مهما حاول الانسان اعتزال الناس فلن يستطيع الى ذلك سبيلا،فالانسان بحاجة دائمة الى التواصل والتفاعل والتعامل مع الناس ، ولا تُتصور حياة لبشر دون ان يكون له تعامل مع البشر ، وتعامل البشر قد ينتج عنه اساءات واخطاء تؤذي الانسان وتثير اشمئزازه وتوتر اعصابه، فالناس متفاوتون في المدارك ومختلفون في الحسابات والتقديرات لاثار الافعال والاقوال التي تصدر عنهم ومنهم، وقد تصدر افعال الاسائة منهم تجاه بعضهم البعض بقصد او بغير قصد ، فاذا قوبلت الاساءة بمثلها أو رُدت الى صاحبها فان المجتمع ساعتها يصبح غابا يتناهش فيه اهله وياكل بعضهم بعضا،فلا تستقيم لهم عشرة ولا تطيب لهم حياة ولا يصلح لهم اجتماع. ويتحول المجتمع الى قطيع وحوش ضارية لا بقاء فيها وبينها الا للاقوى.
ولان الله تعالى خلق الانسان لغاية عظيمة وهي طاعته وعبادته ولانه كلفه ايضا مهمة عظيمة وهي استخلافه في الارض لعمارتها برضوانه ومنهجه، فخلقه ابتداءً مخلوقاً راقيا حيث كرمه على الخلائق بالعقل الذي جعله له قيدا وعقالا يعقله عن السوء وفعله وقوله ، وايده بحكمة الوحي ليكون نورا وهدىً له ورحمة لجنسه ونوعه.
فلذلك طلب الله تعالى منا دفع السيئة بالحسنى، فقال سبحانه : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).(فصلت:34).
ولا شك أن الخصلة التي هي أحسن من رد السيئة بمثلها إنما هي العفو والإحسان ، أو الإعراض وكف الأخذ والرد في موضوع الإساءة وتجاهلها. وبلا شك فانك اخي الكريم حين تتحلى بهذا الخلق الكريم فإنك تحافظ على وقارك واتزانك، فلا تنجرف مع استفزازات المحرشين، ولا تنحرف مع انحطاط اللاغين، فتكون بذلك من عباد الرحمن الذين وصفهم عز وجل بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون:3). وقوله تبارك وتعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)(القصص:55). وقوله تبارك وتعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً)(الفرقان: من الآية63) . فإن من أعظم ثمرات الدفع بالتي هي أحسن أن يتحول العدو او الخصم الذي يجابهك بما يسوؤك ويؤذيك، إلى نصير مدافع وصديق موال حميم. وإن سحر الخُلق الفاضل ليفوق في كثير من الأحيان قوة العضلات وسطوة السلاح والانتقام، فإذا بالخصم ينقلب بحسن الخلق خلقاً آخر: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
إن الدفع بالتي هي أحسن هو الدواء المرمم لما يبلى أو ينهدم من الروابط، ولما ينقطع من الاواصر والعلاقات الاجتماعية ، والبلسم المصلح لما يفسد منها ، والمجدد لما ينطمس من وشائج القربى، وبه تحيا معاني الخير في النفوس ، ويتبارى الناس في الإحسان ، وتغلق أبواب الشر على الشيطان، ولا يتاح للإساءة أن تتفاقم وتتسع شقتها، بل يغمرها الإحسان ويقضي على دوافعها ويمحو رواسبها.
وإنك حين تعامل من أساء إليك بالحسنى ، تكون قد كظمت غيظك، فحينئذ يصدق فيك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء".
ادام الله المودة بين المؤمنين ورزقنا الله حسن المعاملة مع الناس، وصل اللهم وسلم وبارك على من كان خلقه القران واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2020-10-17, 6:56 am عدل 1 مرات