بسم الله الرحمن الرحيم
27- الحلقة السابعة والعشرون من حديث الاثنين في مباحث العقيدة والايمان ...
الاسلام يجب ان يُحمل على انه قضية الانسان المصيرية :-
والقضية، هي كل امر ذي بال و شان و يقتضي البحث والمعالجة.
ومصيرية، و المصيري من المصير وهو منتهى الامر وعاقبته.
والقضية المصيريه هي الامر المتعلق بالمنتهى والعاقبة وما يتخذ دونه من اجراء الحياة به او الموت دونه؛ قال الله تعالى؛- {إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰٓ (العلق - }وقال سبحانه:- {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]، وقال:- {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: 42])...والقضية المصيرية للمسلم هي ظهور امر دينه و عقيدته وسيادته في الارض بالعيش وفق احكامه وهدايته؛ وتحقيق عبادة الله وحده خالصة لوجهه في الارض؛ {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 161-164] .. وتعتبر القضية مصيرية لدى المسلم اذا امتد اثرها وعاقبتها الى اليوم الاخر.. فالاصل في المسلم ان تكون افعاله وقراراته موافقة لعلة الخلق والايجاد كما في قوله تعالىك { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)الذاريات}..وقوله سبحانه:- {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس: 60-61]... وقد ترجم لنا النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه كيف تكون دعوة الاسلام هي القضية المصيرية التي تبذل في سبيل نشرها واعلاء كلمتها المهج والنفوس، فقد ذكر الطبري رحمه الله في تاريخه ما نصه:-(حديث مرفوع) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، وَابْنُ وَكِيعٍ ، قَالا : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّادٌ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ ، دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ : أَبُو جَهْلٍ ، فَقَالَ : إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا ، وَيَفْعَلُ ، وَيَفْعَلُ ، وَيَقُولُ ، وَيَقُولُ ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ، فَجَاءَ النَّبِيُّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَخَلَ الْبَيْتَ ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رَجُلٍ ، قَالَ : فَخَشِيَ أَبُو جَهْلٍ إِنْ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ ، أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ ، فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ ، فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ : أَيِ ابْنَ أَخِي ، مَا بَالُ قَوْمِكَ يَشْكُونَكَ ؟ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ ، وَتَقُولُ ، وَتَقُولُ ، قَالَ : وَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ ، وَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا عَمّ ، إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا ، تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ ، فَفَزِعُوا لِكَلِمَتِهِ ، وَلِقَوْلِهِ ، فَقَالَ الْقَوْمُ : كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ ؟ نَعَمْ ، وَأَبِيكَ عَشْرًا ، قَالُوا : فَمَا هِيَ ؟ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : وَأَيُّ كَلِمَةٍ هِيَ يَابْنَ أَخِي ؟ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، قَالَ : فَقَامُوا فَزِعِينَ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ ، وَهُمْ يَقُولُونَ : أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ، قَالَ : وَنَزَلَتْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى قَوْلِهِ : لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ سورة ص آية 5 - 8 ، لَفْظُ الْحَدِيثِ لأَبِي كُرَيْبٍ - رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق - فحدثنا ابن حميد ، قال : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : فَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الأَخْنَسِ أَنَّهُ حَدَّثَ ، أَنَّ قُرَيْشًا حِينَ قَالَتْ لأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ، بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : " يَابْنَ أَخِي ، إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَاءُونِي فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا ، فَأَبْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ ، وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنَ الأَمْرِ مَا لَا أُطِيقُ ، فَظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ فِيهِ بَدَاءٌ ، وَأَنَّهُ خَاذِلُهُ وَمُسَلِّمُهُ ، وَأَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يا عماه ، لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي ، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي ، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ ، حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ ، ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَكَى ، ثُمَّ قَامَ ، فَلَمَّا وَلَّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ ، فَقَالَ : أَقْبِلْ يَابْنَ أَخِي ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : اذْهَبْ يَابْنَ أَخِي ، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ ، فَوَاللَّهِ لَا أُسَلِّمُكَ لِشَيْءٍ أَبَدًا ، قَالَ : ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا عَرَفَتْ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ أَبَى خِذْلَانَ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِسْلَامَهُ ، وَإِجْمَاعَهُ لِفِرَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ وَعَدَاوَتَهُمْ ، مَشَوْا إِلَيْهِ بِعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالُوا لَهُ ، فِيمَا بَلَغَنِي : يَا أَبَا طَالِبٍ ، هَذَا عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، أَنْهَدُ فَتًى فِي قُرَيْشٍ ، وَأَشْعَرُهُ وَأَجْمَلُهُ ، فَخُذْهُ ، فَلَكَ عَقْلُهُ وَنُصْرَتُهُ ، وَاتَّخِذْهُ وَلَدًا فَهُوَ لَكَ ، وَأَسْلِمْ لَنَا ابْنَ أَخِيكَ هَذَا الَّذِي قَدْ خَالَفَ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ ، وَفَرَّقَ جَمَاعَةَ قَوْمِكَ ، وَسفه أَحْلَامَهُمْ ، فَنَقْتُلُهُ ، فَإِنَّمَا رَجُلٌ كَرَجُلٍ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَبِئْسَ مَا تَسُومُونَنِي ، أَتُعْطُونَنِي ابْنَكُمْ أَغْذُوهُ لَكُمْ ، وَأُعْطِيكُمُ ابْنِي تَقْتُلُونَهُ ؟ هَذَا وَاللَّهِ مَا لا يَكُونُ أَبَدًا ، فَقَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : وَاللَّهِ يَا أَبَا طَالِبٍ لَقَدِ أَنْصَفَكَ قَوْمُكَ ، وَجَهِدُوا عَلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا تَكْرَهُهُ ، فَمَا أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُمْ شَيْئًا ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِلْمُطْعِمِ : وَاللَّهِ مَا أَنْصَفُونِي ، وَلَكِنَّكَ قَدْ أَجْمَعْتَ خِذْلَانِي وَمُظَاهَرَةِ الْقَوْمِ عَلَيَّ ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ ، أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو طَالِبٍ ، قَالَ : فَحَقِبَ الأَمْرُ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَحَمِيَتِ الْحَرْبُ ، وَتَنَابَذَ الْقَوْمُ ، وَبَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، قَالَ : ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا تَذَامَرُوا عَلَى مَنْ فِي الْقَبَائِلِ ، مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّذِي أَسْلَمُوا مَعَهُ ، فَوَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُعَذِّبُونَهُمْ وَيَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَمَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْهُمْ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَدْ قَامَ أَبُو طَالِبٍ حِينَ رَأَى قُرَيْشًا تَصْنَعُ مَا تَصْنَعُ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ، فَدَعَاهُمْ إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْقِيَامِ دُونَهُ ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، وَقَامُوا مَعَهُ ، وَأَجَابُوا إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الدَّفْعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَبِي لَهَبٍ ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ مِنْ قَوْمِهِ مَا سَرَّهُ مِنْ جِدِّهِمْ مَعَهُ وَحَدَبِهِمْ عَلَيْهِ ، جَعَلَ يَمْدَحُهُمْ وَيَذْكُرُ فَضْلَ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيهِمْ ، وَمَكَانَهُ مِنْهُمْ ، لِيَشُدَّ لَهُمْ رَأْيَهُمْ " .
ووجدنا في احاديث ايات القران ان قضية الانبياء عليهم صلوات ربي وسلامه هعي توحيد الله تعالى وافراده بالطاعة والعبودية؛ وان كل طاعة لغير الله انما هي طاعة للشيطان والطاغوت؛ قال تعالى:- {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال سبحانه:- {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال تعالى بعد أن ذكر قصص طائفة كبيرة من الأنبياء: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]...
وقد شرع الله تعالى الجهاد بالقول والكلمة وبالقتال الذي مؤداه اما نصر واما استشهاد وموت في سبيل الله لنوال مرضاته بسعي الشهيد لتحقيق القضية المصيرية في واقع الحياة البشرية...قال الله عز وجل:-{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)الانفال}...والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
27- الحلقة السابعة والعشرون من حديث الاثنين في مباحث العقيدة والايمان ...
الاسلام يجب ان يُحمل على انه قضية الانسان المصيرية :-
والقضية، هي كل امر ذي بال و شان و يقتضي البحث والمعالجة.
ومصيرية، و المصيري من المصير وهو منتهى الامر وعاقبته.
والقضية المصيريه هي الامر المتعلق بالمنتهى والعاقبة وما يتخذ دونه من اجراء الحياة به او الموت دونه؛ قال الله تعالى؛- {إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰٓ (العلق - }وقال سبحانه:- {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]، وقال:- {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: 42])...والقضية المصيرية للمسلم هي ظهور امر دينه و عقيدته وسيادته في الارض بالعيش وفق احكامه وهدايته؛ وتحقيق عبادة الله وحده خالصة لوجهه في الارض؛ {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 161-164] .. وتعتبر القضية مصيرية لدى المسلم اذا امتد اثرها وعاقبتها الى اليوم الاخر.. فالاصل في المسلم ان تكون افعاله وقراراته موافقة لعلة الخلق والايجاد كما في قوله تعالىك { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)الذاريات}..وقوله سبحانه:- {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس: 60-61]... وقد ترجم لنا النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه كيف تكون دعوة الاسلام هي القضية المصيرية التي تبذل في سبيل نشرها واعلاء كلمتها المهج والنفوس، فقد ذكر الطبري رحمه الله في تاريخه ما نصه:-(حديث مرفوع) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، وَابْنُ وَكِيعٍ ، قَالا : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّادٌ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ ، دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ : أَبُو جَهْلٍ ، فَقَالَ : إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا ، وَيَفْعَلُ ، وَيَفْعَلُ ، وَيَقُولُ ، وَيَقُولُ ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ، فَجَاءَ النَّبِيُّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَخَلَ الْبَيْتَ ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رَجُلٍ ، قَالَ : فَخَشِيَ أَبُو جَهْلٍ إِنْ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ ، أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ ، فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ ، فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ : أَيِ ابْنَ أَخِي ، مَا بَالُ قَوْمِكَ يَشْكُونَكَ ؟ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ ، وَتَقُولُ ، وَتَقُولُ ، قَالَ : وَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ ، وَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا عَمّ ، إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا ، تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ ، فَفَزِعُوا لِكَلِمَتِهِ ، وَلِقَوْلِهِ ، فَقَالَ الْقَوْمُ : كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ ؟ نَعَمْ ، وَأَبِيكَ عَشْرًا ، قَالُوا : فَمَا هِيَ ؟ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : وَأَيُّ كَلِمَةٍ هِيَ يَابْنَ أَخِي ؟ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، قَالَ : فَقَامُوا فَزِعِينَ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ ، وَهُمْ يَقُولُونَ : أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ، قَالَ : وَنَزَلَتْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى قَوْلِهِ : لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ سورة ص آية 5 - 8 ، لَفْظُ الْحَدِيثِ لأَبِي كُرَيْبٍ - رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق - فحدثنا ابن حميد ، قال : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : فَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الأَخْنَسِ أَنَّهُ حَدَّثَ ، أَنَّ قُرَيْشًا حِينَ قَالَتْ لأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ، بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : " يَابْنَ أَخِي ، إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَاءُونِي فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا ، فَأَبْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ ، وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنَ الأَمْرِ مَا لَا أُطِيقُ ، فَظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ فِيهِ بَدَاءٌ ، وَأَنَّهُ خَاذِلُهُ وَمُسَلِّمُهُ ، وَأَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يا عماه ، لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي ، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي ، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ ، حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ ، ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَكَى ، ثُمَّ قَامَ ، فَلَمَّا وَلَّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ ، فَقَالَ : أَقْبِلْ يَابْنَ أَخِي ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : اذْهَبْ يَابْنَ أَخِي ، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ ، فَوَاللَّهِ لَا أُسَلِّمُكَ لِشَيْءٍ أَبَدًا ، قَالَ : ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا عَرَفَتْ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ أَبَى خِذْلَانَ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِسْلَامَهُ ، وَإِجْمَاعَهُ لِفِرَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ وَعَدَاوَتَهُمْ ، مَشَوْا إِلَيْهِ بِعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالُوا لَهُ ، فِيمَا بَلَغَنِي : يَا أَبَا طَالِبٍ ، هَذَا عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، أَنْهَدُ فَتًى فِي قُرَيْشٍ ، وَأَشْعَرُهُ وَأَجْمَلُهُ ، فَخُذْهُ ، فَلَكَ عَقْلُهُ وَنُصْرَتُهُ ، وَاتَّخِذْهُ وَلَدًا فَهُوَ لَكَ ، وَأَسْلِمْ لَنَا ابْنَ أَخِيكَ هَذَا الَّذِي قَدْ خَالَفَ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ ، وَفَرَّقَ جَمَاعَةَ قَوْمِكَ ، وَسفه أَحْلَامَهُمْ ، فَنَقْتُلُهُ ، فَإِنَّمَا رَجُلٌ كَرَجُلٍ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَبِئْسَ مَا تَسُومُونَنِي ، أَتُعْطُونَنِي ابْنَكُمْ أَغْذُوهُ لَكُمْ ، وَأُعْطِيكُمُ ابْنِي تَقْتُلُونَهُ ؟ هَذَا وَاللَّهِ مَا لا يَكُونُ أَبَدًا ، فَقَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : وَاللَّهِ يَا أَبَا طَالِبٍ لَقَدِ أَنْصَفَكَ قَوْمُكَ ، وَجَهِدُوا عَلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا تَكْرَهُهُ ، فَمَا أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُمْ شَيْئًا ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِلْمُطْعِمِ : وَاللَّهِ مَا أَنْصَفُونِي ، وَلَكِنَّكَ قَدْ أَجْمَعْتَ خِذْلَانِي وَمُظَاهَرَةِ الْقَوْمِ عَلَيَّ ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ ، أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو طَالِبٍ ، قَالَ : فَحَقِبَ الأَمْرُ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَحَمِيَتِ الْحَرْبُ ، وَتَنَابَذَ الْقَوْمُ ، وَبَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، قَالَ : ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا تَذَامَرُوا عَلَى مَنْ فِي الْقَبَائِلِ ، مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّذِي أَسْلَمُوا مَعَهُ ، فَوَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُعَذِّبُونَهُمْ وَيَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَمَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْهُمْ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَدْ قَامَ أَبُو طَالِبٍ حِينَ رَأَى قُرَيْشًا تَصْنَعُ مَا تَصْنَعُ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ، فَدَعَاهُمْ إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْقِيَامِ دُونَهُ ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، وَقَامُوا مَعَهُ ، وَأَجَابُوا إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الدَّفْعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَبِي لَهَبٍ ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ مِنْ قَوْمِهِ مَا سَرَّهُ مِنْ جِدِّهِمْ مَعَهُ وَحَدَبِهِمْ عَلَيْهِ ، جَعَلَ يَمْدَحُهُمْ وَيَذْكُرُ فَضْلَ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيهِمْ ، وَمَكَانَهُ مِنْهُمْ ، لِيَشُدَّ لَهُمْ رَأْيَهُمْ " .
ووجدنا في احاديث ايات القران ان قضية الانبياء عليهم صلوات ربي وسلامه هعي توحيد الله تعالى وافراده بالطاعة والعبودية؛ وان كل طاعة لغير الله انما هي طاعة للشيطان والطاغوت؛ قال تعالى:- {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال سبحانه:- {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال تعالى بعد أن ذكر قصص طائفة كبيرة من الأنبياء: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]...
وقد شرع الله تعالى الجهاد بالقول والكلمة وبالقتال الذي مؤداه اما نصر واما استشهاد وموت في سبيل الله لنوال مرضاته بسعي الشهيد لتحقيق القضية المصيرية في واقع الحياة البشرية...قال الله عز وجل:-{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)الانفال}...والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..