29- الحلقة التاسعة والعشرون من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك
- الصلاة - 11- التحيات :-
بعد الرفع من السجدة الثانية كما قلنا سابقا فاما نقوم للاتيان بركعة اخر بالتكبير والتعظيم متفكرين ومتدبرين ونعي ما نقول وما نفعل بين يدي مولانا العظيم ، واما نجلس لقراءة التحيات والتشهد بعد الاتيان بالركعتين ...وذلك لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ بِـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلكن بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِن الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، فإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِن السُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقبة الشَّيْطَانِ، وَكَانَ يَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد.
و عَن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: "إنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَالَ: إذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَقُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ أَحَدُكُمْ مِن الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَلْيَدْعُ بِهِ رَبَّهُ عز وجل". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ. واخرج الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ:
إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.
- فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ - أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ).
وحكم التحيات التي تلي الركعة الثانية في صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء انها سنة مؤكدة يجبرها سجود السهو ان نسيها المصلي، وفي ختام الصلاة في الفجر والرباعية والثلاثية واجبة على المصلي الاتيان بها ليخرج من صلاته بالتسليم بعد التحيات والتشهد ، وذلك لحديث عَبْدِاللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه : "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَامَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، وَسَجَدَهَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِن الْجُلُوسِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ....
وقوله التحيات لله، فالتحيات جمع تحية ، وهو ما يُستقبل و يُرحب به وهي مصدر حياه يحييه تحية ، ومعناه في اللغة : الدعاء بالحياة ، فيقال : حياك الله ، أي أبقاك ، ثم توسع في إطلاق التحية على كل ما هو في معناها من الدعاء الذي يقال عند الالتقاء ونحوه . والتحية أعم من السلام ، فالسلام نوع من أنواع التحية ، قال المبرد: يدخل في التحية حياك الله ولك البشرى ولقيت الخير، وقال أبو هلال ألعسكري رحمه الله تعالى في كتابه الفروق : ولا يقال لذلك سلام، إنما السلام قولك سلام عليك، ويكون السلام في غير هذا الوجه السلامة مثل الضلال والضلالة والجلال والجلالة، ومنه دار السلام أي دار السلامة، وقيل دار السلام أي دار الله، والسلام إسم من أسماء الله، والتحية أيضا الملك ومنه قولهم التحيات لله.
وعليه فان الاصل في التحية ان تكون لله تعالى، كون اللام هنا جمعت معانيها الثلاث ، الاختصاص والملك والاستحقاق ، والفرق بين لام الملك ولام الاختصاص ولام الاستحقاق هو: ان لام الملك : التي تقع بين ذاتين، وتدخل على ما يتصور منه الملك. مثل : -وان المساجد لله- ، فالمساجد (ذات) يُتصور ملكيتها و للله اضافت الملكية (للذات العلية)، .ولام الاختصاص: هي التي تقع بين ذاتين وتدخل على ما لا يُتصور الملك فيه لغيره كقوله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ ) فالحكم ذات ولله اختص الله به على احكام افعال العباد والاشياء بالتحسين او التقبيح او بالمنع والاباحة.أو ما لا يتصور منه الملك لغيره مثل قولك : الحصير للمسجد، و القفل للمكتبة ، فالقفل (ذات) وللمكتبة (ذات). ولا يتصور الملك من المكتبة ولا المسجد ، والمعنى الحصير يخص المسجد، والقفل يخص المكتبة. و لام الاستحقاق: هي التي تقع بين اسم ذات واسم معنى. مثل : الحمد (اسم معنى) لله (اسم ذات الجلالة) التحيات (اسم معنى) لله (اسم ذات الجلالة).
وقد شرع لنا الله تعالى تحية الاسلام بالسلام ، والقاء السلام سنة مؤكدة، ورده واجب عيناً ، إذا قصد به شخص واحد ، وعلى الكفاية إن قصد به جماعة ، فإن رد جميعهم فهو أفضل ، ورتب عليها الثواب، وجعلها حقاً من حقوق المسلم على أخيه، وعمل يتقرب به إلى الله تعالى، واستجابة لأمر رسوله، وهذه التحية، هي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهي تحية الملائكة وأهل الجنة، قال تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، «سورة يونس: الآية 10».
وأمر الله عز وجل بإفشاء السلام، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى? تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى? أَهْلِهَا ...)، «سورة النور: الآية 27»، وقال تعالى: (... فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ...)، «سورة النور: الآية 61»، وقال تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ...)، «سورة النساء: الآية 86». كما حثَّ رسول الله على إلقاء السلام، قال: «أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».
فالتحيات بين الناس ومن الناس للاخرين الاصل فيها انها كالملك الذي لا ينبغي في حقيقته الا لله تعالى .
والصلوات جمع صلاة وهي الصلوات المفروضة والنوافل و الدعوات والعبادات التي ذكرتها في دعاء الاستفتاح بقولك - ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين - فلا تنس ذلك ..
والطيبات يعني الطيب من أعمال بني آدم وأقواله الاصل فيها ان تكون ارضاءً لله تعالى، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، كذلك الطيبات من الأقوال والأفعال والأوصاف كلها لله، فقول الله كله طيب، وفعل الله كله طيب، وأوصاف الله كلها طيبة، فكان لله الطيب من كل شيء وهو بنفسه جلا وعلا طيب ولا يقبل إلا طيباً.
ثم تسلم على النبي صلى الله عليه واله وسلم فتقول السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته، أي سلمت ونجيت ايها النبي الحبيب من المكاره والشرور، كما كنت سببا لانقاذنا منها . ورحمة الله: أي إحسانه. وبركاته: أي زيادته من كل خير.
ثم تسلم على نفسك واخوانك المؤمنين بقولك السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين: دعاء للنفس بعد الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء وتسليم يشمل كل الصالحين من عباد الله في السموات والارض . وبهذا التسليم انت تتجاوز محيط واقطار العالم المنظور لتجتاز الازمنة والامكنة ، فتشعر انك امتداد لامم اخرى سابقة ولاحقة،وفي الملكوت الاعلى وكذلك الادنى، وفرد ينتمي لملكوت عظيم يتعبد في محراب الكون مع غيره من الخلائق لرب عظيم ..
فتكرر هنا شهادة التوحيد لتنتمي بها الى امة التوحيد المتوجهة للعبودية والمستسلمة بالطاعة للرب الواحد ، والتي هي مفتاح باب الاسلام وولوج الايمان ومفتاح دار السلام عسى الله ان يدخلنا واياكم اياها بسلام ...
وفي الحلقة القادمة نقرأ ما بين الفاظ الصلاة الابراهيمية من معاني ان شاء الله والى اللقاء في حلقة جديدة نستودعكم الله تعالى ونساله ان يحفظ امتنا من كل شر ومكر ومكروه، وان يعزها ويرفع شأنها بالاسلام، ويرزقها المكانة العلية بين الامم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-04-01, 11:06 am عدل 1 مرات