فوائد لمن يريد الفائدة
إذا وَرَدَ في كَلامِ النحويين أنَّ الكَلِمَةَ: اسمٌ وفِعلٌ وحَرف، فإنَّهم لا يَعنونَ بالحَرفِ الحروفَ الأبجديةَ: الألفُ والباءُ والتاء . . .، ولا يَقصِدونَ بِه أبعاضَ الكلماتِ نَحوَ حرف الزين مِن (زَيد) أو العَينِ مِن (عَمرو).
وإنَّما يَقصِدُ النَّحَويّون بالحرفِ: حُروفُ المَعاني، نَحوَ حُروفِ الجَرِّ (مِن، إلى، في . . .) ونَحو حُروفِ العَطفِ (الواو، الفاء، ثم . . .) إلخ.
فلذلك يُعرّفُ النحويون الحرفَ بأنَّهُ: كَلِمَةٌ دَلَّت عَلى مَعنىً في غَيرِها. وهذا التَعريفُ كَما تَرى لا يَنطَبِقُ على الحُروفِ الأبجَدِيَّةِ أو الحروفِ التي هي أبعاضُ الكَلِم، وإنَّما يَنطَبِقُ على حُروفِ المعاني.
فالمَقصودُ أنَّ حُروفَ المعاني، والحروفُ الأبجدِيَّةُ، وحُروفِ أبعاضِ الكلم، كُلها تُسمى حروفاً. ولكِن الذي يُعَدُّ قِسماً مِن أقسامِ الكَلمةِ مع الفعلِ والاسمِ هو فَقَط حُروف المعاني.
لذلك فعليكَ دائماً أنْ تَعرِفَ ماذا يَقصِدُ أهلُ كُل فَنٍّ بِمُصطلحاتِهم التي اصطلحوا عَليها في ذلك الفن، فإنَّ معنى المُصطلحِ الواحدِ قَد يَختَلِفُ باختلاف الفن الذي يُذكَرُ فيه هذا المصطلح، ولْنضرب على ذلك مثالاً:
كلمةُ الفِقْهِ:
في اصطلاحِ أهلِ اللغةِ: هيَ الفَهمُ الدَّقيقُ.
في اصطلاحِ الفقهاءِ: مَعرِفَةُ الأحكامِ الشَّرعِيَّةِ العَمَلِيّة من أدِلَّتِها التَفصيليّة، فَتختَصُّ بأعمال المكلفين ولا تشمل الاعتقاد. وفي الشَرْع: يَدخُلُ فيها جَميعُ العُلومِ الشرعيةِ مِن فِقهٍ وعَقيدَةٍ وتَفسيرٍ . . .إلخ، وبالمعنى الأخير وردت في قَولِ النَبي صلى الله عليه وسلم (مَن يُرِدِ اللهُ بِه خيراً يفقّهْهُ في الدِّين).
قال الشريف الجرجاني في (التعريفات) (ص16) معرفا الاصطلاح بقوله: (إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر لمناسبة بينهما. وقيل: الاصطلاح: اتّفاق طائفة على وضع اللفظ بأزاء معنى---)..
قال أبو بكرٍ مُحمدٌ بن الحسين الفقيه الآجري: ادَّعى رجلٌ مالًا بِحَضرةِ القاضي حربويه - قاضي مصر-، فقال المُدَّعى عَليه: ما لُهُ عليَّ حقٌ، (بِضَمِّ اللام).
فقال القاضي: أتعرفُ الإعراب؟ فقال: نَعم، قال: قُم، قد ألزَمتُكَ المالَ !
اذكر يوم كنت كاتبا للضبط عند القاضي سعادات لطفي رحمه الله تعالى في محكمة السلط الشرعية سنة 1982م، وكانت هناك قضية طعن في حضانة امرأة لبنيها، مقامة عليها من مطلقها، وفي احدى جلسات المحاكمة قال المحامي وكيل المدعي من ضمن كلامه ومرافعته:- سيدي ان موكلي اقدر على حضانة اولاده من المدعى عليها... وبعد ان انهى كلامه طلب القاضي من وكيل المشتكى عليها تقديم دفوعه، فقال المحامي اللبق :- سيدي اعتقد ان القضية قد انتهت !! فاثار ذلك الدفع استغرابنا واستغراب القاضي ، فساله القاضي وكيف؟؟!! فقال : لقد اعترف الزميل الخصم بقدرة موكلتي على الحضانة حيث قال (ان موكلي اقدر على حضانة اولاده من المدعى عليها..) حيث ان اقدر هي من باب افعل التفضيل، و الذي لا ينفي عن المفضول القدرة، بل يثبتها، ويجعل حسب رايه ان موكله اقدر، وبذلك الاعتراف يكون قد اسقط مضمون الشكوى، وهو الطعن في قدرتها على الحضانة. وكانت فعلا هذه اخر الجلسات وحكم القاضي رحمه الله برد قضية الطعن.
ان دقة الالفاظ والمعاني يظهر اثرها حقا في مجالس القضاء، حيث يترتب على الكلام صدور الاحكام، كون القضاء في اصله ميزان حجة واحتجاج، فيوازن القاضي بين الحجج ويزنها بميزان الشرع، فينطق بالحكم بناء على ما سمع من حجج وما قدم له من دلائل اثبات، فلذلك قَالَ صلى الله عليه واله وسلم : (إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إذا وَرَدَ في كَلامِ النحويين أنَّ الكَلِمَةَ: اسمٌ وفِعلٌ وحَرف، فإنَّهم لا يَعنونَ بالحَرفِ الحروفَ الأبجديةَ: الألفُ والباءُ والتاء . . .، ولا يَقصِدونَ بِه أبعاضَ الكلماتِ نَحوَ حرف الزين مِن (زَيد) أو العَينِ مِن (عَمرو).
وإنَّما يَقصِدُ النَّحَويّون بالحرفِ: حُروفُ المَعاني، نَحوَ حُروفِ الجَرِّ (مِن، إلى، في . . .) ونَحو حُروفِ العَطفِ (الواو، الفاء، ثم . . .) إلخ.
فلذلك يُعرّفُ النحويون الحرفَ بأنَّهُ: كَلِمَةٌ دَلَّت عَلى مَعنىً في غَيرِها. وهذا التَعريفُ كَما تَرى لا يَنطَبِقُ على الحُروفِ الأبجَدِيَّةِ أو الحروفِ التي هي أبعاضُ الكَلِم، وإنَّما يَنطَبِقُ على حُروفِ المعاني.
فالمَقصودُ أنَّ حُروفَ المعاني، والحروفُ الأبجدِيَّةُ، وحُروفِ أبعاضِ الكلم، كُلها تُسمى حروفاً. ولكِن الذي يُعَدُّ قِسماً مِن أقسامِ الكَلمةِ مع الفعلِ والاسمِ هو فَقَط حُروف المعاني.
لذلك فعليكَ دائماً أنْ تَعرِفَ ماذا يَقصِدُ أهلُ كُل فَنٍّ بِمُصطلحاتِهم التي اصطلحوا عَليها في ذلك الفن، فإنَّ معنى المُصطلحِ الواحدِ قَد يَختَلِفُ باختلاف الفن الذي يُذكَرُ فيه هذا المصطلح، ولْنضرب على ذلك مثالاً:
كلمةُ الفِقْهِ:
في اصطلاحِ أهلِ اللغةِ: هيَ الفَهمُ الدَّقيقُ.
في اصطلاحِ الفقهاءِ: مَعرِفَةُ الأحكامِ الشَّرعِيَّةِ العَمَلِيّة من أدِلَّتِها التَفصيليّة، فَتختَصُّ بأعمال المكلفين ولا تشمل الاعتقاد. وفي الشَرْع: يَدخُلُ فيها جَميعُ العُلومِ الشرعيةِ مِن فِقهٍ وعَقيدَةٍ وتَفسيرٍ . . .إلخ، وبالمعنى الأخير وردت في قَولِ النَبي صلى الله عليه وسلم (مَن يُرِدِ اللهُ بِه خيراً يفقّهْهُ في الدِّين).
قال الشريف الجرجاني في (التعريفات) (ص16) معرفا الاصطلاح بقوله: (إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر لمناسبة بينهما. وقيل: الاصطلاح: اتّفاق طائفة على وضع اللفظ بأزاء معنى---)..
قال أبو بكرٍ مُحمدٌ بن الحسين الفقيه الآجري: ادَّعى رجلٌ مالًا بِحَضرةِ القاضي حربويه - قاضي مصر-، فقال المُدَّعى عَليه: ما لُهُ عليَّ حقٌ، (بِضَمِّ اللام).
فقال القاضي: أتعرفُ الإعراب؟ فقال: نَعم، قال: قُم، قد ألزَمتُكَ المالَ !
اذكر يوم كنت كاتبا للضبط عند القاضي سعادات لطفي رحمه الله تعالى في محكمة السلط الشرعية سنة 1982م، وكانت هناك قضية طعن في حضانة امرأة لبنيها، مقامة عليها من مطلقها، وفي احدى جلسات المحاكمة قال المحامي وكيل المدعي من ضمن كلامه ومرافعته:- سيدي ان موكلي اقدر على حضانة اولاده من المدعى عليها... وبعد ان انهى كلامه طلب القاضي من وكيل المشتكى عليها تقديم دفوعه، فقال المحامي اللبق :- سيدي اعتقد ان القضية قد انتهت !! فاثار ذلك الدفع استغرابنا واستغراب القاضي ، فساله القاضي وكيف؟؟!! فقال : لقد اعترف الزميل الخصم بقدرة موكلتي على الحضانة حيث قال (ان موكلي اقدر على حضانة اولاده من المدعى عليها..) حيث ان اقدر هي من باب افعل التفضيل، و الذي لا ينفي عن المفضول القدرة، بل يثبتها، ويجعل حسب رايه ان موكله اقدر، وبذلك الاعتراف يكون قد اسقط مضمون الشكوى، وهو الطعن في قدرتها على الحضانة. وكانت فعلا هذه اخر الجلسات وحكم القاضي رحمه الله برد قضية الطعن.
ان دقة الالفاظ والمعاني يظهر اثرها حقا في مجالس القضاء، حيث يترتب على الكلام صدور الاحكام، كون القضاء في اصله ميزان حجة واحتجاج، فيوازن القاضي بين الحجج ويزنها بميزان الشرع، فينطق بالحكم بناء على ما سمع من حجج وما قدم له من دلائل اثبات، فلذلك قَالَ صلى الله عليه واله وسلم : (إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته