بسم الله الرحمن الرحيم
62- من دروس القران التوعوية :
الشورى عند العرب وفي القران :-
الشورى و التشاور هو: استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى الحق او أقرب الأمور للحق. فيما يعتبر من التدبير وليس في نص شرعي يُقتفى. . فالشورى هي أن يأخذ الإنسان برأي أصحاب العقول الراجحة والأفكار الصائبة، ويستشيرهم حتى يتبين له الصواب فيتبعه، ويتضح له الخطأ فيجتنبه، وفي الامور التقنية التخصصية يُسأل فيها اهل الاختصاص والعلم بها؛ و استشارة الخبراء واهل الاختصاص تسمى مشورة؛ وهي من فروض الكفاية؛ أي إن الحاكم يختار خبراء يستشيرهم ولا يستشير كل الناس. .. والشورى لها مكانة عظيمة في دين الإسلام، وقد سمى الله تعالى سورة في القرآن الكريم باسم الشورى لشرفها ومكانتها في حياة المؤمنين؛ حيث انها تُعتبر قوام حياة الاسلام ونظامه. لكن الشورى من فروض العين الجمعية التي تتوجب على مجموع الامة؛ وهي إدارة الجماعة أمرها بالشورى؛ وأول عناصرها واجب البيعة الحرة لاختيار من يكلف بالإدارة والولاية العامة وكيلا أو نائبا عن الأمة منفذا شروط البيعة بالأمانة والعدل متصفا بالعدالة في خلقه والنزاهة في مسلكه ؛ ثم مراقبته ومحاسبته -الحسبة الشرعية السياسية- من قبل الانتخابين خلال مدة نيابته وولايته الممنوحة له من قبل الأمة.
والفرق بين ا لنوعين أن المشورة فيها اختيار الحاكم لمن يستشيره في التسيير اليومي للدولة؛ وهو حر في ذلك يختار من يراه كفؤا في مجال القرارات التي ينوي اتخاذها. أما الثانية فليس له حق اختيار من يستشير لأن تعيينه نفسه هو موضوع الشورى التي هي فرض عين على كل المؤمنين وكذلك مراقبته والقدرة على تغييره إذا لم يكن أمينا نزيها وعادلا عدلا.
جاءت كلمة الشورى في القران الكريم مرتين بالتصريح بلفظها: -1-مرة في مكة المكرمة والمسلمين حركة دعوية عقائدية عقلية وفكرية و سياسية ..
حيث قال تعالى في سورة الشورى المكية : {(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)}[الاية38من سورة الشورى]... فجاءت بصيغة الاخبار المقتضي للطلب .. وجُعلت من صفات المؤمنين الذين استجابوا لدعوة ربهم واقاموا الصلاة والصلة بالله تعالى .. وهذا يفيد انها امر ومفهوم مترسخ في حياة المؤمنين لا ينفك عن دينهم وايمانهم وحياتهم الدعوية .. فمسيرة الدعوة تحتاج الى الشورى في كل مراحلها ومحطات سيرها لتسير سيرا طبيعيا وعلى بصيرة من الامر ..أما ان الاسلام حركة عقائدية عقلية فلإن عقيدته مبنية على العقل والبرهان والحجة والاثبات ؛ واما انه حركة فكرية فلإنه جاء بفكر يضرب فكر الواقع الموروث التقليدي ويزرع مكانه افكاره ومفاهيمه التي تصنع مجتمع الايمان وكيانه .. وأما انه حركة سياسية فلإنه جاء يرعى شؤن الخلق بما شرع الخالق سبحانه وحرم على الخلق ان يستعبد بعضهم بعضا ..
2- جاء لفظ الشورى صريحا من خلال بيان الصفات التي يجب ان يتحلى بها من يقود الناس وبسوسهم سياسة موفقة راشدة فقال لنبيه صلى الله عليه واله وسلم وهو يتنزل عليه الوحي مسددا وموجها ومعلما ومع ذلك امره بالشورى فقال:{(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)} (الاية 159 من سورة ال عمران المدنية)فهنا اوجبت عليه الشورى بصفته قائدا حاكما للامة؛فان الشورى تطيب بها نفوس الاتباع وتشعرهم بالمشاركة في اتخاذ القرارات فيتحملوا مسؤلية مع قيادتهم ؛ ثم ان الشورى انفى لغلظ القلب وجفاءه وادعى الى اللين والرحمة والعفو الذي هو من اسباب الاجتماع والالتفاف حول القائد الرشيد الراشد ...
والشورى ليس امرا غريبا ولا مستجدا على فكر وانماط الحكم عند العرب ؛ حيث عرفوا مفهوم امر الشورى في الحكم قبل الاسلام؛لانهم اهل حمية وانفة وعزة وكرامة؛ ويرون انفسهم متساوون في الحقوق فلا يتسامحون بهضمها؛ و متساوون في اداء الواجبات يتسابقون في ادائها؛ حيث عدوا ذلك من مآثر الاحساب و المكارم ؛ وجاء الاسلام ليتممه على اكمل واتم وجه يكفل للناس ملكهم خيارهم وارادتهم ..
فمن ارقى الممالك في بلاد العرب على مر التاريخ ممالك اهل اليمن؛ وقد حكى لنا القران بان بلقيس كانت لا تتخذ قرارا ولا تفصل في امر حتى تستشير اعيان قومها من الوسط السياسي :{(قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32)النمل}.
وعرفت القبائل العربية التي كانت نماذج من دول مصغرة مفهوم الشورى وعملت به ، وكانت قبائلنا تعمل به الى وقت قريب ..ويدل على ذلك تغيير القيادات وانتقال بيوت القيادة ومناصب العقيد والقليد والقضاة في العشائر والقبائل من بيت الى بيت ..
وكانت قريش قبيلة النبي صلوات ربي وسلامه عليه واله من ارقى قبائل العرب تنظيما وادارة لشؤونهم العامة؛ فعملوا دار الندوة والتي بنوها مطلة على صحن الكعبة المشرفة حيث كانت الكعبة سر عزهم ومجدهم ؛ولاهمية الشورى جعلوا بيتها - دار الندوة - مطلا على صحن الطواف حول الكعبة المشرفة ... وكانت تُدار امور قريش السياسية والتجارية والاقتصادية وحتى الاجتماعية من خلال دار الندوة التي كان السن المؤهل لسماع الرأي فيها بلوغ الثلاثين من العمر مع الاشتهار بالفطنة والحكمة والخبرة ... فكان حكم مكة ليس جمهوريا بلغة اليوم ولا ملكيا ؛ وانما جمعيا يتساوى فيه كل اهل الدار والديار؛الذين توزعت عليهم المهام والواجبات كي يعرف الكل ما له وما عليه فيتفانى في اداء ما وُكل به اكثر من حرصه على ما هو له ..
وقد اشار القران في اول سوره نزولا الى نادي القوم الذي يتنادون فيه لمناقشة الامور ومنها اعلان الحرب والسلم ؛ يوم بلغ السفه بأبي جهل ان يدعو القوم ويتنادوا لقتال الملائكة التي تتنزل على محمد !!
فقال تعالى :- {(أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يَنۡهَىٰ ﴿٩﴾ عَبۡدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ﴿١٠﴾ أَرَءَيۡتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلۡهُدَىٰٓ ﴿١١﴾ أَوۡ أَمَرَ بِٱلتَّقۡوَىٰٓ ﴿١٢﴾ أَرَءَيۡتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ﴿١٣﴾ أَلَمۡ يَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ ﴿١٤﴾ كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ ﴿١٥﴾ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ﴿١٦﴾ فَلۡيَدۡعُ نَادِيَهُۥ ﴿١٧﴾ سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ ﴿١٨﴾ كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡۤ وَٱقۡتَرِب۩ ﴿١٩﴾سورة العلق)}..
ان الربط بين ايتي الشورى والمائدة من جهة واية الاحزاب من جهة ثانية و التي يقول فيها عز وجل {(مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) الاحزاب)}.. يتبين لنا ان النبي الذي ارسله الله للناس كافة بشيرا ونذيرا ورحمة للعالمين لم يخلف رجلا ذكرا يعيش ليرثه!! فلذلك توفى الله تعالى اولاده الذكور اطفالا؛ فقد وهبه الذكور واخذهم ليبين مقدرته على الانجاب واانه ليس بأبتر مقطوع الذرية و لا عقيما مقطوع النسل !! والحكمة من ذلك ان امر امته شورى بينهم فيمن يختارون؛ وعلى الذي يختارونه ان يشاورهم في الامر خاصة المتعلق بتقرير المصير ووجهة المسير؛ فوراثة الرعية انتهت وملكية المزارع تفتت؛وانتفت الوصاية والولاية؛ لان الوصاية والولاية لا تكون الا على القاصر وضعيف الادراك والسفهاء من الناس؛ وقد اكمل الله تعالى لنا دينه الذي رضيه لنا واتم علينا نعمته مخاطبا اهل العقل و الادراك البالغين رشدهم ؛ والامر الراشد الرشيد هو الاتي بطريق الشورى ؛ والتي زخرت بذكرها السيرة والسنن في حياة النبي صلوات ربي وسلامه عليه وابان نزول الوحي عليه؛ وزخرت كتب السيرة والتاريخ بذكرها كسنة انتهجها الخلفاء الراشدون من بعده رضوان الله وسلامه عليه واله وصحبه وسلم .. وربما هذا احد اسباب اختيار امة العرب للرسالة الخاتمة لتحملها نورا وهدىً للبشرية والله تعالى اعز واعلم...
اللهم هيء لنا من امرنا رشداً والهمنا رشدنا واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
62- من دروس القران التوعوية :
الشورى عند العرب وفي القران :-
الشورى و التشاور هو: استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى الحق او أقرب الأمور للحق. فيما يعتبر من التدبير وليس في نص شرعي يُقتفى. . فالشورى هي أن يأخذ الإنسان برأي أصحاب العقول الراجحة والأفكار الصائبة، ويستشيرهم حتى يتبين له الصواب فيتبعه، ويتضح له الخطأ فيجتنبه، وفي الامور التقنية التخصصية يُسأل فيها اهل الاختصاص والعلم بها؛ و استشارة الخبراء واهل الاختصاص تسمى مشورة؛ وهي من فروض الكفاية؛ أي إن الحاكم يختار خبراء يستشيرهم ولا يستشير كل الناس. .. والشورى لها مكانة عظيمة في دين الإسلام، وقد سمى الله تعالى سورة في القرآن الكريم باسم الشورى لشرفها ومكانتها في حياة المؤمنين؛ حيث انها تُعتبر قوام حياة الاسلام ونظامه. لكن الشورى من فروض العين الجمعية التي تتوجب على مجموع الامة؛ وهي إدارة الجماعة أمرها بالشورى؛ وأول عناصرها واجب البيعة الحرة لاختيار من يكلف بالإدارة والولاية العامة وكيلا أو نائبا عن الأمة منفذا شروط البيعة بالأمانة والعدل متصفا بالعدالة في خلقه والنزاهة في مسلكه ؛ ثم مراقبته ومحاسبته -الحسبة الشرعية السياسية- من قبل الانتخابين خلال مدة نيابته وولايته الممنوحة له من قبل الأمة.
والفرق بين ا لنوعين أن المشورة فيها اختيار الحاكم لمن يستشيره في التسيير اليومي للدولة؛ وهو حر في ذلك يختار من يراه كفؤا في مجال القرارات التي ينوي اتخاذها. أما الثانية فليس له حق اختيار من يستشير لأن تعيينه نفسه هو موضوع الشورى التي هي فرض عين على كل المؤمنين وكذلك مراقبته والقدرة على تغييره إذا لم يكن أمينا نزيها وعادلا عدلا.
جاءت كلمة الشورى في القران الكريم مرتين بالتصريح بلفظها: -1-مرة في مكة المكرمة والمسلمين حركة دعوية عقائدية عقلية وفكرية و سياسية ..
حيث قال تعالى في سورة الشورى المكية : {(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)}[الاية38من سورة الشورى]... فجاءت بصيغة الاخبار المقتضي للطلب .. وجُعلت من صفات المؤمنين الذين استجابوا لدعوة ربهم واقاموا الصلاة والصلة بالله تعالى .. وهذا يفيد انها امر ومفهوم مترسخ في حياة المؤمنين لا ينفك عن دينهم وايمانهم وحياتهم الدعوية .. فمسيرة الدعوة تحتاج الى الشورى في كل مراحلها ومحطات سيرها لتسير سيرا طبيعيا وعلى بصيرة من الامر ..أما ان الاسلام حركة عقائدية عقلية فلإن عقيدته مبنية على العقل والبرهان والحجة والاثبات ؛ واما انه حركة فكرية فلإنه جاء بفكر يضرب فكر الواقع الموروث التقليدي ويزرع مكانه افكاره ومفاهيمه التي تصنع مجتمع الايمان وكيانه .. وأما انه حركة سياسية فلإنه جاء يرعى شؤن الخلق بما شرع الخالق سبحانه وحرم على الخلق ان يستعبد بعضهم بعضا ..
2- جاء لفظ الشورى صريحا من خلال بيان الصفات التي يجب ان يتحلى بها من يقود الناس وبسوسهم سياسة موفقة راشدة فقال لنبيه صلى الله عليه واله وسلم وهو يتنزل عليه الوحي مسددا وموجها ومعلما ومع ذلك امره بالشورى فقال:{(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)} (الاية 159 من سورة ال عمران المدنية)فهنا اوجبت عليه الشورى بصفته قائدا حاكما للامة؛فان الشورى تطيب بها نفوس الاتباع وتشعرهم بالمشاركة في اتخاذ القرارات فيتحملوا مسؤلية مع قيادتهم ؛ ثم ان الشورى انفى لغلظ القلب وجفاءه وادعى الى اللين والرحمة والعفو الذي هو من اسباب الاجتماع والالتفاف حول القائد الرشيد الراشد ...
والشورى ليس امرا غريبا ولا مستجدا على فكر وانماط الحكم عند العرب ؛ حيث عرفوا مفهوم امر الشورى في الحكم قبل الاسلام؛لانهم اهل حمية وانفة وعزة وكرامة؛ ويرون انفسهم متساوون في الحقوق فلا يتسامحون بهضمها؛ و متساوون في اداء الواجبات يتسابقون في ادائها؛ حيث عدوا ذلك من مآثر الاحساب و المكارم ؛ وجاء الاسلام ليتممه على اكمل واتم وجه يكفل للناس ملكهم خيارهم وارادتهم ..
فمن ارقى الممالك في بلاد العرب على مر التاريخ ممالك اهل اليمن؛ وقد حكى لنا القران بان بلقيس كانت لا تتخذ قرارا ولا تفصل في امر حتى تستشير اعيان قومها من الوسط السياسي :{(قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32)النمل}.
وعرفت القبائل العربية التي كانت نماذج من دول مصغرة مفهوم الشورى وعملت به ، وكانت قبائلنا تعمل به الى وقت قريب ..ويدل على ذلك تغيير القيادات وانتقال بيوت القيادة ومناصب العقيد والقليد والقضاة في العشائر والقبائل من بيت الى بيت ..
وكانت قريش قبيلة النبي صلوات ربي وسلامه عليه واله من ارقى قبائل العرب تنظيما وادارة لشؤونهم العامة؛ فعملوا دار الندوة والتي بنوها مطلة على صحن الكعبة المشرفة حيث كانت الكعبة سر عزهم ومجدهم ؛ولاهمية الشورى جعلوا بيتها - دار الندوة - مطلا على صحن الطواف حول الكعبة المشرفة ... وكانت تُدار امور قريش السياسية والتجارية والاقتصادية وحتى الاجتماعية من خلال دار الندوة التي كان السن المؤهل لسماع الرأي فيها بلوغ الثلاثين من العمر مع الاشتهار بالفطنة والحكمة والخبرة ... فكان حكم مكة ليس جمهوريا بلغة اليوم ولا ملكيا ؛ وانما جمعيا يتساوى فيه كل اهل الدار والديار؛الذين توزعت عليهم المهام والواجبات كي يعرف الكل ما له وما عليه فيتفانى في اداء ما وُكل به اكثر من حرصه على ما هو له ..
وقد اشار القران في اول سوره نزولا الى نادي القوم الذي يتنادون فيه لمناقشة الامور ومنها اعلان الحرب والسلم ؛ يوم بلغ السفه بأبي جهل ان يدعو القوم ويتنادوا لقتال الملائكة التي تتنزل على محمد !!
فقال تعالى :- {(أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يَنۡهَىٰ ﴿٩﴾ عَبۡدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ﴿١٠﴾ أَرَءَيۡتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلۡهُدَىٰٓ ﴿١١﴾ أَوۡ أَمَرَ بِٱلتَّقۡوَىٰٓ ﴿١٢﴾ أَرَءَيۡتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ﴿١٣﴾ أَلَمۡ يَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ ﴿١٤﴾ كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ ﴿١٥﴾ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ﴿١٦﴾ فَلۡيَدۡعُ نَادِيَهُۥ ﴿١٧﴾ سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ ﴿١٨﴾ كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡۤ وَٱقۡتَرِب۩ ﴿١٩﴾سورة العلق)}..
ان الربط بين ايتي الشورى والمائدة من جهة واية الاحزاب من جهة ثانية و التي يقول فيها عز وجل {(مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) الاحزاب)}.. يتبين لنا ان النبي الذي ارسله الله للناس كافة بشيرا ونذيرا ورحمة للعالمين لم يخلف رجلا ذكرا يعيش ليرثه!! فلذلك توفى الله تعالى اولاده الذكور اطفالا؛ فقد وهبه الذكور واخذهم ليبين مقدرته على الانجاب واانه ليس بأبتر مقطوع الذرية و لا عقيما مقطوع النسل !! والحكمة من ذلك ان امر امته شورى بينهم فيمن يختارون؛ وعلى الذي يختارونه ان يشاورهم في الامر خاصة المتعلق بتقرير المصير ووجهة المسير؛ فوراثة الرعية انتهت وملكية المزارع تفتت؛وانتفت الوصاية والولاية؛ لان الوصاية والولاية لا تكون الا على القاصر وضعيف الادراك والسفهاء من الناس؛ وقد اكمل الله تعالى لنا دينه الذي رضيه لنا واتم علينا نعمته مخاطبا اهل العقل و الادراك البالغين رشدهم ؛ والامر الراشد الرشيد هو الاتي بطريق الشورى ؛ والتي زخرت بذكرها السيرة والسنن في حياة النبي صلوات ربي وسلامه عليه وابان نزول الوحي عليه؛ وزخرت كتب السيرة والتاريخ بذكرها كسنة انتهجها الخلفاء الراشدون من بعده رضوان الله وسلامه عليه واله وصحبه وسلم .. وربما هذا احد اسباب اختيار امة العرب للرسالة الخاتمة لتحملها نورا وهدىً للبشرية والله تعالى اعز واعلم...
اللهم هيء لنا من امرنا رشداً والهمنا رشدنا واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..