بسم الله الرحمن الرحيم
69- من دروس القران التوعوية :
حرب الاسلام على الفقر واسبابه :-
اعتادت انظمة الاستبداد واديان الباطل على تسويغ عيشة الفقر للناس ؛ ذلك ان الفقر وحياة البؤس من اهم معيقات التفكير ومثبطات التغيير ..
وربطوا الفقر بانه ارادة الله تعالى وقضاؤه المبرم الذي لا انفكاك عنه ؛ في حين تسلب خيرات الارض وارزاق اهلها المبثوثة في ارجاءها واهلها ينظرون وينتظرون ثواب واجر الصبر على حياة البؤس والفقر؛ دون ان يحركوا ساكنا استسلاما منهم للقدر الذي صوره لهم كهنوت القارونية وسحرة الفرعونية بكافة وسائلها الاعلامية...
والفقر عند أهل اللغة :هو الحاجة ، وهو ضد الغنى ، والفقير يعيش مكسور الخاطر مثقل الظهر ، وهذا كناية عن الحمل الثقيل المترتب عليه من قلة المال . واصطلاحاً عند الفقهاء : الفقير هو الشخص القليل المال والذي يحتاج ملا يملك لسد حاجاته واساسيات حياته .
ومفهوم الفق وواقعه انه عجز عن تحقيق الطموحات والتطلعات البشرية؛وعدم القدرة على امتلاك مستلزمات الحياة الكريمة؛ وقد ينتهي بصاحبه ليكون محطم الكرامة وكسير الفؤاد وذليل القامة؛ ولهذا كان قرين الكفر وبريده ولذا تعوذ منهما النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (أعوذ بك من الكفر والفقر) سنن أبي داوود. وقال الإمام علي -رضي الله عنه-: (لو كان الفقر رجلا لقتلته) والفقر ينسي الإنسان حقيقة مهمته في الحياة بل ووجوده المادي والمعنوي ؛ فهو كالخمر من مغيبات العقل؛ ومشوشات الشعور و الادراك؛ ولذا تعوذ النبي -صلى الله عليه وسلم- منه بقوله: (وأعوذ بك من فقر ينسي) مسند البزار . ولذلك ايضا اختاره الطغاة والمستبدون والمستغلون للشعوب لفرض التبعية عليهم ...
لقد اعلن الاسلام الحرب على الفقر حيث جعله وعد الشيطان ونتيجة حتمية لاتباع مناهج ضلالته؛ وكل امنر يدعوا اليه الشيطان ويعد به فهو منبوذ محارب؛ فقد قال تعالى:- ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [ البقرة: 268]..
وهذا اعلان فصيح صريح بالحرب على الفقر والحرب على المناهج الصانعة له ..
فاذا كانت الاديان التي عبث بها البشر وصنعوها لتخدم القارونية الطاغوتية والفرعونية المتسلطة ؛ بكهنوتها المضل يمنون البشر بالطوباويات ليتركوا حياتهم ومقوماتها لقارون والمتفرعنين ؛ فان الاسلام بريء من تلك الاديان وذاك الكهنوت الشيطاني البغيض... ففي الاية الخاتمة لسورة محمد في القران يقول الله تعالى حاثا عباده على الانفاق في سبيل الدعوة واظهار الرسالة:- ﴿ هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾ [ محمد: 38] وقد جاءت ايات كثيرة وصحت احاديث عديدة تأمر وتحث وتفرض الانفاق على المسلمين؛ بل ان ركنا من اركان الاسلام متعلق بالمال واقتناءه لانفاقه واخراج حق السائل والمحروم منه؛؛؛ وهذه لو تدبرها المسلم لوجد انها دعوة للغنى ونبذ الفقر ومحاربته ..!! ﴿الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)﴾ {البقرة}. فالذين هم على هذى من ربهم والذين هم المفلحون الذين جمعوا بين الايمان بما في الكتاب من هدى ايمان بالغيب واقامة الصلاة وايتاء الزكاة فينفقون مما حازوه من رزق الله تعالى الذي بثه لهم في الارض فوصلوا اليه بما هداهم الله اليه واحل لهم من سبل فحازوه باذن الله؛ حيث هو من وهب للانسان قدرات وملكات الحيازة ..
ان من أسوأ أنواع الفقر الذي تعانيه البشرية اليوم؛ ذاك الذي ينتج عن سوء السياسات الإقتصادية والإجتماعية؛ الذي ينتهي بجعل المجتمع بجميع افراده ومؤسساته ادوات مستعبدة لطاغوت الرأسمالية وشركاتها العملاقة التي تستثمر ليس في جهد الانسان وثرواته فحسب؛بل في جسده وبصحته مرضا وصحة؛ وحتى حيا وميتا؛؛؛ وجعلت المجتمع طبقات متفاوتة غاية التفاوت؛ تغيب معه الطبقة الوسطى العازلة بين الفقر المنسي والغني المطغي؛ هذا التفاوت الذي يؤدي للغبن والحسد والعداوات بين ابناء المجتمع ثم الاحتراب المنتهي بالخراب .
فعالم اليوم تسوده الرأسمالية الجشعة التي تتحكم فيها الشركات الكبرى العملاقة العابرة للقارات؛ والتي لا تعرف الرحمة في قيمها وأخلاقها؛ وتتحكم أقلية من بارونات المال في مجمل ثروات العالم؛ ونشاهد بجلاء كيف يسحق في ظلالها الفقراء والمساكين؛ وكيف يموتون على ضفاف وشواطيء تلك البلاد التي نهبت ثروات بلادهم وحولتهم لشعوب مسحوقة متسولة على موائد المترفين اللئام.
فالاستعمار له عظيم الأثر في إفقار الشعوب رغم غِنى أراضها بالموارد والثروات المادية والغذائية والمعدنية والمائية ، والتي استأثر بنهبها وحول اهلها الى عبيد يستخرجونها ويسلمونها اليه ..
و رغم سعي الإنسان في هذا العصر إلى توفير الماديات والركض نحو الرفاهية بأنواعها المختلفة، ما يخيل إليك أن البشر قد تحسنت أحوالهم! إلا أننا نجد الهوّة تزيد كل يوم بين طبقات المجتمع، والفقر يستشري بين فئة كبيرة من الناس في مختلف الشعوب، وذلك مع تمكّن الفلسفة العلمانية من تفاصيل الحياة، وترسيخها للرأسمالية التي جعلت البشر تروس خادمة للمؤسسات والشركات عابرة القارات، فقد أصبح إفقارالشعوب وحرمانها أحد أهم الأدوات لصناعة الفقر الذي يخدم فئة على حساب البشر عامة والمسلمين بصورة خاصة.
ولعل من أكبر المفاهيم المغلوطة التي تسوق للناس و مررها زورا وبهتانا فلاسفة الغرب على البشرية : مفهوم الندرة النسبية التي يعتبرها النظام الاقتصادي الرأسمالي احد مقوماته علوم الاقتصاد !! وذلك في نظرته وتعامله مع الثروات الطبيعية والانتاجية !! بينما الحقيقة هي أن الثروات كافية للبشر مهما كان تعدادهم ومهما بلغت زيادتهم وتكاثرهم؛ إذا كان التوزيع عادلا؛ وصحيحا وفق صراط رب العالمين المستقيم؛ وةهدي عباده المفلحين؛؛ ولكن الندرة صناعة مقصودة للتحكم في الأسعار العالمية ومن ثم التحكم فى الشعوب؛ قال تعالى: (وَجَعَلَ فِیهَا رَوَ ٰسِیَ مِن فَوۡقِهَا وَبَـٰرَكَ فِیهَا وَقَدَّرَ فِیهَاۤ أَقۡوَ ٰتَهَا فِیۤ أَرۡبَعَةِ أَیَّامࣲ سَوَاۤءࣰ لِّلسَّاۤئلِینَ) فصلت/10 . فانظر الى نسبة الاقوات الى الارض؛ في حين ان الاقوات لاهل الارض وساكنيها الذين يعيشون عليها من العوالم؛فالجميع ارزاقه مكفولة محسوبة موجودة، حتى الحشرات والديدان؛ لكن طغيان الانسان هو ما يمنع اخيه الانسان يوم ينسى اخوته الانسانية من الوصول الى رزقه الذي هيأه الله تعالى له...ولعل من اكبر المصائب والمصائب التي تفتقت عنها العقلية الاستعمارية القذرة فكرة انشاء ما يسمى بصندوق النقد الدولي!! فاذا كان الدائن المرابي يرتهن شخصا بعينه فان صندوق النقد يستعبد دولا وشعوبا ويركعها ويخضعها عند عجزها الحتمي عن تسديد ربا ديونه وقروضه...
لقد جاء الاسلام جاء بتشريعاته بما يقلل التفاوت ويقرب الفجوات المالية ويردعها بين طبقات المجتمع؛ ويعزز روح التكافل والتضامن الاجتماعي؛ ويجعل ذلك عبادة ومن شعائر وعلامات اخوة ابناء المجتمع وايمانهم؛فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه واله وسلم في البخاري:"مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى". ويمنع الاسلام الاستغلال والظلم ويحقق التوزيع العادل للثروات دون أن يدمر روح العمل والإنتاج والفاعلية الإنسانية والتحفيز للعاملين؛ تقديرا لجهدهم بعيدا عن الاحتكار في التداول للمال في طبقة الأثرياء دون سواهم فشرع الزكوات والصدقات وفرض المواريث وندب للوصايا والهبات كل ذلك لتوسيع دائرة التداول المالي وتفتيت التكدس في الثروات و الحيلولة دون نمو الطبقات الاجتماعية المترفة (مَّاۤ أَفَاۤءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِ كَیۡ لَا یَكُونَ دُولَةَۢ بَیۡنَ ٱلۡأَغۡنِیَاۤءِ مِنكُمۡۚ وَمَاۤ ءَاتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُوا۟ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ) الحشر/7. وحرم الاسلام الربا والمعاملات الربوية المؤدية الى الاتجار بالنقد اساس المال؛ والماحقة لبركة الاستفادة من دورة المال والمؤدية الى تكديسه في ايدي فئة البارونات احفاد قارون؛{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (البقرة 276) ، ويمنع الاسلام كنز المال وعدم تداوله ليدور دورته في الحياة ؛كما يمنع اكله بالباطل والسحت كما يفعل الكهان تجار الدين : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)التوبة}..
وقد جعل الاسلام من مهام الدولة المسلمة توزيع الثروة وتمكين الناس من الوصول الى ارزاقهم ؛ وجعل من مهام وتكاليف الجماعة المؤمنة محاسبتها على ذلك؛ فقد حاسب مجتمع الصحابة امرائهم حتى على طول وقصر ثيابهم!!!
نُقل في الأثر عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – وهو خامس من أسلم من الرجال أنه قال محرّضاً الفقراء الجوعى على اخذ اقواتهم وتحصيلها بالقوة لا بالمنة حيث قال: " عجبتُ لمن لا يجدُ القوت في بيتهِ كيف لا يخرجُ على الناس شاهراً سيفه " . ولقد عبّر ابن حزم الاندلسي إمام المذهب الظاهري عن هذا المعنى في كتابه ( المُحلّى ) . بقوله : " إنه اذا مات الرجل جوعاً في بلدٍ أُعتبر أهله قتله , وأُخذت منهم دية القتيل , وأن للجائع عند الضرورة أن يُقاتل في سبيل حقه في الطعام الزائد عند غيره , فإن قُتل – أي الجائع – فعلي قاتله القصاص , وإن قُتل المانع لعنه الله لأنه منع حقاً وهو طائفةٌ باغية . " وهذا الفهم للحقوق في الثروات لكلٍ من أبي ذر الغفاري وابن حزم الأندلسي مُستقى من نص وروح الحديث الشريف المروي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :" من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له , ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من زاد له ... " ويقول راوي الحديث " فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أن لا حق لأحدٍ منا من فضل . " وختاما فان الاسلام حارب الفقر ونبذه وحارب اسبابه ومسبباته ؛ وفي الختام نقول ان من عقيدة الإسلام؛ أن المال هو مال الله تعالى، لأنه هو خالقه وهو الذي يرزقه لمن يشاء من عباده، وينبني على هذا الاعتقاد أن يتصرف فيه المسلم بمقتضى شرع الله تعالى لا بهوى نفسه؛ لأنه هو وماله ملك لله تعالى..وان نظام الاسلام المالي والاقتصادي جاء من عند رب خبير لطيف يعلم سبحانه بما يصلح الحال والمال .. فلا سعادة ولا نجاة للبشرية المستعبدة والمعذبة الا بالاسلام وبلاسلام وحده ستنعم الشعوب ...قال الله تعالى:- {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126) وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ (127)طه}...اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
69- من دروس القران التوعوية :
حرب الاسلام على الفقر واسبابه :-
اعتادت انظمة الاستبداد واديان الباطل على تسويغ عيشة الفقر للناس ؛ ذلك ان الفقر وحياة البؤس من اهم معيقات التفكير ومثبطات التغيير ..
وربطوا الفقر بانه ارادة الله تعالى وقضاؤه المبرم الذي لا انفكاك عنه ؛ في حين تسلب خيرات الارض وارزاق اهلها المبثوثة في ارجاءها واهلها ينظرون وينتظرون ثواب واجر الصبر على حياة البؤس والفقر؛ دون ان يحركوا ساكنا استسلاما منهم للقدر الذي صوره لهم كهنوت القارونية وسحرة الفرعونية بكافة وسائلها الاعلامية...
والفقر عند أهل اللغة :هو الحاجة ، وهو ضد الغنى ، والفقير يعيش مكسور الخاطر مثقل الظهر ، وهذا كناية عن الحمل الثقيل المترتب عليه من قلة المال . واصطلاحاً عند الفقهاء : الفقير هو الشخص القليل المال والذي يحتاج ملا يملك لسد حاجاته واساسيات حياته .
ومفهوم الفق وواقعه انه عجز عن تحقيق الطموحات والتطلعات البشرية؛وعدم القدرة على امتلاك مستلزمات الحياة الكريمة؛ وقد ينتهي بصاحبه ليكون محطم الكرامة وكسير الفؤاد وذليل القامة؛ ولهذا كان قرين الكفر وبريده ولذا تعوذ منهما النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (أعوذ بك من الكفر والفقر) سنن أبي داوود. وقال الإمام علي -رضي الله عنه-: (لو كان الفقر رجلا لقتلته) والفقر ينسي الإنسان حقيقة مهمته في الحياة بل ووجوده المادي والمعنوي ؛ فهو كالخمر من مغيبات العقل؛ ومشوشات الشعور و الادراك؛ ولذا تعوذ النبي -صلى الله عليه وسلم- منه بقوله: (وأعوذ بك من فقر ينسي) مسند البزار . ولذلك ايضا اختاره الطغاة والمستبدون والمستغلون للشعوب لفرض التبعية عليهم ...
لقد اعلن الاسلام الحرب على الفقر حيث جعله وعد الشيطان ونتيجة حتمية لاتباع مناهج ضلالته؛ وكل امنر يدعوا اليه الشيطان ويعد به فهو منبوذ محارب؛ فقد قال تعالى:- ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [ البقرة: 268]..
وهذا اعلان فصيح صريح بالحرب على الفقر والحرب على المناهج الصانعة له ..
فاذا كانت الاديان التي عبث بها البشر وصنعوها لتخدم القارونية الطاغوتية والفرعونية المتسلطة ؛ بكهنوتها المضل يمنون البشر بالطوباويات ليتركوا حياتهم ومقوماتها لقارون والمتفرعنين ؛ فان الاسلام بريء من تلك الاديان وذاك الكهنوت الشيطاني البغيض... ففي الاية الخاتمة لسورة محمد في القران يقول الله تعالى حاثا عباده على الانفاق في سبيل الدعوة واظهار الرسالة:- ﴿ هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾ [ محمد: 38] وقد جاءت ايات كثيرة وصحت احاديث عديدة تأمر وتحث وتفرض الانفاق على المسلمين؛ بل ان ركنا من اركان الاسلام متعلق بالمال واقتناءه لانفاقه واخراج حق السائل والمحروم منه؛؛؛ وهذه لو تدبرها المسلم لوجد انها دعوة للغنى ونبذ الفقر ومحاربته ..!! ﴿الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)﴾ {البقرة}. فالذين هم على هذى من ربهم والذين هم المفلحون الذين جمعوا بين الايمان بما في الكتاب من هدى ايمان بالغيب واقامة الصلاة وايتاء الزكاة فينفقون مما حازوه من رزق الله تعالى الذي بثه لهم في الارض فوصلوا اليه بما هداهم الله اليه واحل لهم من سبل فحازوه باذن الله؛ حيث هو من وهب للانسان قدرات وملكات الحيازة ..
ان من أسوأ أنواع الفقر الذي تعانيه البشرية اليوم؛ ذاك الذي ينتج عن سوء السياسات الإقتصادية والإجتماعية؛ الذي ينتهي بجعل المجتمع بجميع افراده ومؤسساته ادوات مستعبدة لطاغوت الرأسمالية وشركاتها العملاقة التي تستثمر ليس في جهد الانسان وثرواته فحسب؛بل في جسده وبصحته مرضا وصحة؛ وحتى حيا وميتا؛؛؛ وجعلت المجتمع طبقات متفاوتة غاية التفاوت؛ تغيب معه الطبقة الوسطى العازلة بين الفقر المنسي والغني المطغي؛ هذا التفاوت الذي يؤدي للغبن والحسد والعداوات بين ابناء المجتمع ثم الاحتراب المنتهي بالخراب .
فعالم اليوم تسوده الرأسمالية الجشعة التي تتحكم فيها الشركات الكبرى العملاقة العابرة للقارات؛ والتي لا تعرف الرحمة في قيمها وأخلاقها؛ وتتحكم أقلية من بارونات المال في مجمل ثروات العالم؛ ونشاهد بجلاء كيف يسحق في ظلالها الفقراء والمساكين؛ وكيف يموتون على ضفاف وشواطيء تلك البلاد التي نهبت ثروات بلادهم وحولتهم لشعوب مسحوقة متسولة على موائد المترفين اللئام.
فالاستعمار له عظيم الأثر في إفقار الشعوب رغم غِنى أراضها بالموارد والثروات المادية والغذائية والمعدنية والمائية ، والتي استأثر بنهبها وحول اهلها الى عبيد يستخرجونها ويسلمونها اليه ..
و رغم سعي الإنسان في هذا العصر إلى توفير الماديات والركض نحو الرفاهية بأنواعها المختلفة، ما يخيل إليك أن البشر قد تحسنت أحوالهم! إلا أننا نجد الهوّة تزيد كل يوم بين طبقات المجتمع، والفقر يستشري بين فئة كبيرة من الناس في مختلف الشعوب، وذلك مع تمكّن الفلسفة العلمانية من تفاصيل الحياة، وترسيخها للرأسمالية التي جعلت البشر تروس خادمة للمؤسسات والشركات عابرة القارات، فقد أصبح إفقارالشعوب وحرمانها أحد أهم الأدوات لصناعة الفقر الذي يخدم فئة على حساب البشر عامة والمسلمين بصورة خاصة.
ولعل من أكبر المفاهيم المغلوطة التي تسوق للناس و مررها زورا وبهتانا فلاسفة الغرب على البشرية : مفهوم الندرة النسبية التي يعتبرها النظام الاقتصادي الرأسمالي احد مقوماته علوم الاقتصاد !! وذلك في نظرته وتعامله مع الثروات الطبيعية والانتاجية !! بينما الحقيقة هي أن الثروات كافية للبشر مهما كان تعدادهم ومهما بلغت زيادتهم وتكاثرهم؛ إذا كان التوزيع عادلا؛ وصحيحا وفق صراط رب العالمين المستقيم؛ وةهدي عباده المفلحين؛؛ ولكن الندرة صناعة مقصودة للتحكم في الأسعار العالمية ومن ثم التحكم فى الشعوب؛ قال تعالى: (وَجَعَلَ فِیهَا رَوَ ٰسِیَ مِن فَوۡقِهَا وَبَـٰرَكَ فِیهَا وَقَدَّرَ فِیهَاۤ أَقۡوَ ٰتَهَا فِیۤ أَرۡبَعَةِ أَیَّامࣲ سَوَاۤءࣰ لِّلسَّاۤئلِینَ) فصلت/10 . فانظر الى نسبة الاقوات الى الارض؛ في حين ان الاقوات لاهل الارض وساكنيها الذين يعيشون عليها من العوالم؛فالجميع ارزاقه مكفولة محسوبة موجودة، حتى الحشرات والديدان؛ لكن طغيان الانسان هو ما يمنع اخيه الانسان يوم ينسى اخوته الانسانية من الوصول الى رزقه الذي هيأه الله تعالى له...ولعل من اكبر المصائب والمصائب التي تفتقت عنها العقلية الاستعمارية القذرة فكرة انشاء ما يسمى بصندوق النقد الدولي!! فاذا كان الدائن المرابي يرتهن شخصا بعينه فان صندوق النقد يستعبد دولا وشعوبا ويركعها ويخضعها عند عجزها الحتمي عن تسديد ربا ديونه وقروضه...
لقد جاء الاسلام جاء بتشريعاته بما يقلل التفاوت ويقرب الفجوات المالية ويردعها بين طبقات المجتمع؛ ويعزز روح التكافل والتضامن الاجتماعي؛ ويجعل ذلك عبادة ومن شعائر وعلامات اخوة ابناء المجتمع وايمانهم؛فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه واله وسلم في البخاري:"مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى". ويمنع الاسلام الاستغلال والظلم ويحقق التوزيع العادل للثروات دون أن يدمر روح العمل والإنتاج والفاعلية الإنسانية والتحفيز للعاملين؛ تقديرا لجهدهم بعيدا عن الاحتكار في التداول للمال في طبقة الأثرياء دون سواهم فشرع الزكوات والصدقات وفرض المواريث وندب للوصايا والهبات كل ذلك لتوسيع دائرة التداول المالي وتفتيت التكدس في الثروات و الحيلولة دون نمو الطبقات الاجتماعية المترفة (مَّاۤ أَفَاۤءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِ كَیۡ لَا یَكُونَ دُولَةَۢ بَیۡنَ ٱلۡأَغۡنِیَاۤءِ مِنكُمۡۚ وَمَاۤ ءَاتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُوا۟ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ) الحشر/7. وحرم الاسلام الربا والمعاملات الربوية المؤدية الى الاتجار بالنقد اساس المال؛ والماحقة لبركة الاستفادة من دورة المال والمؤدية الى تكديسه في ايدي فئة البارونات احفاد قارون؛{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (البقرة 276) ، ويمنع الاسلام كنز المال وعدم تداوله ليدور دورته في الحياة ؛كما يمنع اكله بالباطل والسحت كما يفعل الكهان تجار الدين : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)التوبة}..
وقد جعل الاسلام من مهام الدولة المسلمة توزيع الثروة وتمكين الناس من الوصول الى ارزاقهم ؛ وجعل من مهام وتكاليف الجماعة المؤمنة محاسبتها على ذلك؛ فقد حاسب مجتمع الصحابة امرائهم حتى على طول وقصر ثيابهم!!!
نُقل في الأثر عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – وهو خامس من أسلم من الرجال أنه قال محرّضاً الفقراء الجوعى على اخذ اقواتهم وتحصيلها بالقوة لا بالمنة حيث قال: " عجبتُ لمن لا يجدُ القوت في بيتهِ كيف لا يخرجُ على الناس شاهراً سيفه " . ولقد عبّر ابن حزم الاندلسي إمام المذهب الظاهري عن هذا المعنى في كتابه ( المُحلّى ) . بقوله : " إنه اذا مات الرجل جوعاً في بلدٍ أُعتبر أهله قتله , وأُخذت منهم دية القتيل , وأن للجائع عند الضرورة أن يُقاتل في سبيل حقه في الطعام الزائد عند غيره , فإن قُتل – أي الجائع – فعلي قاتله القصاص , وإن قُتل المانع لعنه الله لأنه منع حقاً وهو طائفةٌ باغية . " وهذا الفهم للحقوق في الثروات لكلٍ من أبي ذر الغفاري وابن حزم الأندلسي مُستقى من نص وروح الحديث الشريف المروي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :" من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له , ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من زاد له ... " ويقول راوي الحديث " فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أن لا حق لأحدٍ منا من فضل . " وختاما فان الاسلام حارب الفقر ونبذه وحارب اسبابه ومسبباته ؛ وفي الختام نقول ان من عقيدة الإسلام؛ أن المال هو مال الله تعالى، لأنه هو خالقه وهو الذي يرزقه لمن يشاء من عباده، وينبني على هذا الاعتقاد أن يتصرف فيه المسلم بمقتضى شرع الله تعالى لا بهوى نفسه؛ لأنه هو وماله ملك لله تعالى..وان نظام الاسلام المالي والاقتصادي جاء من عند رب خبير لطيف يعلم سبحانه بما يصلح الحال والمال .. فلا سعادة ولا نجاة للبشرية المستعبدة والمعذبة الا بالاسلام وبلاسلام وحده ستنعم الشعوب ...قال الله تعالى:- {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126) وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ (127)طه}...اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...