2020-02-26
جريدة الراية:
العالقون في مدينة ووهان من أهل السودان
يفضحون مدى رعاية الحكومة الانتقالية لشؤون رعاياها
نفذت عائلات سودانية، وقفة احتجاجية، الأحد، أمام وزارة الخارجية، للمطالبة بإجلاء أبنائها العالقين بمدينة ووهان الصينية، على خلفية انتشار فيروس "كورونا". (الخرطوم 16 شباط/فبراير 2020م)، وفي هذه الوقفة الاحتجاجية انتقدت الأسر عدم اهتمام مسؤولي الوزارة بما يحدث لأبنائهم، وتبرر الحكومة موقفها المتخاذل باصطدام مساعيها باستئجار طائرة لنقل العالقين، حيث تواجه الحكومة عقبة التكلفة العالية للرحلة التي ستضطر معها للتعاقد مع شركة طيران خارجية.
إن عدم القيام بخطوات عملية لإجلاء العالقين في ووهان جعل عشرات الطلاب السودانيين في الصين، إضافة إلى تجار ومقيمين، لا توجد أرقام رسمية لعددهم، وتقول تقديرات إعلامية إنهم حوالي 130 طالباً بعضهم لديهم أسر، جعلهم في وضع حرج حسب إفادات أسرهم لوسائل الإعلام المختلفة، وهم يعانون أشد الأوضاع مأساوية، بسبب تأخر السلطات السودانية في إجلائهم، عقب تزايد انتشار فيروس كورونا، وحذروا من إمكانية انتقال المرض لهم، وكشفوا عن اقتراب نفاد المواد الغذائية التي بحوزتهم، وجددوا مطالبتهم الحكومة والسفارة السودانية بالصين بإجلائهم فوراً.
وكشف طالب الدكتوراة بجامعة الخواجونق الزراعية بووهان البشير السر في حديثه لـ(الجريدة) عبر اتصال هاتفي عن أن السفارة السودانية بالصين، أبلغتهم أن الحكومة ليس لديها الإمكانيات اللازمة لإجلائهم، وحمل وزارة الخارجية وتلك اللجنة مسؤولية تعرض أي سوداني للإصابة بالفيروس جراء التأخير، وأردف "اليوم نحن أصحاء ولكن لا ندري ماذا يحدث غدا" وذكر السر أن "الوضع بمدينة ووهان يزداد صعوبة يوما بعد يوم" وتخوف من أن يصبح الوضع الصحي أكثر خطورة.
هؤلاء هم حكامنا اليوم، ونظرتهم لرعاياهم، أما الحكام في الإسلام، فقصصهم تملأ التاريخ، بحسن رعاية شئون رعاياهم، فقد جاء رجل إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعه زوجه وبناته الست فقال: "يا عمر هؤلاء بناتي ست وأمهن، أطعمهن واكسهن وكن لهن من الزمان جُنة" قال عمر: "وماذا إذا لم أفعل؟" قال الأعرابي: "سأذهبن" قال عمر: "وماذا إذا ذهبت؟" قال: "عن حالهن يوم القيامة لتسألن، الواقف بين يدي الله إما إلى نار وإما إلى جنة"، قال عمر: "لن تضيع هذه الأمة ما دام فيها أمثال هؤلاء".
إن السياسة هي رعاية الشئون، والرعاية تكون حسب عقيدة المبدأ الذي يعتنقه أهل البلاد ولكن حكامنا اليوم يحكموننا بالنظم الرأسمالية التي لا تقيم وزنا لقيم ومبدأ الأمة فضلاً عن رعاية شؤون الناس، فأصبحت كلمة سياسة اليوم تحمل مفهوماً غير مفهومها الحقيقي والأصلي في الإسلام بسبب سوء الأنظمة التي نحكم بها، ويرزح تحتها حكامنا الذين دخلوا في رأسمالية الغرب طائعين، منفذين لتعاليمها فأفقروا البلاد، وقعدوا عاطلين عن رعاية شؤون العباد، يجيدون سلب أموال الناس، ويتقنون فرض ضرائب وجبايات متعددة الأسماء.
طبيعي أن يحدث ما حدث للعالقين في ووهان الصينية، كل ذلك وأعظم منه مصيبة، هو أن حكام البلاد الإسلامية، لا يتعاملون وفق وجهة نظر الإسلام مع رعيتهم، فهم يتنصلون من المسؤولية، وتصرفاتهم كلها، وسياساتهم، لا علاقة لها بمفهوم الرعاية، ولا يجيدون سوى تبني الأنظمة الرأسمالية الغربية التي تنسف كل القيم النبيلة، وتركز على القيمة المادية فقط! وها هم اليوم يمارسون برامج التضييق الاقتصادي والتطبيع مع يهود، رغم رفض الأمة لهذه السياسات، لكن تقديسهم للبرامج المعدة لهم من أسيادهم في الغرب، هم ينفذونها بالحديد والنار سمعاً وطاعة عمياء لأسيادهم؛ علهم يتقربون إليهم زلفى فينالون رضاهم ويمدونهم بحبل يبقيهم في كراسيهم المعوجة القوائم، لإشباع جشعهم وجبروتهم.
إن الرعوية واجب من أهم واجبات الراعي، فدين الإسلام يهتم بالإنسان ورعاية شؤونه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ e وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ e قَالَ: «وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
لذلك فرض الله تعالى السلطان وجعله واجباً لرعاية شؤون الأمة ليحفظ لها حقوقها الشرعية، ويسد حاجاتها الأساسية كلها، عَن سَلَمَة ابْن عُبَيْد الله بْن محصن عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ e: «مَنْ أَصْبَحَ آمِناً فِي سِرْبِه، مُعَافي فِي بَدَنِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيا بِحَذَافِيْرِهَا» فقد جعل الإسلام أساسيات ستاً لا بد من إشباعها للأفراد والجماعة وهي، المأكل والملبس والمسكن، وهذه يجب حتماً منحها لكل أفراد الرعية وتمكينهم من إشباعها فرداً فردا، والأخريات هي الأمن والتطبيب والتعليم، توفرها الدولة للمجتمع، وقد حضّ الإسلام على توفيرها للرعية؛ فالجائع يجب أن تطعمه الدولة، والذي ليس له سكن يجب أن توفره له الدولة، فكلها مربوطة بالرعاية على سبيل الوجوب أن توفره لمن عجز عن سد حاجاته الأساسية.
لا حل لسوء الرعاية الذي يفتك بنا إلا أن ننتفض ضد هؤلاء الحكام، وننهض لاستئناف الحياة الإسلامية من جديد باستئصال هذه الدويلات الكرتونية التي تنظر لمشكلاتنا باستخفاف، وتمارس علينا صنوف العذاب، وأن نقيم مع العاملين المخلصين دولة الرعاية والكفاية، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. قال تعالى: ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾.
بقلم: الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – الخرطوم
المصدر: جريدة الراية
جريدة الراية:
العالقون في مدينة ووهان من أهل السودان
يفضحون مدى رعاية الحكومة الانتقالية لشؤون رعاياها
نفذت عائلات سودانية، وقفة احتجاجية، الأحد، أمام وزارة الخارجية، للمطالبة بإجلاء أبنائها العالقين بمدينة ووهان الصينية، على خلفية انتشار فيروس "كورونا". (الخرطوم 16 شباط/فبراير 2020م)، وفي هذه الوقفة الاحتجاجية انتقدت الأسر عدم اهتمام مسؤولي الوزارة بما يحدث لأبنائهم، وتبرر الحكومة موقفها المتخاذل باصطدام مساعيها باستئجار طائرة لنقل العالقين، حيث تواجه الحكومة عقبة التكلفة العالية للرحلة التي ستضطر معها للتعاقد مع شركة طيران خارجية.
إن عدم القيام بخطوات عملية لإجلاء العالقين في ووهان جعل عشرات الطلاب السودانيين في الصين، إضافة إلى تجار ومقيمين، لا توجد أرقام رسمية لعددهم، وتقول تقديرات إعلامية إنهم حوالي 130 طالباً بعضهم لديهم أسر، جعلهم في وضع حرج حسب إفادات أسرهم لوسائل الإعلام المختلفة، وهم يعانون أشد الأوضاع مأساوية، بسبب تأخر السلطات السودانية في إجلائهم، عقب تزايد انتشار فيروس كورونا، وحذروا من إمكانية انتقال المرض لهم، وكشفوا عن اقتراب نفاد المواد الغذائية التي بحوزتهم، وجددوا مطالبتهم الحكومة والسفارة السودانية بالصين بإجلائهم فوراً.
وكشف طالب الدكتوراة بجامعة الخواجونق الزراعية بووهان البشير السر في حديثه لـ(الجريدة) عبر اتصال هاتفي عن أن السفارة السودانية بالصين، أبلغتهم أن الحكومة ليس لديها الإمكانيات اللازمة لإجلائهم، وحمل وزارة الخارجية وتلك اللجنة مسؤولية تعرض أي سوداني للإصابة بالفيروس جراء التأخير، وأردف "اليوم نحن أصحاء ولكن لا ندري ماذا يحدث غدا" وذكر السر أن "الوضع بمدينة ووهان يزداد صعوبة يوما بعد يوم" وتخوف من أن يصبح الوضع الصحي أكثر خطورة.
هؤلاء هم حكامنا اليوم، ونظرتهم لرعاياهم، أما الحكام في الإسلام، فقصصهم تملأ التاريخ، بحسن رعاية شئون رعاياهم، فقد جاء رجل إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعه زوجه وبناته الست فقال: "يا عمر هؤلاء بناتي ست وأمهن، أطعمهن واكسهن وكن لهن من الزمان جُنة" قال عمر: "وماذا إذا لم أفعل؟" قال الأعرابي: "سأذهبن" قال عمر: "وماذا إذا ذهبت؟" قال: "عن حالهن يوم القيامة لتسألن، الواقف بين يدي الله إما إلى نار وإما إلى جنة"، قال عمر: "لن تضيع هذه الأمة ما دام فيها أمثال هؤلاء".
إن السياسة هي رعاية الشئون، والرعاية تكون حسب عقيدة المبدأ الذي يعتنقه أهل البلاد ولكن حكامنا اليوم يحكموننا بالنظم الرأسمالية التي لا تقيم وزنا لقيم ومبدأ الأمة فضلاً عن رعاية شؤون الناس، فأصبحت كلمة سياسة اليوم تحمل مفهوماً غير مفهومها الحقيقي والأصلي في الإسلام بسبب سوء الأنظمة التي نحكم بها، ويرزح تحتها حكامنا الذين دخلوا في رأسمالية الغرب طائعين، منفذين لتعاليمها فأفقروا البلاد، وقعدوا عاطلين عن رعاية شؤون العباد، يجيدون سلب أموال الناس، ويتقنون فرض ضرائب وجبايات متعددة الأسماء.
طبيعي أن يحدث ما حدث للعالقين في ووهان الصينية، كل ذلك وأعظم منه مصيبة، هو أن حكام البلاد الإسلامية، لا يتعاملون وفق وجهة نظر الإسلام مع رعيتهم، فهم يتنصلون من المسؤولية، وتصرفاتهم كلها، وسياساتهم، لا علاقة لها بمفهوم الرعاية، ولا يجيدون سوى تبني الأنظمة الرأسمالية الغربية التي تنسف كل القيم النبيلة، وتركز على القيمة المادية فقط! وها هم اليوم يمارسون برامج التضييق الاقتصادي والتطبيع مع يهود، رغم رفض الأمة لهذه السياسات، لكن تقديسهم للبرامج المعدة لهم من أسيادهم في الغرب، هم ينفذونها بالحديد والنار سمعاً وطاعة عمياء لأسيادهم؛ علهم يتقربون إليهم زلفى فينالون رضاهم ويمدونهم بحبل يبقيهم في كراسيهم المعوجة القوائم، لإشباع جشعهم وجبروتهم.
إن الرعوية واجب من أهم واجبات الراعي، فدين الإسلام يهتم بالإنسان ورعاية شؤونه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ e وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ e قَالَ: «وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
لذلك فرض الله تعالى السلطان وجعله واجباً لرعاية شؤون الأمة ليحفظ لها حقوقها الشرعية، ويسد حاجاتها الأساسية كلها، عَن سَلَمَة ابْن عُبَيْد الله بْن محصن عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ e: «مَنْ أَصْبَحَ آمِناً فِي سِرْبِه، مُعَافي فِي بَدَنِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيا بِحَذَافِيْرِهَا» فقد جعل الإسلام أساسيات ستاً لا بد من إشباعها للأفراد والجماعة وهي، المأكل والملبس والمسكن، وهذه يجب حتماً منحها لكل أفراد الرعية وتمكينهم من إشباعها فرداً فردا، والأخريات هي الأمن والتطبيب والتعليم، توفرها الدولة للمجتمع، وقد حضّ الإسلام على توفيرها للرعية؛ فالجائع يجب أن تطعمه الدولة، والذي ليس له سكن يجب أن توفره له الدولة، فكلها مربوطة بالرعاية على سبيل الوجوب أن توفره لمن عجز عن سد حاجاته الأساسية.
لا حل لسوء الرعاية الذي يفتك بنا إلا أن ننتفض ضد هؤلاء الحكام، وننهض لاستئناف الحياة الإسلامية من جديد باستئصال هذه الدويلات الكرتونية التي تنظر لمشكلاتنا باستخفاف، وتمارس علينا صنوف العذاب، وأن نقيم مع العاملين المخلصين دولة الرعاية والكفاية، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. قال تعالى: ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾.
بقلم: الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – الخرطوم
المصدر: جريدة الراية