بسم الله الرحمن الرحيم
58- من دروس القران التوعوية :
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ } :-
من اسس وقواعد التشريع في القران والسنة التكليف ضمن الاستطاعة والوسع ورفع الحرج والمشقة والتيسير على الكلف :- {ومَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّين مِن حَرَجٍ} (الحج: 78)..{يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء: 28)؛ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)البقرة}.
{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)البقرة}.
التكليف في الاسلام جاء على قدر الاستطاعة، وأنه لا مشقة غير مُستطاعة في شرع الله -عز وجل. وهي مزية اختص الله بها أهل الإسلام والإسلام عن باقي الأمم والديانات .. وقد راعت شريعتنا الغراء قدرات الانسان الجسدية و طاقاته البدنية في التكاليف الشرعية ، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)الحج}.
ففي مجال الطاقات البدنية والقدرات الجسدية قال سبحانه:- {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٩١﴾ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) ۞ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)التوبة}.. فاسقط عنهم فرض الجهاد .. كما اسقطه مع عدم القدرة المادية والمالية على امتلاك وسائله وادواته.. والذين يُؤاخذون على ترك الجهاد هم اهل الطاقة البدنية والقدرة المالية؛وحرم عليهم التخلف عن الجهاد والقتال في سبيل الله :-
{قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ۖ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا ۖ وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿١٧ الفتح﴾}..
ورفع الله بالاسلام حرج الصدر؛ اي ضيقه وجعل ضيق الصدر لاهل الكفر والعناد {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٢٥ الأنعام﴾}..
وبالتالي حرم على المؤمنين التحرج والتضايق من تشريع الله تعالى وتنفيذه فقال سبحانه:- {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٦٥ النساء﴾}..
وقد رفع سبحانه التكليف عن الطفل الذي لا يميز؛ كما في قوله تعالى في سورة النور {... أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ ...} .. وذلك لعدم اكتمال عقله وادراكه .. ولان العقل هو مناط التكليف .. وقال الفهاء الحكماء :- "خير المواهب العقل، وشر المصائب الجهل". لقد كرم الإسلام العقل ورفع العقلاء، بل جعل الله العقل شرطاً من شروط التكليف، فمن لا عقل له (كالمعتوه والمجنون) فلا تكليف عليه، لأن الله إذا أخذ ما وهب أسقط ما وجب ... فقد قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: (رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل وعن الصغير حتى يشب). (رواه أحمد وأصحاب السنن).
ومن أقوال النبي -صلى الله عليه واله وسلم- الدالة على يسر الشريعة قوله: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة)(البخاري). وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما خُيِّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً"(1متفق عليه). وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً)(مسلم).
وقيل :اذا اردت ان تطاع فاطلب المستطاع.. وهو مستمد من قوله تعالىلايكلف الله نفسا الا وسعها)..(ماجعل عليكم في الدين من حرج)..التكليف اذا على قدر الطاقة..قال صلى الله عليه وسلم (اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم عن امر فانتهوا)..فالامر على قدر الاستطاعة تنفذه ببذل الوسع والطاقة للاتيان به..(اللهم اني على عهدك ووعدك ما استطعت) والنهي تنتهي عنه كله لانه لم ينهاك عما يلزمك ولم ينهاك عما لا تستطيع الانتهاء عنه.ولان طاقات النفوس وقدراتها ليست واحدة كان الاجر على قدر المشقة .. فلذلك تفاوتت الاجور؛ وتعددت منازل الجنة..ودرجات اهلها.- لايكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت-. وان ليس للانسان الا ما سعى.
وتقوم ايضا احكام الاسلام على التيسير المقتضي بذل الوسع ضمن القدرة والاستطاعة للاتيان بالحكم الشرعي المطلوب التعبد به؛ مع السعي لاتيانه قدر المستطاع على اكمل وجه واجمل صورة ممكنة ؛ وقد كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يأمر أصحابه دائماً بالتيسير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بعثتم مُيَسِّرين، ولم تبعثوا معسِّرين) رواه أبو داود . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا) رواه مسلم.
وليس معنى التيسير ورفع الحرج ان يتهاون و يتساهل الناس باداء احكام الشرع ، فلا يُعفى منها الا من اعفاه الله تعالى وبالقدر الذي حدده الله تعالى ورخص به ؛؛؛فاليسر والتيسير في احكام الإسلام هو: "تشريع الأحكام على وجه روعيت فيه حاجة المكلف، وقدرته على امتثال الأوامر واجتناب النواهي، مع عدم الإخلال بالثوابت الأساسية للتشريع" ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لمن قدم واخر في اعمال يوم النحر في الحج افعل ولا حرج).. ولنضرب كذلك مثالاً بالصيام، وهو الفريضة التي نزلت فيها أية اليسر: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ ولَا يُرِيدُ بِكُم العُسرَ} (البقرة: 185). فقد رخَّص الله للمريض والمسافر الفطر في رمضان بشرط القضاء او الفدية المالية اذا فقدت القدرة البدنية على الاداء و القضاء؛ فعلى الرغم مما في الصيام من مشقة إلا أنه فريضة يعاقب تاركها بلا عذر مشروع، وعليه فليس المقصود باليسر نفي كل مشقة، بتعطيل الفرائض، وإنما يراد به حقيقة "فـعل ما يحقق الغاية بأدنى قدر من المشقة .
فالتيسير إذاً يلغي عذر من يحاول التضييع، ويقطع أسباب التملّص و الإهمال، ولا يدع للمتهاون حجّة، وأمامه الرخصة بدلاً من العزيمة، فالتيسير إذاً هو من باب الحرص على أداء الفرائض، ولا يعني رفعُ الحرج الإعفاء من بذل أي جهد، وإنما الإعفاء مما في بذله مشقة وجهد غير عادي يفوق قدرة المكلف البدنية و طاقته الجسدية؛ فله ما رخص ربه الرحمن الرحيم اللطيف بعباده ..
اللهم اعنا على طاعتك وذكرك وحسن عبادتك ومكنا من القيام بما امرت واداء ما اوجبت على اكمل وجه مطلوب واجمل مراد وانصر الله الاسلام واعز به اهله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
58- من دروس القران التوعوية :
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ } :-
من اسس وقواعد التشريع في القران والسنة التكليف ضمن الاستطاعة والوسع ورفع الحرج والمشقة والتيسير على الكلف :- {ومَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّين مِن حَرَجٍ} (الحج: 78)..{يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء: 28)؛ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)البقرة}.
{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)البقرة}.
التكليف في الاسلام جاء على قدر الاستطاعة، وأنه لا مشقة غير مُستطاعة في شرع الله -عز وجل. وهي مزية اختص الله بها أهل الإسلام والإسلام عن باقي الأمم والديانات .. وقد راعت شريعتنا الغراء قدرات الانسان الجسدية و طاقاته البدنية في التكاليف الشرعية ، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)الحج}.
ففي مجال الطاقات البدنية والقدرات الجسدية قال سبحانه:- {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٩١﴾ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) ۞ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)التوبة}.. فاسقط عنهم فرض الجهاد .. كما اسقطه مع عدم القدرة المادية والمالية على امتلاك وسائله وادواته.. والذين يُؤاخذون على ترك الجهاد هم اهل الطاقة البدنية والقدرة المالية؛وحرم عليهم التخلف عن الجهاد والقتال في سبيل الله :-
{قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ۖ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا ۖ وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿١٧ الفتح﴾}..
ورفع الله بالاسلام حرج الصدر؛ اي ضيقه وجعل ضيق الصدر لاهل الكفر والعناد {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٢٥ الأنعام﴾}..
وبالتالي حرم على المؤمنين التحرج والتضايق من تشريع الله تعالى وتنفيذه فقال سبحانه:- {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٦٥ النساء﴾}..
وقد رفع سبحانه التكليف عن الطفل الذي لا يميز؛ كما في قوله تعالى في سورة النور {... أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ ...} .. وذلك لعدم اكتمال عقله وادراكه .. ولان العقل هو مناط التكليف .. وقال الفهاء الحكماء :- "خير المواهب العقل، وشر المصائب الجهل". لقد كرم الإسلام العقل ورفع العقلاء، بل جعل الله العقل شرطاً من شروط التكليف، فمن لا عقل له (كالمعتوه والمجنون) فلا تكليف عليه، لأن الله إذا أخذ ما وهب أسقط ما وجب ... فقد قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: (رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل وعن الصغير حتى يشب). (رواه أحمد وأصحاب السنن).
ومن أقوال النبي -صلى الله عليه واله وسلم- الدالة على يسر الشريعة قوله: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة)(البخاري). وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما خُيِّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً"(1متفق عليه). وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً)(مسلم).
وقيل :اذا اردت ان تطاع فاطلب المستطاع.. وهو مستمد من قوله تعالىلايكلف الله نفسا الا وسعها)..(ماجعل عليكم في الدين من حرج)..التكليف اذا على قدر الطاقة..قال صلى الله عليه وسلم (اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم عن امر فانتهوا)..فالامر على قدر الاستطاعة تنفذه ببذل الوسع والطاقة للاتيان به..(اللهم اني على عهدك ووعدك ما استطعت) والنهي تنتهي عنه كله لانه لم ينهاك عما يلزمك ولم ينهاك عما لا تستطيع الانتهاء عنه.ولان طاقات النفوس وقدراتها ليست واحدة كان الاجر على قدر المشقة .. فلذلك تفاوتت الاجور؛ وتعددت منازل الجنة..ودرجات اهلها.- لايكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت-. وان ليس للانسان الا ما سعى.
وتقوم ايضا احكام الاسلام على التيسير المقتضي بذل الوسع ضمن القدرة والاستطاعة للاتيان بالحكم الشرعي المطلوب التعبد به؛ مع السعي لاتيانه قدر المستطاع على اكمل وجه واجمل صورة ممكنة ؛ وقد كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يأمر أصحابه دائماً بالتيسير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بعثتم مُيَسِّرين، ولم تبعثوا معسِّرين) رواه أبو داود . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا) رواه مسلم.
وليس معنى التيسير ورفع الحرج ان يتهاون و يتساهل الناس باداء احكام الشرع ، فلا يُعفى منها الا من اعفاه الله تعالى وبالقدر الذي حدده الله تعالى ورخص به ؛؛؛فاليسر والتيسير في احكام الإسلام هو: "تشريع الأحكام على وجه روعيت فيه حاجة المكلف، وقدرته على امتثال الأوامر واجتناب النواهي، مع عدم الإخلال بالثوابت الأساسية للتشريع" ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لمن قدم واخر في اعمال يوم النحر في الحج افعل ولا حرج).. ولنضرب كذلك مثالاً بالصيام، وهو الفريضة التي نزلت فيها أية اليسر: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ ولَا يُرِيدُ بِكُم العُسرَ} (البقرة: 185). فقد رخَّص الله للمريض والمسافر الفطر في رمضان بشرط القضاء او الفدية المالية اذا فقدت القدرة البدنية على الاداء و القضاء؛ فعلى الرغم مما في الصيام من مشقة إلا أنه فريضة يعاقب تاركها بلا عذر مشروع، وعليه فليس المقصود باليسر نفي كل مشقة، بتعطيل الفرائض، وإنما يراد به حقيقة "فـعل ما يحقق الغاية بأدنى قدر من المشقة .
فالتيسير إذاً يلغي عذر من يحاول التضييع، ويقطع أسباب التملّص و الإهمال، ولا يدع للمتهاون حجّة، وأمامه الرخصة بدلاً من العزيمة، فالتيسير إذاً هو من باب الحرص على أداء الفرائض، ولا يعني رفعُ الحرج الإعفاء من بذل أي جهد، وإنما الإعفاء مما في بذله مشقة وجهد غير عادي يفوق قدرة المكلف البدنية و طاقته الجسدية؛ فله ما رخص ربه الرحمن الرحيم اللطيف بعباده ..
اللهم اعنا على طاعتك وذكرك وحسن عبادتك ومكنا من القيام بما امرت واداء ما اوجبت على اكمل وجه مطلوب واجمل مراد وانصر الله الاسلام واعز به اهله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..