بسم الله الرحمن الرحيم
29- حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة:-
خاتمية الرسالة تقتضي نسخ الشرائع السابقة وكذلك نسخ مرجعية كتبها!!
في حلقة ماضية من هذه السلسلة المباركة تحدثنا عن خاتمية الرسالة والنبوة من حيث توقف الوحي عن النزول بجديد من اصول الشرائع واحكام التشريع ..
فالتشريع تم واكتمل للبشرية في الاسلام بقواعده واسسه العامة التي غطت واحاطت بمتطلبات الانسان في كل زمان ومكان، حيث تميزت شريعة الاسلام بكونها عالجت طبيعة متطلبات النفس البشرية وحاجات الانسان بوصفه انسان؛ فقد خلق الله سبحانه وتالى النوع الإنساني لعبادته وطاعته بعمارة الأرض وإصلاح الكون بما استخلفه الله فيه من هدي للعمارة والبناء والصلاح ومحاربة الفساد الذي يدعوه اليه عدوه ابليس، وركب فيه عقلا وجعله مناط التكاليف، وخلق في الإنسان غير القوة العقلية، القوة الشهوانية التعلقة باشباعات جوعات الغرائز النفسية وجوعات الحاجات العضوية؛والتي تضعف سلطان العقل وتقلل من شأنه عند وجود المثير، بل تتغلب وتنتصر عليه في كثير من الأحيان. فكان الاسلام رسالة استسلام وانقياد لمن خلقه وهو العليم الخبير بمن خلق؛ فالانسان له غرائز تتطلب الاشباع ؛ وله حاجات عضوية ايضا تتطلب الاشباع والمعالجات ؛ فانصب التشريع على هذه الفطرة التي فطرت نفوس الخلق عليها؛ حيث ان الغاية من اشباع الغرائز اصلا هو حفظ النفس و النوع بالتناسل؛ و حفظ الممتلكات التي تعين الانسان على التمتع بنعم الله؛ وغريزة التدين التي قوامها كيفية ادراك المخلوق لصلته بالخالق ؛ فجاء الاسلام ليعالج الحاجات الغرائزية وطرق ووسائل اشباعها بالطريق الذي يرتقي به الانسان عن بهيمة الانعام ؛ وبالطرق والكيفية اللائقة بتكريم الانسان على العالمين . ومحققا له وضامنا اشباع حاجاته العضوية التي يترتب على فقدها هزاله ومرضه موته؛ من مطعم ومشرب ومسكن وعلاج .. فلذلك كان من طبيعة عقيدة الايمان الحقة ان تجعل من نفسية الانسان قوة هائلة وطاقة عظيمة في هذا الكون لما ضمنت له العمر وتكفلت بالرزق ، فانبثق عنها نظام التشريع ؛كون الانسان لا يعيش في وضعه الطبيعي الا ضمن جماعات بشرية من جنسه؛ فانه بلا ادنى شك بحاجة الى تشريع ناظم لهذا العيش ؛ ومن هنا جاءت حاجة الناس جميعًا إلى تشريعات تنظم علاقتهم بربهم، وعلاقتهم ببعضهم وبمجتمعاتهم وتجمعاتهم .
وقد كان لكل امة ممن قبلنا شرعة ومنهاجا؛ وليس عقيدة مختلفة؛فالحق حق ثابت لا يتغير؛ وكل ماهو متعلق بالله يجب ان يكون حقا متبعافكرا واعتقادا؛ وذلك من عهد ادم الانسان الاول الى ان يرث الله الارض ومن عليها؛ فالله تعالى حق صمد ثابت بصفاته لا يعتريه تغيير ولا تبديل على مر الازمان وتعدد الرسالات والنبوات الحقة...
اما الشرائع الناظمة لسلوك البشر فتختلف من رسالة الى اخرى؛ والاسلام نسخها جميعا؛ فلا حاجة لنا بعد نسخ القران لها ان نرويها او نتبع ما فيها، بل هم بحاجة الى اتباع ما في قراننا وهدينا من سنة نبينا ؛ قال الله سبحانه عن من هداهم الله وشرح صدورهم للاسلام من اهل الكتاب :- {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157]،
و قد دلت آيات القرآن الكريم على حجيته وأنه منبع النور والهداية لمبتغيها دون سواه ؛ قال الله تعالى: (. . . وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، «سورة النحل: الآية 89»، وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا . . . ) - «سورة المائدة: الآية 48»، وقال تعالى: (. . . قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، «سورة المائدة: الآيتان 15 - 16». ودل القران نفسه على اتباع النبي صلى الله عليه واله ويلم في عدة مواضع ؛ منها : (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) . [النساء : 80]. ويقول سبحانه في آية أخرى: (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) . [الأحزاب : 36].
وقد أمر الله تعالى باتِّباع نبيِّه الكريم صلى الله عليه واله وسلم في آيات كثيرة، منها: - قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31]. و وجه الدلالة: أنَّ من علامة مَحبَّة الله سبحانه اتِّباع نبيَّه المُرسَل في ما يبلغ به ؛.
و قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]، وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء:65] .. وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51]. وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب:36]..
ويؤخذ بالسنة ويتوجب العمل بها كونها وحيا من الله تعالى الى النبي بالتوفيق والسداد والالهام لما يبتغيه الله تعالى ويريده لعموم قوله تعالى:-
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]. وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا...} (الجاثية، الآيتان 18 و19).وقال الله تعالى :
{قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (9)الاحقاف}.. والوحي وحيان؛ وحي القران ولا يُقبل فيه الا القطع واجزم والاعتقاد بثبوته ونسبته الى الله تعالى و هو القران الكريم؛ ووحي يصح فيه غلبة الظن المولدة للتصديق بنسبته الى النبي المعصوم صلى الله عليه واله وسلم .. وذلك كله ضمن اطار وضوء قوله تعالى :- ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) (الحجرات:6)، وهو أمر واضح لا يحتاج إلى توضيح! فيقتضي التثبت والتبين والتمحيص التي هي من مفردات الموضوعية في قبول اي علم او خبر فيتثبت الإنسان مما يسمع، ويمحص ما يقرأ، ويراجع نفسه كثيرًا قبل أن يبني على ما يسمع أو يقرأ رأيًا أو يتخذ موقفًا. وعليه فان القران لا يعتبر قرانا الا اذا قطعنا بثبوته تواترا مانعا للشك ؛ مولدا لليقين؛ لانه اصل العقائد ومنه اصول الاحكام التي بينتها السنة الثابتة الصحيحة وفصلتها ...
وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ - « تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحجّةُ الْبَيْضَاءِ ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ" رواه ابن ماجة والترمذي واحمد وغيرهم ..
و عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فأوصنا، فقال: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». اخرجه احمد والدرقطني وابو داود وابن ماجة وابن حبان وغيرهم .. والمقياس دوما كتاب الله تعالى لعموم نصوص القران ووجوب اتباعه و لحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به؛ كتاب الله).رواه مسلم
وبارككم الله وسددنا واياكم دوما لرؤية الحق حقا و لاتباع الحق بالحق والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ...
29- حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة:-
خاتمية الرسالة تقتضي نسخ الشرائع السابقة وكذلك نسخ مرجعية كتبها!!
في حلقة ماضية من هذه السلسلة المباركة تحدثنا عن خاتمية الرسالة والنبوة من حيث توقف الوحي عن النزول بجديد من اصول الشرائع واحكام التشريع ..
فالتشريع تم واكتمل للبشرية في الاسلام بقواعده واسسه العامة التي غطت واحاطت بمتطلبات الانسان في كل زمان ومكان، حيث تميزت شريعة الاسلام بكونها عالجت طبيعة متطلبات النفس البشرية وحاجات الانسان بوصفه انسان؛ فقد خلق الله سبحانه وتالى النوع الإنساني لعبادته وطاعته بعمارة الأرض وإصلاح الكون بما استخلفه الله فيه من هدي للعمارة والبناء والصلاح ومحاربة الفساد الذي يدعوه اليه عدوه ابليس، وركب فيه عقلا وجعله مناط التكاليف، وخلق في الإنسان غير القوة العقلية، القوة الشهوانية التعلقة باشباعات جوعات الغرائز النفسية وجوعات الحاجات العضوية؛والتي تضعف سلطان العقل وتقلل من شأنه عند وجود المثير، بل تتغلب وتنتصر عليه في كثير من الأحيان. فكان الاسلام رسالة استسلام وانقياد لمن خلقه وهو العليم الخبير بمن خلق؛ فالانسان له غرائز تتطلب الاشباع ؛ وله حاجات عضوية ايضا تتطلب الاشباع والمعالجات ؛ فانصب التشريع على هذه الفطرة التي فطرت نفوس الخلق عليها؛ حيث ان الغاية من اشباع الغرائز اصلا هو حفظ النفس و النوع بالتناسل؛ و حفظ الممتلكات التي تعين الانسان على التمتع بنعم الله؛ وغريزة التدين التي قوامها كيفية ادراك المخلوق لصلته بالخالق ؛ فجاء الاسلام ليعالج الحاجات الغرائزية وطرق ووسائل اشباعها بالطريق الذي يرتقي به الانسان عن بهيمة الانعام ؛ وبالطرق والكيفية اللائقة بتكريم الانسان على العالمين . ومحققا له وضامنا اشباع حاجاته العضوية التي يترتب على فقدها هزاله ومرضه موته؛ من مطعم ومشرب ومسكن وعلاج .. فلذلك كان من طبيعة عقيدة الايمان الحقة ان تجعل من نفسية الانسان قوة هائلة وطاقة عظيمة في هذا الكون لما ضمنت له العمر وتكفلت بالرزق ، فانبثق عنها نظام التشريع ؛كون الانسان لا يعيش في وضعه الطبيعي الا ضمن جماعات بشرية من جنسه؛ فانه بلا ادنى شك بحاجة الى تشريع ناظم لهذا العيش ؛ ومن هنا جاءت حاجة الناس جميعًا إلى تشريعات تنظم علاقتهم بربهم، وعلاقتهم ببعضهم وبمجتمعاتهم وتجمعاتهم .
وقد كان لكل امة ممن قبلنا شرعة ومنهاجا؛ وليس عقيدة مختلفة؛فالحق حق ثابت لا يتغير؛ وكل ماهو متعلق بالله يجب ان يكون حقا متبعافكرا واعتقادا؛ وذلك من عهد ادم الانسان الاول الى ان يرث الله الارض ومن عليها؛ فالله تعالى حق صمد ثابت بصفاته لا يعتريه تغيير ولا تبديل على مر الازمان وتعدد الرسالات والنبوات الحقة...
اما الشرائع الناظمة لسلوك البشر فتختلف من رسالة الى اخرى؛ والاسلام نسخها جميعا؛ فلا حاجة لنا بعد نسخ القران لها ان نرويها او نتبع ما فيها، بل هم بحاجة الى اتباع ما في قراننا وهدينا من سنة نبينا ؛ قال الله سبحانه عن من هداهم الله وشرح صدورهم للاسلام من اهل الكتاب :- {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157]،
و قد دلت آيات القرآن الكريم على حجيته وأنه منبع النور والهداية لمبتغيها دون سواه ؛ قال الله تعالى: (. . . وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، «سورة النحل: الآية 89»، وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا . . . ) - «سورة المائدة: الآية 48»، وقال تعالى: (. . . قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، «سورة المائدة: الآيتان 15 - 16». ودل القران نفسه على اتباع النبي صلى الله عليه واله ويلم في عدة مواضع ؛ منها : (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) . [النساء : 80]. ويقول سبحانه في آية أخرى: (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) . [الأحزاب : 36].
وقد أمر الله تعالى باتِّباع نبيِّه الكريم صلى الله عليه واله وسلم في آيات كثيرة، منها: - قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31]. و وجه الدلالة: أنَّ من علامة مَحبَّة الله سبحانه اتِّباع نبيَّه المُرسَل في ما يبلغ به ؛.
و قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]، وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء:65] .. وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51]. وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب:36]..
ويؤخذ بالسنة ويتوجب العمل بها كونها وحيا من الله تعالى الى النبي بالتوفيق والسداد والالهام لما يبتغيه الله تعالى ويريده لعموم قوله تعالى:-
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]. وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا...} (الجاثية، الآيتان 18 و19).وقال الله تعالى :
{قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (9)الاحقاف}.. والوحي وحيان؛ وحي القران ولا يُقبل فيه الا القطع واجزم والاعتقاد بثبوته ونسبته الى الله تعالى و هو القران الكريم؛ ووحي يصح فيه غلبة الظن المولدة للتصديق بنسبته الى النبي المعصوم صلى الله عليه واله وسلم .. وذلك كله ضمن اطار وضوء قوله تعالى :- ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) (الحجرات:6)، وهو أمر واضح لا يحتاج إلى توضيح! فيقتضي التثبت والتبين والتمحيص التي هي من مفردات الموضوعية في قبول اي علم او خبر فيتثبت الإنسان مما يسمع، ويمحص ما يقرأ، ويراجع نفسه كثيرًا قبل أن يبني على ما يسمع أو يقرأ رأيًا أو يتخذ موقفًا. وعليه فان القران لا يعتبر قرانا الا اذا قطعنا بثبوته تواترا مانعا للشك ؛ مولدا لليقين؛ لانه اصل العقائد ومنه اصول الاحكام التي بينتها السنة الثابتة الصحيحة وفصلتها ...
وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ - « تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحجّةُ الْبَيْضَاءِ ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ" رواه ابن ماجة والترمذي واحمد وغيرهم ..
و عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فأوصنا، فقال: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». اخرجه احمد والدرقطني وابو داود وابن ماجة وابن حبان وغيرهم .. والمقياس دوما كتاب الله تعالى لعموم نصوص القران ووجوب اتباعه و لحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به؛ كتاب الله).رواه مسلم
وبارككم الله وسددنا واياكم دوما لرؤية الحق حقا و لاتباع الحق بالحق والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ...