السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بين الوجيه والوجاهة - والرويبضة والتفاهة !!!
الوجيه في اللغة العربية صاحب الجاه والسلطان، ويعني أيضا ذو المقام الرفيع، وكان يطلق على العلماء الجهابذة والصالحين المصلحين الابرار والانبياء الاخيار. وصاحب راي وجيه اي راي محترم، وهي صيغة مبالغة على وزن فعيل من الوجاهة، وماخوذة في الاصل من الوجه وهو ما يقابل ويواجه به، ووجه القوم سيدهم والمتحدث باسمهم لحسن عبارته وقوة فصاحته، وقدرته على البيان، ويقابلون به غيرهم ، وهو المقدم في قومه. وتجمع على وجهاء ووجهاء القوم اعيانهم وكبراءهم .
والاصل في الوجيه ان يبرز بين الناس او بين قومه بروزا طبيعيا بحسن فعاله وكريم طباعه و خصاله ،وحسن سيرته وسريرته ، ويجمع بين الاقدام والشجاعة، وسداد الراي وطيب المشورة،والكرم والسخاء، فيقدمه قومه ويحترمونه ويجلوه ويسمعوا له ويطيعوه ويتبعوه، وينقادوا له طواعية لما طاب لهم من خصاله وزين فعاله ، ولما يكنه لهم من حرص عليهم وعلى شرفهم وكرامتهم وممتلكاتهم ومكاسبهم.
وهؤلاء هم القوة المؤثرة في المجتمعات الذين يخطب ودهم، وتُستمال و تؤلف قلوبهم ، فهم في حقيقة الامر العقل الواعي والمؤثر في توجيه المجتمعات والتجمعات ، واصحاب الرأي العام في الامم والشعوب الذين يحسب لهم الحساب .
والوجاهة موهبة من جانب تهيئة النفس واتصافها بعلو الهمة ، و ملكة في النفس تكتسب وتزداد بالخبرة والمراس والاستعداد .
وقد ورد ذكر الوجاهة في القران الكريم صراحة في قوله تعالى: ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45 ال عمران)
وكذلك في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا (69 الاحزاب)
لاحظ معي ( وكان عند الله وجيهًا) ولا حظ معي (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )
وهذا ما يجب ان يلتفت اليه الوجهاء ، ان يكون واحدهم وجيها عند الله تعالى ، وان يحرص ان يكون وجيها كما في الدنيا ايضا في الاخرة، بحرصه على تقواه و التزام امر ربه جل وعلا وشرعه الحنيف، فلا يزيغ ولا يحيف. وهذه هي الوجاهة الحقة المبتغاة، ان تحرص على ان تكون وجيها عند الله تعالى لا عند الناس، فيهبك الله تعالى الوجاهة عند الناس. فمن تواضع لله رفعه الله ومن تكبر على عباد الله وضعه الله .
والوجهاء الحقيقيون نادرون وقلة في الخلق ، فقد جاء في الحديث الشريف المتفق عليه عند البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى : عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً ) ، هذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم : ( تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ ، لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً ) . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الرَّاحِلَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الذَّكَرُ النَّجِيبُ وَالْأُنْثَى النَّجِيبَةُ، وَالْهَاءُ فِي الرَّاحِلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ. وقيل جائت على وزن فاعلة وهي بمعنى مفعولة للمبالغة وليس للتانيث الذي هو ذاته من صيغ المبالغة في الصفات كقولك عالم علامة فهامة ورجل داهية.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله : الَّذِي يُنَاسِبُ التَّمْثِيلَ: أَنَّ الرَّجُلَ الْجَوَادَ الَّذِي يَحْمِلُ أَثْقَالَ النَّاسِ ، وَالْحَمَالَاتِ عَنْهُمْ ، وَيَكْشِفُ كُرَبَهُمْ : عَزِيزُ الْوُجُودِ ، كالراحلة فِي الْإِبِل الْكَثِيرَة .
وقال ابن الأثير رحمه الله في كتابه النهاية: " (النَّاسُ كإبِلٍ مائةٍ لَا تَجِدُ فِيهَا راحلَةً) يَعْنِي: أَنَّ المَرْضِيَّ الْمُنتَجَب مِنَ النَّاسِ ، فِي عِزَّةِ وُجُودِهِ : كالنّجِيبِ مِنَ الإبِلِ الْقَوِيِّ عَلَى الْأَحْمَالِ وَالْأَسْفَارِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْإِبِلِ " .
ولان القيادات الطبيعية كما رايت ندرة في الخلق، لجات قوى الشياطين والشر والاستعمار والاستكبار ، لصناعة قيادات وهمية من توافه الاقوام واراذلهم، تؤدي للناس بعض الخدمات الهينة والتي غالبا ما يبيعونها للناس بيعا، ويرتشون عليها ،و ياكلون بها اموال الناس بالباطل، ويجرون الناس للتسحيج موهمينهم بنوال الحقوق المغصوبة والكرامة المهدورة،ممتنين عليهم بفتات نزر يسير من حقوهم المقررة، ليجروهم قرابين عبدة لاصنامهم التي اتخذوها من دون الله ....
وهؤلاء من مختلف المجالات والتخصصات، فمنهم من لبس ثوب مشيخة العشائر والقبائل، ومنهم من لبس ثوب مشيخة العلم والفقه في الدين، ومنهم من لبس ثوب الفكر والعلم والسياسة، وحملوا في ذلك القابا وهم ليسوا من اهلها ولا يصلحوا لها ابدا.....
وهذا النوع من الوجاهات ما حذر منه الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، نبينا صلى الله عليه واله وسلم في احاديثه ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَبْلَ السَّاعَةِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهِنَّ الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهِنَّ الصَّادِقُ، وَيَخُونُ فِيهِنَّ الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ، وَيَنْطِقُ فِيهِنَّ الرُّوَيْبِضَةُ» (رواه الحاكم في المستدرك [4/465]، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، ووافقه الذهبيّ). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «المَرْؤُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ». وفي رواية: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ خَدَّاعَةً» (مسند البزار [7/174]). وفي رواية أخرى: «يَكُونُ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنُونَ خَوَادِعٌ» (المعجم الكبير للطبراني [12/438]).
والرويبضة كما فسره النبي صلوات ربي وسلامه عليه واله : الرجل التافه يتكلم في امر العامة ، من حيث الأصل اللغويّ: الرُّوَيْبِضَةُ: تصغير الرابضة، وهو راعي الربيض، والربيض: الغنم، والهاء للمبالغة. - وقيل: الرُّوَيبضة تصغير الرَّابِضة، وهو العاجز الذي رَبَضَ عن مَعَالي الأمُور، وقعَد عن طَلَبها، وزيادة التَّاء للمبالغَة. - وقيل التَّافه: الخَسِيس الحَقِير. كما في النهاية في (غريب الحديث والأثر (2/460)). - وجاء ما يؤيّد هذا المعنى في البيان النبويّ: قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ لَا يُؤْبَهُ لَهُ». - وفي رواية: «السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ» (مسند أحمد [2/ 291]). - وفي رواية: "قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ» (شرح مشكل الآثار (1/ 404))، وفي حديث أشراط الساعة: «وأن تَنْطِق الرُّوَيْبضةُ في أمْر العامَّة»، قيل: وما الرُّوَيْبضة يا رسول اللّه؟ فقال: «الرجل التَّافِه يَنْطِق في أمْر العامَّة». - وَقال الإمام الشاطبيّ: قَالُوا: هُوَ الرَّجُلُ التَّافَةُ الحَقِيرُ يَنْطِقُ فِي أُمُورِ العَامَّةِ، كَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي أُمُورِ العَامَّةِ فَيَتَكَلَّمُ (الاعتصام [2/ 681]). فالرُّوَيْبِضَة هُوَ الرَّجُلُ التَّافَةُ الحَقِيرُ يَنْطِقُ فِي أُمُورِ العَامَّةِ، وَهُوَ «مَنْ لَا يُؤْبَهُ لَهُ»، وَهُوَ الفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ، وهو العاجز الذي رَبَضَ عن مَعَالي الأمُور، وقعَد عن طَلَبها.. وقد جاءَ وَصْفُ الرُّوَيْبِضَة في حديث بِالفِسْقِ، وهُو ممّا يَمْنَعُ مِثْلَهُ مِنْ الكَلَامِ فِي أَمْرِ العَامَّةِ.. كما جاءَ وَصْفُهُ في حديث آخر بِأَنَّهُ «لَا يُؤْبَهُ لَهُ»، وهذا ممّا يترتّب على فِسْقِهِ، فلَا حَاجَةَ بِالنَّاسِ إلَيْهِ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ خَامِلًا لَا يُؤْبَهُ لَهُ.
نعم إنّهم أهل الضلال وأئمته والسنته، ومن تبعهم وتابعهم، الذين ابتليت بهم هذه الأمّة، وأتباع الأهواء والشهوات، وقادة الضياع الفكريّ، والانحراف السلوكيّ، والفساد والإفساد الأخلاقيّ والاجتماعي والاقتصادي في الأرض، يؤازرهم المنافقون المتشدّقون، والجهلة بدين الله المغفّلون، الذين قد يلبسون لباس العلم واثواب الهدى، ولكنّهم يبيعون دينهم بعرض من الدنيا، يستخدمون علمهم لتبرير وتمرير الفساد، والتماس الأعذار للسقوط والانحراف، وخلط الحقّ بالباطل، حتّى تضيع معالم الحق و الحلال والحرام، والمعروف والمنكر في نظر العامّة. ويتصدّر هؤلاء ميادين العمل الاجتماعيّ، والمسئوليّات والمراكز الكبرى، في الوقت الذي ينزوي فيه الأخيار عن الساحة ويقصون قسرا، و يصبح أهل الحقّ قابضين على الجمر، وحيدون لا يجدون على الحقّ معيناً ولا نصيرا .
انهم استبدلوا الذي هو خير لمصالح العباد والبلاد، بالذي هو ادنى ، فكانت التائج كما ترى من فساد طم وعم جميع ميادين الحياة ، حتى اصبح الموت امنية الاحياء مما يلاقون من جحيم الشقاء والعناء .
واختم بحكم ودرر لابي الاسود الدؤلي حيث يقول:-
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم --وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا
وَ البَيتُ لا يُبتَنى إِلّا لَهُ عَمَدٌ -- وَ لا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ
فَإِن تَجَمَّعَ أَوتادٌ وَأَعمِدَةٌ - - لِمَعشَرٍ بَلغوا الأَمرَ الَّذي كادوا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بين الوجيه والوجاهة - والرويبضة والتفاهة !!!
الوجيه في اللغة العربية صاحب الجاه والسلطان، ويعني أيضا ذو المقام الرفيع، وكان يطلق على العلماء الجهابذة والصالحين المصلحين الابرار والانبياء الاخيار. وصاحب راي وجيه اي راي محترم، وهي صيغة مبالغة على وزن فعيل من الوجاهة، وماخوذة في الاصل من الوجه وهو ما يقابل ويواجه به، ووجه القوم سيدهم والمتحدث باسمهم لحسن عبارته وقوة فصاحته، وقدرته على البيان، ويقابلون به غيرهم ، وهو المقدم في قومه. وتجمع على وجهاء ووجهاء القوم اعيانهم وكبراءهم .
والاصل في الوجيه ان يبرز بين الناس او بين قومه بروزا طبيعيا بحسن فعاله وكريم طباعه و خصاله ،وحسن سيرته وسريرته ، ويجمع بين الاقدام والشجاعة، وسداد الراي وطيب المشورة،والكرم والسخاء، فيقدمه قومه ويحترمونه ويجلوه ويسمعوا له ويطيعوه ويتبعوه، وينقادوا له طواعية لما طاب لهم من خصاله وزين فعاله ، ولما يكنه لهم من حرص عليهم وعلى شرفهم وكرامتهم وممتلكاتهم ومكاسبهم.
وهؤلاء هم القوة المؤثرة في المجتمعات الذين يخطب ودهم، وتُستمال و تؤلف قلوبهم ، فهم في حقيقة الامر العقل الواعي والمؤثر في توجيه المجتمعات والتجمعات ، واصحاب الرأي العام في الامم والشعوب الذين يحسب لهم الحساب .
والوجاهة موهبة من جانب تهيئة النفس واتصافها بعلو الهمة ، و ملكة في النفس تكتسب وتزداد بالخبرة والمراس والاستعداد .
وقد ورد ذكر الوجاهة في القران الكريم صراحة في قوله تعالى: ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45 ال عمران)
وكذلك في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا (69 الاحزاب)
لاحظ معي ( وكان عند الله وجيهًا) ولا حظ معي (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )
وهذا ما يجب ان يلتفت اليه الوجهاء ، ان يكون واحدهم وجيها عند الله تعالى ، وان يحرص ان يكون وجيها كما في الدنيا ايضا في الاخرة، بحرصه على تقواه و التزام امر ربه جل وعلا وشرعه الحنيف، فلا يزيغ ولا يحيف. وهذه هي الوجاهة الحقة المبتغاة، ان تحرص على ان تكون وجيها عند الله تعالى لا عند الناس، فيهبك الله تعالى الوجاهة عند الناس. فمن تواضع لله رفعه الله ومن تكبر على عباد الله وضعه الله .
والوجهاء الحقيقيون نادرون وقلة في الخلق ، فقد جاء في الحديث الشريف المتفق عليه عند البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى : عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً ) ، هذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم : ( تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ ، لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً ) . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الرَّاحِلَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الذَّكَرُ النَّجِيبُ وَالْأُنْثَى النَّجِيبَةُ، وَالْهَاءُ فِي الرَّاحِلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ. وقيل جائت على وزن فاعلة وهي بمعنى مفعولة للمبالغة وليس للتانيث الذي هو ذاته من صيغ المبالغة في الصفات كقولك عالم علامة فهامة ورجل داهية.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله : الَّذِي يُنَاسِبُ التَّمْثِيلَ: أَنَّ الرَّجُلَ الْجَوَادَ الَّذِي يَحْمِلُ أَثْقَالَ النَّاسِ ، وَالْحَمَالَاتِ عَنْهُمْ ، وَيَكْشِفُ كُرَبَهُمْ : عَزِيزُ الْوُجُودِ ، كالراحلة فِي الْإِبِل الْكَثِيرَة .
وقال ابن الأثير رحمه الله في كتابه النهاية: " (النَّاسُ كإبِلٍ مائةٍ لَا تَجِدُ فِيهَا راحلَةً) يَعْنِي: أَنَّ المَرْضِيَّ الْمُنتَجَب مِنَ النَّاسِ ، فِي عِزَّةِ وُجُودِهِ : كالنّجِيبِ مِنَ الإبِلِ الْقَوِيِّ عَلَى الْأَحْمَالِ وَالْأَسْفَارِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْإِبِلِ " .
ولان القيادات الطبيعية كما رايت ندرة في الخلق، لجات قوى الشياطين والشر والاستعمار والاستكبار ، لصناعة قيادات وهمية من توافه الاقوام واراذلهم، تؤدي للناس بعض الخدمات الهينة والتي غالبا ما يبيعونها للناس بيعا، ويرتشون عليها ،و ياكلون بها اموال الناس بالباطل، ويجرون الناس للتسحيج موهمينهم بنوال الحقوق المغصوبة والكرامة المهدورة،ممتنين عليهم بفتات نزر يسير من حقوهم المقررة، ليجروهم قرابين عبدة لاصنامهم التي اتخذوها من دون الله ....
وهؤلاء من مختلف المجالات والتخصصات، فمنهم من لبس ثوب مشيخة العشائر والقبائل، ومنهم من لبس ثوب مشيخة العلم والفقه في الدين، ومنهم من لبس ثوب الفكر والعلم والسياسة، وحملوا في ذلك القابا وهم ليسوا من اهلها ولا يصلحوا لها ابدا.....
وهذا النوع من الوجاهات ما حذر منه الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، نبينا صلى الله عليه واله وسلم في احاديثه ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَبْلَ السَّاعَةِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهِنَّ الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهِنَّ الصَّادِقُ، وَيَخُونُ فِيهِنَّ الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ، وَيَنْطِقُ فِيهِنَّ الرُّوَيْبِضَةُ» (رواه الحاكم في المستدرك [4/465]، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، ووافقه الذهبيّ). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «المَرْؤُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ». وفي رواية: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ خَدَّاعَةً» (مسند البزار [7/174]). وفي رواية أخرى: «يَكُونُ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنُونَ خَوَادِعٌ» (المعجم الكبير للطبراني [12/438]).
والرويبضة كما فسره النبي صلوات ربي وسلامه عليه واله : الرجل التافه يتكلم في امر العامة ، من حيث الأصل اللغويّ: الرُّوَيْبِضَةُ: تصغير الرابضة، وهو راعي الربيض، والربيض: الغنم، والهاء للمبالغة. - وقيل: الرُّوَيبضة تصغير الرَّابِضة، وهو العاجز الذي رَبَضَ عن مَعَالي الأمُور، وقعَد عن طَلَبها، وزيادة التَّاء للمبالغَة. - وقيل التَّافه: الخَسِيس الحَقِير. كما في النهاية في (غريب الحديث والأثر (2/460)). - وجاء ما يؤيّد هذا المعنى في البيان النبويّ: قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ لَا يُؤْبَهُ لَهُ». - وفي رواية: «السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ» (مسند أحمد [2/ 291]). - وفي رواية: "قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ» (شرح مشكل الآثار (1/ 404))، وفي حديث أشراط الساعة: «وأن تَنْطِق الرُّوَيْبضةُ في أمْر العامَّة»، قيل: وما الرُّوَيْبضة يا رسول اللّه؟ فقال: «الرجل التَّافِه يَنْطِق في أمْر العامَّة». - وَقال الإمام الشاطبيّ: قَالُوا: هُوَ الرَّجُلُ التَّافَةُ الحَقِيرُ يَنْطِقُ فِي أُمُورِ العَامَّةِ، كَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي أُمُورِ العَامَّةِ فَيَتَكَلَّمُ (الاعتصام [2/ 681]). فالرُّوَيْبِضَة هُوَ الرَّجُلُ التَّافَةُ الحَقِيرُ يَنْطِقُ فِي أُمُورِ العَامَّةِ، وَهُوَ «مَنْ لَا يُؤْبَهُ لَهُ»، وَهُوَ الفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ، وهو العاجز الذي رَبَضَ عن مَعَالي الأمُور، وقعَد عن طَلَبها.. وقد جاءَ وَصْفُ الرُّوَيْبِضَة في حديث بِالفِسْقِ، وهُو ممّا يَمْنَعُ مِثْلَهُ مِنْ الكَلَامِ فِي أَمْرِ العَامَّةِ.. كما جاءَ وَصْفُهُ في حديث آخر بِأَنَّهُ «لَا يُؤْبَهُ لَهُ»، وهذا ممّا يترتّب على فِسْقِهِ، فلَا حَاجَةَ بِالنَّاسِ إلَيْهِ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ خَامِلًا لَا يُؤْبَهُ لَهُ.
نعم إنّهم أهل الضلال وأئمته والسنته، ومن تبعهم وتابعهم، الذين ابتليت بهم هذه الأمّة، وأتباع الأهواء والشهوات، وقادة الضياع الفكريّ، والانحراف السلوكيّ، والفساد والإفساد الأخلاقيّ والاجتماعي والاقتصادي في الأرض، يؤازرهم المنافقون المتشدّقون، والجهلة بدين الله المغفّلون، الذين قد يلبسون لباس العلم واثواب الهدى، ولكنّهم يبيعون دينهم بعرض من الدنيا، يستخدمون علمهم لتبرير وتمرير الفساد، والتماس الأعذار للسقوط والانحراف، وخلط الحقّ بالباطل، حتّى تضيع معالم الحق و الحلال والحرام، والمعروف والمنكر في نظر العامّة. ويتصدّر هؤلاء ميادين العمل الاجتماعيّ، والمسئوليّات والمراكز الكبرى، في الوقت الذي ينزوي فيه الأخيار عن الساحة ويقصون قسرا، و يصبح أهل الحقّ قابضين على الجمر، وحيدون لا يجدون على الحقّ معيناً ولا نصيرا .
انهم استبدلوا الذي هو خير لمصالح العباد والبلاد، بالذي هو ادنى ، فكانت التائج كما ترى من فساد طم وعم جميع ميادين الحياة ، حتى اصبح الموت امنية الاحياء مما يلاقون من جحيم الشقاء والعناء .
واختم بحكم ودرر لابي الاسود الدؤلي حيث يقول:-
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم --وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا
وَ البَيتُ لا يُبتَنى إِلّا لَهُ عَمَدٌ -- وَ لا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ
فَإِن تَجَمَّعَ أَوتادٌ وَأَعمِدَةٌ - - لِمَعشَرٍ بَلغوا الأَمرَ الَّذي كادوا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2022-12-14, 8:49 pm عدل 1 مرات