بسم الله الرحمن الرحيم
66- من دروس القران التوعوية :-
تحقيق العدل في اوساط البشرية مهمة جمعية وتكليف مجتمعي لأمة الايمان :-
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [النساء: 135] .
هذا نص قراني صريح في تكليف المجتمع المؤمن بالعدل؛ ذلك المجتمع الذي اراده الله تعالى ان يكون مجتمعا قياديا للبشرية اصطفاه الله تعالى واجتباه لهذه المهمة؛ كما قال تعالى : { هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس } [ الحج : 78 ]
وبقيام المجتمع وامة الايمان بمهمة العدل والقوامة به بين البشر؛ يستمر الاصطفاء والاجتباء؛ والا كان الاستبدال بقوم اخرين ؛ {..وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم (38)محمد}..وذلك لان النبوات والرسل ختمها الله تعالى فلا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الذي ارسله الله تعالى للناس كافة .. ففي قوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ}، أمرٌ للمجتمع المسلم، بجميع أفراده، وجماعاته، وهيئاته وفئاته ؛بالقيمومة -دوام استمرارالقيام بدور القوامة - وقد جاءت أخت هذه الآية، في نسق أسلوبها، وألفاظها؛ لتكمِّل صورة إقامة العدل على أتمِّ وجوهه، ولتقرِّر: أنَّ موازين العدل يجب أن يتساوى فيها المحبُّ والمُبْغض، والقريب والبعيد، والصَّديق والعدوُّ، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8] .
وهذا الدور يتطلب من الامة دوما ان تتبوأ مركز الصدارة في الامم ؛ فلا ترضى بموضع اقل من المكانة الاولى ؛ فكتابها مهيمن على الكتاب ؛ ومقياس صدق الكتب والافكار والشرائع من كذبها: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)المائدة} .
وقال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ ...}.. والوسط هو الخيار والافضل والاكمل ؛وهذا التفضيل انما هو بالقيام بالدور المسند؛ فهو سر وعلة الافضلية وسر الاختيار والاجتباء والاصطفاء ؛ فان زالت العلة زال المعلول ؛؛؛ حيث يقول الله -سبحانه وتعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}[آل عمران: 110].
إنَّ تربية المجتمع المؤمن والامة المسلمة وإعدادها لقيادة الإنسانيَّة بخصائص الاسلام؛ التي احتواها منهجه التربويُّ لحرية و حفيَّةٌ أشدَّ الحفاوة بِشِرْعَةِ العدل، وإقامته بين الأفراد، والجماعات، والأمم، والشُّعوب؛ لأنَّ العدل في شمول مواطنه هو دعامةُ القيادة الموفَّقة... يقول الشيخ أبو الأعلى المودودي - رحمه الله - معقِّباً على قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَِعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى: 15] ما نصُّه: "يعني أنَّني مأمور بالآنصاف دون عداوةٍ، فليس من شأني أن أتعصَّب لأحدٍ، أو ضدَّ أحدٍ، وعلاقتي بالنَّاس كلِّهم سواءٌ، وهي علاقة العدل، والآنصاف، فأنا نصيرُ مَنْ كان الحقُّ في جانبه، وخصيم من كان الحق ضدَّه، وليس في ديني أيُّ امتيازات لأيِّ فردٍ كائناً مَنْ كان، وليس لأقاربي حقوقٌ، وللغرباء حقوقٌ أخرى، ولا للأكابر عندي مميِّزاتٌ لا يحصل عليها الأصاغر، والشُّرفاء والوضعاء عندي سواءٌ، فالحقُّ حقٌّ للجميع، والذَّنب والجُرْم ذنبٌ للجميع، والحرام حرامٌ على الكلِّ، والحلال حلالٌ للكُلِّ، والفرض فرض على الكلِّ، حتَّى أنا نفسي لست مستثنىً من سلطة القانون الإلهيِّ".
ان مسؤولية المجتمع والجماعة والامة مسؤولية جمعية جماعية للقيام لله تعالى بالقوامة على الامم لاقامة الحق والعدل؛ وللقوامة على نفس مجتمعهم ليقوم بذلك من باب اولى ليكون اسوة وقدوة يُحتذى حذوه؛ فالأصل ان لا يوجد في المجتمع المسلم اشخاص تافهين لا قيمة لهم؛ بل كل فرد في جماعة المؤمنين يتحمل المسؤولية وهو مسؤول؛ عن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه قَالَ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تقرؤون هَذِهِ الآيةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وإِني سَمِعت رَسُول اللَّه ﷺ يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ". رواه أَبُو داود والترمذي والنسائي ...
ان مسؤولية الامة والمجتمع افرادا وجماعات وهيئات تتطلب دوما المراقبة والانتباه والتنبه لاستقامة المسير وفق هدي الله تعالى ؛ ففي غيره الهلاك المؤكد والدمار المحقق ؛ عن ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: " قال رسولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّه وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَهُو عَلَى حالِهِ، فَلا يَمْنَعُه ذلِك أَنْ يكُونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)المائدة} ..
ثُمَّ قَالَ: كَلَّا، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ رواه أَبُو داود والترمذي ...
ونختم بقوله سبحانه:- {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الاعراف :3]. وبقوله تعالى:- {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) -الأنفال} ..وبقوله ووعده تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)النور}...
جعلنا الله واياكم ممن يستمعون القول فيتبعون احسنة وممن يستخدمهم ويستخلفهم ولا يستبدلهم؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
66- من دروس القران التوعوية :-
تحقيق العدل في اوساط البشرية مهمة جمعية وتكليف مجتمعي لأمة الايمان :-
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [النساء: 135] .
هذا نص قراني صريح في تكليف المجتمع المؤمن بالعدل؛ ذلك المجتمع الذي اراده الله تعالى ان يكون مجتمعا قياديا للبشرية اصطفاه الله تعالى واجتباه لهذه المهمة؛ كما قال تعالى : { هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس } [ الحج : 78 ]
وبقيام المجتمع وامة الايمان بمهمة العدل والقوامة به بين البشر؛ يستمر الاصطفاء والاجتباء؛ والا كان الاستبدال بقوم اخرين ؛ {..وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم (38)محمد}..وذلك لان النبوات والرسل ختمها الله تعالى فلا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الذي ارسله الله تعالى للناس كافة .. ففي قوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ}، أمرٌ للمجتمع المسلم، بجميع أفراده، وجماعاته، وهيئاته وفئاته ؛بالقيمومة -دوام استمرارالقيام بدور القوامة - وقد جاءت أخت هذه الآية، في نسق أسلوبها، وألفاظها؛ لتكمِّل صورة إقامة العدل على أتمِّ وجوهه، ولتقرِّر: أنَّ موازين العدل يجب أن يتساوى فيها المحبُّ والمُبْغض، والقريب والبعيد، والصَّديق والعدوُّ، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8] .
وهذا الدور يتطلب من الامة دوما ان تتبوأ مركز الصدارة في الامم ؛ فلا ترضى بموضع اقل من المكانة الاولى ؛ فكتابها مهيمن على الكتاب ؛ ومقياس صدق الكتب والافكار والشرائع من كذبها: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)المائدة} .
وقال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ ...}.. والوسط هو الخيار والافضل والاكمل ؛وهذا التفضيل انما هو بالقيام بالدور المسند؛ فهو سر وعلة الافضلية وسر الاختيار والاجتباء والاصطفاء ؛ فان زالت العلة زال المعلول ؛؛؛ حيث يقول الله -سبحانه وتعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}[آل عمران: 110].
إنَّ تربية المجتمع المؤمن والامة المسلمة وإعدادها لقيادة الإنسانيَّة بخصائص الاسلام؛ التي احتواها منهجه التربويُّ لحرية و حفيَّةٌ أشدَّ الحفاوة بِشِرْعَةِ العدل، وإقامته بين الأفراد، والجماعات، والأمم، والشُّعوب؛ لأنَّ العدل في شمول مواطنه هو دعامةُ القيادة الموفَّقة... يقول الشيخ أبو الأعلى المودودي - رحمه الله - معقِّباً على قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَِعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى: 15] ما نصُّه: "يعني أنَّني مأمور بالآنصاف دون عداوةٍ، فليس من شأني أن أتعصَّب لأحدٍ، أو ضدَّ أحدٍ، وعلاقتي بالنَّاس كلِّهم سواءٌ، وهي علاقة العدل، والآنصاف، فأنا نصيرُ مَنْ كان الحقُّ في جانبه، وخصيم من كان الحق ضدَّه، وليس في ديني أيُّ امتيازات لأيِّ فردٍ كائناً مَنْ كان، وليس لأقاربي حقوقٌ، وللغرباء حقوقٌ أخرى، ولا للأكابر عندي مميِّزاتٌ لا يحصل عليها الأصاغر، والشُّرفاء والوضعاء عندي سواءٌ، فالحقُّ حقٌّ للجميع، والذَّنب والجُرْم ذنبٌ للجميع، والحرام حرامٌ على الكلِّ، والحلال حلالٌ للكُلِّ، والفرض فرض على الكلِّ، حتَّى أنا نفسي لست مستثنىً من سلطة القانون الإلهيِّ".
ان مسؤولية المجتمع والجماعة والامة مسؤولية جمعية جماعية للقيام لله تعالى بالقوامة على الامم لاقامة الحق والعدل؛ وللقوامة على نفس مجتمعهم ليقوم بذلك من باب اولى ليكون اسوة وقدوة يُحتذى حذوه؛ فالأصل ان لا يوجد في المجتمع المسلم اشخاص تافهين لا قيمة لهم؛ بل كل فرد في جماعة المؤمنين يتحمل المسؤولية وهو مسؤول؛ عن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه قَالَ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تقرؤون هَذِهِ الآيةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وإِني سَمِعت رَسُول اللَّه ﷺ يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ". رواه أَبُو داود والترمذي والنسائي ...
ان مسؤولية الامة والمجتمع افرادا وجماعات وهيئات تتطلب دوما المراقبة والانتباه والتنبه لاستقامة المسير وفق هدي الله تعالى ؛ ففي غيره الهلاك المؤكد والدمار المحقق ؛ عن ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: " قال رسولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّه وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَهُو عَلَى حالِهِ، فَلا يَمْنَعُه ذلِك أَنْ يكُونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)المائدة} ..
ثُمَّ قَالَ: كَلَّا، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ رواه أَبُو داود والترمذي ...
ونختم بقوله سبحانه:- {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الاعراف :3]. وبقوله تعالى:- {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) -الأنفال} ..وبقوله ووعده تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)النور}...
جعلنا الله واياكم ممن يستمعون القول فيتبعون احسنة وممن يستخدمهم ويستخلفهم ولا يستبدلهم؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...