تقبيل الأيادي
بقلم : ملكة الشريف
أذكر أنني عندما كنت في الصف الأول الثانوي ، وبعد عودتي من المدرسة " ناداني أبي- رحمه الله- قائلا" تعالي سلمي على عمك"
وكان عمي- رحمه الله هو الآخر- قد حضرآنذاك من الأردن، وكان صيته يسبقه في الكرم والضيافة واستقبال جميع الأقارب والمعارف من قطاع غزة عند زيارتهم إلى الأردن ، وكانت الزيارات حينها إلى الأردن أكثر سهولة ويسرا من الآن .
المهم، سلّمت على عمي حينها فنهرني أبي حينها قائلا"بوسي ايد عمك"
أحسست حينها برأسي يغلي ، و تدفق الدم كله إلى رأسي، وانحنيت أقبل يد عمي ،الذي مانع وسحب بدوره يده قائلا"استغفر الله..أستغفر الله" مما زاد من إحراجي وخجلي .
تمنيت في هذه اللحظات لو كنت "رامبو " لأفجّر المكان بما فيه .. فقد كنت أكره عادة تقبيل الأيدي وأعتبره عادات بعيدة عن ديننا ، وكنت ابرر ذلك بعدم الانحناء أمام أحد غير الله.
وتوالت الأيام... تليها السنين، وتزوجت ، وأصبحت أقبل يدي والدي زوجي أسوة بتقبيلي يدي والداي ..وكنت أقبل يديهما تبعا للعادات فقط، وشعور النقمة على هذه العادة لا يبارحني.
وتوالت سنوات العمر وغزا الشيب رأسي ..وتوفي أبي ، ولحقته أمي -رحمهما الله - بعد عدة سنوات.
ولو تعلمون الآن ...لقد أصبحت أسعى لزيارة كبار السن وخاصة الأقارب والأصدقاء منهم انحني بكل حب أمامهم لأقبل أياديهم، وكم أحس بالرضا وأنا أقبل يدي والداي زوجي.
أصبحت أحب هذه العادة وأبحث عن أصلها في عاداتنا وديننا لأجدها عادة محببة حيث كان السلف يقبلون أيدي العلماء وذوي الفضل.
لن أطيل عليكم ولكن ...!!
أريد أن أوضح فقط أنني عندما أنحني أمام كبار السن انما أرسل لهم باقة حب وإجلال لكل ما خطه الزمان من حكايات الألم والأمل ...الفرح والحزن ..اللقيا والفراق..الهجرة والاغتراب ...الموت والحياة .
لكل خط من هذه الخطوط حكاية في العمر..فلو تأمل الشباب والشابات هذه الحكايا لانحنوا جميعا يقبلوا أيدي الكبار بكل حب واحترام وإجلال.