بسم الله الرحمن الرحيم
65- من دروس القران التوعوية :
{كُونُوا رَبَّانِيِّينَ }:- ( اضاءات قرانية على مفهوم كلمة رباني في القران الكريم) ..
الرباني منسوب الى رب ؛ و مفهوم كلمة رب يتضح لنا من الاستعمال اللغوي للمفردة ؛ فرب الشيء مالكه المعتني به ؛ المدبر للامره ؛ والمالك له ؛ فنقول رب الدار ورب البيت ورب المزرعة اي مالكها ؛ ورب الاسرة كبيرها ووليها والمدبر المشرف على امور افرادها ؛ فرب الشيء هو صاحبه ومالكه الدبر لشؤونه ووليه االمتصرف باموره ومربيه الذي يوفر له كل ما يحتاجه لامور حياته ؛ وموجهه الذي يوجهه لما ينفعه ويبعده عما يضره؛ ورباه تكفله بالرعاية والعناية حتى كبر؛ وراه علمه ما ينفعه ليتبعه وبصره بما يضره ليجتنبه ؛ وربه القدر طلاها و صقلها...
والرب بال التعريف تعني رب العالمين الاله الذي خلق الخلق ودبر امور وجودهم ومعاشهم وحياتهم ومماتهم؛ فهو رب العالمين و ربهم بالايجاد وربهم بالارزاق وربهم بالشرائع ورسالات الهداية والنور والرعاية والعناية .. وتطلق في حق غيره سبحانه مضافة ؛ كرب البيت والدار والعمل ... وتذكر وتؤنث في حق الخلق فنقول ربة البيت وربة المنزل عن المرأة التي تدبر امور البيت والمنزل ؛ وربة المزرعة عن المرأة التي تملكها ...
ومن هنا سموا قائد السفينة والمركب رُبان؛ لانه يتولى تدبير امرها ومتابعة احوال البحر اثناء سيرها فيه ومتى يرسو ومتى يبحر واين يرسوا وما يلزم لاصلاح ما يعطب فيها ...
من هنا نستطيع ان شاء الله استلهام مضمون قوله تعالى- (كونوا ربانيين)- في قوله تعالى: -{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79)ال عمران}..
ولفقه هذه الاية الكريمة يجب ان تؤخذ في سياقها الذي جاءت فيه ،فقد جاءت الاية في معرض الحديث عن اهل الكتاب وبيان الشناعات التي ارتكبوها في مسار حرفهم للرسالة التي حملوها ؛ واستباحتهم الافتراء على الله ونسبة ما ليس من قوله اليه ليظنه الناس من قوله تعالى؛ فبين الله تعالى انه لم يرسل رسولا او يبعث نبيا بالكتاب والحكم والنبوة ليستعبد الناس لنفسه فيعظمون شخصه ويقدسونه من دون الله تعالى؛ كما كانت تفعل الاحبار والرهبان وكبراء الطوائف من اهل الكتاب وما زالوا؛ وللاسف تبعهم كثير من اهل الاسلام ففرقوا دينهم شيعا كل حزب بما لديهم فرحون .. لان كبراء الطوائف يسترزقون بتعبيد الاتباع لهم؛ وتاليه انفسهم في نظرهم؛باحاطة انفسهم بهالة من القداسة والمكانة والحصانة تجعلهم فوق مستوى البشر ..فيحللون لهم ويحرمون عليهم بما تهوى انفسهم..فلذلك اجروا على الله تعالى مسألة الحلول والاتحاد في مذهبي النصارى واليهود الارثذوكس والكاثوليك الذي ضاهئوا به قول كفرة فلاسفة الاغريق من قبل ؛ ليقربوا ويسوغوا للناس فكرة تأليه الانسان بتأليه الرسل؛ وبالتالي تأليه زعماء طوائفهم وكبرائهم ليستعبدوا عباد الله تعالى من دون الله :{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)التوبة}.. وقد "قدمَ [ عديُّ بنُ حاتمٍ ] على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو نصرانيٌّ فسمعه يقرأُ هذه الآيةَ : اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ قال : فقلتُ له : إنَّا لسنا نعبدُهم ، قال : أليسَ يحرمونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمونَه ، ويحلُّونَ ما حرَّمَ اللهُ فتحلُّونَه ، قال : قلتُ : بلى ، قال : فتلك عبادتُهم" ..
وقد اخبرنا الله عز وجل ان مقصد تنزيله للتوراة كان :{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴿٤٤﴾المائدة} .. فبين لنا هنا ان التوراة - الكتاب المقدس عند اليهود والعهد القديم عند النصارى- انزلت لتكون دستور حكم يتبعها الربانيون
والربانيون هنا غير الاحبار؛ اي الحكام السياسيون الذين يدبرون امر الرعية بشرائع الرب؛ والاحبار هم العلماء الذين يعلمون الكتاب ويحفظونه واستحفظوا عليه ليكون امانة في اعناقهم يحكمون به بين الذين اسلموا قيادهم لهم واتبعوهم ؛فيكونون بذلك لو قاموا به شهداء على من ادوا اليهم امانة ما استحفظوا؛ والاصل ان يقولوا بحكم الله للناس ولا يخشون الناس بل الله احق بالخشية؛الا انهم باعوا ايات الله بثمن قليل بخس فحكموا للناس بما تهوى الانفس حفاظا على منصب زائل وكرسي ذاهب ومال فان؛ فكفروا بربهم الخالق ارضاءً للخلق ..فلذلك نجد التفريق بين الاحبار وبين الربانيين في القران بانهما شيئين متغايرين؛ والاصل فيهما ان يكونا نهجهما واحدا:-
{لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴿٦٣ المائدة﴾} فكان من حكمة السياسين المبصرين بعواقب الامور والاحبار العارفين بتائجها ان يمنعوهم عن التعامل بلقول والفعل الحرام والظلم؛ خاصة في جانب المعاملات مع الاخرين في الامور المالية والمجتمعية ؛ لان عواقب ذلك ستكون عليهم مهلكة انية مباشرة؛ بما تثيره في نفوس الناس من كراهية وبغضاء وضغائن تجاههم!!! .. والاحبار كما بينا هم اهل العلم بالكتاب وامور النبوة؛ واما الربانيون فهم اهل السياسة والتدبير والاصل فيهم ان يكونوا اهل علم ودراية بشرائع الله التي انزلها ليرب بها الخلق ؛ وهذا ما جاء في اية ال عمران السابقة اعلاه :{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} فقوله تعالى كونوا ربانيين بما تُعلمون الكتاب وبما كنتم تَدرسون: دل على ان من مهمة القائد والسياسي الرباني تعلم كتاب الله تعالى ودراسته وتعليمه وتدريسه للاخرين !!!
وبالتالي نقول الامم بحاجة الى وجود علماء ربانيين؛ ونقصد بهم العلماء المستمدون علمهم من كتاب رب العالمين والقاصدين وجهه لا يبغون من احد من الخلق اجرا، والذين هم مبصرون مستبصرون بنور كتاب الله بمآلآت الامور والعواقب؛ وما يلزم لصلاح الحال واصلاح الاحوال؛ في تدبير امور الخلق ورعاية شؤونهم ..
اخرج البخاري ومسلم عن عن التابعي أبي حازم -سَلْمان الأشجعيّ- قال: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ، عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: "كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِيَاءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وإنَّه لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ، قالوا: فَما تَأْمُرُنَا؟ قالَ: فُوا ببَيْعَةِ الأوَّلِ، فَالأوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فإنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ".
اللهم ارزق امتنا بعلماء ربانيين يقودونها الى منهج هدايتك بنور كتابك وسنة نبيك؛ وخلصنا اللهم من علماء كهنوت الطوائف الذين فرقوا كلمتنا وجعلونا طوائف واحزابا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون؛ ففشلنا وذهبت ريحنا ...فانت ربنا ورب كل شيء اليك وحدك الملتجأ والشكوى وبك نستنصر يا ولي وناصر المستضعفين ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
65- من دروس القران التوعوية :
{كُونُوا رَبَّانِيِّينَ }:- ( اضاءات قرانية على مفهوم كلمة رباني في القران الكريم) ..
الرباني منسوب الى رب ؛ و مفهوم كلمة رب يتضح لنا من الاستعمال اللغوي للمفردة ؛ فرب الشيء مالكه المعتني به ؛ المدبر للامره ؛ والمالك له ؛ فنقول رب الدار ورب البيت ورب المزرعة اي مالكها ؛ ورب الاسرة كبيرها ووليها والمدبر المشرف على امور افرادها ؛ فرب الشيء هو صاحبه ومالكه الدبر لشؤونه ووليه االمتصرف باموره ومربيه الذي يوفر له كل ما يحتاجه لامور حياته ؛ وموجهه الذي يوجهه لما ينفعه ويبعده عما يضره؛ ورباه تكفله بالرعاية والعناية حتى كبر؛ وراه علمه ما ينفعه ليتبعه وبصره بما يضره ليجتنبه ؛ وربه القدر طلاها و صقلها...
والرب بال التعريف تعني رب العالمين الاله الذي خلق الخلق ودبر امور وجودهم ومعاشهم وحياتهم ومماتهم؛ فهو رب العالمين و ربهم بالايجاد وربهم بالارزاق وربهم بالشرائع ورسالات الهداية والنور والرعاية والعناية .. وتطلق في حق غيره سبحانه مضافة ؛ كرب البيت والدار والعمل ... وتذكر وتؤنث في حق الخلق فنقول ربة البيت وربة المنزل عن المرأة التي تدبر امور البيت والمنزل ؛ وربة المزرعة عن المرأة التي تملكها ...
ومن هنا سموا قائد السفينة والمركب رُبان؛ لانه يتولى تدبير امرها ومتابعة احوال البحر اثناء سيرها فيه ومتى يرسو ومتى يبحر واين يرسوا وما يلزم لاصلاح ما يعطب فيها ...
من هنا نستطيع ان شاء الله استلهام مضمون قوله تعالى- (كونوا ربانيين)- في قوله تعالى: -{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79)ال عمران}..
ولفقه هذه الاية الكريمة يجب ان تؤخذ في سياقها الذي جاءت فيه ،فقد جاءت الاية في معرض الحديث عن اهل الكتاب وبيان الشناعات التي ارتكبوها في مسار حرفهم للرسالة التي حملوها ؛ واستباحتهم الافتراء على الله ونسبة ما ليس من قوله اليه ليظنه الناس من قوله تعالى؛ فبين الله تعالى انه لم يرسل رسولا او يبعث نبيا بالكتاب والحكم والنبوة ليستعبد الناس لنفسه فيعظمون شخصه ويقدسونه من دون الله تعالى؛ كما كانت تفعل الاحبار والرهبان وكبراء الطوائف من اهل الكتاب وما زالوا؛ وللاسف تبعهم كثير من اهل الاسلام ففرقوا دينهم شيعا كل حزب بما لديهم فرحون .. لان كبراء الطوائف يسترزقون بتعبيد الاتباع لهم؛ وتاليه انفسهم في نظرهم؛باحاطة انفسهم بهالة من القداسة والمكانة والحصانة تجعلهم فوق مستوى البشر ..فيحللون لهم ويحرمون عليهم بما تهوى انفسهم..فلذلك اجروا على الله تعالى مسألة الحلول والاتحاد في مذهبي النصارى واليهود الارثذوكس والكاثوليك الذي ضاهئوا به قول كفرة فلاسفة الاغريق من قبل ؛ ليقربوا ويسوغوا للناس فكرة تأليه الانسان بتأليه الرسل؛ وبالتالي تأليه زعماء طوائفهم وكبرائهم ليستعبدوا عباد الله تعالى من دون الله :{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)التوبة}.. وقد "قدمَ [ عديُّ بنُ حاتمٍ ] على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو نصرانيٌّ فسمعه يقرأُ هذه الآيةَ : اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ قال : فقلتُ له : إنَّا لسنا نعبدُهم ، قال : أليسَ يحرمونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمونَه ، ويحلُّونَ ما حرَّمَ اللهُ فتحلُّونَه ، قال : قلتُ : بلى ، قال : فتلك عبادتُهم" ..
وقد اخبرنا الله عز وجل ان مقصد تنزيله للتوراة كان :{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴿٤٤﴾المائدة} .. فبين لنا هنا ان التوراة - الكتاب المقدس عند اليهود والعهد القديم عند النصارى- انزلت لتكون دستور حكم يتبعها الربانيون
والربانيون هنا غير الاحبار؛ اي الحكام السياسيون الذين يدبرون امر الرعية بشرائع الرب؛ والاحبار هم العلماء الذين يعلمون الكتاب ويحفظونه واستحفظوا عليه ليكون امانة في اعناقهم يحكمون به بين الذين اسلموا قيادهم لهم واتبعوهم ؛فيكونون بذلك لو قاموا به شهداء على من ادوا اليهم امانة ما استحفظوا؛ والاصل ان يقولوا بحكم الله للناس ولا يخشون الناس بل الله احق بالخشية؛الا انهم باعوا ايات الله بثمن قليل بخس فحكموا للناس بما تهوى الانفس حفاظا على منصب زائل وكرسي ذاهب ومال فان؛ فكفروا بربهم الخالق ارضاءً للخلق ..فلذلك نجد التفريق بين الاحبار وبين الربانيين في القران بانهما شيئين متغايرين؛ والاصل فيهما ان يكونا نهجهما واحدا:-
{لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴿٦٣ المائدة﴾} فكان من حكمة السياسين المبصرين بعواقب الامور والاحبار العارفين بتائجها ان يمنعوهم عن التعامل بلقول والفعل الحرام والظلم؛ خاصة في جانب المعاملات مع الاخرين في الامور المالية والمجتمعية ؛ لان عواقب ذلك ستكون عليهم مهلكة انية مباشرة؛ بما تثيره في نفوس الناس من كراهية وبغضاء وضغائن تجاههم!!! .. والاحبار كما بينا هم اهل العلم بالكتاب وامور النبوة؛ واما الربانيون فهم اهل السياسة والتدبير والاصل فيهم ان يكونوا اهل علم ودراية بشرائع الله التي انزلها ليرب بها الخلق ؛ وهذا ما جاء في اية ال عمران السابقة اعلاه :{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} فقوله تعالى كونوا ربانيين بما تُعلمون الكتاب وبما كنتم تَدرسون: دل على ان من مهمة القائد والسياسي الرباني تعلم كتاب الله تعالى ودراسته وتعليمه وتدريسه للاخرين !!!
وبالتالي نقول الامم بحاجة الى وجود علماء ربانيين؛ ونقصد بهم العلماء المستمدون علمهم من كتاب رب العالمين والقاصدين وجهه لا يبغون من احد من الخلق اجرا، والذين هم مبصرون مستبصرون بنور كتاب الله بمآلآت الامور والعواقب؛ وما يلزم لصلاح الحال واصلاح الاحوال؛ في تدبير امور الخلق ورعاية شؤونهم ..
اخرج البخاري ومسلم عن عن التابعي أبي حازم -سَلْمان الأشجعيّ- قال: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ، عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: "كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِيَاءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وإنَّه لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ، قالوا: فَما تَأْمُرُنَا؟ قالَ: فُوا ببَيْعَةِ الأوَّلِ، فَالأوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فإنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ".
اللهم ارزق امتنا بعلماء ربانيين يقودونها الى منهج هدايتك بنور كتابك وسنة نبيك؛ وخلصنا اللهم من علماء كهنوت الطوائف الذين فرقوا كلمتنا وجعلونا طوائف واحزابا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون؛ ففشلنا وذهبت ريحنا ...فانت ربنا ورب كل شيء اليك وحدك الملتجأ والشكوى وبك نستنصر يا ولي وناصر المستضعفين ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...