذكر المؤمنين فقط؛علما بانها تشمل الرجال والنساء؛ ولكن ذكر المؤمنين بلفظ التذكير والمؤمنات بلفظ التانيث ليكون التكليف شملا لكلا افراد النوعين .. فالاصل فيه انه تكليف عيني يجب ان يؤديه الناس جماعات ومجموعات ليكون ابلغ اثرا وتأثيرا : {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)لقمان}.. وقَالَ الله تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132]، وَقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6].
وجاء في الحديث الشريف عن ابن عمَر رضي اللَّه عنهما قال: (سَمِعتُ رَسُولَ الله ﷺ يقول: كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا ومسئولة عَنْ رعِيَّتِهَا، والخَادِمُ رَاعٍ في مالِ سيِّدِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فكُلُّكُمْ راعٍ ومسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ) متفقٌ عَلَيهِ.
ويكفي هذه المهمة شرفا وتعظيما ان هذه المهمة من أعظم مهام الرسالة النبوية، كما في قوله تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمّي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} [سورة الأعراف: آية 157] ...
وقد امتازت امة الاسلام بانها امة قائمة على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كصفة ملازمة لها مما جعلها خير امة اخرجت للناس كما قال الله تعالى : {كنتم خير أمَّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [سورة آل عمران: آية 110] .. وهذا الاخبار انما هو للطلب ؛ حيث يتوجب على هذه الامة ان تكون سمتها وصفتها وعملها الدؤب دوما الامر بالمعروف حيثما لزم ؛ والنهي عن المنكر حيثما ارتكب ..
ولان العمل الفردي غالبا لا يؤدي ثمارا ولا نتيجة لسهولة رده وثني افراده او تغيبهم عن الساحة؛فقد جعل الله تعالى امرا واجبا على المجتمعات في امصار بلاد الاسلام ان يكون فيها كتلة من النخبة؛ عملها الدائم الدعوة لاتباع منهج الله تعالى؛ والتحذير من مخالفته؛ والامر بالمعروف والنهي عن المنكر؛لتستقيم حياة المجتمعات بما يحفظ عليها دينها وصبغتها وهويتها..فقد قال الله عز وجل : {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [سورة آل عمران: آية 104] ...
فالأمة كلها بافرادها وجماعاتها ومجاميعها ومجتمعاتها مسؤلة مسؤولية تكافلية تضامنية عن هذا الفرض العظيم الذي به تستقيم الحياة ويستمر الخير والخيرية .. وقد بين لنا الله تعالى ان ترك وظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من اسباب هلاك الامم السابقة ومن اسباب طردهم من رحمته وسلبهم التفضيل والاصطفاء و الخيرية التي كانوا عليها ؛ قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ۝ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78- 79] ..فعن ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: (قال رسولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّه وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَهُو عَلَى حالِهِ، فَلا يَمْنَعُه ذلِك أَنْ يكُونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى قوله: فَاسِقُونَ) [المائدة:78- 81]. ثُمَّ قَالَ: كَلَّا، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ). رواه أَبُو داود و الترمذي وَ قالَ: حديثٌ حسنٌ. هَذَا لفظ أَبي داود.
ولفظ الترمذي: (قَالَ رَسُولُ الله ﷺم: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهمْ، وَوَاكَلُوهُمْ، وَشَارَبُوهُمْ، فَضَربَ اللهُ قُلُوبَ بَعضِهِمْ بِبَعْضٍ, وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ، فَجَلَسَ رَسُولُ الله ﷺ وكان مُتَّكِئًا فَقَالَ: لا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأطرُوهُمْ عَلَى الحَقِّ أطرًا).
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم: «كيف بكم إذا فسق فتيانكم وطغى نساؤكم؟!. قالوا: يا رسول الله! وإن ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشد. كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟. قالوا: يا رسول الله! وإن ذلك لكائن؟! قال: نعم، وأشد. كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟!. قالوا: يا رسول الله! وإن ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشد. كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا والمنكر معروفًا؟! . قالوا: يا رسول الله! وإن ذلك لكائن؟. قال: "نعم» . رواه رزين.
وها نحن اليوم وقد تركنا القيام بهذه العبادة العظيمة كيف اصبح المعروف والامر به منكرا وكيف اصبح المنكر معروفا والنهي عنه منكرا ... ففريضة نصرة المؤمن لاخيه المؤمن اصبحت منكرا؛ واعانة الكافر على المؤمن المنكرة اصبحت معروفا؛ وغزة والضفة والقدس ولبنان تشهد ؛ في حين اصبح الفسق والفجور الذي عم وطم حتى بلغ بلاد الحرمين وما ابتليت به من ظهور وخروج قرون الشيطان النجدية؛ ترفيها ومعروفا وانكاره منكرا !!!
اللهم اعنا مؤمنين ومؤمنات على احقاق الحق بالحق واداء فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر افرادا وجماعات ومجتمعات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...