تونس للبيع؟ انطلقت سنة 2008 (من كانون الثاني/يناير إلى تموز/يوليو 2008) حركة احتجاجية واسعة في منطقة "الحوض المنجمي"، وهي منطقة إنتاج الفوسفات، أهم سلعة تُصَدِّرُها البلاد، في الجنوب الغربي للبلاد، للمطالبة بخلق الوظائف والإستثمار في تنمية المنطقة، وحاصر الجيش وقوات الشرطة المنطقة (خلال فترة حكم الجنرال زين العابدين بن علي)، وبقيت الحركة الإحتجاجية محصورة في ولاية (محافظة) "قَفْصَة" وجابهها الجيش والشرطة بقمع دموي، أدى إلى استشهاد وجرح واعتقال عديد المواطنين، وانطلقت انتفاضة أواخر 2010 وبداية 2011 من محافظة "سيدي بوزيد" المُجاورة، وانتشرت بسرعة إلى ولايات (محافظات) الوسط والجنوب الغربي، ثم بلغت العاصمة والمناطق الساحلية بعد حوالي أسبوعَيْن... بعد سبع سنوات من الإنتفاضة، لم يَتَحَسّنْ وضع الفقراء والعُمال والأُجراء، بل ارتفعت حِدَّةُ البطالة والفَقْر، مع ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة المحلية (الدّينار)، وعاد سُكان المناطق المحرومة للإحتجاج، وتَعَطَّل إنتاج الفوسفات عدة مرات، لأن الحكومات المتعاقبة لم تحترم الإتفاقيات ولم تُنَفِّذ التزاماتها، وأعلن رئيس الحكومة يوم الخامس من آذار/مارس 2018 "التّخَلِّي عن كافة الوعود التي قُدِّمَتْ أثناء المفاوضات بما فيها عمليات توظيف ونتائج اختبارات التوظيف التي كانت سَبَبًا مباشرًا للاحتجاجات الأخيرة" التي عَطّلت إنتاج الفوسفات بالكامل لعدة أسابيع، وأعلنت الحكومة اعتزامها ملاحقَةَ المسؤولين عن تعطيل انتاج الفوسفات الذي بلغ 4,1 ملايين طنا سنة 2017، وتطمح الحكومة إلى رفع الإنتاج إلى 6,5 ملايين طنا سنة 2018، لكن هذا الهدف لن يتحقق إذا عادت الإحتجاجات بسبب استخفاف الحكومة بالتزاماتها وبالمطالب المَشْرُوعة للمواطنين... لا تستطيع الحكومة وأحزابها (الإخوان المسلمون والدساترة) تقديم بيان إيجابي واحد، فكل المُؤَشِّرات تُظْهِرُ استخفاف الحكومة بحالة الإفلاس وبمعاناة الأغلبية الساحقة من المواطنين، وأكَّدت بيانات المصرف المركزي استمرار انخفاض قيمة الدّينار، وانخفاض مخزون احتياطي العملة الأجنبية، وارتفاع قيمة العجز التجاري (الفارق بين الصادرات والواردات)، مع استمرار ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم، وأعلنت وزارة المالية ارتفاع قيمة ونسبة الدَّيْن العُمُومِي من حوالي 62% من إجمالي الناتج المحلي بنهاية سنة 2016 إلى نحو 70% من الناتج المحلي بنهاية 2017، وفاق الدَّيْن الخارجي (بالعملة الأجنبية) 48% من إجمالي الناتج المحلي، وارتفعت قيمة "خِدْمَة الدّيْن" من 5200 مليون دينارا سنة 2016 إلى أكثر من سبعة آلاف مليون دينارا سنة 2017، وكانت قيادة الإتحاد الأوروبي (المُفَوِّضِية) قد أدرجت البلاد ضمن قائمة الدول "مُرْتَفِعة المخاطر" في مجال غسيل الأموال ذات المصادر المشبوهة، وتمويل الإرهاب، فيما يُطالب صندوق النقد الدّولي بمزيد من الضّغط على الأُجَراء والفُقَراء وتسريح عشرة آلاف موظف حكومي سنويا لفترة خمس سنوات مع تجميد التوظيف وتأخير سن الإحالة على التقاعد مع خفض الجرايات، وخصخصة التعليم والصحة والمرافق من كهرباء ومياه وطرقات وغيرها... من جهة أُخْرَى، أظْهرت بيانات معهد الإحصاء إن عدد الفقراء لا يصل إلى 1,7 مليون نسمة، وفي دراسات أخرى رفَعَ العدد إلى حوالي 1,9 مليون نسمة أو ما يعادل 15% من إجمالي عدد السكان، بينما حددت ميزانية الدولة لسنة 2017 عدد المنتفعين ببطاقات العلاج المجانية أو منخفضة التكلفة بقرابة ثلاثة ملايين نسمة (حوالي 700 ألف أُسْرَة) واعتبر مدير المعهد الوطني للإحصاء خلال تصريح إذاعي "إن المواطن التونسي الذي يزيد إنفاقه على 1085 دينارا سنويا، بمعدل 90 ديناراً شهريا لا ينتمي إلى فئة “الفقراء"، ما يجعل نسبة الفقراء لا تزيد عن 15,2% من إجمالي السكان، وتُناقض هذه التصريحات بيانات البنك العالمي (وهو ليس صديقًا للعُمّال أو الأجراء أو الفُقَراء) الذي قدر خط الفقر المدقع سنة 2015 بنحو 1,9 دولار للشخص الواحد في اليوم (من الدّخل وليس من الإنفاق كما صرح مدير معهد الإحصاء في تونس)، أي ما يعادل 4,580 دينار تونسي في اليوم أي 137 ديناراً في الشهر (بدل 90 دينارا)، مع العلم إن خط الفقر يختلف من مكان إلى آخر، ففي أوروبا الغربية يُعتبر فقيرًا من يقل دخله عن حوالي ألف يورو شهريا (أو حوالي 32 ضعف المعدل في تونس)... بلغت نسبة البطالة –وفق البيانات الحكومية- 15,3% من القادرين على العمل أواخر سنة 2017 فيما تراوحت النسبة بين 32% و25% في مُحافظات الجنوب، مع الإشارة أن 1,1% من المواطنين معظمهم من القادرين على العمل يعيشون بصفة قانونية في الخارج (هِجْرَة نظامِيّة)، إضافة إلى مئات الآلاف من المُهاجرين غير النّظامِيِّين... عن وكالة "وات" + أ.ف.ب + مواقع الصحف التونسية 06/03/18... عين رئيس الحكومة محافظًا جديدًا للمصرف المركزي، وهو موظف سابق في البنك العالمي، ولدى الحكومة التونسية منذ فترة حكم زين العابدين بن علي، وأعلن خلال أول ندوة صحفية (يوم الخميس 08/03/2018) إن المؤشرات الاقتصادية سَيِّئَة وتعكس عمق الأزمة، ومن مظاهرها ارتفاع عجز ميزان "المعاملات الجارية" بنسبة 10% وتراجع احتياطي النّقد الأجنبي إلى مستوى غير مسبوق يكفي لتغطية ثمانين يوم من الواردات، مما يُؤَدِّي إلى انخفاض قيمة العملة المحلية (الدّينار) التي أَمَرَ صندوق النقد الدّولي بتعويمها، كشرط للقرض الأخير بقيمة 2,9 مليار دولارا، ويؤدّي انخفاض قيمة الدّينار إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي ارتفاع نسبة التضخم، من 6,9% خلال شهر كانون الثاني/يناير إلى 7,1% على أساس سنوي، في شباط/فبراير 2018 ويُتوقع أن يزيد معدل التضخم السنوي بنهاية سنة 2018 عن 7,2%، وكنتيجة مُباشرة لارتفاع نسبة التضخم، رفع المصرف المركزي نسبة الفائدة من 5% إلى 5,75% (وهي نسبة فائدة الإقتراض ما بين المصارف وليست نسبة فائدة القُروض الشخصية أو قُروض الشركات)، في محاولة للحد من ارتفاع نسبة التضخم الذي بلغ مستوى قياسيا لم يشهده منذ حوالي ثلاثة عقود، مما يعني انخفاض القيمة الحقيقية للرواتب، وفقدان قيمتها أمام ارتفاع أسعار السّلع، لكن الحكومات المتعاقبة لا تهتم سوى ب"اجتذاب المُسْتثمِرين" وهو ما لم يتحقق منذ قانون "افريل 1972" الذي منح حوافز ومنح وتسهيلات عديدة لرأس المال، دون تحقيق نتائج إيجابية للبلاد (التنمية) ولا للطبقية العاملة التي انخفضت قيمة رواتبها، وساءت ظروف العمل، مقابل ارتفاع أرباح الرأسماليين الأوروبيين ("المُسْتَثْمِرِين" بِلُغة صندوق النقد الدّولي)، وأغرقت الحكومات المتتالية البلاد بالديون، وآخرها قرض بقيمة 2,9 مليار دولارا، بشروط مُجْحِفَة يَسْهر صندوق النقد الدّولي على تطبيقها من خلال مراقبة الميزانية والإنفاق الحكومي (ماذا تَبَقّى إذًا للدولة من سيادة؟)... من جهة أخرى، بلغ إجمالي ما سحبته حكومة تونس في إطار اتفاق مُبْرَم مع صندوق النقد الدولي (خارج إطار القُروض "العادية" الأخرى) حوالي 629 مليون دولارا، في نطاق ما يُسَمّى "الآلية المُوسّعَة للقرض"، لاستخدامها في "حالات خاصة"، كما تعتزم الحكومة اقتراض مليار دولارا من الأسواق المالية، بفائدة أعلى من النسبة التي يُطَبِّقُها صندوق النقد الدولي (النسبة الفعلية لقروض صندوق النقد لتونس تُعادل حوالي 5% ) قبل نهاية شهر آذار/مارس 2018 رويترز 08/03/18