بسم الله الرحمن الرحيم
56- من دروس القران التوعوية :
البينة :-
البيِّنة: اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 98 في ترتيب المصحف، مدنيَّة النزول، عدد آياتها ثماني آيات. و يقول الله عز وجل في مطلعها :- {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)البينة} ..والبينة هنا، بمعنى: الحجة الواضحة المؤيدة بالاعجاز، وهو الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم، وقيل: أنّ المراد من البينة مطلق الرسل، وقيل أيضاً: المراد بها القرآن الكريم. ولا مانع يمنع ان يكون ذلك كله مشمول في المعنى المقصود ...
فقوله تعالى: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } أي: [من] اليهود والنصارى { وَالْمُشْرِكِينَ } من سائر الأمم الذين اتخذوا لله اندادا يطيعونهم ويتبعونهم. { مُنْفَكِّينَ } اي تاركين ومنفصلين عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه، أي: لا يزالون في غيهم وضلالهم، لا يزيدهم مرور السنين وتعاقب الاجيال إلا كفرًا. { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ }الحجة الواضحة الثابتة، والبرهان الساطع القاطع المبين والمثبت لصدق الدعوة .
1- فمفهوم البينة لغةً:- الحجَّة الواضحة الموضحة، والبرهان المُثبت، والدليل المؤيد المؤكد؛ وفي الفقه القضائي جاء قول سيدنا عمر:-الَبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى من انكر... وعلى بيِّنة من الامر: اي عالم به واثق منه.
2 - وعند الفقهاء حصروا البينة في الاثبات للحقوق بالشهادة او اليمين، أو كل ما يثبت الحق ويُفصل به بين الخصوم كالوثائق الخطية وغيرها...
3- والينة في الامور الفكرية والعقلية هي الحجة المثبتة للحقائق التي يصادق عليها الواقع ؛ وتكون بينة عقلية بالنظر والتفكير وبينة نقلية تفيد العلم واليقين القاطع ..فتولد الايمان ...
وقد وجدت كلاما طيبا لابن القيم رحمه الله في كتابه المعروف اعلام الموقعين عن رب العالمين عن البينة حيث يقول في (ص71) خلال شرحه لكتاب عمر رضي الله عنه في القضاء :-
((وقوله : " البينة على المدعي واليمين على من أنكر " البينة في كلام الله ورسوله وكلام الصحابة اسم لكل ما يبين الحق فهي أعم من البينة في اصطلاح الفقهاء ، حيث خصوها بالشاهدين أو الشاهد واليمين ، ولا حجر في الاصطلاح ما لم يتضمن حمل كلام الله ورسوله عليه فيقع بذلك الغلط في فهم النصوص وحملها على غير مراد المتكلم منها وقد حصل بذلك للمتأخرين أغلاط شديدة في فهم النصوص ، ونذكر من ذلك مثالا واحدا ، وهو ما نحن فيه لفظ البينة فإنها في كتاب الله اسم لكل ما يبين الحق كما قال تعالى : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات } وقال : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات } وقال : { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } وقال : { قل إني على بينة من ربي } وقال : { أفمن كان على بينة من ربه } وقال : { أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه } وقال { أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى } وهذا كثير ، لم يختص لفظ البينة بالشاهدين ، بل ولا استعمل في الكتاب فيهما ألبتة .
إذا عرف هذا فقول النبي صلى الله عليه وسلم { للمدعي ألك بينة } وقول عمر " البينة على المدعي " وإن كان هذا قد روي مرفوعا المراد به ألك ما يبين الحق من شهود أو دلالة ، فإن الشارع في جميع المواضع يقصد ظهور الحق بما يمكن ظهوره به من البينات التي هي أدلة عليه وشواهد له ، ولا يرد حقا قد ظهر بدليله أبدا فيضيع حقوق الله وعباده ويعطلها ، ولا يقف ظهور الحق على أمر معين لا فائدة في تخصيصه به مع مساواة غيره في ظهور الحق أو رجحانه عليه ترجيحا لا يمكن جحده ودفعه ، كترجيح شاهد الحال على مجرد اليد في صورة من على رأسه عمامة وبيده عمامة وآخر خلفه مكشوف الرأس يعدو أثره ، ولا عادة له بكشف رأسه ، فبينة الحال ودلالته هنا تفيد من ظهور صدق المدعي أضعاف ما يفيد مجرد اليد عند كل أحد ; فالشارع لا يهمل مثل هذه البينة والدلالة ، ويضيع حقا يعلم كل أحد ظهوره وحجته ، بل لما ظن هذا من ظنه ضيعوا طريق الحكم ، فضاع كثير من الحقوق لتوقف ثبوتها عندهم على طريق معين ، وصار الظالم الفاجر ممكنا من ظلمه وفجوره ، فيفعل ما يريد ، ويقول لا يقوم علي بذلك شاهدان اثنان ، فضاعت حقوق كثيرة لله ولعباده ، وحينئذ أخرج الله أمر الحكم العلمي عن أيديهم ، وأدخل فيه من أمر الإمارة والسياسة ما يحفظ به الحق تارة ويضيع به أخرى ، ويحصل به العدوان تارة والعدل أخرى ، [ ص: 72 ] ولو عرف ما جاء به الرسول على وجهه لكان فيه تمام المصلحة المغنية عن التفريط والعدوان .)) ا ه
ونعرض هنا نموذجا من نماذج مواقف القران في تربية الله تعالى للدعاة ومع لمحة عن سيدنا موسى عليه ونبينا افضل الصلاة واتسليم في ايات من كتاب الله عز وجل ؛ لنقتدي ونتأسى :-
( وما تلك بيمينك يا موسى ( 17 ) قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ( 18 ) قال ألقها يا موسى ( 19 ) فألقاها فإذا هي حية تسعى ( 20 ) قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ( 21 ) )طه
الدعاة حملة ميراث النبوة..والانبياء انفسهم دعاةلمنهج الله ونوره وبما اراهم الله ووفق اذنه لهم بالطريقة والاسلوب والمنهج المحدد لهم..
(يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ). 46الاحزاب
لذلك كانت عناية الله تعالى عظيمة وكبيرة بتربيتهم واعدادهم ليؤهلهم لحمل مشعل نوره وهدايته للعالمين لان وظيفة الدعوة وحملها ايضا امر عظيم فهداية البشرية هو مقصد الدعوة ووظيفة حملتها من الرسل ومن تبعهم واهتدى بهديهم من المؤمنين . فلذلك نجد ان الله تعالى قال لموسى عليه السلام
{ولتصنع على عيني} وقال له ايضا: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}، بمعنى أن الله -تبارك وتعالى- هيأه ودبره هذا التدبير، ورعاه هذه الرعاية، وأنشأه هذه النشأة؛ ليقوم بأعباء الرسالة، والدعاء إلى الله -تبارك وتعالى-
التفسير
( وما تلك بيمينك يا موسى ( 17 ) قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ( 18 ) قال ألقها يا موسى ( 19 ) فألقاها فإذا هي حية تسعى ( 20 ) قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ( 21 ) ) .
هذا برهان من الله تعالى لموسى ، عليه السلام ، ومعجزة عظيمة ، وخرق للعادة باهر ، دال على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله عز وجل ، وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل ، وقوله : ( وما تلك بيمينك يا موسى ) قال بعض المفسرين : إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له . وقيل : إنما قال له [ ص: 279 ] ذلك على وجه التقرير ، أي : أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها ، فسترى ما نصنع بها الآن ، ( وما تلك بيمينك يا موسى ) استفهام تقرير .
( قال هي عصاي أتوكأ عليها ) أي : أعتمد عليها في حال المشي ( وأهش بها على غنمي ) أي : أهز بها الشجرة ليسقط ورقها ، لترعاه غنمي .
قال عبد الرحمن بن القاسم : عن الإمام مالك : والهش : أن يضع الرجل المحجن في الغصن ، ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره ، ولا يكسر العود ، فهذا الهش ، ولا يخبط . وكذا قال ميمون بن مهران أيضا .
وقوله : ( ولي فيها مآرب أخرى ) أي : مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك
وقوله تعالى : ( قال ألقها يا موسى ) أي : هذه العصا التي في يدك يا موسى ، ألقها ( فألقاها فإذا هي حية تسعى ) أي : صارت في الحال حية عظيمة ، ثعبانا طويلا يتحرك حركة سريعة ، فإذا هي تهتز كأنها جان ، وهو أسرع الحيات حركة ، ولكنه صغير ، فهذه في غاية الكبر ، وفي غاية سرعة الحركة ، ( تسعى ) أي : تمشي وتضطرب .
وهنا ولى موسى مدبرا
فامره الله ان ياخذها وان لا يخف وانه سبحانه سيعيدها سيرتها الاولى بمجرد ان يمسكها فتعود عصا كما كانت سيرتها الاولى
الفائدة المرتجاة:-
هذا درس للدعاة ان يتيقنوا من حجتهم ويتاكدوا من بينتهم ويتاهلوا للتعامل بها ومعها فلا يتفاجئوا بها عند لزومها
فموسى سلام ربي عليه هنا اخذ درسا ليؤهل بمعجزته ويكون مطلعا على حقيقة بينته قبل استعمالها كي لا يفاجأ بها عند فرعون وملأه فيولي هاربا مثلهم...
فالداعية الى الله يجب ان يؤهل بكل ما يلزمه من اثباتات وحجج وبراهين وبينات تثبت وتسند دعوته وتقنع بها المخاطبين؛ بما يجب ان يمتلك من اساليب الحكمة والموعظة الحسنة والقدرة على المجادلة بالتي هي احسن؛ وما يلزمه من ملكة حُسن التأتي والقول البليغ المؤثر في النفي فيقول في كل مقام ما يلزمه من قول ؛فيتوجب على حامل الدعوة لله ان يعتني بتثقيف نفسه خاصة بالقران وفقهه وتفسيره ؛ويوسع اطلاعه لتتوسع مداركه وافاقه العقلية والفكرية؛ لمجابهة ملل الكفر التي يضيق الصدر بحججهم السمجة الواهية التي يزخرفونها بما توحيه لهم شياطين الانس والجن ...قال الله تعالى: -{ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)الحجر}...
جعلنا الله واياكم ممن يتدبرون القران فيفقهوه ويتبعون هداه واحكامه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
56- من دروس القران التوعوية :
البينة :-
البيِّنة: اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 98 في ترتيب المصحف، مدنيَّة النزول، عدد آياتها ثماني آيات. و يقول الله عز وجل في مطلعها :- {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)البينة} ..والبينة هنا، بمعنى: الحجة الواضحة المؤيدة بالاعجاز، وهو الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم، وقيل: أنّ المراد من البينة مطلق الرسل، وقيل أيضاً: المراد بها القرآن الكريم. ولا مانع يمنع ان يكون ذلك كله مشمول في المعنى المقصود ...
فقوله تعالى: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } أي: [من] اليهود والنصارى { وَالْمُشْرِكِينَ } من سائر الأمم الذين اتخذوا لله اندادا يطيعونهم ويتبعونهم. { مُنْفَكِّينَ } اي تاركين ومنفصلين عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه، أي: لا يزالون في غيهم وضلالهم، لا يزيدهم مرور السنين وتعاقب الاجيال إلا كفرًا. { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ }الحجة الواضحة الثابتة، والبرهان الساطع القاطع المبين والمثبت لصدق الدعوة .
1- فمفهوم البينة لغةً:- الحجَّة الواضحة الموضحة، والبرهان المُثبت، والدليل المؤيد المؤكد؛ وفي الفقه القضائي جاء قول سيدنا عمر:-الَبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى من انكر... وعلى بيِّنة من الامر: اي عالم به واثق منه.
2 - وعند الفقهاء حصروا البينة في الاثبات للحقوق بالشهادة او اليمين، أو كل ما يثبت الحق ويُفصل به بين الخصوم كالوثائق الخطية وغيرها...
3- والينة في الامور الفكرية والعقلية هي الحجة المثبتة للحقائق التي يصادق عليها الواقع ؛ وتكون بينة عقلية بالنظر والتفكير وبينة نقلية تفيد العلم واليقين القاطع ..فتولد الايمان ...
وقد وجدت كلاما طيبا لابن القيم رحمه الله في كتابه المعروف اعلام الموقعين عن رب العالمين عن البينة حيث يقول في (ص71) خلال شرحه لكتاب عمر رضي الله عنه في القضاء :-
((وقوله : " البينة على المدعي واليمين على من أنكر " البينة في كلام الله ورسوله وكلام الصحابة اسم لكل ما يبين الحق فهي أعم من البينة في اصطلاح الفقهاء ، حيث خصوها بالشاهدين أو الشاهد واليمين ، ولا حجر في الاصطلاح ما لم يتضمن حمل كلام الله ورسوله عليه فيقع بذلك الغلط في فهم النصوص وحملها على غير مراد المتكلم منها وقد حصل بذلك للمتأخرين أغلاط شديدة في فهم النصوص ، ونذكر من ذلك مثالا واحدا ، وهو ما نحن فيه لفظ البينة فإنها في كتاب الله اسم لكل ما يبين الحق كما قال تعالى : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات } وقال : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات } وقال : { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } وقال : { قل إني على بينة من ربي } وقال : { أفمن كان على بينة من ربه } وقال : { أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه } وقال { أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى } وهذا كثير ، لم يختص لفظ البينة بالشاهدين ، بل ولا استعمل في الكتاب فيهما ألبتة .
إذا عرف هذا فقول النبي صلى الله عليه وسلم { للمدعي ألك بينة } وقول عمر " البينة على المدعي " وإن كان هذا قد روي مرفوعا المراد به ألك ما يبين الحق من شهود أو دلالة ، فإن الشارع في جميع المواضع يقصد ظهور الحق بما يمكن ظهوره به من البينات التي هي أدلة عليه وشواهد له ، ولا يرد حقا قد ظهر بدليله أبدا فيضيع حقوق الله وعباده ويعطلها ، ولا يقف ظهور الحق على أمر معين لا فائدة في تخصيصه به مع مساواة غيره في ظهور الحق أو رجحانه عليه ترجيحا لا يمكن جحده ودفعه ، كترجيح شاهد الحال على مجرد اليد في صورة من على رأسه عمامة وبيده عمامة وآخر خلفه مكشوف الرأس يعدو أثره ، ولا عادة له بكشف رأسه ، فبينة الحال ودلالته هنا تفيد من ظهور صدق المدعي أضعاف ما يفيد مجرد اليد عند كل أحد ; فالشارع لا يهمل مثل هذه البينة والدلالة ، ويضيع حقا يعلم كل أحد ظهوره وحجته ، بل لما ظن هذا من ظنه ضيعوا طريق الحكم ، فضاع كثير من الحقوق لتوقف ثبوتها عندهم على طريق معين ، وصار الظالم الفاجر ممكنا من ظلمه وفجوره ، فيفعل ما يريد ، ويقول لا يقوم علي بذلك شاهدان اثنان ، فضاعت حقوق كثيرة لله ولعباده ، وحينئذ أخرج الله أمر الحكم العلمي عن أيديهم ، وأدخل فيه من أمر الإمارة والسياسة ما يحفظ به الحق تارة ويضيع به أخرى ، ويحصل به العدوان تارة والعدل أخرى ، [ ص: 72 ] ولو عرف ما جاء به الرسول على وجهه لكان فيه تمام المصلحة المغنية عن التفريط والعدوان .)) ا ه
ونعرض هنا نموذجا من نماذج مواقف القران في تربية الله تعالى للدعاة ومع لمحة عن سيدنا موسى عليه ونبينا افضل الصلاة واتسليم في ايات من كتاب الله عز وجل ؛ لنقتدي ونتأسى :-
( وما تلك بيمينك يا موسى ( 17 ) قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ( 18 ) قال ألقها يا موسى ( 19 ) فألقاها فإذا هي حية تسعى ( 20 ) قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ( 21 ) )طه
الدعاة حملة ميراث النبوة..والانبياء انفسهم دعاةلمنهج الله ونوره وبما اراهم الله ووفق اذنه لهم بالطريقة والاسلوب والمنهج المحدد لهم..
(يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ). 46الاحزاب
لذلك كانت عناية الله تعالى عظيمة وكبيرة بتربيتهم واعدادهم ليؤهلهم لحمل مشعل نوره وهدايته للعالمين لان وظيفة الدعوة وحملها ايضا امر عظيم فهداية البشرية هو مقصد الدعوة ووظيفة حملتها من الرسل ومن تبعهم واهتدى بهديهم من المؤمنين . فلذلك نجد ان الله تعالى قال لموسى عليه السلام
{ولتصنع على عيني} وقال له ايضا: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}، بمعنى أن الله -تبارك وتعالى- هيأه ودبره هذا التدبير، ورعاه هذه الرعاية، وأنشأه هذه النشأة؛ ليقوم بأعباء الرسالة، والدعاء إلى الله -تبارك وتعالى-
التفسير
( وما تلك بيمينك يا موسى ( 17 ) قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ( 18 ) قال ألقها يا موسى ( 19 ) فألقاها فإذا هي حية تسعى ( 20 ) قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ( 21 ) ) .
هذا برهان من الله تعالى لموسى ، عليه السلام ، ومعجزة عظيمة ، وخرق للعادة باهر ، دال على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله عز وجل ، وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل ، وقوله : ( وما تلك بيمينك يا موسى ) قال بعض المفسرين : إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له . وقيل : إنما قال له [ ص: 279 ] ذلك على وجه التقرير ، أي : أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها ، فسترى ما نصنع بها الآن ، ( وما تلك بيمينك يا موسى ) استفهام تقرير .
( قال هي عصاي أتوكأ عليها ) أي : أعتمد عليها في حال المشي ( وأهش بها على غنمي ) أي : أهز بها الشجرة ليسقط ورقها ، لترعاه غنمي .
قال عبد الرحمن بن القاسم : عن الإمام مالك : والهش : أن يضع الرجل المحجن في الغصن ، ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره ، ولا يكسر العود ، فهذا الهش ، ولا يخبط . وكذا قال ميمون بن مهران أيضا .
وقوله : ( ولي فيها مآرب أخرى ) أي : مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك
وقوله تعالى : ( قال ألقها يا موسى ) أي : هذه العصا التي في يدك يا موسى ، ألقها ( فألقاها فإذا هي حية تسعى ) أي : صارت في الحال حية عظيمة ، ثعبانا طويلا يتحرك حركة سريعة ، فإذا هي تهتز كأنها جان ، وهو أسرع الحيات حركة ، ولكنه صغير ، فهذه في غاية الكبر ، وفي غاية سرعة الحركة ، ( تسعى ) أي : تمشي وتضطرب .
وهنا ولى موسى مدبرا
فامره الله ان ياخذها وان لا يخف وانه سبحانه سيعيدها سيرتها الاولى بمجرد ان يمسكها فتعود عصا كما كانت سيرتها الاولى
الفائدة المرتجاة:-
هذا درس للدعاة ان يتيقنوا من حجتهم ويتاكدوا من بينتهم ويتاهلوا للتعامل بها ومعها فلا يتفاجئوا بها عند لزومها
فموسى سلام ربي عليه هنا اخذ درسا ليؤهل بمعجزته ويكون مطلعا على حقيقة بينته قبل استعمالها كي لا يفاجأ بها عند فرعون وملأه فيولي هاربا مثلهم...
فالداعية الى الله يجب ان يؤهل بكل ما يلزمه من اثباتات وحجج وبراهين وبينات تثبت وتسند دعوته وتقنع بها المخاطبين؛ بما يجب ان يمتلك من اساليب الحكمة والموعظة الحسنة والقدرة على المجادلة بالتي هي احسن؛ وما يلزمه من ملكة حُسن التأتي والقول البليغ المؤثر في النفي فيقول في كل مقام ما يلزمه من قول ؛فيتوجب على حامل الدعوة لله ان يعتني بتثقيف نفسه خاصة بالقران وفقهه وتفسيره ؛ويوسع اطلاعه لتتوسع مداركه وافاقه العقلية والفكرية؛ لمجابهة ملل الكفر التي يضيق الصدر بحججهم السمجة الواهية التي يزخرفونها بما توحيه لهم شياطين الانس والجن ...قال الله تعالى: -{ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)الحجر}...
جعلنا الله واياكم ممن يتدبرون القران فيفقهوه ويتبعون هداه واحكامه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته