ليست كل الكسور نهاية.. فبعضها مفاتيح حياة
هاجر حجي
الكتابة نوع من تعري الدات
25/5/2019
BLOGS تفكير
من الطبيعي والجيد أن يحين عليك وقت تتفقد فيه نفسك ولا تستطيع التعرف عليها، ستمسك الرماد الذي تبقى من آخر حريق أضرم داخلك هو الأخر لن يطول بين يديك سيغادرك مع الرياح التي تهب عليك بين الفينة والأخرى سيرحل كما رحلت منك نفسك وتركتك أرضا بور. ستلتف يمينا وشمالا لتمد جسور الوجع إلى مقربيك ليخففوا وطأة الألم داخلك لكن لن يغيروا شيء لأن الألم الذي أصبت به أراد أن يوجهك أنت فيصير وجودهم كعدمه لن ينفع ولن يضر بشيء. هي معركة اختارتك أن تكون الطرف الوحيد فيها، معركة أسلحتها أفتك من الأسلحة المعتادة في الحروب.
ستمضي بدون وجهة ولا غاية ستتوه عليك أحلامك هي الأخرى وتتفنن الأيام في صناعة مطب أجمل من الذي سبقه، ستتوالى شدائد تباع ستكسر عودك بلا رحمة ستوزع فيك جراحا غائرة لا يداويها ألف الطبيب جراحا تستكين تارة وتفيض كبركان تارة أخرى، سيتملكك صراخ يسيطر على أسناخك الرئوية حد الاختناق ستجاهد لتخرج ذاك الشعور الذي لا يأبى أن يفارقك للوهلة، ستعبر عنه دون مراء لكن دون جدوى داخلك يفضل التمسك بآلامه ويرفض تقاسم ما به وان أراد ذلك لن يتمكن من أن يصور ويجسد ما يجتاح كيانه، سيغيب النوم عنك ليال طوال تشتد فيه حلكة الظلام ويغيب الفجر الذي تنتظره هو الآخر سيتخلف عن موعده معك ستمر بأيام عجاف وقد تطول لسنوات تجمد الإحساس داخلك.
الصبر هو مرجعك الأوحد، فما أبلغ آيات القرآن حين روت قصصا عن الرسل في الصبر قصصا كانت نهاياتها إكراما عظيما وجبرا لكسور ما اعتقدوا أصحابها يوما أنها ستجبر
مهما حاولنا أن نصف هده الأحاسيس التي تمر بنا جاهدين لن نتمكن هي أصعب من الوصف وأبلغ من أن تحكى هي تحس وتعاش مفعولها يكون أقوى حينما يكون الصراع داخلنا، هي حروب ضروسة جاءت لتصقلنا وتحمل عنا عيوبا لم تكن في فطرتنا التصقت بنا في معبر الحياة، جاءت لتبين مشاهد الحياة وتجعلها أكتر وضوحا ليسهل علينا سلك هده المحطة المؤقتة لولاها لما اجتزنا صعابا كان من المستحيل علينا اجتيازها لو بقينا في سابق أمرنا. هذه الصعاب بمثابة الفيروسات الدخيلة على الجسم تحدت ارتباكا مؤقتا في جسمنا ونعود كأنها لم تصبنا وإن عادت فلن تضر كما من قبل فقد تكونت لنا مناعة منها.
لا تيأس كن على تقة تامة بأنها بداية بدايتك استعد لأن تصبر وتصابر نفسك وتمضي بكل بلاء وفيك يقين يملأ أرجاءك أنها ما اشتدت إلا لتفرج وتعلمك أن الصبر هو مدخل من مداخل الجنة ومفتاحك الوحيد في دنيا وأنها دار ابتلاء لا دار سلام كل يوم أنت مطالب باجتياز امتحان فاستعد وذاكر له جيدا لتحصل على درجة تشرفك في الدار الآخرة وأن لا تكون من المخزين في النهاية تمسك بالصبر للأخر. وتأكد أن الصبر هو مرجعك الأوحد، فما أبلغ آيات القرآن حين روت قصصا عن الرسل في الصبر قصصا كانت نهاياتها إكراما عظيما وجبرا لكسور ما اعتقدوا أصحابها يوما أنها ستجبر كقصة أيوب ويوسف عليهما السلام من أروع القصص التي تطيب لها النفوس:
أيوب عليه السلام فقد أعطاه الله من المال والبنين الكثير فكانت مشيئة الله به أن يميت أبناءه جميعا، وأن أذهب عنه أمواله ولم يبقى له منها شيء وذهبت قوة جسده وأصابته أمراض شديدة جعلت الكل ينفر منه، إلا زوجته احتسبت وقامت على خدمته فقد كانت تأتيه بالطعام من شغلها، ثم ترك الناس استعمالها خوفاً من عدوى المرض، فضاقت بها الحال حتى قامت ببيع ضفائر شعرها لشراء الطعام لنبي الله أيوب، فما كان منه إلا أن حلف عليها أن لا يذوق الطعام حتى تخبره من أين أتت بثمنه، فكشفت عن رأسها، فلمّا رآه حليقاً توجه إلى ربه قائلا "إني مسني الضر وأنت أرحم الرحمين، فقد دعا ربه بعد سنين طويلة، لم يرفع يديه لله فيها لصرف عنه السوء الذي أصابه، استنكر على نفسه أن لا يصبر على بلاء الله عز وجل، فجاءه الفرج من الله بأن يضرب رجله بالأرض، فأخرج له من الأرض ينبوعا اغتسل به وشرب منه، فأبدله الله المرض بالصحة والعافية وإن راجعت بلاءك وقارنته مع أيوب عليه السلام شتان ما بين بلائك وبلاءه.
ويوسف عليه السلام كما تحدّثنا السورة عن مقاطع حياته كان ذلك الطفل الصغير الذي حوّلته أيدي المقادير وسلكته في سبل الابتلاءات. فمن كيد إخوته إلى رميه في غيابة الجبّ إلى بيعه بثمن بخس إلى أن وصل إلى بيت العزيز برغم من كل ما مر به ظل مليء القلب بما يشاهده من لطيف صنع الله به. وهذا هو الذي هوّن عليه ما نزل به من النوائب والبلايا فصبر عليها وعلى ما بها من المرارة وفي كلّ هذه الأحوال لم نره شكّ أو أظهر شيئاً من الجزع بل كان مجبورا بصنائع ربّه الجميلة لا يرى إلاّ خيراً ولا يواجه إلاّ جميلاً فلم يكن يرى إلاّ ربّه ومالك أمره وهو الذي يسدّده كيف يشاء.
ليس هناك قول أبلغ من قول العلامة الطباطبائي في وصف حاله (فهذه أسباب وأُمور هائلة لو توجّهت إلى جبل لهدّته أو أقبلت على صخرة صمّاء لأذابتها). إلاّ أنّ كلّ شيء يضمحل ويتفتّت أمام المحبّة الإلهية التي تمرر الشدائد على قلوب عباده كنسمات ريح خفيفة. هي عبر لو اتسعت حدقت العين لرؤيتها لغشاك الاطمئنان وشملت بهدوء يسكن كل صارخ داخلك، هي تجارب لا تدعوا فقط إلى التجمل بالصبر بقدر ما تخرجك من الدائرة التي انغمست داخلها وغابت عنك فيها رؤية كل جميل يمكن أن تتناسى معه كل مر اعتقدت أنه لن ينجلي وسيرافقك في كل درب تسلكه في الحياة، هي تجارب قادرة على أن تخرجك من القوقعة التي قبعت نفسك فيها ستبعد.
نظرك لتتمكن من الرؤية فكلما ابتعدت اتضحت الرؤية لك أكتر هي مسالة وقت لا أقل ولا أكثر فلما التضجر والاستياء الحياة أعمق بكثير من أن تقضى هكذا فما عليك إلا أن تلملم جراحك وأشلاءك المتناثرة عنك وامضي بآلامك أحبها وتعايش معها لا تحاول الهروب منها لا تأبه بداخلك المكلوم تقبله كما هو، لا تهرب من هذه الأقدار اختر أن تواجه بدل أن تدير ظهرك وتتلقى الكدمات اجعل اليقين داخلك وأن لم يكن تظاهر به عش آلامك وأنت في أوج ضعفك لأنها مرحلة ستمر أكيد من المعيب عليك أن تخرج ولم تستفد. تلك الجراح خذ على أنها تذكار وضع فيك لتذكره كلما أقدمت على أي خطأ من الممكن أن يودي بحياتك في طريق لن تعجبك نهايته في الأخر، تجاهل كل صوت يهيم لك أنك ضعيف وبأن هده المصيبة هي نهايتك هي فقط وسوسة تود أن تبقيك ساكنا في مكانك هي أقدار قدرت لك قبل أن تتشكل في رحم أمك تعامل معها برزانة وتبات "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" الحديد:22.
افتخر لأنك اخترت من الله عز وجل ليشد عودك لم يرضى لك الضعف أراد أن يقويك لتصنع جميلا على هذه الأرض أو رآك بعيدا فأراد ان يقربك منه حشى لله أن تتحسر على أعطيات الله انظر إلى المحن على أنها منح، هي فعلا كذالك لأنها ستغيرك للأفضل وتصنع منك شخصا أفضل من الأول، اجعل الله داخلك وأقبل على منحك وأنت راض وأكيد من أن لكل صبر وطول أناة فرج قريب وأن الله حافظك مهما اشتد عليك الحال وطال "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ" الطور:48، فما أجمل أن تكون بمرأى ومنظر من الله يرى ويسمع ما تقول وتفعل يراك ويحفظك ويحوطك ويحرسك ويرعاك ليس هناك جزاء أعظم من هذا أجمل حب الله في قلبك وامضي ستكون النائبات على قلبك بردا وسلاما.