أبو الفتح مراد الأول بن أُورخان بن عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه (ت791هـ ـ 1389م)
في عهد هذا المجاهد الشجاع انتقلتْ عاصمةُ الدولةِ الإسلامية إلى أُوربا
أراد السلطان مراد أن تكونَ عاصمةُ الدولةِ الإسلامية باتجاه العُمق الأُوربي؛ ليرى أهلُها الإسلامَ عن قرب، ويعيشوا في عدله وأخلاق أبنائِه، فيستميلَ قلوبُهم ويدخلوا فيه، وذلك في مدينة (أدرنة) على حدود اليونان وبلغاريا
وفي عهده تمَّتْ أولُ معاهدةٍ بينَ صليبيي أُوربا والبلقان مع المسلمين، وصاروا يدفعون الجزيةَ مقابلَ حمايتِهم ورعايتِهم في الدولة الإسلامية، بعدَ أنْ فشلتْ حملاتُهم التي تحالفوا فيها وباركها بابا أوربا الخامس، فظهروا بالعجز والفشل أمامَ شعوبهم، فالتجؤوا للانطواء تحتَ حكمِ آل عثمان، ليعشوا عدالةَ الإسلام !
مما جعل المؤرِّخَ الإنجليزيَّ (جيبون) يقول عن السلطان مراد: (عامل الأرثوذكس معاملةً أفضلَ بأضعافٍ مِن معاملة الكاثوليك لهم).
حتى صار السلطان مراد يُدافع عن مظلومي النصارى في ديارهم، مما جعله يتدخل في عزل إمبراطور القسطنطينية (يوحنا)، وتنصيب ابنه، فلما ظهر فسادُ الابن أكثرَ من أبيه، أشار عليهم بإعادة (يوحنا) !
ولخَّص الحافظُ ابنُ حجرٍ العسقلانيُّ حياةَ هذا السلطان البطل فقال: (ركب البحرَ، ونازل ما وراءَ خليجِ القسطنطينة، وأذلهم حتى بذلوا له الجزيةَ، ونشر العدلَ في بلاده، ولم يزل مجاهدًا في الكفرة حتى اتسعتْ مملكتُه، ومات في حربٍ وقعتْ بينَه وبينَ الكفار)، إنباء الغمر: 458/1
أجل، لا تعجب أيها الشابُّ المسلم، هذا ما جرى، وكذلك كنا فمنَّ الله علينا ومكننا في الأرض ...
ولكنْ أيها الشابُّ الغيورُ على دينه انظر حولَك وراقبْ كيف يُتكلم على عظماء الإسلام وتاريخهم؛ لتعلمَ عدوَّك مِن صديقك، ولتعلمَ مَن يريد إنهاضَ فكرِك ممن يريد إماتةَ هدفِك، وإبعادَك عن إعادة سيرِ هؤلاء ورفعةِ أُمتك !
وفي انتهاء إحدى المعارك كان السلطان مراد كعادته يتفقَّد بنفسه جرحى المسلمين، فقام جنديٌّ صربيٌّ كان يتظاهر بالموت، واتجه نحوَ السلطان فتمكَّن الحراسُ من القاء القبض عليه، ولكنه ادعى التوبةَ وأنه يريد الدخولَ في الإسلام على يد السلطان، فأشار السلطان بتركه، فقام بحركةٍ سريعةٍ وأخرج خنجرًا مسمومًا كان يخفيه، وطعن به السلطان مراد فاستشهد على أرض المعركة، وكان ذلك في ليلة النصف من شعبان، وهو مرتدٍ لباسَ الجهاد في سبيل الله.
وكان مِن آخر ما أوصى به: (لقد أوشكتْ حياتي على النهاية، ورأيتُ نصرَ جندِ الإسلام، لاتُعذِّبوا الأَسرى ولا تُؤذونهم ولا تَسلبوهم).
وقد تركتْ بعضُ كتب التاريخ شيئًا مِن المناجاة التي كان السلطان مراد يقولها قبيلَ المعارك والجهادِ في سبيل الله، ومن هذه المناجاة:
يا من تتقبل الدعاء لا تُخزني، ليس لي من غايةٍ لنفسي، ولا مصلحةٍ، ولا يحملني طلبُ المغنم، فأنا لا أطمع إلا في رضاك ياالله
يا عليم أَفديك بروحي فتقبَّل رجائي، ولاتجعل المسلمين يبوء بهم الخذلان أمامَ العدو
يا أرحم الراحمين لاتجعلني سببًا في موتهم، بل أجعلهم المنتصرين، إنَّ روحي أبذلها فداءً لك يارب، إني وددت ولازلتُ دومًا أبغي الاستشهادَ من أجل جندِ الاسلام، فلا تُرني يا إلهي محنتَهم واسمح لي يا إلهي أنْ أستشهدَ في سبيلك، ومِن أجل مرضاتك
إلهي ومولاي: إنْ كان في استشهادي نجاةٌ لجند المسلمين فلا تحرمْني الشهادةَ في سبيلك؛ لأنعمَ بجوارك، ونعم الجوارُ جوارُك
إلهي ومولاي: لقد شرَّفتني بأنْ هديتني إلى طريق الجهاد في سبيلك، فزدْني شرفًا بالموت في سبيلك
اللهم ارحمه واجعله في جنات النعيم، وأخلف أمثاله يا رب العالمين
مصادر :
الفتوح الإسلامية عبر العصور للدكتور عبد العزيز العمري، الدولة العثمانية للدكتور إسماعيل باغي
تاريخ الدولة العثمانية للدكتور الصلابي.