بسم الله الرحمن الرحيم
70- من دروس القران التوعوية :
حث الاسلام على العمل من اجل كسب الرزق والمعاش في ضوء مفهوم الرزق المكفول :-
ابغض الاسلام؛الهم المشغل للتفكير عما ينفع؛ والغم المغلق لابواب التفكير؛ والحزن المفجع للقلب المشتت للفكر بمامور قد مضت ولا ينفع التفكر فيها و الكسل المؤدي الى البطالة وابغض العجز المؤدي الى الفقر والعوز وابغض الجبن المؤدي الى الخور وكمون القوى النفسية والبدنية وكذلك غلبة الدين التي تكسر الظهر والخاطر ومثلها قهر الرجال الذي يثني عن الارادة والاختيار ويأسر حرية الحركة والتصرف !! وقد جاءت الاستعاذة بالله من هذه الامور في دعاء من جوامع الكلم للنبي سلام الله عليه كما جاء عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كنت أخدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) رواه مسلم وغيره ..
ولما كانت الارزاق مقدرة مبثوثة في الارض وخباياها طلب منا سبحانه وشرع لنا السعي لنوالها و تحصيلها ؛ فالله تعالى جعل رزق الرضيع في ثدي امه او ضئره ومرضعته ؛ لكنه سبحانه الهمه ان يمص الثدي ليستنزل الحليب !! والله تعالى كلفنا بالنفقة على الاولاد؛فنؤمن لهم الطعام والشراب؛ فالطفل اذا بلغ الفطام كان لا بد له ان يمد يده للقصعة فيتناول منها الطعام ويرفعه الى فيه ..!! وكذلك الهوام والسباع و الطيور و الانعام تنتشر في مراعيها بحثا وطلبا لرزقها .. فالارزاق مخلوقة مقدرة مبثوثة وتحتاج للسعي لتحصيلها ؛﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾[ سورة الحجر: 20]... ولما كانت وسيلة الحيازة للانسان لا تتأتى الا من خلال عمل؛فقد اوجب الاسلام العمل واشرع الوجوه المشروعة للمعاملات والعلاقات الناشئة عنه ..
فمن حيث ضمانة خلق الرزق لكل مخلوق قال تعالى:-(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات:22] وفي نفس السورة قال سبحانه:- (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58] ؛ فالأرزاق منه تعالى بثها لخلقه في الارض التي باركها لهم ليطلبوا ارزاقهم بالبحث والسعي في مناكبها وخباياها؛ حيث قدر في اقواتها لكل خلقه على ظهرها؛ .. قال الله تعالى:- ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ﴾ [ سورة فصلت: 10]
وطلب منا في كثير من ايات القران العظيم البحث في الارض التي ذللها لنا وسلطنا على قواها لتحصيل الرزق في مناكبها فقال سبحانه :﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15]... وقال سبحانه :- لافادة هذا المعنى - التسليط علة قوى الارض الطبيعية- ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾ [ الأعراف: 10].. وبين لنا التعبد و العبادة لا يجوز ان تكون عائقا مانعا من العمل والسعي والبحث عن الرزق؛ ولا يجوز ان يكون التفرغ لها حجة على ترك العمل والسعي للرزق فقال سبحانه:- ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 10]. وقال تعالى قاطعا ونافيا للتحجج بالقيام والعبادة والقعود عن طلب الرزق جاعلا ثواب السعي لتحصيله حلالا كالجهاد في سبيل الله تعالى:{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)المزمل}... وقال عزَّ وجلَّ على سبيل الامتنان على الخلق: ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ: 11]. اي اعطاهم وقت طلب للعيش وهيأه لهم؛كما جعل النوم سباتا وراحة ولباسا ...
وجاءت الاحاديث في السنة كثيرة تأمر بالعمل وترغب فيه ؛ ومنها ما أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مرَّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل، فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جَلَدِهِ ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ».
وعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ: أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَعَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ).رَوَاهُ الْبَزَّارُ،وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
وقد ابغض الاسلام البطالة عن العمل والعيش والتكمسب بمسألة الناس فهذا يتنافى مع الكرامة التي كرم بها بني ادم على العالمين؛بل وينحط بالانسان في مرتبة السفول عن قيم الانسانية، فقد قال صلى الله عليه واله وسلم : "لأن يأخذَ أحدُكم أحْبُلًا ، فيأخذُ حِزْمةً من حطبٍ ، فيبيعُ ، فيكفُّ اللهُ به وجهَه ، خيرٌ من أن يسألَ الناسَ ، أُعطي أم مُنعَ". رواه البخاري. وحرم الاسلام المسألة على اتباعه؛ فان فيها معنى الاستعانة بغير الله والركون وكسر النفس الى الناس ؛ إن العمل الحلال وإن كان شاقا إلا أنه في نظر الشرع أفضل من التعرض للناس بسؤالهم ، فهذا الصحابي قبيصة رضي الله عنه يخبرنا عما دار بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تحمَّلتُ حمالةً فأتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: " أقِم يا قَبيصةُ حتَّى تأتيَنا الصَّدقةُ فَنَأْمرَ لَكَ بِها". ثمَّ قالَ: "يا قَبيصةُ إنَّ المسألَةَ لا تحلُّ إلَّا لأحدِ ثلاثةٍ: رجلٌ تحمَّلَ حِمالةً فحلَّت لَه المسألةُ فسألَ حتَّى يُصيبَها ثمَّ يمسِكُ. ورجلٌ أصابَتهُ جائحةٌ فاجتاحَت مالَهُ فحلَّت لَه المسألةُ فسألَ حتَّى يُصيبَ قِوامًا مِن عَيشٍ أو قالَ سَدادًا من عيشٍ. ورجلٌ أصابتْهُ فاقَةٌ حتَّى يقولَ ثلاثةٌ من ذَوي الحِجَى من قومِهِ:قد أصابَتْ فلانًا الفاقَةُ فحلَّت لَه المسألَةُ فسألَ حتَّى يُصيبَ قِوامًا من عَيشٍ أو سَدادًا مِن عيشٍ ثمَّ يُمسِكُ.وما سواهُنَّ منَ المسألَةِ يا قبيصةُ سُحتٌ يأكلُها صاحبُها سُحتًا"رواه مسلم. وحيث امر الاسلام بالعمل؛ فقد ذم البطالة؛ وقد جاء في ذم البطالة حديثان معناهما صحيح :احدهما حديث: (إن الله يكره الرجل البطَّال..).والحديث الاخر البطالة تقسي القلب ..). ويقوي معناهما ويصححه جملة التوجيه الاسلامي وما صح من الاحاديث ومنها حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال) رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
ان العمل في الاسلام والسعي لطلب الرزق المبثوث في جنبات الارض مع الاعتقاد الجازم بان ليس للانسان الا ماسعى وما كتب الله تعالى له ؛لهو التوكل الحق على الله تعالى ؛ وان البطل عن العمل وانتظار امدد من الخلق لهو قمة التواكل والمذلة لغير الله تعالى..؛ قيل للأمام أحمد بن حنبل رحمه الله : ما تقول فيمن جلس في بيته أو مسجده وقال : "لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي " ؟ فقال : " أحمد " : هذا رجل جهل العلم؛ أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي" . وقوله عليه السلام حين ذكر الطير فقال : "تغدو خماصا وتروح بطانا" ؛ فذكر أنها تغدو في طلب الرزق... وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم؛ ويرعون مواشيهم ؛ وينفقون في سبيل الله تعالى وكان من لم يغز منهم لامر عرض له يُجهز من كسبه الحلال غازيا،،،،
وفي الختام قال " عمر " رضي الله عنه : " لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ".
وقال " ابن مسعود " رضي الله عنه : " إني لأكره أن أرى الرجل فارغا لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته ".
اللهم نسألك حسن الفهم والفقه وان تجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه ؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
70- من دروس القران التوعوية :
حث الاسلام على العمل من اجل كسب الرزق والمعاش في ضوء مفهوم الرزق المكفول :-
ابغض الاسلام؛الهم المشغل للتفكير عما ينفع؛ والغم المغلق لابواب التفكير؛ والحزن المفجع للقلب المشتت للفكر بمامور قد مضت ولا ينفع التفكر فيها و الكسل المؤدي الى البطالة وابغض العجز المؤدي الى الفقر والعوز وابغض الجبن المؤدي الى الخور وكمون القوى النفسية والبدنية وكذلك غلبة الدين التي تكسر الظهر والخاطر ومثلها قهر الرجال الذي يثني عن الارادة والاختيار ويأسر حرية الحركة والتصرف !! وقد جاءت الاستعاذة بالله من هذه الامور في دعاء من جوامع الكلم للنبي سلام الله عليه كما جاء عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كنت أخدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) رواه مسلم وغيره ..
ولما كانت الارزاق مقدرة مبثوثة في الارض وخباياها طلب منا سبحانه وشرع لنا السعي لنوالها و تحصيلها ؛ فالله تعالى جعل رزق الرضيع في ثدي امه او ضئره ومرضعته ؛ لكنه سبحانه الهمه ان يمص الثدي ليستنزل الحليب !! والله تعالى كلفنا بالنفقة على الاولاد؛فنؤمن لهم الطعام والشراب؛ فالطفل اذا بلغ الفطام كان لا بد له ان يمد يده للقصعة فيتناول منها الطعام ويرفعه الى فيه ..!! وكذلك الهوام والسباع و الطيور و الانعام تنتشر في مراعيها بحثا وطلبا لرزقها .. فالارزاق مخلوقة مقدرة مبثوثة وتحتاج للسعي لتحصيلها ؛﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾[ سورة الحجر: 20]... ولما كانت وسيلة الحيازة للانسان لا تتأتى الا من خلال عمل؛فقد اوجب الاسلام العمل واشرع الوجوه المشروعة للمعاملات والعلاقات الناشئة عنه ..
فمن حيث ضمانة خلق الرزق لكل مخلوق قال تعالى:-(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات:22] وفي نفس السورة قال سبحانه:- (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58] ؛ فالأرزاق منه تعالى بثها لخلقه في الارض التي باركها لهم ليطلبوا ارزاقهم بالبحث والسعي في مناكبها وخباياها؛ حيث قدر في اقواتها لكل خلقه على ظهرها؛ .. قال الله تعالى:- ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ﴾ [ سورة فصلت: 10]
وطلب منا في كثير من ايات القران العظيم البحث في الارض التي ذللها لنا وسلطنا على قواها لتحصيل الرزق في مناكبها فقال سبحانه :﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15]... وقال سبحانه :- لافادة هذا المعنى - التسليط علة قوى الارض الطبيعية- ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾ [ الأعراف: 10].. وبين لنا التعبد و العبادة لا يجوز ان تكون عائقا مانعا من العمل والسعي والبحث عن الرزق؛ ولا يجوز ان يكون التفرغ لها حجة على ترك العمل والسعي للرزق فقال سبحانه:- ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 10]. وقال تعالى قاطعا ونافيا للتحجج بالقيام والعبادة والقعود عن طلب الرزق جاعلا ثواب السعي لتحصيله حلالا كالجهاد في سبيل الله تعالى:{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)المزمل}... وقال عزَّ وجلَّ على سبيل الامتنان على الخلق: ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ: 11]. اي اعطاهم وقت طلب للعيش وهيأه لهم؛كما جعل النوم سباتا وراحة ولباسا ...
وجاءت الاحاديث في السنة كثيرة تأمر بالعمل وترغب فيه ؛ ومنها ما أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مرَّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل، فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جَلَدِهِ ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ».
وعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ: أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَعَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ).رَوَاهُ الْبَزَّارُ،وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
وقد ابغض الاسلام البطالة عن العمل والعيش والتكمسب بمسألة الناس فهذا يتنافى مع الكرامة التي كرم بها بني ادم على العالمين؛بل وينحط بالانسان في مرتبة السفول عن قيم الانسانية، فقد قال صلى الله عليه واله وسلم : "لأن يأخذَ أحدُكم أحْبُلًا ، فيأخذُ حِزْمةً من حطبٍ ، فيبيعُ ، فيكفُّ اللهُ به وجهَه ، خيرٌ من أن يسألَ الناسَ ، أُعطي أم مُنعَ". رواه البخاري. وحرم الاسلام المسألة على اتباعه؛ فان فيها معنى الاستعانة بغير الله والركون وكسر النفس الى الناس ؛ إن العمل الحلال وإن كان شاقا إلا أنه في نظر الشرع أفضل من التعرض للناس بسؤالهم ، فهذا الصحابي قبيصة رضي الله عنه يخبرنا عما دار بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تحمَّلتُ حمالةً فأتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: " أقِم يا قَبيصةُ حتَّى تأتيَنا الصَّدقةُ فَنَأْمرَ لَكَ بِها". ثمَّ قالَ: "يا قَبيصةُ إنَّ المسألَةَ لا تحلُّ إلَّا لأحدِ ثلاثةٍ: رجلٌ تحمَّلَ حِمالةً فحلَّت لَه المسألةُ فسألَ حتَّى يُصيبَها ثمَّ يمسِكُ. ورجلٌ أصابَتهُ جائحةٌ فاجتاحَت مالَهُ فحلَّت لَه المسألةُ فسألَ حتَّى يُصيبَ قِوامًا مِن عَيشٍ أو قالَ سَدادًا من عيشٍ. ورجلٌ أصابتْهُ فاقَةٌ حتَّى يقولَ ثلاثةٌ من ذَوي الحِجَى من قومِهِ:قد أصابَتْ فلانًا الفاقَةُ فحلَّت لَه المسألَةُ فسألَ حتَّى يُصيبَ قِوامًا من عَيشٍ أو سَدادًا مِن عيشٍ ثمَّ يُمسِكُ.وما سواهُنَّ منَ المسألَةِ يا قبيصةُ سُحتٌ يأكلُها صاحبُها سُحتًا"رواه مسلم. وحيث امر الاسلام بالعمل؛ فقد ذم البطالة؛ وقد جاء في ذم البطالة حديثان معناهما صحيح :احدهما حديث: (إن الله يكره الرجل البطَّال..).والحديث الاخر البطالة تقسي القلب ..). ويقوي معناهما ويصححه جملة التوجيه الاسلامي وما صح من الاحاديث ومنها حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال) رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
ان العمل في الاسلام والسعي لطلب الرزق المبثوث في جنبات الارض مع الاعتقاد الجازم بان ليس للانسان الا ماسعى وما كتب الله تعالى له ؛لهو التوكل الحق على الله تعالى ؛ وان البطل عن العمل وانتظار امدد من الخلق لهو قمة التواكل والمذلة لغير الله تعالى..؛ قيل للأمام أحمد بن حنبل رحمه الله : ما تقول فيمن جلس في بيته أو مسجده وقال : "لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي " ؟ فقال : " أحمد " : هذا رجل جهل العلم؛ أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي" . وقوله عليه السلام حين ذكر الطير فقال : "تغدو خماصا وتروح بطانا" ؛ فذكر أنها تغدو في طلب الرزق... وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم؛ ويرعون مواشيهم ؛ وينفقون في سبيل الله تعالى وكان من لم يغز منهم لامر عرض له يُجهز من كسبه الحلال غازيا،،،،
وفي الختام قال " عمر " رضي الله عنه : " لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ".
وقال " ابن مسعود " رضي الله عنه : " إني لأكره أن أرى الرجل فارغا لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته ".
اللهم نسألك حسن الفهم والفقه وان تجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه ؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...