الإخوان... هُم هؤلاء!
رانية عبد الرحيم المدهون
هُم هؤلاء؛ للأسف؛ الإخوان الذين أطلقوا على أنفسهم مسلمين. قد يتفاجأ البعض - ممَّن انتخبوا "الإخوان" في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، وانتخابات الرئاسة للعام 2012 – بتاريخ هذه الجماعة، وأداءاتهم.
فهناك أن هناك من انتخب الإخوان تحت رعاية من مسحات الدين التي أسدلوها على برامجهم الواهية.
وهناك من انتخبهم هروبًا من فساد الحُكم البائد؛ ولمجرَّد التخلُّص من هذا الحُكم.
فيما حاول البعض تبرير تصرُّفاتهم، بذريعة إعطاءهم فرصة للتغيير، ولتأسيس حُكم جديد، يقوم على الدين والضمير.
تكوَّنت الخلايا السرية لتنظيم الإخوان المسلمين في مصر إبان العهود الماضية من مجموعات يبلغ عدد أفرادها من خمسة إلى سبعة أعضاء، يخضعون مسبقاً لتدريبات عسكرية، ثم يوجهون للانضمام في منظمات أخرى معنية في مختلف الشؤون الحياتية، ومنها الدينية والرياضية والشبابية.
لقد انتشر تنظيم الإخوان في كافة شؤون حياة المصريين، فيما أثنت بريطانيا، عبر سفارتها في القاهرة، على هذا النمو الإخواني الكبير، وكانت على تواصل مستمر مع جماعة الإخوان ومن مظاهر قوة جماعة الإخوان، أنها هي من قامت باختيار رئيس الوزراء المصري بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث تم اختيار إسماعيل صدقي باشا، الموالي لها، والذي قدم لها بدوره معسكرات التدريب العسكري، وذلك بسبب حالة الحرب المشتعلة ما بين الحكومة المصرية والشيوعيين، التي اقتضت الاستعانة بالإخوان.
لقد كان الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، كان أحد أعضاء حركة الإخوان، ثم انضم إلى عام 1949 إلى تنظيم "الضباط المصريين الأحرار"، واستطاع هذا التنظيم الحسم، وتسلُّم الحكم وإلغاء عهد الملكية في مصر.
ورغم دعم الملك فاروق غير المحدود للإخوان، آثر الإخوان التنكر لفضله والتخلي عنه، مع العلم أن تنظيم الضباط الأحرار شمل إخوان، حيث كان أنور السادات هو الوسيط ما بين الجماعة والضباط الأحرار.
فيما يُذكر أن السادات تم اختياره شخصياً من قبل حسن البنا عام 1945، ليكون عضواً في تنظيم "الضباط الأحرار".
ولكن جمال عبدالناصر لم يدرك مدى خطورة الإخوان إلا في الخمسينيات، عندما علم أن للإخوان علاقات مباشرة مع الاستخبارات البريطانية والأمريكية والسوفييتية والفرنسية.
أما عن القضية الفلسطينية فقد كانت الورقة الرابحة بالنسبة للجماعة، واكتسبوا الزخم لدعوتهم بفضلها، إذ لعبت الحروب العربية اليهودية دوراً في تفشي الفوضى في الوطن العربي بعد هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل، بينما ظل الإخوان مستمرين في بناء وحداتهم الشبه عسكرية والمدعومة من بعض الدول العربية، وكانت القضية الفلسطينية الدعاية التي استغلاها الإخوان لترويج أنفسهم سعياً وراء السلطة.
وظل البريطانيون يدعمون إخوان مصر ويعززون علاقاتهم بنظرائهم في الوطن العربي، وخير مثال على ذلك مفتي القدس أمين الحسيني، الذي يعود تاريخ تعاونه مع الإخوان بوساطة انكليزية إلى العام 1935 ، عندما تم ترتيب لقاء بينه وبين عبدالرحمن شقيق حسن البنا، وتم الاتفاق بينهما على تعزيز الأصولية الإسلامية بمباركة بريطانية بهدف القضاء على القومية العربية، أو أية قوى عربية أخرى كالشيوعية أو اليسارية أو العلمانية.
والمفارقة هنا أن إسرائيل هي الأخرى دخلت الساحة الأصولية، وقرَّرت دعم الحركات الإسلامية للقضاء على القومية العربية، نظراً لخطورة الدعوة القومية على أمنها، وبسبب هذا التخوف كانت الجماعة تحقق قفزات متتالية، ونجح سيد رمضان، صهر حسن البنا، في تشكيل أفرع للإخوان في فلسطين والأردن ولبنان وسوريا، بدعوى الإعداد لمحاربة إسرائيل، وذلك ما لم يتم!
يُعرف عن أمين الحسيني كرهه لليهود، وسبق للزعيم النازي أدولف هتلر استقباله لدعم القضية الفلسطينية، ويُذكر أنه درس في الجامع الأزهر، ولكنه فشل في إكمال دراسته، ثم عمل مترجماً لوكالة رويترز للأخبار في القدس، وتعرض للاعتقال عام 1920، ولكن البريطانيين اطلقوا سراحه، ثم قاموا بترقيته وتعيينه مفتياً للقدس رغم أنه لا يتمتع بمؤهلات علمية!
بل أن البريطانيين قاموا بتزوير الانتخابات بقصد تعيينه مفتياً عام 1921، ولكنه اقيل من هذا المنصب عام 1937 بعد اكتشاف علاقته مع النازية الألمانية، ولكن البريطانيين سرعان ما قاموا إثر الإقالة بإنشاء "المجلس الإسلامي الأعلى" عام 1938 وعينوه رئيساً عليها، وكان المجلس مسؤولاً عن الأوقاف الإسلامية.
وسبق للحسيني إقامة مؤتمر إسلامي في القدس عام 1931 بدعم مباشر من جماعة الإخوان، ثم سافر إلى بلدان عدة لجمع المال وحشد الدعم، وقبل ذلك كان مسؤولاً في برلين عن النشرات الألمانية الدعائية المؤيدة لهم في منطقة الشرق الأوسط، كما ساهم في تأسيس شبكة من الجواسيس، كان أغلبهم من البوسنيين المسلمين، ولكنه غادر ألمانيا بعد انهزامها في الحرب، وذهب إلى فرنسا، لكن البريطانيين قرروا استغلال نفوذه ودعايته السياسية بدلاً من اعتقاله، فأرسلوه إلى مصر عام 1946 في ضيافة الملك فاروق.
من المهام التي أوكلتها الاستخبارات البريطانية للحسيني، كانت الإشراف على محطة الشرق الأدنى الإذاعية، وقد انبهر البريطانيون بكفاءة الحسيني في حشد عواطف الناس، وفي العام نفسه قام الحسيني وحسن البنا بتشكيل قوات شبه عسكرية تحت مسمى "المنقذين"، بلغ تعدادها نحو 10 آلاف فرد مسلح، وفي عام 1947 عاد الحسيني إلى غزة ليعلن قيام الدولة الفلسطينية وينصّب نفسه رئيساً لها.
لكن الحسيني لم يهنأ كثيراً بذلك التنصيب بعد هزيمة الجيوش العربية 1948 أمام إسرائيل، فقام الإخوان على الفور باستغلال الهزيمة لإشاعة الفوضى والخراب في مصر، لتنتهي سنوات العسل بين الملك وبين الإخوان الذين فضلوا الانقلاب عليه.
أعلن الملك حظر تنظيم الإخوان، فكانت ردة الفعل الإخوانية عنيفة، وقاموا باغتيال رئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي باشا في العام نفسه 1948، فقرر الملك الانتقام بترتيب عملية اغتيال حسن البنا وذلك في يناير 1949.
لم تؤدِّ عملية اغتيال البنا إلى إنهاء الحركة الإخوانية، لأنها حركة ذات أساس قوي، وضعها البنا بأذرع أخطبوط؛ إن قطعت له ذراعاً فسيضربك بأخرى، وقام الإخوان فوراً بتعيين حسن إسماعيل الهضيبي مرشداً أعلى، فقام بتقوية علاقاته مع جميع أجزاء الهيكل السياسي المصري وتحديداً حركة الضباط الأحرار، والتي تمكنت بفضل الدعم الإخواني من إنهاء الملكية المصرية عام 1952.
كما كان لسيد رمضان دور مهم في بقاء الحركة الإخوانية بعد اغتيال البنا ودعم المرشد الجديد، إذ قام بتقوية علاقاته الخارجية للحصول على الدعم المالي السخي من بعض الدول العربية خاصة السعودية، التي كانت تخشى الشيوعية هي الأخرى، وكان البنا قبل اغتياله معتاداً على الذهاب إلى السعودية من أجل المال.
من جهة ثانية، كان الدبلوماسيون الأميركيون في مصر والسعودية على اتصالات دائمة مع الإخوان، وهذا ليس بالأمر المستغرب بعد أن وصل عدد الإخوان في مصر وخارجها إلى ملايين الأعضاء، وانجذبت الولايات المتحدة لهم بسبب مناهضتهم للحركة الشيوعية "الملحدة".
لعب دور الوسيط العميل البريطاني المعروف بعبدالله فيلبي، واسمه الحقيقي هو هاري سانت جون بريدجر، وتحوله إلى الإسلام لم يكن إلا ظاهرياً فقط من أجل تحقيق غاياته، فمعروف عنه انه كان ملحداً عندما درس في جامعة كمبريدج، واستطاع على مدى السنوات اللاحقة تحقيق العديد من المكاسب المادية من أعمال تجارية، فكان أول وكيل لسيارات فورد الأميركية في السعودية، ووكيلاً لشركة النفط "ستاندر اويل اوف كاليفورنيا"، هذا بخلاف العطاءات المجزية التي منحه إياها الملك عبدالعزيز.
وفي ظل التنافس البريطاني الأمريكي على نفط الشرق الأوسط، وافقت بريطانيا على تنازلها عن النفط السعودي لأمريكا شريطة استحواذها وحدها على نفط الخليج والعراق وإيران.
عمل سيد رمضان بإخلاص وتفانٍ من أجل الحركة الإخوانية، خاصة بعد بلوغ جمال عبدالناصر لتحريرمصر، وكانت السعودية أحد أهم الداعمين له، وذلك بعد بروز السعودية بعد الثروة النفطية كقوة إقليمية منافس لمصر في المنطقة العربية، كما قامت الولايات المتحدة هي الأخرى بتعزيز دور سيد رمضان، وقام الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور باستقباله في البيت الأبيض عام 1953، وكان رمضان حينها يبلغ من العمر 27 عاماً فقط، وتوفي عام 1995 في سويسرا.
من المرجح أن سيد رمضان وُلد عام 1926، وفي عام 1946 قام حسن البنا بتعيينه سكرتيراً شخصياً، وكذلك محرراً في جريدة "الشهاب" الإخوانية، ثم توطدت علاقته أكثر بالبنا وأصبح اكثر قرباً منه بعد زواجه من ابنته، وفي عام 1945 سافر إلى القدس ولاحقاً إلى عمّان ودمشق وبيروت من أجل افتتاح فروع مراكز الإخوانيات في تلك المدن.
وتعتبر حركة "حماس" الفلسطينية أول مركز إخواني "غير مُعلن" يتم افتتاحه في القدس عام 1945، مع العلم أن اسم "حماس" لم يتم اعتماده لمقر الإخوان الفلسطيني إلا في حلول ثمانينات القرن الماضي، وفي العام 1947 وصل عدد مكاتب الإخوان في فلسطين إلى 25 مكتباً، وبلغ عدد افراده نحو 20 ألف فرد، وكل ذلك في فترة قصيرة بسبب دهاء سيد رمضان.
ولم يكتفِ رمضان بالعواصم العربية، بل اتجه أيضاً إلى الدول الإسلامية ومنها باكستان، حيث نجح في تأسيس حركة إخوانية باكستانية بزعامة أصولي اسمه أبوالأعلى المودودي، ونال رمضان الكثير من المساحة الإعلامية الباكستانية وعاش هناك بعد اغتيال البنا، ولم يعد إلى مصر إلا في العام 1950، ولكن قبل عودته إلى مصر كان رمضان قد نجح في تأسيس كتيبة عسكرية من الطلبة الأصوليين تحت اسم "تنظيم الطلبة المسلمين"، وعلى مستوى الأردن وفلسطين نجح رمضان في تأسيس حركة شبيهة تحت اسم "حزب التحرير الإسلامي"، وتوسع في الانتشار في الأردن إلى أن اصبح مقره الرئيس في ألمانيا.
نجاحات سيد رمضان المتعددة هي ما شجع الولايات المتحدة على ضرورة استمالته واتخاذه حليفاً لها، واستقباله استقبال الملوك في البيت الأبيض عام 1953، وكذلك سويسرا هي الأخرى احتضنت رمضان ووافقت بمباركة أميركية في تأسيس مركزه الإسلامي في جنيف ستينات القرن الماضي، وذلك بسبب مواقفه المناهضة للشيوعية والتي تحاربها سويسرا أيضاً.
ولكن الفرحة الأوروبية الأمريكية لم تكتمل؛ فبسقوط الملكية في العراق خمسينات القرن الماضي وتحولها نحو الشيوعية، وكذلك نجاح جمال عبدالناصر في إذاعة "صوت العرب"، والتي استطاع من خلالها تجييش مشاعر العرب وتكريس القومية العربية، التي استحسنها العرب عموماً، وشكلت خطراً على الهيمنة الاوروبية الأميركية على الوطن العربي عبر الإخوان المسلمين.
لم تكن السياسة الإخوانية أيضاً بتلك السهولة كي تنهزم، خاصة وأن المال كان يأتيها من الشمال والشرق والغرب، فكان التنظيم الإخواني يعمل على جذب فئة الطلبة من أصحاب التخصصات العلمية والإدارية، ليصوروا لهم أن السياسة الأميركية ذات قيم دينية بينما السياسة السوفييتية إنما سياسة ملحدة، وكانت الأصولية الإسلامية عبارة عن سلاح حاربت به الولايات المتحدة عدوها اللدود الاتحاد السوفييتي.
وعمل الإعلام الأمريكي في الخمسينات على تصوير بلاده على أنها دولة تقية دينية، بينما يضطهد الاتحاد السوفييتي الدين واتباعه.
كانت الولايات المتحدة تنطلق بشكل أعمى لمحاربة الشيوعية بالإسلام السياسي، وها هي اليوم تشرب السم نفسه الذي صنعته بيدها! فكان بإمكانها محاربة الشيوعية باستحداث وسائل أخرى دون الحاجة إلى استخدام الدين، ولكنها استخدمت أخطر أداة على وجه الأرض ألا وهي "الإخوانيات".
وعن سرد تاريخي لجرائم الإخوان، أوردته بعض المصادر؛ كان:
- محاولة إغتيال زعيم الأمة سعد باشا زغلول .
- إغتيال رئيس وزراء مصر أحمد باشا ماهر .
- إغتيال رئيس وزراء مصر محمود فهمى باشا النقراشى .
- محاولة إغتيال رئيس وزراء مصر إسماعيل باشا سرى .
- محاولة إغتيال رئيس وزراء مصر إسماعيل باشا صدقى .
- إغتيال الوزير محمود باشا عثمان .
- إغتيال الوزير بطرس باشا غالى .
- محاولات متكررة وفاشلة لإغتيال زعيم الوفد مصطفى باشا النحاس .
- حريق القاهرة فى الخمسينيات .
- محاولة قتل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى حادث المنشية .
- حريق الأوبرا .
- إغتيال الأديب والمفكر السياسى فرج فودة .
- إغتيال الشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف .
- إغتيال الكاتب الكبير يوسف السباعى .
- إغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات .
- إغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب .
- محاولة إغتيال اللواء النبوى إسماعيل وزير الداخلية .
- محاولة إغتيال اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية .
- محاولة إغتيال اللواء زكى بدر وزير الداخلية .
- محاولة إغتيال اللواء حسن الألفى وزير الداخلية .
- محاولة إغتيال د. عاطف صدقى رئيس وزراء مصر وقتل طفلة أثناء المحاولة .
- سلسلة حرائق أقسام الشرطة وتفجيرها وقتل أفراد الحراسة .
- سلسلة حرائق أندية الفيديو والملاهى الليلية .
- مذبحة الأقصر ومقتل أكثر من تسعون سائحآ .
- إطلاق النيران على أتوبيسات السياحة وتفجيرها .
- مقتل سائحة ألمانية على طريق الصعيد .
- تفجير فندق أوروبا بشارع الهرم ومقتل أربعة وسبعون سائحآ .
- محاولة إغتيال الكاتب الكبير نجيب محفوظ .
- سلسلة إنفجارات الأتوبيسات السياحة أمام المتحف المصرى .
- إنفجارات شرم الشيخ .
- إنفجارات دهب .
- إنفجارات خان الخليلى .
- إقتحام السجون وتهريب قيادات الإخوان ومن بينهم مرشح الرئاسة محمد مرسى .
- تهريب مجموعة من مجاهدى حماس فى نفس اليوم " جمعة الغضب ".
لقد البيان، وقد تبرأ فيه الأستاذ «حسن البنا» من الجرائم واستنكرها، وشهد للنقراشى خير الشهادات, كما اختزل دعوة الإخوان وحصرها على النواحى الدينية، ولكن الإخوان كانوا فى حالة هستيرية من الفرح والسرور، ورأوا أن ذلك اعتراف رسمى من الحكومة بهم وأنها تخافهم، وترى أن استتباب الأمن لا يتم إلا برضاهم.. الخ.. بينما أخذ آخرون يعدون حقائبهم ويجهزون أنفسهم للخروج! وعند الساعة الثالثة تقريباً فوجئنا بقدوم الصاغ محمود لبيب (40), وعلمنا أنه قد قبض عليه اليوم ظهراً, بعد أن حار المخبرون فى معرفة عنوانه فأخذوه من الشارع وذهبوا به إلى المحافظة، ومنها إلى المعتقل، ولم يسمحوا له بأخذ شيء من متاعه أو حتى مكالمة أهله تليفونياً, فجاء مدهوشاً، لا يحمل شيئاً من المتاع أو الملابس ماعدا قفازه التقليدي!
الأربعاء 21/1/94 ظهراً
خلوة رائعة.. فى الحوش الرملى الواسع، وتحت أشعة الشمس الجميلة، وفى يدى قدح كبير من القهوة صنعته على النار، استيقظنا اليوم متأخرين (ولعل هذا هو السبب فى ضياع شاى الصباح علينا)، وسمعنا صوت الرياح تفيدنا أن اليوم عاصف، ولعله بارد، إذن فلنبق فى الفراش، ولنتناقش فى الأمور السياسية كما هى العادة، وقد تناولنا قرار حزب الوفد
بعدم الاشتراك فى الوزارة وأدليت أنا برأي، وهو أن الوفد قد أخطأ خطأ تاريخياً جسيماً, لا لأن الاشتراك فى الوزارة سيتيح له تسوية لا بأس بها فى الانتخابات المقبلة، ولكن لأنه لو انضم لاستطاع مع الحكومة أن يسحق- أو على الأقل- يدّحض شوكة الإخوان, ومن له بمثل هذه الفرصة الرائعة لسحق هذا العدو العنيد؟، وها هو ذا يضيعها بحماقته، وقصر نظره، ولو كان نظره أطول، لعرف أن تحطيم الإخوان هو من ناحية أهم شيء, وهو التأمين الوحيد له، وقد أجمعت الآراء على مثل هذا الرأى تقريباً.
أريد أن أقول كلمة عن احتفال أمس بليلة المولد النبوي، فقد (كلمة غير مقروءة) على الإخوان احياؤها رسمياً، فأقاموا حبلاً من الأنوار الملونة فوق مبانى المعتقل منذ المغرب, وبعد العشاء بدأ موكب فى السير مترنماً بأناشيد المولد على غرار أصحاب الطرق الصوفية، وقد كان الموكب يميل إليها أكثر مما يميل إلى الاستعراضات العسكرية، وبالجملة فإنه لم يحز قبولي، رغم موافقتى على الفكرة نفسها، ثم تلت الموكب حفلة ساهرة امتدت من التاسعة حتى الحادية عشرة والنصف مساء، وبدأت بتلاوة القرآن ثم كلمة افتتاح من الاستاذ عابدين، ثم قصيدة من الشيخ صادق -40- أحد إخوان الإسماعيلية، وقصيدة أخرى من الشيخ على (41) أحد إخوان إمبابة، ثم كلمة- غير موفقة- من أحمد عبدالجليل (43) وقصيدة من جمال السنهورى (44), وكلمة من مصطفى مؤمن.. وأخرى من فريد عبدالخالق، وقصيدة من الأستاذ عابدين، وكلمة النهاية من الأستاذ عبدالرحمن.
توفيقاً عجيباً، كما كانت الكلمات رائعة، ولا سيما كلمة الختام، التى كانت حماسية, حتى لقد خيل إلىّ أن الأستاذ عبدالرحمن منفعل فعلاَ، ولما أخبرته بذلك آخر الليل، وقبيل أن ننام ابتسم وقال كلمة واحدة «إثارة الجماهير»، وهذا لا يمنع من اعتقاده هو فيما قال، لكن الكلمة هنا تعود على الطريقة، وقد دهشت حقاً فإننى- وهذه هى مهزلة الجماعات ومأساتها- لوكانت لى هذه الموهبة، لقفزت الجماعة -45- ولاكتسبت أتباعاً بصرف النظر عن صحة المبدأ أو قداسة الغاية.
من المؤسف حقاً أن توجد مثل هذه المجموعة من الألسنة القوية البليغة فى الإخوان, وتحرم منها بقية الجماعات «فليس الشك فى أنها لا توجد فى جماعة أخري», لكن كان لابد من ذلك لأن التراث الأدبى العربى لا يجد مجاله إلا فى مثل الإخوان، أى فى جماعة رجعية أو دينية, أما التقدم فليس غريباً وليس أصحابه من ذوى الألسن البليغة أو الدراية الدقيقة.
هل هناك ما هو أشد أسفاً مما نشاهد.. ونعي، أن تتخبط هذه الأمة فى فترة الانتقال، وأن تتغلب القوى الرجعية، بعد طول التعب، وكثرة النصب، وفداحة التضحيات.
الدين.. الدين
بعد كتابة ما تقدم انتابنى طائف من الحزن العميق، والفكر المؤلم والخواطر الممرضة عن الجماعة (46) من ناحية، وعن مشاكل الخروج التى كنت أراها رأى العين, وأرى الفترة القاسية, التى ستستقبلنى بمجرد أن أستدبر أبواب المعتقل.
عندما قدمت إلى المعتقل سألنى الاستاذ عابدين أن أشترك فى البرنامج الثقافى, فرفضت, ثم سألنى مرة أخرى فرفضت مرة أخري، وأخيراً سألنى منذ بضعة أيام بمناسبة تفيد تعديل البرنامج الثقافى فقبلت، بعد أن ضم فريد عبدالخالق صوته وحدد لى اليوم، وكانت المحاضرة ابتداء سلسلة عن «النظرية الماركسية», وبعد صلاة العشاء قام الأستاذ عابدين ونبه إلى أن المحاضرة ستكون كالعادة الساعة الثامنة تماماً، فسئل: ومن سيحاضر فقال: الأستاذ جمال البنا، ولكن بصوت منخفض لأن السؤال الموجه إليه كان سؤالاً فردياً من جاره.
عندما جاءت الثامنة حضر إليّ الأستاذ عابدين وتأبط ذراعى وتهيئنا جميعاً فى عنبر الإدارة للذهاب, ودخلت مع الأستاذ عابدين يداً بيد ففوجئنا بالعنبر مظلماً، وشاغلوه جميعاً نيام يشخرون!، ولم نفهم الفكرة لأول وهلة، وقد ابتسمت بسلامة نية وقلت: «السلام عليكم دار قوم.....», وسكت لأنى بدأت أفهم، وأتمها عابدين: «ميتين» ثم فهم أيضا فغضب غضباً شديداً وأقسم بالله أنه لن يدخل هذا العنبر متكلماً أو مستمعاً، وخرجنا حيث انفجر عابدين وثار وتكبكب بعض الإخوان من العنابر الأخري، وارتفعت الأصوات هنا وهناك تخطئ هذا التصرف الوقح، بينما تشنج أحد الإخوان، وقد طلب إليّ أن ألقى المحاضرة فى عنبرنا, لكنى رفضت اتباعاً لرأى الأستاذ عبدالرحمن الذى كان منفعلاً أكثر مني.. وأعجب من ذلك أن حضر بعض إخوان العنبر المسيء ليقول إنهم لم يقصدوا إساءة رؤساء الإخوان، وإنما كانوا يقصدون الاستاذ جمال البنا فحسب، وأنهم على استعداد للاعتذار إليهم، فأثار هذا المنطق السقيم ثائرتهم من جديد، ورفض الاعتذار بالإجماع مالم يكن إليّ.. وليس إليهم، مادمت أنا المقصود بالإهانة.
وقد كنت وسط هؤلاء الثائرين وأمام هذه النفوس التى تغلى بالانفعال آخرهم تأثراً، والواقع أننى لم استشعر إهانة ما, فقد مرنت من زمن على تلقى إهانات الإخوان من هذا النوع، وشعورى نحوهم مزيج من الرثاء.. والرحمة.. والاحتقار.
المهم أن هذا العمل، بالطريقة الصبيانة التى صدر بها، قد كشف عن نقص كبير فى تربية الإخوان وطرقهم الادارية، وقد كان من جراء هذا الخطأ أن ألغى البرنامج الثقافى كله.
الخميس 31/1/94
ضربنا اليوم الرقم القياسى فى البقاء بالغرف فمنذ الثانية حتى الغروب والرياح العاصفة المشبعة بالغبار تهب بشدة وقسوة لا مثيل لها، وبلا انقطاع، وكان البقاء خارجاً مستحيلاً، ولم أخرج إلا مرتين لعمل الشاى والوضوء، وأعجب من ذلك أننا لم نتضايق، وقد قرأت نحو 250 صفحة من كتاب «ضحى الإسلام».