بسم الله الرحمن الرحيم
ماهي السخافة وما هو السُّخْف ؟؟!
عرف السخافة لغةً الجوهري صاحب الصحاح بانها:- (رقة العقل).
فهي ليست كالجنون الذي يذهب بالعقل ، بل قصور بالعقل عن قيم المعاني وعاليها ..
والسخافة من السُّخْف[ س خ ف ] مصدر ثلاثی مجرد باب فعُل یفعُل
قال ابن منظور صاحب اللسان : السخف ، بالفتح، رِقَّةُ العيش، و بالضم رقة العقل ، وقال عن السخافة: هي الخفَّة التي تعتري الإِنسان إذا جاع من السخف ، و هي الخفة في العقل و غيره....
و قال الخليل وكذا الجوهري: السُّخْفُ في العقل خاصة.
وقال في تاج العروس : و سَخُفَ السِّقاءُ ، ككَرُمَ ، سُخفاً ، بالضَّمِّ : إِذَا وَهَى و تَغَيَّرَ و بَلِيَ ، و قَدْ مَرَّ قَرِيباً من قَوْلِ اللَّيْثِ : إنَّ السُّخْفَ مَخْصُوصٌ في العقَلِ ، و السّخافَةَ عامٌّ في كُلِّ شَيْ ءٍ ...
والسخيف هو التافه والسخافة التفاهة،ومن مرادفات الكلمة في اللغة: الغَباء،الحَمَاقَة،الرُّعُونَة،النَّزَق ،التَّفَاهَة،و الطَّيْش ....
و السخيف من البشر ليس بالمجنون ، فالمجنون يُعذر بالجنون لانه اذا اخذ ما اوهب اسقط ما اوجب، فلا حساب عليه وحسابه على وليه ان ارتكب جناية.. و لكن السخيف يلام ويذم بسخفه، الذي لا يُبوءه الا مكانة المهانة والاحتقار والازدراء، لانه قصر مهمة عقله عن الرقي بمعالي القيم وراقي المفاهيم ورضي بسفساف الامور وهينها، واشغل بها عقله الذي به كرمه ربه، فحاد عن الجد والجدية، واتخذ من اعماله وحياته لهوا وعبثا ولعبا ، والسفساف لغة ضد المعالي والمكارم . فلذلك كان من اقذع ابيات الهجاء ما قاله الحطيئة في هجاءه للزبرقان بن بدر أحد وجهاء بني تميم وفرسانها وسادتها، وهو من الصحابة المخضرمين، والبيت هو: -
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبُغيتها واقعدْ فإنك أنت الطاعمُ الكاسي
فترك الرجل للمكارم من اسوأ ما يوصمُ به ويُذم ...
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن محبة الله تعالى لمعالي الأمور ومكارم الأخلاق، وكراهته وبغضه لسَفْسافها؛ فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله كريمٌ يحبُّ الكرم، ويحب معاليَ الأخلاق، ويكره سَفْسافَها))[اخرجه وصححه الحاكم في مستدركه وفي رواية: ((إن الله عزَّ وجل كريم يحبُّ الكرماء، ويحب معاليَ الأمور، ويكره سَفْسافَها)) [ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، و رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه، إلا أنه قال: "يحب معاليَ الأخلاق"] . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
" إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ ، و أَشرافَها ، و يَكرَهُ سَفْسافَها "
وسفساف الأمور: توافهها التي تنبئ عن الخسة والدناءة وعدم المروءة، جاء في الصحاح للجوهري: السفساف: الرديء من كل شيء، والأمر الحقير.
ومعناه كما قال الشيخ المناوي في فيض القدير ما ملخصه: (وَيكرهُ سفسافها ـ أَي رديئها وحقيرها وفاسدها، فَمن اتّصف بالأخلاق الزكية أحبه الله، وَمن تحلى بالأوصاف الرَّديئَة كرهه، وَالْإِنْسَان يضارع الْملَك بقوّة الْفِكر والتمييز، ويضارع الْبَهِيمَة بالشهوة والدناءة، فَمن صرف همته إِلَى اكْتِسَاب معالي الْأَخْلَاق أحبه الله، فحقيق أَن يلْتَحق بِالْمَلَائِكَةِ لطهارة أخلاقه، وَمن صرفهَا إِلَى السفساف ورذائل الْأَخْلَاق الْتحق بالبهائم.) اهـ .
ولتستطيع الوصول الى تعريف السخافة او السخف عليك اولا ادراك واقعها، فنجد ان من الوان السخافة ان تعطي الموضوع اكبر من حجمه، ومن الوانها ان تهتم بما لا يعنيك ، ومن الوانها ان تحدث من لايسمعك و يصم اذنيه عن حديثك، او تنصح من لا يسمع نصحك، ومن ابشع انواع السخافة ان تنشغل بتوافه الامور وسفسافها وتصبح هي مطلبك دون معاليها، ومن السخافة ان لا تفرق بين ناصحك وخائنك.
والسخفاء ينشغلون بظواهر الاقوال وقشور الامور ولا بنفذون الى دررها و خباياها ...
والسخيف يغره المنظر عن الجوهر ، كمن يبهره نعومة ملمس جلد الحية، ولا ينتبه الى ما يحويه راسها من سم ناقع فاتك، او يبهره جمال زهرة الدفلى ولا ينتبه لما تفرزه من سم زعاف قاتل.
فالسخافة هي قلة العقل وتفاهته التي تقود صاحبها الى الانشغال والاهتما بسفاسف الامور وحقرها في حين يترك جليلها وخطيرها ...
كمن ينشغل اليوم بحكم الاحتفال بمناسبة الاسراء والمعراج ويترك حكم احتلال المسرى -المسجد الاقصى- !! وكمن ينشغل بحكم تربية اللحى وترك حكم جز الرقاب التي تقوم به عصابات المحتلين في غزة وفلسطين ..!!
وكمن ينشغل بحكم ستر العورة ولباس المرأة مع ترك حكم تعرية الاعداء الكفرة لنساء المسلمين ورجالهم من الاسرى في سجون الاحتلال البغيض !!
رُوي في التاريخ أن الروم أرسلوا جاسوساً لبلاد المسلمين ليروا ما إذا كان يُمكن غزوهم وهزيمتهم أم لا، فوجد الجاسوس طفلاً يبكي، قال له: ما يبكيك؟ فقال: رميت سهماً فأخطأت الهدف، فكيف إذا أخطأته يوم الجهاد؟! فرجع الجاسوس إلى قومه، فقال لهم: ما لكم عليهم من طاقة الآن.
ثم بعثوا جاسوساً بعد سنين، فوجد الجاسوس شاباً على النهر يبكي، قال له: ما بك؟ قال: هجرتني حبيبتي! فعاد إلى قومه وقال: الآن أغزوهم.
ومع كل اسف وحزن نقول ان السخافة وعدم الجدية اصبحت في حياة مجتمعاتنا ظاهرة خطيرة تهدد وجودنا وكياناتنا، فالاعداء المتربصون، اليوم ليسوا بحاجة الى ارسال جواسيس و بذل نفقات عليهم، فقط عليهم ان يراقبوا سلوكياتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحتما هم كذلك يفعلون ، ليروا حالنا وما نحن فيه من غرق في السخف والسخافة !!! ولا حول ولا قوة الا بالله العللي العظيم..
يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال عند قول الله تعالى (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون، لاهية قلوبهم)، " والنفس التي تفرغ من الجد والاحتفال والقداسة تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال؛ فلا تصلح للنهوض بعبء، ولا الاضطلاع بواجب، ولا القيام بتكليف، وتغدو الحياة فيها عاطلة هينة رخيصة! ... فحيثما خلت الروح من الجدّ والاحتفال والقداسة صارت إلى هذه الصورة المريضة الشائهة التي يرسمها القرآن والتي تُحيل الحياة كلها إلى هزل فارغ ، لا هدف له ولا قوام !".
وطبعا إذا أصبحت النفس هزيلة ضعيفة سهل قيادها وانقيادها ، لكل ناعق دجال ، واستخف بها كل فاسق، واستهان بها كل مارق، ويعلوها كل ظالم، و انقادت رخيصة لكل مستبد و عبث بها كل فاسد، ومُسخت انسيانتها فتصبح اليفة داجنة يدجنها كل منتفع .
نسال الله العفو والعافية والسلامة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماهي السخافة وما هو السُّخْف ؟؟!
عرف السخافة لغةً الجوهري صاحب الصحاح بانها:- (رقة العقل).
فهي ليست كالجنون الذي يذهب بالعقل ، بل قصور بالعقل عن قيم المعاني وعاليها ..
والسخافة من السُّخْف[ س خ ف ] مصدر ثلاثی مجرد باب فعُل یفعُل
قال ابن منظور صاحب اللسان : السخف ، بالفتح، رِقَّةُ العيش، و بالضم رقة العقل ، وقال عن السخافة: هي الخفَّة التي تعتري الإِنسان إذا جاع من السخف ، و هي الخفة في العقل و غيره....
و قال الخليل وكذا الجوهري: السُّخْفُ في العقل خاصة.
وقال في تاج العروس : و سَخُفَ السِّقاءُ ، ككَرُمَ ، سُخفاً ، بالضَّمِّ : إِذَا وَهَى و تَغَيَّرَ و بَلِيَ ، و قَدْ مَرَّ قَرِيباً من قَوْلِ اللَّيْثِ : إنَّ السُّخْفَ مَخْصُوصٌ في العقَلِ ، و السّخافَةَ عامٌّ في كُلِّ شَيْ ءٍ ...
والسخيف هو التافه والسخافة التفاهة،ومن مرادفات الكلمة في اللغة: الغَباء،الحَمَاقَة،الرُّعُونَة،النَّزَق ،التَّفَاهَة،و الطَّيْش ....
و السخيف من البشر ليس بالمجنون ، فالمجنون يُعذر بالجنون لانه اذا اخذ ما اوهب اسقط ما اوجب، فلا حساب عليه وحسابه على وليه ان ارتكب جناية.. و لكن السخيف يلام ويذم بسخفه، الذي لا يُبوءه الا مكانة المهانة والاحتقار والازدراء، لانه قصر مهمة عقله عن الرقي بمعالي القيم وراقي المفاهيم ورضي بسفساف الامور وهينها، واشغل بها عقله الذي به كرمه ربه، فحاد عن الجد والجدية، واتخذ من اعماله وحياته لهوا وعبثا ولعبا ، والسفساف لغة ضد المعالي والمكارم . فلذلك كان من اقذع ابيات الهجاء ما قاله الحطيئة في هجاءه للزبرقان بن بدر أحد وجهاء بني تميم وفرسانها وسادتها، وهو من الصحابة المخضرمين، والبيت هو: -
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبُغيتها واقعدْ فإنك أنت الطاعمُ الكاسي
فترك الرجل للمكارم من اسوأ ما يوصمُ به ويُذم ...
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن محبة الله تعالى لمعالي الأمور ومكارم الأخلاق، وكراهته وبغضه لسَفْسافها؛ فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله كريمٌ يحبُّ الكرم، ويحب معاليَ الأخلاق، ويكره سَفْسافَها))[اخرجه وصححه الحاكم في مستدركه وفي رواية: ((إن الله عزَّ وجل كريم يحبُّ الكرماء، ويحب معاليَ الأمور، ويكره سَفْسافَها)) [ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، و رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه، إلا أنه قال: "يحب معاليَ الأخلاق"] . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
" إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ ، و أَشرافَها ، و يَكرَهُ سَفْسافَها "
وسفساف الأمور: توافهها التي تنبئ عن الخسة والدناءة وعدم المروءة، جاء في الصحاح للجوهري: السفساف: الرديء من كل شيء، والأمر الحقير.
ومعناه كما قال الشيخ المناوي في فيض القدير ما ملخصه: (وَيكرهُ سفسافها ـ أَي رديئها وحقيرها وفاسدها، فَمن اتّصف بالأخلاق الزكية أحبه الله، وَمن تحلى بالأوصاف الرَّديئَة كرهه، وَالْإِنْسَان يضارع الْملَك بقوّة الْفِكر والتمييز، ويضارع الْبَهِيمَة بالشهوة والدناءة، فَمن صرف همته إِلَى اكْتِسَاب معالي الْأَخْلَاق أحبه الله، فحقيق أَن يلْتَحق بِالْمَلَائِكَةِ لطهارة أخلاقه، وَمن صرفهَا إِلَى السفساف ورذائل الْأَخْلَاق الْتحق بالبهائم.) اهـ .
ولتستطيع الوصول الى تعريف السخافة او السخف عليك اولا ادراك واقعها، فنجد ان من الوان السخافة ان تعطي الموضوع اكبر من حجمه، ومن الوانها ان تهتم بما لا يعنيك ، ومن الوانها ان تحدث من لايسمعك و يصم اذنيه عن حديثك، او تنصح من لا يسمع نصحك، ومن ابشع انواع السخافة ان تنشغل بتوافه الامور وسفسافها وتصبح هي مطلبك دون معاليها، ومن السخافة ان لا تفرق بين ناصحك وخائنك.
والسخفاء ينشغلون بظواهر الاقوال وقشور الامور ولا بنفذون الى دررها و خباياها ...
والسخيف يغره المنظر عن الجوهر ، كمن يبهره نعومة ملمس جلد الحية، ولا ينتبه الى ما يحويه راسها من سم ناقع فاتك، او يبهره جمال زهرة الدفلى ولا ينتبه لما تفرزه من سم زعاف قاتل.
فالسخافة هي قلة العقل وتفاهته التي تقود صاحبها الى الانشغال والاهتما بسفاسف الامور وحقرها في حين يترك جليلها وخطيرها ...
كمن ينشغل اليوم بحكم الاحتفال بمناسبة الاسراء والمعراج ويترك حكم احتلال المسرى -المسجد الاقصى- !! وكمن ينشغل بحكم تربية اللحى وترك حكم جز الرقاب التي تقوم به عصابات المحتلين في غزة وفلسطين ..!!
وكمن ينشغل بحكم ستر العورة ولباس المرأة مع ترك حكم تعرية الاعداء الكفرة لنساء المسلمين ورجالهم من الاسرى في سجون الاحتلال البغيض !!
رُوي في التاريخ أن الروم أرسلوا جاسوساً لبلاد المسلمين ليروا ما إذا كان يُمكن غزوهم وهزيمتهم أم لا، فوجد الجاسوس طفلاً يبكي، قال له: ما يبكيك؟ فقال: رميت سهماً فأخطأت الهدف، فكيف إذا أخطأته يوم الجهاد؟! فرجع الجاسوس إلى قومه، فقال لهم: ما لكم عليهم من طاقة الآن.
ثم بعثوا جاسوساً بعد سنين، فوجد الجاسوس شاباً على النهر يبكي، قال له: ما بك؟ قال: هجرتني حبيبتي! فعاد إلى قومه وقال: الآن أغزوهم.
ومع كل اسف وحزن نقول ان السخافة وعدم الجدية اصبحت في حياة مجتمعاتنا ظاهرة خطيرة تهدد وجودنا وكياناتنا، فالاعداء المتربصون، اليوم ليسوا بحاجة الى ارسال جواسيس و بذل نفقات عليهم، فقط عليهم ان يراقبوا سلوكياتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحتما هم كذلك يفعلون ، ليروا حالنا وما نحن فيه من غرق في السخف والسخافة !!! ولا حول ولا قوة الا بالله العللي العظيم..
يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال عند قول الله تعالى (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون، لاهية قلوبهم)، " والنفس التي تفرغ من الجد والاحتفال والقداسة تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال؛ فلا تصلح للنهوض بعبء، ولا الاضطلاع بواجب، ولا القيام بتكليف، وتغدو الحياة فيها عاطلة هينة رخيصة! ... فحيثما خلت الروح من الجدّ والاحتفال والقداسة صارت إلى هذه الصورة المريضة الشائهة التي يرسمها القرآن والتي تُحيل الحياة كلها إلى هزل فارغ ، لا هدف له ولا قوام !".
وطبعا إذا أصبحت النفس هزيلة ضعيفة سهل قيادها وانقيادها ، لكل ناعق دجال ، واستخف بها كل فاسق، واستهان بها كل مارق، ويعلوها كل ظالم، و انقادت رخيصة لكل مستبد و عبث بها كل فاسد، ومُسخت انسيانتها فتصبح اليفة داجنة يدجنها كل منتفع .
نسال الله العفو والعافية والسلامة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.