دود العود منه فيه
لو سلمت الأمّة من كيد وعقوق أبنائها ما تجرّأ عليها أعداؤها ! فلا يغلب الامة الا هزيمتها بايدي ابنائها يوم يصبحوا معاول هدم بايدي اعدائها...
قال تعالى:﴿إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم...﴾(النور 11).
والمصيبة الادهى والامر، يوم ينجر ابناء الامة ينعقون خلف المنافقين، المنتسبين للامة والناطقين بلسان ابناءها ، ومن ابناء جلدتنا ولكنهم دعاة على ابواب جهنم يقذفون فيها من اطاعهم تحت تاثير زخرف من الحياة الدنيا، يستعينون باعداء امتهم على اذهاب ريح امتهم وافشال كل محاولة انتشال وانقاذ للامة، حسدا من انفسهم وحرصا على مكاسب خاصة موهومة لا تورثهم الا العار والشنار، ولنا عبرة في هذا الزمن بحكاية ابي عامر الفاسق الراهب في زمن رسول الله صلوات ربي عليه ورهطه،الذين سجلهم التاريخ في سجل الخيانة الاسود، حيث سجل القران الكريم لنا قصة ذاك الفاسق واتباعه من المنافقين ومسجدهم الضرار ، فقال تعالى في سورة التوبة: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون ( 107 ) لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ( 108 )التوبة ).
وقال الواحدي في اسباب النزول :قال المفسرون : إن بني عمرو بن عوف ، اتخذوا مسجد قباء ، وبعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم ، فأتاهم فصلى فيه ، فحسدهم إخوتهم بنو غنم بن عوف ، وقالوا : نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي فيه كما صلى في مسجد إخواننا ، وليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام . وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية وتنصر ، ولبس المسوح ، وأنكر دين الحنيفية لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعاداه ، وسماه النبي - عليه [ ص: 136 ] الصلاة والسلام - : أبا عامر الفاسق ، وخرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين : أن [ أعدوا و ] استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح ، وابنوا لي مسجدا فإني ذاهب إلى قيصر ، فآتي بجند الروم ، فأخرج محمدا وأصحابه ، فبنوا [ له ] مسجدا إلى جنب مسجد قباء ، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا خذام بن خالد ، ومن داره أخرج مسجد الشقاق وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، وعباد بن حنيف ، وجارية بن عمرو وابناه مجمع وزيد ، ونبتل بن حارث ، [ وبحزج ] وبجاد بن عثمان ، ووديعة بن ثابت ، فلما فرغوا منه أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إنا [ قد ] بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه . فدعا بقميصه ليلبسه فيأتيهم ، فنزل عليه القرآن ، وأخبره الله عز وجل خبر مسجد الضرار وما هموا به . فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن الدخشم ، ومعن بن عدي ، وعامر بن السكن ، ووحشيا قاتل حمزة ، وقال لهم : انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدموه وأحرقوه . فخرجوا ، وانطلق مالك وأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ، ثم دخلوا المسجد وفيه أهله ، فحرقوه وهدموه ، وتفرق عنه أهله . وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة . ومات أبو عامر بالشام وحيدا غريبا
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره :- سبب نزول هذه الآيات الكريمات : أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يقال له : " أبو عامر الراهب " ، وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب ، وكان فيه عبادة في الجاهلية ، وله شرف في الخزرج كبير . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة ، واجتمع المسلمون عليه ، وصارت للإسلام كلمة عالية ، وأظهرهم الله يوم بدر ، شرق اللعين أبو عامر بريقه ، وبارز بالعداوة ، وظاهر بها ، وخرج فارا إلى كفار مكة من مشركي قريش فألبهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب ، وقدموا عام أحد ، فكان من أمر المسلمين ما كان ، وامتحنهم الله ، وكانت العاقبة للمتقين .
وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين ، فوقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصيب ذلك اليوم ، فجرح في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى ، وشج رأسه ، صلوات الله وسلامه عليه .
وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار ، فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته ، فلما عرفوا كلامه قالوا : لا أنعم الله بك عينا يا فاسق يا عدو الله ، ونالوا منه وسبوه . فرجع وهو يقول : والله لقد أصاب قومي بعدي شر . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره ، وقرأ عليه من القرآن ، فأبى أن يسلم وتمرد ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يموت بعيدا طريدا ، فنالته هذه الدعوة .
وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد ، ورأى أمر الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه في ارتفاع وظهور ، ذهب إلىهرقل ، ملك الروم ، يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم ، فوعده ومناه ، وأقام عنده ، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه ، وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصدا له إذا قدم عليهم بعد ذلك ، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء ، فبنوه وأحكموه ، وفرغوا منه قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ، ليحتجوا بصلاته ، عليه السلام ، فيه على تقريره وإثباته ، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية ، فعصمه الله من الصلاة فيه فقال : " إنا على سفر ، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله " .
فلما قفل ، عليه السلام راجعا إلى المدينة من تبوك ، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم ، نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضرار ، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء ، الذي أسس من أول يوم على التقوى . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا [ وكفرا وتفريقا بين المؤمنين ] ) وهم أناس من الأنصار ، ابتنوا مسجدا ، فقال لهم أبو عامر ، ابنوا مسجدا واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح ، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ، فآتي بجند من الروم وأخرج محمدا وأصحابه . فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : قد فرغنا من بناء مسجدنا ، فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة . فأنزل الله ، عز وجل : ( لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم ) إلى ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) . وكذا روي عن سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعروة بن الزبير ، وقتادة وغير واحد من العلماء . وقال محمد بن إسحاق بن يسار ، عن الزهري ، ويزيد بن رومان ، وعبد الله بن أبي بكر ، [ ص: 212 ] وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم ، قالوا : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني : من تبوك - حتى نزل بذي أوان - بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار - وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة ، والليلة المطيرة ، والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه . فقال : " إني على جناح سفر وحال شغل - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولو قد قدمنا إن شاء الله تعالى أتيناكم فصلينا لكم فيه " . فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ، ومعن بن عدي - أو : أخاه عامر بن عدي - أخا بلعجلان فقال : " انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدماه وحرقاه " . فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ، وهم رهط مالك بن الدخشم ، فقال مالك لمعن : أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل أهله فأخذ سعفا من النخل ، فأشعل فيه نارا ، ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله ، فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه . ونزل فيهم من القرآن ما نزل : ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ) إلى آخر القصة . وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا خذام بن خالد ، من بني عبيد بن زيد ، أحد بني عمرو بن عوف ، ومن داره أخرج مسجد الشقاق ، وثعلبة بن حاطب من بني عبيد وهو إلى بني أمية بن زيد ، ومعتب بن قشير ، من [ بني ] ضبيعة بن زيد ، وأبو حبيبة بن الأذعر ، من بني ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف ، أخو سهل بن حنيف ، من بني عمرو بن عوف ، وجارية بن عامر ، وابناه : مجمع بن جارية ، وزيد بن جارية ونبتل [ بن ] الحارث ، وهم من بني ضبيعة ، وبحزج وهو من بني ضبيعة ، وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة ، [ ووديعة بن ثابت ، وهو إلى بني أمية ] رهط أبي لبابة بن عبد المنذر .
وقوله : ( وليحلفن ) أي : الذين بنوه ( إن أردنا إلا الحسنى ) أي : ما أردناه ببنيانه إلا خيرا ورفقا بالناس ، قال الله تعالى : ( والله يشهد إنهم لكاذبون ) أي : فيما قصدوا وفيما نووا ، وإنما بنوه ضرارا لمسجد قباء ، وكفرا بالله ، وتفريقا بين المؤمنين ، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله ، وهو أبو عامر الفاسق ، الذي يقال له : " الراهب " لعنه الله .
وقوله : ( لا تقم فيه أبدا ) نهي من الله لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، والأمة تبع له في ذلك ، عن أن يقوم فيه ، أي : يصلي فيه أبدا . اه
فباسم الدين وباسم شعار خدمته وتسهيل اموره على الناس قاموا بجريمتهم التي لولا عناية الله وتداركه للامة ونبيها لكانت الواقعة ولحلت المصيبة ولكن الله سلم.
فالحذر يا امة الاسلام فقد اشار النبي عليه السلام الى انه "ولن يستحلّ البيت إلا أهله"
فاتقوا الله تعالى في انفسكم ومصيركم وخذوا على ايدي سفهاءكم فكما قيل لايقطع الشجرة الا عرق منها ودود العود منه فيه حيث تضع الدودة بيوضها كما تعلمون في العود بعد ان تخرقه فتتربى يرقاتها بداخله فيقضي عليها وينخرها والله المستعان نعوذ به من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا ونساله تعالى السلامة من كل شر واثم وسوء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لو سلمت الأمّة من كيد وعقوق أبنائها ما تجرّأ عليها أعداؤها ! فلا يغلب الامة الا هزيمتها بايدي ابنائها يوم يصبحوا معاول هدم بايدي اعدائها...
قال تعالى:﴿إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم...﴾(النور 11).
والمصيبة الادهى والامر، يوم ينجر ابناء الامة ينعقون خلف المنافقين، المنتسبين للامة والناطقين بلسان ابناءها ، ومن ابناء جلدتنا ولكنهم دعاة على ابواب جهنم يقذفون فيها من اطاعهم تحت تاثير زخرف من الحياة الدنيا، يستعينون باعداء امتهم على اذهاب ريح امتهم وافشال كل محاولة انتشال وانقاذ للامة، حسدا من انفسهم وحرصا على مكاسب خاصة موهومة لا تورثهم الا العار والشنار، ولنا عبرة في هذا الزمن بحكاية ابي عامر الفاسق الراهب في زمن رسول الله صلوات ربي عليه ورهطه،الذين سجلهم التاريخ في سجل الخيانة الاسود، حيث سجل القران الكريم لنا قصة ذاك الفاسق واتباعه من المنافقين ومسجدهم الضرار ، فقال تعالى في سورة التوبة: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون ( 107 ) لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ( 108 )التوبة ).
وقال الواحدي في اسباب النزول :قال المفسرون : إن بني عمرو بن عوف ، اتخذوا مسجد قباء ، وبعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم ، فأتاهم فصلى فيه ، فحسدهم إخوتهم بنو غنم بن عوف ، وقالوا : نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي فيه كما صلى في مسجد إخواننا ، وليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام . وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية وتنصر ، ولبس المسوح ، وأنكر دين الحنيفية لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعاداه ، وسماه النبي - عليه [ ص: 136 ] الصلاة والسلام - : أبا عامر الفاسق ، وخرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين : أن [ أعدوا و ] استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح ، وابنوا لي مسجدا فإني ذاهب إلى قيصر ، فآتي بجند الروم ، فأخرج محمدا وأصحابه ، فبنوا [ له ] مسجدا إلى جنب مسجد قباء ، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا خذام بن خالد ، ومن داره أخرج مسجد الشقاق وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، وعباد بن حنيف ، وجارية بن عمرو وابناه مجمع وزيد ، ونبتل بن حارث ، [ وبحزج ] وبجاد بن عثمان ، ووديعة بن ثابت ، فلما فرغوا منه أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إنا [ قد ] بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه . فدعا بقميصه ليلبسه فيأتيهم ، فنزل عليه القرآن ، وأخبره الله عز وجل خبر مسجد الضرار وما هموا به . فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن الدخشم ، ومعن بن عدي ، وعامر بن السكن ، ووحشيا قاتل حمزة ، وقال لهم : انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدموه وأحرقوه . فخرجوا ، وانطلق مالك وأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ، ثم دخلوا المسجد وفيه أهله ، فحرقوه وهدموه ، وتفرق عنه أهله . وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة . ومات أبو عامر بالشام وحيدا غريبا
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره :- سبب نزول هذه الآيات الكريمات : أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يقال له : " أبو عامر الراهب " ، وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب ، وكان فيه عبادة في الجاهلية ، وله شرف في الخزرج كبير . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة ، واجتمع المسلمون عليه ، وصارت للإسلام كلمة عالية ، وأظهرهم الله يوم بدر ، شرق اللعين أبو عامر بريقه ، وبارز بالعداوة ، وظاهر بها ، وخرج فارا إلى كفار مكة من مشركي قريش فألبهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب ، وقدموا عام أحد ، فكان من أمر المسلمين ما كان ، وامتحنهم الله ، وكانت العاقبة للمتقين .
وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين ، فوقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصيب ذلك اليوم ، فجرح في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى ، وشج رأسه ، صلوات الله وسلامه عليه .
وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار ، فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته ، فلما عرفوا كلامه قالوا : لا أنعم الله بك عينا يا فاسق يا عدو الله ، ونالوا منه وسبوه . فرجع وهو يقول : والله لقد أصاب قومي بعدي شر . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره ، وقرأ عليه من القرآن ، فأبى أن يسلم وتمرد ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يموت بعيدا طريدا ، فنالته هذه الدعوة .
وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد ، ورأى أمر الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه في ارتفاع وظهور ، ذهب إلىهرقل ، ملك الروم ، يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم ، فوعده ومناه ، وأقام عنده ، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه ، وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصدا له إذا قدم عليهم بعد ذلك ، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء ، فبنوه وأحكموه ، وفرغوا منه قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ، ليحتجوا بصلاته ، عليه السلام ، فيه على تقريره وإثباته ، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية ، فعصمه الله من الصلاة فيه فقال : " إنا على سفر ، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله " .
فلما قفل ، عليه السلام راجعا إلى المدينة من تبوك ، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم ، نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضرار ، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء ، الذي أسس من أول يوم على التقوى . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا [ وكفرا وتفريقا بين المؤمنين ] ) وهم أناس من الأنصار ، ابتنوا مسجدا ، فقال لهم أبو عامر ، ابنوا مسجدا واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح ، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ، فآتي بجند من الروم وأخرج محمدا وأصحابه . فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : قد فرغنا من بناء مسجدنا ، فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة . فأنزل الله ، عز وجل : ( لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم ) إلى ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) . وكذا روي عن سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعروة بن الزبير ، وقتادة وغير واحد من العلماء . وقال محمد بن إسحاق بن يسار ، عن الزهري ، ويزيد بن رومان ، وعبد الله بن أبي بكر ، [ ص: 212 ] وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم ، قالوا : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني : من تبوك - حتى نزل بذي أوان - بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار - وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة ، والليلة المطيرة ، والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه . فقال : " إني على جناح سفر وحال شغل - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولو قد قدمنا إن شاء الله تعالى أتيناكم فصلينا لكم فيه " . فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ، ومعن بن عدي - أو : أخاه عامر بن عدي - أخا بلعجلان فقال : " انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدماه وحرقاه " . فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ، وهم رهط مالك بن الدخشم ، فقال مالك لمعن : أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل أهله فأخذ سعفا من النخل ، فأشعل فيه نارا ، ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله ، فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه . ونزل فيهم من القرآن ما نزل : ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ) إلى آخر القصة . وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا خذام بن خالد ، من بني عبيد بن زيد ، أحد بني عمرو بن عوف ، ومن داره أخرج مسجد الشقاق ، وثعلبة بن حاطب من بني عبيد وهو إلى بني أمية بن زيد ، ومعتب بن قشير ، من [ بني ] ضبيعة بن زيد ، وأبو حبيبة بن الأذعر ، من بني ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف ، أخو سهل بن حنيف ، من بني عمرو بن عوف ، وجارية بن عامر ، وابناه : مجمع بن جارية ، وزيد بن جارية ونبتل [ بن ] الحارث ، وهم من بني ضبيعة ، وبحزج وهو من بني ضبيعة ، وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة ، [ ووديعة بن ثابت ، وهو إلى بني أمية ] رهط أبي لبابة بن عبد المنذر .
وقوله : ( وليحلفن ) أي : الذين بنوه ( إن أردنا إلا الحسنى ) أي : ما أردناه ببنيانه إلا خيرا ورفقا بالناس ، قال الله تعالى : ( والله يشهد إنهم لكاذبون ) أي : فيما قصدوا وفيما نووا ، وإنما بنوه ضرارا لمسجد قباء ، وكفرا بالله ، وتفريقا بين المؤمنين ، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله ، وهو أبو عامر الفاسق ، الذي يقال له : " الراهب " لعنه الله .
وقوله : ( لا تقم فيه أبدا ) نهي من الله لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، والأمة تبع له في ذلك ، عن أن يقوم فيه ، أي : يصلي فيه أبدا . اه
فباسم الدين وباسم شعار خدمته وتسهيل اموره على الناس قاموا بجريمتهم التي لولا عناية الله وتداركه للامة ونبيها لكانت الواقعة ولحلت المصيبة ولكن الله سلم.
فالحذر يا امة الاسلام فقد اشار النبي عليه السلام الى انه "ولن يستحلّ البيت إلا أهله"
فاتقوا الله تعالى في انفسكم ومصيركم وخذوا على ايدي سفهاءكم فكما قيل لايقطع الشجرة الا عرق منها ودود العود منه فيه حيث تضع الدودة بيوضها كما تعلمون في العود بعد ان تخرقه فتتربى يرقاتها بداخله فيقضي عليها وينخرها والله المستعان نعوذ به من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا ونساله تعالى السلامة من كل شر واثم وسوء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.