بسم الله الرحمن الرحيم
31- حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة :-
من المفاهيم العقائدية الخاطئة القول بخلافة الانسان لله سبحانه وتعالى !!
هذا المفهوم تسرب الينا من عقائد من قبلنا من المجسمة والمجسدة الذين تصوروا لله صورة تشبه صورة الانسان سبحانه!! هذا من ناحية؛ ومن ناحية اخرى النظرات الفلسفية الشركية للإله؛ حيث تصور البعض ان الاله يحل في صورة رجل او مخلوق ويتقمص صورته؛وهم الحلوليون!! وبعضهم رأى ان الاله موزع على مفردات الوجود؛ فكل ما في الوجود من مفردات انما هي صور للاله الواحد؛ وهؤلاء هم القائلون بوحدة الوجود ؛ وعليه يقولون بانه ما عُبد في الوجود الا الله؛فعابد الصنم والوثن تجلت له صورة الاله في صنمه و وثنه؛ وعابد البقرة تجلت له صورة الاله في بقرته؛ وعابد الشمس والقمر والنجوم والنار والكواكب انما عبدوا الله الذي تجلت لهم صورته في تلك المعبودات!! تعالى الله وسبحانه عما يصفون... فالمشركون عبدوا صورا للاله وكذلك المجوس والنصارى واليهود ... فلذلك قالوا بان الاديان ما هي الا مراكب مختلفة الالوان؛! ايها امتطيت اوصلتك لشاطيء النجاة !!
وبعض الفلسفات ومنها كتاب على ما اذكر اسمه الفلسفة السياسية- كان يُدرس لابناء علية القوم في الكليات الاجنبية- ينظرون فيه للخالق جل وعلا على انه رجل ظل يتسامى ويتعالى ويرتقي بروحه حتى اصبح قوة قاهرة للعالم!!! وليس غريبا بعد عصر الترجمات للفلسفات الاغريقية الوثنية و الشرقية الفارسيةو البوذية والبرهمية والهندوكية ؛ ان نجد في ساحتنا الاسلامية من تأثر بهم وطوع نصوص الاسلام لخدمة اهوائهم وضلالاتهم؛ ومنهم الذين يقولون بحلول الاله في شخص الحاكم او شخص معين .. فضاهوا بذلك قول اهل الكتاب الذين اثبتوا الولد ؛ والذرية؛ مضاهاةً لقول اهل الفلسفات من الاغريق من قبل ؛ حيث ادخلوا الفلسفة لخدمة الدين فاضلتهم عن الدين ومنظاره الصحيح لمفهوم الالوهية والذات العلية؛الغير خاضعة للتصور الذهني بصورة لانها ذات منفردة في الوجود والاله احد لا نوع له ولا جنس؛ فلا مثيل ولا نوع وبالتالي لا زوج ولا ولد ؛ وهو صمد لا يعتريه التغيير ولا التبديل لانه فوق عوامل المكان والزمان التي تجري التغيير والتبديل !! ولانه لا احد يكافؤه سبحانه لا وجودا ولا قوة ولا مثلا ولا صورة فلا يقاس ولا يُتخيل له لا جسم ولا صورة...وسورة الاخلاص تثبت لنا هذا المنظور .. فلذلك عدلت ثلث القران .. فهي السورة الوحيدة التي ورد فيها اسم الاحد واسم الصمد؛ فتدبر !!!
وهنا يتضح لنا كيف تهيأ للانسان امر تأليه نفسه ؛أو تأليه الناس له ؛ فيراه الناس انه هو المخلص وباتباعه والركون اليه يكون الخلاص؛فلا يريهم الا ما يرى وان الحياة متوقفة على رضاه وارتقائها بدرجات التقرب والتزلف اليه...
حتى غلب على ظن كثير من اهل ودعاة التوحيد ان يعطوا الحاكم صفات الذات العلية؛ فهو يُحاسِبُ ولا يُحاسَب ؛ وقال امثلهم طريقة ليوفق بين الايمان وهذا الضلال ان الحاكم خليفة الله في ملكه!! وربطوا وجوده بالقدر الجبري الذي اختاره الله للبشر!!
ونسوا ان الله تعالى وضع سننا يسير بها الكون والحياة؛ وان الاقدار تدور مع السنن؛فان اخترت الضلال هيأه لك؛وان اخترت الهدى وفقك اليه !وان التغيير في الحياةلاحوال البشر لا يكون الا مرتبطا بما في انفسهم من فكر ومفاهيم وقيم سلوكية ...
والان حق لنا ان نسأل :هل الانسان هو خليفة الله ؟!
قد يتبادرهذا المعنى الى الذهن من خلال النص القرءاني: (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة )، وخاصة اذا اقترن هذا الفهم بالموروث الفكري لمن قبلنا، حيث قالوا بان الانسان (ظل الله في الارض )، وقالوا (بان السلطان خليفة الله في ملكه)، ونشأ هذا الفهم من ان نظرة البابا في اوروبا في يوم من الايام وما زالت اثارها باقية، انه نائب عن الله تعالى ،ووصف نفسه بالقداسة واعطى نفسه صلاحيات الغفران .وهذا كان الخطا الفادح.
وللتدقيق في هذا المفهوم الخطير الذي يجعل من البشر ءالهة ، سواء من خلال لباس ثوب الدين ، او من خلال لباس ثوب السلطان ، فاننا نجده مفهوما مغالطا لمفاهيم عقيدتنا وافكار شريعتنا وديننا العظيم، فلا بد اذا من الوقوف مع هذا المصطلح طويلا والتفكير فيه وما يحتويه من معان، لطالما الفهم الخاطئ لها اضر بالبشرية، وكان عمادا لاسترقاقها لافراد من بني جنسها، ولعل ما يزيد في ايهام الناس وتوجيههم نحو الفهم الخاطئ ظهور مصطلح (خليفة الله ) واستعماله من قبل كتاب امتنا الاسلامية في بعض العصور المتأخرة عن عصور الصحابة، والمتقدمة بالنسبة لنا في بعض كتاباتهم، حيث ان هذا اللفظ لا نجده لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله مصدري التشريع الرئيسيين، ومستندي الفكر الاسلامي الرئيسيين، ولا في تعابير الصحابة المؤيدة لفهم مصادر التشريع واسس التفكير الشرعي (الكتاب والسنة)، بل وجدناهم يطلقون تسمية (خليفة رسول الله ) على اميرهم وسلطانهم الذي اختاروه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .. ولما بايعوا عمر من بعد ابي بكر رضي الله عنهم قالوا له (يا خليفة خليفة رسول الله )، وبنظره الثاقب رضي الله عنه رد عليهم فقال لهم: اذا الامر يطول، اولستم انتم المؤمنين؟ قالوا: بلى ..قال: الست انا اميركم ؟ قالوا :بلى، قال فقولوا :يا امير المؤمنين.
والشاهد المعني هنا لمفهوم (الخليفة والاستخلاف) هو المفهوم اللغوي المعتاد في استعمالهم .. فخليفة فلان هو من جاء بعده او حل مكانه، او اقامه وانابه مكانه عنه.ومن ذلك قوله عزوجل (وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي ) وذلك لانه سيغادر ويغيب، فطلب من اخيه ان يخلفه، اي يحل مكانه في مهام قيادة قومه والنيابة عنه في ذلك فترة غيابه.
وتأتي بمعنى اقامه واختاره وصيره ، كما في قوله تعالى ( يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض )، بمعنى جعله سلطانا عظيما يلي امور اهل الارض او جزء منهم لكي يقيم لهم نموذج المسير .
ومن هذا المعنى تنصيب الخليفة في امة الاسلام بمعنى توليته الامارة العظمى للامة وفقا لمنهج الرسالة والنبوة.
وتأتي بمعنى السلالات والتناسل الذين يرثون من قبلهم ، كما في قوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ )، وتطلق الخلائف على الذرية والسلالات والتناسل سواء كانت ذرية خيرة صالحةام ذرية شريرة فاسدة، كما في قوله تعالى (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب)..وقوله(فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة ).
وبالرجوع الى سؤالنا (هل الانسان هو خليفة الله) في بداية الموضوع فان البحث يقتضي ان ندرك هل يصح في حق الله عزوجل ان يكون له من مخلوقاته خليفة بمعنى نائبا عنه سبحانه ؟ .. خاصة ونحن نعتقد في حقه جل وعلا الاحدية والفردية ونفي الشبه والمثلية والمكافئة ؟ فالله تعالى لا مثيل له ولا شبيه ولم يكن له كفوا احد، وهو احد لا جنس له ولا نوع ولم يلد ولم يولد، فلا بد ان يستقيم الفهم اذا مع الاصول الثابتة في الفكر والمعتقد ..
اذا تعالوا لنفهم معا قوله تعالى (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة) لينتفي الالتباس وليستقيم الفهم وفق المعتقد الصحيح والخط الفكري العقائدي المستقيم بالمنظور العقائدي السحيح ...
الله عزوجل قال :اني جاعل ..وجاعل ..الجعل يشمل الخلق والتصيير كما قال لداوود (يا داوود اني جاعلك في الارض خليفة) اي مصيرك ، والخليفة الامير الذي يملك السلطان ، وتستجيب له بالطاعة والاتباع الرعية، التي بدورها تطوع معطيات الحياة ومستلزماتها وتعمل على استغلال الكون المسخر وفق المنهج المستخلف الخليفة على اساسه لتنفيذه ... اذا هواستخلاف اعمار لها كما يفهم من نص اخر (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، وليس استخلاف انابة. فالاستخلاف اذا هنا هو تكليف لمن اقامه الله عزوجل خليفة، فهو اذا امير في الارض محاسب على اساس منهج مطالب باقامته في الحياة، يخلف جنسه من خلال سللاتهم وانسالهم بعضم بعضا، فهو تكليف رباني استمراري منذ بدء الخليقة الى انتهاءها . وعلى اساس هذا الفهم فان الانسان لا يكون خليفة لله، لان الله اولا لا يغيب، وهو حي لا يموت، فلا يخلفه احد ولا يرثه، وهو احد لا نوع له ولا جنس له، فبالتالي لا والد ولا ولد، فكيف يستسيغ العقل الايماني ان يقوم مقامه او ينوب عنه احد ؟ وهو ليس له كفوا احد لا في كلية الكون والوجود ولا في جزئية من اجزاءه ؟.
ومن هنا يظهر لنا ويبدو جليا واضحا خطأ يهود وكذبهم على الله زورا وبهتانا يوم قالوا (نحن ابناء الله واحباؤه) وعليه يثبت ايضا بطلان مقولة( ان الانسان ابن الله ) كما في النصرانية .
وبناءا على كل ما سبق فالانسان اقامه الله خليفة في الارض ، مستخلف في جنسه ، بنظام رباني اختاره الله للارض وعمارتها ومسيرة اهلها، وجعل الجنس البشري هذا خلائف في الارض، يخلف بعضهم بعضا في مهمة اعمارها بمنهج الله الذي اختاره لهم وكلفهم بتنفيذه .. فانت خليفة في حمل الرسالة والمنهج الرباني لجنس الانسان والبشرية ، ومستعبد لربك بهذه المهمة العظيمة التي بمدى قيامك بها تسمو وترتقي لتحصل الدرجات العلا .
فأرقى الناس في الوجود هم الانبياء الذين اختارهم الله تعالى واصطفاهم لهداية البشرية الى منهجه سبحانه؛ وارسل منهم الرسل برسالاته ؛ الا انه سبحانه لم يذكر عن واحد منهم قال انه خليفة الله يخلفه في ملكه او نائبه في الارض !! ففي سورة مريم قال على لسان عيسى عليه السلام: { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)مريم} ..وجمع كذلك في العبودية مع عيسى الملائكة وشرفهم بهذه الصفة فقال تعالى: (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً)، «سورة النساء: الآية 172».
وكذلك الحال مع جميع الانبياء والرسل ؛ وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم؛ فقد وصف الله تعالى نبيه بالعبودية في مواطن التحدّي والمعجزة ، حيث قال تعالى: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } ( البقرة : 23 ) ، وفي التشريف بالإسراء يقول الله عزوجل :
{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله } ( الإسراء : 1 ) ، وعند ذكر نزول القرآن يقول الله : { هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور } ( الحديد : 9 ) ، وفي مقام الدعوة يقول الله : { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا } ( الجن : 19 ) . ودمتم على الهدى والطريق المستقيم ايمانا وسلوكا ونهجا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
31- حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة :-
من المفاهيم العقائدية الخاطئة القول بخلافة الانسان لله سبحانه وتعالى !!
هذا المفهوم تسرب الينا من عقائد من قبلنا من المجسمة والمجسدة الذين تصوروا لله صورة تشبه صورة الانسان سبحانه!! هذا من ناحية؛ ومن ناحية اخرى النظرات الفلسفية الشركية للإله؛ حيث تصور البعض ان الاله يحل في صورة رجل او مخلوق ويتقمص صورته؛وهم الحلوليون!! وبعضهم رأى ان الاله موزع على مفردات الوجود؛ فكل ما في الوجود من مفردات انما هي صور للاله الواحد؛ وهؤلاء هم القائلون بوحدة الوجود ؛ وعليه يقولون بانه ما عُبد في الوجود الا الله؛فعابد الصنم والوثن تجلت له صورة الاله في صنمه و وثنه؛ وعابد البقرة تجلت له صورة الاله في بقرته؛ وعابد الشمس والقمر والنجوم والنار والكواكب انما عبدوا الله الذي تجلت لهم صورته في تلك المعبودات!! تعالى الله وسبحانه عما يصفون... فالمشركون عبدوا صورا للاله وكذلك المجوس والنصارى واليهود ... فلذلك قالوا بان الاديان ما هي الا مراكب مختلفة الالوان؛! ايها امتطيت اوصلتك لشاطيء النجاة !!
وبعض الفلسفات ومنها كتاب على ما اذكر اسمه الفلسفة السياسية- كان يُدرس لابناء علية القوم في الكليات الاجنبية- ينظرون فيه للخالق جل وعلا على انه رجل ظل يتسامى ويتعالى ويرتقي بروحه حتى اصبح قوة قاهرة للعالم!!! وليس غريبا بعد عصر الترجمات للفلسفات الاغريقية الوثنية و الشرقية الفارسيةو البوذية والبرهمية والهندوكية ؛ ان نجد في ساحتنا الاسلامية من تأثر بهم وطوع نصوص الاسلام لخدمة اهوائهم وضلالاتهم؛ ومنهم الذين يقولون بحلول الاله في شخص الحاكم او شخص معين .. فضاهوا بذلك قول اهل الكتاب الذين اثبتوا الولد ؛ والذرية؛ مضاهاةً لقول اهل الفلسفات من الاغريق من قبل ؛ حيث ادخلوا الفلسفة لخدمة الدين فاضلتهم عن الدين ومنظاره الصحيح لمفهوم الالوهية والذات العلية؛الغير خاضعة للتصور الذهني بصورة لانها ذات منفردة في الوجود والاله احد لا نوع له ولا جنس؛ فلا مثيل ولا نوع وبالتالي لا زوج ولا ولد ؛ وهو صمد لا يعتريه التغيير ولا التبديل لانه فوق عوامل المكان والزمان التي تجري التغيير والتبديل !! ولانه لا احد يكافؤه سبحانه لا وجودا ولا قوة ولا مثلا ولا صورة فلا يقاس ولا يُتخيل له لا جسم ولا صورة...وسورة الاخلاص تثبت لنا هذا المنظور .. فلذلك عدلت ثلث القران .. فهي السورة الوحيدة التي ورد فيها اسم الاحد واسم الصمد؛ فتدبر !!!
وهنا يتضح لنا كيف تهيأ للانسان امر تأليه نفسه ؛أو تأليه الناس له ؛ فيراه الناس انه هو المخلص وباتباعه والركون اليه يكون الخلاص؛فلا يريهم الا ما يرى وان الحياة متوقفة على رضاه وارتقائها بدرجات التقرب والتزلف اليه...
حتى غلب على ظن كثير من اهل ودعاة التوحيد ان يعطوا الحاكم صفات الذات العلية؛ فهو يُحاسِبُ ولا يُحاسَب ؛ وقال امثلهم طريقة ليوفق بين الايمان وهذا الضلال ان الحاكم خليفة الله في ملكه!! وربطوا وجوده بالقدر الجبري الذي اختاره الله للبشر!!
ونسوا ان الله تعالى وضع سننا يسير بها الكون والحياة؛ وان الاقدار تدور مع السنن؛فان اخترت الضلال هيأه لك؛وان اخترت الهدى وفقك اليه !وان التغيير في الحياةلاحوال البشر لا يكون الا مرتبطا بما في انفسهم من فكر ومفاهيم وقيم سلوكية ...
والان حق لنا ان نسأل :هل الانسان هو خليفة الله ؟!
قد يتبادرهذا المعنى الى الذهن من خلال النص القرءاني: (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة )، وخاصة اذا اقترن هذا الفهم بالموروث الفكري لمن قبلنا، حيث قالوا بان الانسان (ظل الله في الارض )، وقالوا (بان السلطان خليفة الله في ملكه)، ونشأ هذا الفهم من ان نظرة البابا في اوروبا في يوم من الايام وما زالت اثارها باقية، انه نائب عن الله تعالى ،ووصف نفسه بالقداسة واعطى نفسه صلاحيات الغفران .وهذا كان الخطا الفادح.
وللتدقيق في هذا المفهوم الخطير الذي يجعل من البشر ءالهة ، سواء من خلال لباس ثوب الدين ، او من خلال لباس ثوب السلطان ، فاننا نجده مفهوما مغالطا لمفاهيم عقيدتنا وافكار شريعتنا وديننا العظيم، فلا بد اذا من الوقوف مع هذا المصطلح طويلا والتفكير فيه وما يحتويه من معان، لطالما الفهم الخاطئ لها اضر بالبشرية، وكان عمادا لاسترقاقها لافراد من بني جنسها، ولعل ما يزيد في ايهام الناس وتوجيههم نحو الفهم الخاطئ ظهور مصطلح (خليفة الله ) واستعماله من قبل كتاب امتنا الاسلامية في بعض العصور المتأخرة عن عصور الصحابة، والمتقدمة بالنسبة لنا في بعض كتاباتهم، حيث ان هذا اللفظ لا نجده لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله مصدري التشريع الرئيسيين، ومستندي الفكر الاسلامي الرئيسيين، ولا في تعابير الصحابة المؤيدة لفهم مصادر التشريع واسس التفكير الشرعي (الكتاب والسنة)، بل وجدناهم يطلقون تسمية (خليفة رسول الله ) على اميرهم وسلطانهم الذي اختاروه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .. ولما بايعوا عمر من بعد ابي بكر رضي الله عنهم قالوا له (يا خليفة خليفة رسول الله )، وبنظره الثاقب رضي الله عنه رد عليهم فقال لهم: اذا الامر يطول، اولستم انتم المؤمنين؟ قالوا: بلى ..قال: الست انا اميركم ؟ قالوا :بلى، قال فقولوا :يا امير المؤمنين.
والشاهد المعني هنا لمفهوم (الخليفة والاستخلاف) هو المفهوم اللغوي المعتاد في استعمالهم .. فخليفة فلان هو من جاء بعده او حل مكانه، او اقامه وانابه مكانه عنه.ومن ذلك قوله عزوجل (وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي ) وذلك لانه سيغادر ويغيب، فطلب من اخيه ان يخلفه، اي يحل مكانه في مهام قيادة قومه والنيابة عنه في ذلك فترة غيابه.
وتأتي بمعنى اقامه واختاره وصيره ، كما في قوله تعالى ( يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض )، بمعنى جعله سلطانا عظيما يلي امور اهل الارض او جزء منهم لكي يقيم لهم نموذج المسير .
ومن هذا المعنى تنصيب الخليفة في امة الاسلام بمعنى توليته الامارة العظمى للامة وفقا لمنهج الرسالة والنبوة.
وتأتي بمعنى السلالات والتناسل الذين يرثون من قبلهم ، كما في قوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ )، وتطلق الخلائف على الذرية والسلالات والتناسل سواء كانت ذرية خيرة صالحةام ذرية شريرة فاسدة، كما في قوله تعالى (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب)..وقوله(فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة ).
وبالرجوع الى سؤالنا (هل الانسان هو خليفة الله) في بداية الموضوع فان البحث يقتضي ان ندرك هل يصح في حق الله عزوجل ان يكون له من مخلوقاته خليفة بمعنى نائبا عنه سبحانه ؟ .. خاصة ونحن نعتقد في حقه جل وعلا الاحدية والفردية ونفي الشبه والمثلية والمكافئة ؟ فالله تعالى لا مثيل له ولا شبيه ولم يكن له كفوا احد، وهو احد لا جنس له ولا نوع ولم يلد ولم يولد، فلا بد ان يستقيم الفهم اذا مع الاصول الثابتة في الفكر والمعتقد ..
اذا تعالوا لنفهم معا قوله تعالى (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة) لينتفي الالتباس وليستقيم الفهم وفق المعتقد الصحيح والخط الفكري العقائدي المستقيم بالمنظور العقائدي السحيح ...
الله عزوجل قال :اني جاعل ..وجاعل ..الجعل يشمل الخلق والتصيير كما قال لداوود (يا داوود اني جاعلك في الارض خليفة) اي مصيرك ، والخليفة الامير الذي يملك السلطان ، وتستجيب له بالطاعة والاتباع الرعية، التي بدورها تطوع معطيات الحياة ومستلزماتها وتعمل على استغلال الكون المسخر وفق المنهج المستخلف الخليفة على اساسه لتنفيذه ... اذا هواستخلاف اعمار لها كما يفهم من نص اخر (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، وليس استخلاف انابة. فالاستخلاف اذا هنا هو تكليف لمن اقامه الله عزوجل خليفة، فهو اذا امير في الارض محاسب على اساس منهج مطالب باقامته في الحياة، يخلف جنسه من خلال سللاتهم وانسالهم بعضم بعضا، فهو تكليف رباني استمراري منذ بدء الخليقة الى انتهاءها . وعلى اساس هذا الفهم فان الانسان لا يكون خليفة لله، لان الله اولا لا يغيب، وهو حي لا يموت، فلا يخلفه احد ولا يرثه، وهو احد لا نوع له ولا جنس له، فبالتالي لا والد ولا ولد، فكيف يستسيغ العقل الايماني ان يقوم مقامه او ينوب عنه احد ؟ وهو ليس له كفوا احد لا في كلية الكون والوجود ولا في جزئية من اجزاءه ؟.
ومن هنا يظهر لنا ويبدو جليا واضحا خطأ يهود وكذبهم على الله زورا وبهتانا يوم قالوا (نحن ابناء الله واحباؤه) وعليه يثبت ايضا بطلان مقولة( ان الانسان ابن الله ) كما في النصرانية .
وبناءا على كل ما سبق فالانسان اقامه الله خليفة في الارض ، مستخلف في جنسه ، بنظام رباني اختاره الله للارض وعمارتها ومسيرة اهلها، وجعل الجنس البشري هذا خلائف في الارض، يخلف بعضهم بعضا في مهمة اعمارها بمنهج الله الذي اختاره لهم وكلفهم بتنفيذه .. فانت خليفة في حمل الرسالة والمنهج الرباني لجنس الانسان والبشرية ، ومستعبد لربك بهذه المهمة العظيمة التي بمدى قيامك بها تسمو وترتقي لتحصل الدرجات العلا .
فأرقى الناس في الوجود هم الانبياء الذين اختارهم الله تعالى واصطفاهم لهداية البشرية الى منهجه سبحانه؛ وارسل منهم الرسل برسالاته ؛ الا انه سبحانه لم يذكر عن واحد منهم قال انه خليفة الله يخلفه في ملكه او نائبه في الارض !! ففي سورة مريم قال على لسان عيسى عليه السلام: { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)مريم} ..وجمع كذلك في العبودية مع عيسى الملائكة وشرفهم بهذه الصفة فقال تعالى: (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً)، «سورة النساء: الآية 172».
وكذلك الحال مع جميع الانبياء والرسل ؛ وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم؛ فقد وصف الله تعالى نبيه بالعبودية في مواطن التحدّي والمعجزة ، حيث قال تعالى: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } ( البقرة : 23 ) ، وفي التشريف بالإسراء يقول الله عزوجل :
{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله } ( الإسراء : 1 ) ، وعند ذكر نزول القرآن يقول الله : { هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور } ( الحديد : 9 ) ، وفي مقام الدعوة يقول الله : { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا } ( الجن : 19 ) . ودمتم على الهدى والطريق المستقيم ايمانا وسلوكا ونهجا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .