خاتمية الرسالة تقتضي عالميتها
تمتاز الرسالة الإسلامية بعقيدتها التوحيدية وشريعتها الربانية بنقطتين رئيستين : الأولى : عالميتها وشموليتها . والثانية : كونها خاتمة الشرائع والرسالات . أما الميزة الأولى : فمعناها أن دعوتها عالمية وخطابها عقلي انساني و لا تنحصر بإقليم معين ، او شعب معين،او عنصر خاص من البشر، وهي من أبرز الملامح التي يستهدفها القرآن الكريم في دعوته ورسالته . يقول سبحانه:{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}( 1-الفرقان ) ويقول أيضا:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } ( سبأ : 28 ).وقال سبحانه:{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) (الأعراف158).
اما الخاتمية فذلك أن الرسالة الإلهية الحقة التي أنزلها الله تعالى إلى أول انبيائه ورسله سلام الله عليهم لا تفترق جوهرا عما أنزله على آخرهم من حيث انها عقيدة ثابتة واحدة ، وواكبت الشريعة الربانية تطور العقل البشري ونموه ومراحل بلوغه درجة الاكتمال، ومراحل تطور البشرية ووسائل عيشها وقدراتها على الاتصال والتواصل بتمام اكتشاف الانسان لنواحي اكثر المعمورة.
ويبين ما ذكرنا قوله سبحانه : {۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) }( الشورى) فقد وصى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بما وصى به نوحا عليه السلام ابا البشرية الثاني وابراهيم ابا الانبياء سلام ربي عليه وعليهم اجمعين، من توحيده سبحانه وتنزيهه عن الشرك ، والدعوة إلى مكارم الأخلاق والتنديد بالجرائم الخلقية ، والقضاء على أسبابها ،والدعوة الى اقامة العدل والانصاف في الارض بما شرع لهم، إلى غير ذلك مما تجده في صحف الأولين وفي هذا الدين العظيم بمصدريه الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
وتتجلى تلك الحقيقة الناصعة ، أي وحدة مشكاة العقيدة والشرائع السماوية من خلال مختلف الآيات في شتى المواضع ، قال سبحانه : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } ( ال عمران 19 ) وظاهر الآية يعطي أن الدين عند الله - لم يزل ولن يزال - هو الإسلام في طول القرون والأجيال ، ويعاضدها قوله تعالى : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } ( ال عمران 85 ) . وقال سبحانه في مورد آخر مخطئا زعم اليهود والنصارى في رمي رمز التوحيد إبراهيم باليهودية والنصرانية قال : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ( ال عمران 67 ) . فحقيقة الشرائع السماوية في جميع الأدوار والأجيال كانت أمرا واحدا وهو التسليم لفرائضه واحكامه سبحانه وحده جل وعلا استسلاما وانقيادا واذعانا.
ولأجل ذلك كتب الرسول صلاة ربي وسلامه عليه إلى قيصر الروم كما جاء في مسند احمد عندما دعاه إلى الإسلام ، قوله سبحانه : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } (64 ال عمران) .
وقد أمر سبحانه في آية أخرى رسوله بدعوة معشر اليهود أو الناس جميعا إلى اتباع ملة إبراهيم قال سبحانه : { فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ( 95 ال عمران ) .
نعم جاءت الرسل تترى ، وتواصلت حلقات النبوة في الأدوار الماضية إلى أن بعث الله آخر وخاتم رسله فأتم نعمته وأكمل به دينه ، فأصبح المجتمع البشري في ظل دينه الكامل ، وكتابه الجامع ، غنيا عن تواصل الرسالة وتعاقب النبوة ، وأصبح البشر غير محتاجين إلى إرسال أي رسول بعده ، إذ جاء الرسول بأكمل الشرائع وأتقنها وأجمعها للحقوق وبكل ما يحتاج إليه البشر في أدوار حياتهم وأنواع تطوراتهم واسمع معي الى قوله سبحانه : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } ( الاحزاب 40 ) .
توضيح الآية : تبنى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) زيدا قبل تحريم التبني، وكانت العرب ينزلون الأدعياء منزلة الأبناء في أحكام الزواج والميراث ، فأراد الله سبحانه أن ينسخ تلك السنة الجاهلية ، فأمر رسوله أن يتزوج زينب زوجة زيد بعد مفارقته لها ، فلما تزوجها رسول الله أوجد ذلك ضجة بين المنافقين والمتوغلين في النزعات الجاهلية والمنساقين وراءها ، فرد الله سبحانه مزاعمهم بقوله { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } من الذين لم يلدهم ومنهم زيد { وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ } وهو لا يترك ما أمره الله به { وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } وآخرهم ختمت به النبوة ، فلا نبي بعده ، ولا شريعة بعد شريعته ، فنبوته أبدية ، وشريعته باقية إلى يوم الدين .
و الخاتم وما يراد منه : لقد قرئ لفظ الخاتم بوجهين :
الأول : بفتح التاء وعليه قراءة عاصم ، ويكون بمعنى الطابع الذي تختم به الرسائل والمواثيق ، فكان النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) بالنسبة إلى باب النبوة كالطابع ، ختم به باب النبوة ، وأوصد وأغلق فلا يفتح أبدا .
الثاني : بكسر التاء وعليه يكون اسم فاعل ، أي الذي يختم باب النبوة ، وعلى كلتا القراءتين فالآية صريحة على أن باب النبوة أو بعث الأنبياء ختم بمجئ النبي الكريم ( صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم)
ولك أن تستلهم هذا المعنى من الآيات الكثيرة التي وردت فيها مادة تلك الكلمة ، فترى أن جميعها يفيد هذا المعنى ، كالآيات التالية :
1 - قال سبحانه : { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } ( المطففين25 ) أي مختوم بابه بشئ مثل الشمع وغيره دليلا على خلوصه .
2 - وقال سبحانه : { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } ( المطففين 26 ) أي آخر شربه تفوح منه رائحة المسك .
3 - وقال سبحانه : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ } (يس65 ) أي يطبع على أفواههم فتوصد ، وتتكلم أيديهم .ومن حكمة الله تعالى في عدم جعل وريث للنبي سلام الله عليه من صلبه ذكرا حتى لا تكون الرسالة حكرا على احد او بيت معين يتوارثها نسلهم بل جعل ميراث الرسالة لكل مؤمن بها من العالمين ولكل من يحملها من العالمين للعالمين ،وهذا ما يبشرنا بظهور الاسلام وهيمنته على العالم كله ان اجلا ام عاجلا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تمتاز الرسالة الإسلامية بعقيدتها التوحيدية وشريعتها الربانية بنقطتين رئيستين : الأولى : عالميتها وشموليتها . والثانية : كونها خاتمة الشرائع والرسالات . أما الميزة الأولى : فمعناها أن دعوتها عالمية وخطابها عقلي انساني و لا تنحصر بإقليم معين ، او شعب معين،او عنصر خاص من البشر، وهي من أبرز الملامح التي يستهدفها القرآن الكريم في دعوته ورسالته . يقول سبحانه:{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}( 1-الفرقان ) ويقول أيضا:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } ( سبأ : 28 ).وقال سبحانه:{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) (الأعراف158).
اما الخاتمية فذلك أن الرسالة الإلهية الحقة التي أنزلها الله تعالى إلى أول انبيائه ورسله سلام الله عليهم لا تفترق جوهرا عما أنزله على آخرهم من حيث انها عقيدة ثابتة واحدة ، وواكبت الشريعة الربانية تطور العقل البشري ونموه ومراحل بلوغه درجة الاكتمال، ومراحل تطور البشرية ووسائل عيشها وقدراتها على الاتصال والتواصل بتمام اكتشاف الانسان لنواحي اكثر المعمورة.
ويبين ما ذكرنا قوله سبحانه : {۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) }( الشورى) فقد وصى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بما وصى به نوحا عليه السلام ابا البشرية الثاني وابراهيم ابا الانبياء سلام ربي عليه وعليهم اجمعين، من توحيده سبحانه وتنزيهه عن الشرك ، والدعوة إلى مكارم الأخلاق والتنديد بالجرائم الخلقية ، والقضاء على أسبابها ،والدعوة الى اقامة العدل والانصاف في الارض بما شرع لهم، إلى غير ذلك مما تجده في صحف الأولين وفي هذا الدين العظيم بمصدريه الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
وتتجلى تلك الحقيقة الناصعة ، أي وحدة مشكاة العقيدة والشرائع السماوية من خلال مختلف الآيات في شتى المواضع ، قال سبحانه : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } ( ال عمران 19 ) وظاهر الآية يعطي أن الدين عند الله - لم يزل ولن يزال - هو الإسلام في طول القرون والأجيال ، ويعاضدها قوله تعالى : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } ( ال عمران 85 ) . وقال سبحانه في مورد آخر مخطئا زعم اليهود والنصارى في رمي رمز التوحيد إبراهيم باليهودية والنصرانية قال : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ( ال عمران 67 ) . فحقيقة الشرائع السماوية في جميع الأدوار والأجيال كانت أمرا واحدا وهو التسليم لفرائضه واحكامه سبحانه وحده جل وعلا استسلاما وانقيادا واذعانا.
ولأجل ذلك كتب الرسول صلاة ربي وسلامه عليه إلى قيصر الروم كما جاء في مسند احمد عندما دعاه إلى الإسلام ، قوله سبحانه : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } (64 ال عمران) .
وقد أمر سبحانه في آية أخرى رسوله بدعوة معشر اليهود أو الناس جميعا إلى اتباع ملة إبراهيم قال سبحانه : { فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ( 95 ال عمران ) .
نعم جاءت الرسل تترى ، وتواصلت حلقات النبوة في الأدوار الماضية إلى أن بعث الله آخر وخاتم رسله فأتم نعمته وأكمل به دينه ، فأصبح المجتمع البشري في ظل دينه الكامل ، وكتابه الجامع ، غنيا عن تواصل الرسالة وتعاقب النبوة ، وأصبح البشر غير محتاجين إلى إرسال أي رسول بعده ، إذ جاء الرسول بأكمل الشرائع وأتقنها وأجمعها للحقوق وبكل ما يحتاج إليه البشر في أدوار حياتهم وأنواع تطوراتهم واسمع معي الى قوله سبحانه : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } ( الاحزاب 40 ) .
توضيح الآية : تبنى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) زيدا قبل تحريم التبني، وكانت العرب ينزلون الأدعياء منزلة الأبناء في أحكام الزواج والميراث ، فأراد الله سبحانه أن ينسخ تلك السنة الجاهلية ، فأمر رسوله أن يتزوج زينب زوجة زيد بعد مفارقته لها ، فلما تزوجها رسول الله أوجد ذلك ضجة بين المنافقين والمتوغلين في النزعات الجاهلية والمنساقين وراءها ، فرد الله سبحانه مزاعمهم بقوله { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } من الذين لم يلدهم ومنهم زيد { وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ } وهو لا يترك ما أمره الله به { وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } وآخرهم ختمت به النبوة ، فلا نبي بعده ، ولا شريعة بعد شريعته ، فنبوته أبدية ، وشريعته باقية إلى يوم الدين .
و الخاتم وما يراد منه : لقد قرئ لفظ الخاتم بوجهين :
الأول : بفتح التاء وعليه قراءة عاصم ، ويكون بمعنى الطابع الذي تختم به الرسائل والمواثيق ، فكان النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) بالنسبة إلى باب النبوة كالطابع ، ختم به باب النبوة ، وأوصد وأغلق فلا يفتح أبدا .
الثاني : بكسر التاء وعليه يكون اسم فاعل ، أي الذي يختم باب النبوة ، وعلى كلتا القراءتين فالآية صريحة على أن باب النبوة أو بعث الأنبياء ختم بمجئ النبي الكريم ( صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم)
ولك أن تستلهم هذا المعنى من الآيات الكثيرة التي وردت فيها مادة تلك الكلمة ، فترى أن جميعها يفيد هذا المعنى ، كالآيات التالية :
1 - قال سبحانه : { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } ( المطففين25 ) أي مختوم بابه بشئ مثل الشمع وغيره دليلا على خلوصه .
2 - وقال سبحانه : { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } ( المطففين 26 ) أي آخر شربه تفوح منه رائحة المسك .
3 - وقال سبحانه : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ } (يس65 ) أي يطبع على أفواههم فتوصد ، وتتكلم أيديهم .ومن حكمة الله تعالى في عدم جعل وريث للنبي سلام الله عليه من صلبه ذكرا حتى لا تكون الرسالة حكرا على احد او بيت معين يتوارثها نسلهم بل جعل ميراث الرسالة لكل مؤمن بها من العالمين ولكل من يحملها من العالمين للعالمين ،وهذا ما يبشرنا بظهور الاسلام وهيمنته على العالم كله ان اجلا ام عاجلا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.