عمر رضي الله عنه وقصته مع الخراج
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما يلي:-
لمّا آلت الخلافة إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وازدادت الفتوحات الإسلاميّة، واتّسعت رقعة الدّولة، وزادت نفقاتها، رأى عمر رضي الله عنه أن لا يقسم الأرض المفتوحة عنوةً بين الفاتحين، بل يجعلها وقفاً على جميع المسلمين ويضرب على من يقوم بزراعتها خراجاً معلوماً. فوافقه بعض الصّحابة، وخالفه آخرون في بداية الأمر.
قال أبو يوسف: وشاورهم في قسمة الأرضين الّتي أفاء اللّه على المسلمين من أرض العراق والشّام فتكلّم قوم فيها، وأرادوا أن يقسم لهم حقوقهم وما فتحوا. فقال عمر رضي الله عنه: فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض بعلوجها قد اقتسمت وورثت عن الآباء وحيزت، ما هذا برأي. فقال له عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه: فما الرّأي؟ ما الأرض والعلوج إلاّ ممّا أفاء اللّه عليهم. فقال عمر: ما هو إلاّ كما تقول، ولست أرى ذلك، واللّه لا يفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل، بل عسى أن يكون كلًّا على المسلمين. فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها، وأرض الشّام بعلوجها، فما يسدّ به الثّغور، وما يكون للذّرّيّة والأرامل بهذا وبغيره من أرض الشّام والعراق؟ فأكثروا على عمر رضي الله عنه، وقالوا: أتقف ما أفاء اللّه بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يشهدوا، ولأبناء القوم ولآباء أبنائهم ولم يحضروا؟. وقد ذكر أبو يوسف رحمه الله أنّ بلال بن رباح كان من أشدّ الصّحابة وأكثرهم تمسّكاً بالرّأي المخالف، حتّى قال عمر رضي الله عنه: اللّهمّ اكفني بلالًا وأصحابه " ومكثوا في ذلك يومين أو ثلاثةً أو دون ذلك وعمر رضي الله عنه يحاجّهم إلى أن وجد ما يؤيّد رأيه في كتاب اللّه تعالى، فقال: قد وجدت حجّةً، قال تعالى في كتابه: {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} حتّى فرغ من شأن بني النّضير فهذه عامّة في القرى كلّها. ثمّ قال تعالى: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ثمّ قال {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}. ثمّ لم يرض حتّى خلط بهم غيرهم فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فهذا فيما بلغنا - واللّه أعلم - للأنصار خاصّةً، ثمّ لم يرض حتّى خلط بهم غيرهم فقال: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} فكانت هذه عامّةً لمن جاء بعدهم، فقد صار الفيء بين هؤلاء جميعًا فكيف نقسمه لهؤلاء، وندع من تخلّف بعدهم بغير قسم؟. قالوا: فاستشر. فاستشار المهاجرين الأوّلين فاختلفوا، فأمّا عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه فكان رأيه أن يقسم لهم حقوقهم. ورأي عثمان وعليّ وطلحة وابن عمر رضي الله عنهم رأي عمر. فأرسل إلى عشرة من الأنصار: خمسة من الأوس، وخمسة من الخزرج من كبرائهم وأشرافهم فلمّا اجتمعوا حمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال: إنّي لم أزعجكم إلاّ لأن تشتركوا في أمانتي فيما حمّلت من أموركم، فإنّي واحد كأحدكم، وأنتم اليوم تقرّون بالحقّ، خالفني من خالفني، ووافقني من وافقني، ولست أريد أن تتّبعوا هذا الّذي هو هواي، معكم من اللّه كتاب ينطق بالحقّ فواللّه لئن كنت نطقت بأمر أريده ما أريد به إلاّ الحقّ. قالوا: نسمع يا أمير المؤمنين. قال: قد سمعتم كلام هؤلاء القوم الّذين زعموا أنّي أظلمهم حقوقهم. وإنّي أعوذ باللّه أن أركب ظلماً، لئن كنت ظلمتهم شيئًا هو لهم وأعطيته غيرهم لقد شقيت ولكن رأيت أنّه لم يبق شيء يفتح بعد كسرى، وقد غنّمنا اللّه أموالهم، وأرضهم، وعلوجهم، فقسمت ما غنموا من أموال بين أهله وأخرجت الخمس فوجّهته على وجهه وأنا في توجيهه، وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها، وأضع عليهم فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية يؤدّونها فتكون فيئًا للمسلمين، المقاتلة والذّرّيّة ولمن يأتي من بعدهم. أرأيتم هذه الثّغور لا بدّ لها من رجال يلزمونها، أرأيتم هذه المدن العظام - كالشّامّ، والجزيرة والكوفة، والبصرة، ومصر - لا بدّ لها من أن تشحن بالجيوش، وإدرار العطاء عليهم، فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرضون والعلوج؟ فقالوا جميعاً: الرّأي رأيك فنعم ما قلت وما رأيت إن لم تشحن هذه الثّغور وهذه المدن بالرّجال وتجري عليهم ما يتقوّون به رجع أهل الكفر إلى مدنهم فقال: قد بان لي الأمر، فمن رجل له جزالة، وعقل، يضع الأرض مواضعها، ويضع على العلوج ما يحتملون؟ فاجتمعوا على عثمان بن حنيف وقالوا: تبعثه إلى أهمّ من ذلك، فإنّ له بصراً وعقلاً وتجربةً فأسرع إليه عمر فولّاه مساحة أرض السّواد.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما يلي:-
لمّا آلت الخلافة إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وازدادت الفتوحات الإسلاميّة، واتّسعت رقعة الدّولة، وزادت نفقاتها، رأى عمر رضي الله عنه أن لا يقسم الأرض المفتوحة عنوةً بين الفاتحين، بل يجعلها وقفاً على جميع المسلمين ويضرب على من يقوم بزراعتها خراجاً معلوماً. فوافقه بعض الصّحابة، وخالفه آخرون في بداية الأمر.
قال أبو يوسف: وشاورهم في قسمة الأرضين الّتي أفاء اللّه على المسلمين من أرض العراق والشّام فتكلّم قوم فيها، وأرادوا أن يقسم لهم حقوقهم وما فتحوا. فقال عمر رضي الله عنه: فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض بعلوجها قد اقتسمت وورثت عن الآباء وحيزت، ما هذا برأي. فقال له عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه: فما الرّأي؟ ما الأرض والعلوج إلاّ ممّا أفاء اللّه عليهم. فقال عمر: ما هو إلاّ كما تقول، ولست أرى ذلك، واللّه لا يفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل، بل عسى أن يكون كلًّا على المسلمين. فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها، وأرض الشّام بعلوجها، فما يسدّ به الثّغور، وما يكون للذّرّيّة والأرامل بهذا وبغيره من أرض الشّام والعراق؟ فأكثروا على عمر رضي الله عنه، وقالوا: أتقف ما أفاء اللّه بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يشهدوا، ولأبناء القوم ولآباء أبنائهم ولم يحضروا؟. وقد ذكر أبو يوسف رحمه الله أنّ بلال بن رباح كان من أشدّ الصّحابة وأكثرهم تمسّكاً بالرّأي المخالف، حتّى قال عمر رضي الله عنه: اللّهمّ اكفني بلالًا وأصحابه " ومكثوا في ذلك يومين أو ثلاثةً أو دون ذلك وعمر رضي الله عنه يحاجّهم إلى أن وجد ما يؤيّد رأيه في كتاب اللّه تعالى، فقال: قد وجدت حجّةً، قال تعالى في كتابه: {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} حتّى فرغ من شأن بني النّضير فهذه عامّة في القرى كلّها. ثمّ قال تعالى: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ثمّ قال {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}. ثمّ لم يرض حتّى خلط بهم غيرهم فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فهذا فيما بلغنا - واللّه أعلم - للأنصار خاصّةً، ثمّ لم يرض حتّى خلط بهم غيرهم فقال: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} فكانت هذه عامّةً لمن جاء بعدهم، فقد صار الفيء بين هؤلاء جميعًا فكيف نقسمه لهؤلاء، وندع من تخلّف بعدهم بغير قسم؟. قالوا: فاستشر. فاستشار المهاجرين الأوّلين فاختلفوا، فأمّا عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه فكان رأيه أن يقسم لهم حقوقهم. ورأي عثمان وعليّ وطلحة وابن عمر رضي الله عنهم رأي عمر. فأرسل إلى عشرة من الأنصار: خمسة من الأوس، وخمسة من الخزرج من كبرائهم وأشرافهم فلمّا اجتمعوا حمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال: إنّي لم أزعجكم إلاّ لأن تشتركوا في أمانتي فيما حمّلت من أموركم، فإنّي واحد كأحدكم، وأنتم اليوم تقرّون بالحقّ، خالفني من خالفني، ووافقني من وافقني، ولست أريد أن تتّبعوا هذا الّذي هو هواي، معكم من اللّه كتاب ينطق بالحقّ فواللّه لئن كنت نطقت بأمر أريده ما أريد به إلاّ الحقّ. قالوا: نسمع يا أمير المؤمنين. قال: قد سمعتم كلام هؤلاء القوم الّذين زعموا أنّي أظلمهم حقوقهم. وإنّي أعوذ باللّه أن أركب ظلماً، لئن كنت ظلمتهم شيئًا هو لهم وأعطيته غيرهم لقد شقيت ولكن رأيت أنّه لم يبق شيء يفتح بعد كسرى، وقد غنّمنا اللّه أموالهم، وأرضهم، وعلوجهم، فقسمت ما غنموا من أموال بين أهله وأخرجت الخمس فوجّهته على وجهه وأنا في توجيهه، وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها، وأضع عليهم فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية يؤدّونها فتكون فيئًا للمسلمين، المقاتلة والذّرّيّة ولمن يأتي من بعدهم. أرأيتم هذه الثّغور لا بدّ لها من رجال يلزمونها، أرأيتم هذه المدن العظام - كالشّامّ، والجزيرة والكوفة، والبصرة، ومصر - لا بدّ لها من أن تشحن بالجيوش، وإدرار العطاء عليهم، فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرضون والعلوج؟ فقالوا جميعاً: الرّأي رأيك فنعم ما قلت وما رأيت إن لم تشحن هذه الثّغور وهذه المدن بالرّجال وتجري عليهم ما يتقوّون به رجع أهل الكفر إلى مدنهم فقال: قد بان لي الأمر، فمن رجل له جزالة، وعقل، يضع الأرض مواضعها، ويضع على العلوج ما يحتملون؟ فاجتمعوا على عثمان بن حنيف وقالوا: تبعثه إلى أهمّ من ذلك، فإنّ له بصراً وعقلاً وتجربةً فأسرع إليه عمر فولّاه مساحة أرض السّواد.