الفَصلُ الأولُ : الحلُّ الإسْلامي بَيْنَ الإيجابيَّات، والسِّلبياتِ .
إنَّ طرحَ الحلَّ الإسلامي أياً كان نوعه؛ لهو نوعٌ من أنواع النيات الصادقة، والرغبات الإيمانية، والعزمات الجهادية نحو الخروج بالأمة الإسلامية من هذا الهوان الذي تعيشه، وهذا الذلِّ الذي ما برح فوق رأسها ما يزيد على خمسة قرون أو يزيد، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله !.
فكان البحث عن الحلِّ الإسلامي أمراً مهماً، وفرضاً متحتِّماً على كافة المسلمين؛ وكلٌّ بقدره . " فاتقوا الله ما استطعتم " .
فإذا عُلم ما ذكرناه آنفاً؛ كان من العدل والإنصاف أن نضع الأمور في نصابها، وذلك ماثلٌ في معرفةِ حقيقةٍ مسلَّمةٍ وهي : أن طرح الحلول، وإيجادها، والكلام عنها لا يلزم منها ضرورةً الصِّحة والواقعيَّة؛ بقدر ما هي دعوةٌ إيمانيةٌ لشحذِ الهمم، والاستفادة من أفكار وطاقات المسلمين في التعامل مع قضاياهم الإسلامية لاسيما التي تَمسُّ دينَهم، وعزَّتهم، أو شيئاً من حقوقهم !.
فعند هذا؛ كان من الحكمة البالغة أن ندعوا كافَّةً المسلمين عالمَهم وجاهلَهم، كبيرَهم وصغيرَهم، ذكرَهم وأنثاهم ... للمشاركة والتعاون في طرح الحلول، وعرضها بقدر ما نملك من استطاعة .
فكلامنا حينئذٍ يدور حول نقطتين مهمتين :
الأولى: ليس من الضرورة صحَّة الحلول عند طرحها .
الثَّانيةُ : مبدأ الشورى أصلٌ من أصول السياسة الشرعية، والتدابير المرعية .
فمن قرأ السيرة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم – أو قلَّب صفحات التأريخ علم يقيناً أن الإسلام لم يُهمل أحداً من المسلمين عن إبداء رأيه، والمشاركة في قضايا المسلمين؛ فالكل سواء بسواء فما كان عنده الحل الأمثل قُبِلَ وقدِّم على غيره أيّاً كان قائله ما كانت سمة الإسلام بينهم ظاهره !، فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ... المسلمون يدٌ على مَنْ سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمَّتهم أدناهم، ويُجيرُ عليهم أقصاهم ... " الحديث، أحمد وغيره( ) . وكما قال تعالى : " وشاورهم في الأمر " آل عمران 159، وقال تعالى : " وأمرهم شورى بينهم " الشورى 38.
وتدليلاً على ذلك أنَّ آراء الصحابة ـ رضي الله عن الجميع ـ حول أسرى بدرٍ تكاثرت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من قال بقتلهم، ومنهم من أمر بحرقهم، ومنهم من رجَّح فداءهم ... الخ، وهذا كلُّه لم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من المشورة وطرح الحلِّ الذي يخدم الأمة، كما أننا لا ننسى مشورته صلى الله عليه وسلم للصحابة يوم قال في بدرٍ : " أشيروا عليَّ أيها الناس "!، وليست عنَّا قصة سلمان الفارسي ببعيد يوم طرح حلاً لم يكن مألوفاً عند العرب آنذاك !؛ وهو أمره ـ رضي الله عنه ـ بحفر خندقٍ يحجز به العدوَّ عن دخول المدينة النبوية، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور أمَّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ في عمرته التي منعه منها أهل مكةَ، وذلك عندما أمر الناس أن ينحروا الهديَ ويحلقوا رؤوسهم، فلم يقم منهم أحدٌ إلى ذلك، فكرر الأمر ثلاث مرات؛ فأشارت إليه بأن يبدأ هو بما يرد، ففعل، فقاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غمَّاً( ) ... وغير ذلك من الأخبار والوقائع التي تضيق بها هذه الرسالة الخ، كلُّ هذا دليلٌ على تعزيز مبدأ مشاركة الآراء، وأخذ المشورة من كافة المسلمين .
إذاً فلنجعل شعارنا حينئذٍ هو ما قاله صلى الله عليه وسلم : " أشِيرُوا عَليَّ أيُّها النَّاس "
فإنَّنا من خلال ما تقدَّم ندعو كلَّ مسلمٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يشاركنا في طرح ما يراهُ مناسباً من الحلول الشرعية تُجاه أمته الإسلامية كي يأخذ بيدها من هذا الهوان والصَّغار إلى عزِّها وسيادتها وريادتها للعالم بأسره ! .
لذا كان حقاً على كلِّ مسلمٍ أن يُدليَ برأيه حول طرح الحلول الشرعية : فالمزارع في مزرعته لا بد أن يخدم أمته في طرح ما يراه مناسباً، وكذا التاجر في متجره، والأعرابي في إبله، والطالب في مدرسته، والمرأة في منزلها، والكلُّ في أمته ... فنحن بهذه الدعوة قطعاً – إن شاء الله – سنعيد للأمة الإسلامية مجدَها وعزَّها، ولن يخذلنا الله تعالى؛ حيث يقول : " والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " العنكبوت 69 . هذا إذا علمنا أنَّنا محتاجون مضطرُّون ساعتئذٍ، والله تعالى يقول : " أمَّن يُجيبُ المضطرَّ إذا دعاه ويكشفُ السوءَ ... " الآية النمل 62.
اللهم أقرَّ أعينَنا بعزٍّ نراه في حياتنا، وجهادٍ نُسقيه بدمائنا، وخلافةٍ عامةٍ نستظلُّ بظلِّها، ونحوطُها بنصحنا ... اللهم آمين .
وبعد هذا حان لنا أن نذكرَ ما نراه مناسباً من الحلول الشرعية التي تتناسب مع واقعنا الذي نعيشه ونلامسه، مع اعتبار ما قرَّرنا آنفاً أن طرحنا للحلول لا يلزم منه ضرورةً الصواب؛ علمناً أننا لم نألُ جهداً في اختيار ما نحسبه – إن شاء الله – أقرب ما يكون إلى الجادَّةِ والصواب . والله الموفِّق، والهادي إلى سواء السبيل .
الفَصلُ الثَّاني : قائِمةُ الحُلولِ .
لا شكَّ أن الحلولَ كثيرةٌ جداً؛ فكان من المناسب أن نُجملها في اثنين لا ثالث لهما، وهما باختصار : ( عامٌ، وخاصٌ ) .
الأوَّلُ : حلولٌ عامةٌ لا تتقيد بزمان، أو مكان فهي مستمرَّةٌ لا تنفكُّ عن حياة المسلم ما تردَّدت أنفاسُه في جوفه؛ لأنها معلومةٌ من الدين بالضرورة . لأجل هذا لم أتكلَّف التوسعَ في الحديثِ عنها فتأمل .
وهذا الحلُّ ماثلٌ في أمور منها :
1ـ دعوة المسلمين إلى تصحيح العقيدة الإسلامية، ومنابذة الشرك .
2ـ تعليمُ المسلمين أمورَ دينِهم .
3ـ تقوية الروابط بين المسلمين .
4ـ إحياءُ قضيةِ الولاءِ والبراءِ في قلوب المسلمين .
5ـ إحياءُ قضيةِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند عامة المسلمين وغير ذلك من الحلول العامة الهامَّة .
الثَّاني : حلولٌ خاصةٌ يحكمُها الزمان والمكان، فعند ذلك كانت القرائنُ والظروفُ هي مناطُ الحكمِ فيها وجوداً وعدماً، فهذه الحلول ليست متروكةً لاختيار المسلم بقدر ما هي ضرورةً تفرضها الوقائع والأحداث . وهذا النوع من الحلول هو بيت القصيد، والدَّافع من رسالتي هذه ! .
أمَّا إن سألت عن مثالٍ يجسِّمُ هذا الحلَّ - الثاني-؛ فهناك قضايا جسامٌ كثيرةٌ ألمَّت بالأمة الإسلامية، كإلغاء الخلافة الإسلامية، وسقوط كثيرٌ من بلاد المسلمين في أيدي الكفرة ابتداءً بالأندلس وانتهاءً ببيت المقدس ... وتحرير بلاد المسلمين من الذين لا يُدينون بدين الإسلام ممَّن يجاهر بحرب الإسلام والمسلمين؛ كالمنافقين، والزنادقة، وأذناب الغرب من العملاء العلمانيين، والحداثيين، ودعاة الفساد والرذيلة ...!! .
وحسبنا من هذه القضايا الآن : " قضية فلسطين " ! .
فعند هذا نستطيع أن نقطع القول : بأن الحلول الإسلامية التي طُرحتْ حول قضية بيت المقدس كثيرةٌ جداً ربما تفوق الحصر!، علماً أنَّ بعضها ما زال قابلاً للطَّرح والزيادة، والله أعلم .
وبعد هذا؛ فلنا أن نبدأ بذكر الحلول الإسلامية التي نراها نافعةً ناجعةً نحو قضية فلسطين – إن شاء الله - :
الحلُّ الأوَّلُ : الجهادُ ! .
نعم؛ إنَّ كلمة الجهاد، أو الحديث عن الجهاد أصبح عند كثير من المسلمين عبثاً، وما ذاك إلاَّ أن ترديد كلمة الجهاد أحدثت في نفوسهم تبلُّداً قلبي، فلم يعد لكلمة الجهاد عندهم كبير تأثير !، هذا لمَّا فقدت الكلمةُ معناها الإيماني، ومحتواها الصحيح حيث أصبحت على لسان كلِّ أحدٍ من الناس، بل غدت عند بعض السَّاسة ورقةً تجاريةً يلعب بها حسبما تُمليه عليه السُّوقُ السياسية، وكذا أصبحت عند بعضهم تهمةً يُحاكم عندها من ينادي إليها، وآخرين ليلةً ذات شجونٍ يتسامرون عليها، وهكذا حتى ذهبت قداستُها الشرعية يوم تعلَّق بها من ليس أهلاً لها ... فالله المستعان .
فليت شعري؛ لو أنَّ كلمةَ الجهادِ وقفتْ عند هذا الحدِّ !؛ بل تعدَّى هذا إلى بعض الصالحين – للأسف – يوم تجدُ أكثرَهم إذا عضَّته الصور المأساوية، وقتلته المشاهد الدموية ضد المسلمين قام ينادي بأعلى صوته فوق منبره : الجهاد أيها المسلمين !، وآخر لم يملك نفسه حتى بكى على منبره ينادي بالجهاد!، وبعضهم أخذ قلمه وكسر غمده ليكتبَ عن الجهاد وفضله ... الخ . وهكذا؛ كلٌّ تدفعه الغيرة إلى الحديث عن الجهاد، لكن هيهات !؛ حيث ذهبت كلماتُهم وعبراتُهم في مهب الريح، لا أثر لها ولا تأثير !؛ لا لشئ؛ بل لأنهم – للأسف – لم يحسنوا استخدام كلمة " الجهاد " بين المسلمين، ولم يعرفوا طرحها على أرض الواقع، وكيف توجيهها لحلِّ قضية فلسطين . إنَّ الكلامَ عن الجهاد دون فعلٍ لهو مصيبةٌ؛ يوم تبقى حبيسة النفوس وأسيرة القلوب!؛ لذا كان لنا – للأسف - نصيبٌ من هذا الخطأ يوم جعلنا من كلمة " الجهاد " كلمةً جوفاء في أذان المسلين، وطَبْلاً أجوفاً كلَّه خواء ...! .
أمَّا اليوم فلنا مع الجهاد الإسلامي كلامٌ وكلام !، يوم أخذت كلمة الجهاد منحى آخر عند كثير من الناطقين بها !، فكان ما كان كما ذكرناه آنفاً .
أقول : إنَّ الأمةَ الإسلاميةَ تجتازُ مرحلةً خطيرةً من مراحل حياتها؛ مرحلةَ قوَّةٍ، أو ضَعْفٍ !؛ فلقد اعتدى الأعداء على بلادها، وأراضيها، ودنَّسوا مقدساتها، وانتهكوا محرماتها، وعاثوا في أرجائه الفساد فأصبح الجهادُ فرضاً عينياً على كلِّ قادرٍ بالنفس، والمال، وعلى كلِّ فردٍ أن يَعُدَّ نفسه ليكون جندياً بروحِه، ودمِه يجاهد في سبيل الله، وتحرير بلاده، وإنقاذ مقدساته من أيدي الطغاة المعتدين الذين اعتدوا على المسجد الأقصى المبارك أُولى القبلتين .
إنَّ المسلمين الأولين أدركوا أهمية هذه البلاد فجاهدوا في سبيلها جهاداً مستميتاً، وباعوا نفوسهم وأرواحهم رخيصةً من أجلها .
ولقد حَدَّثَ التأريخ أن هذه البلاد المقدسة كلما ألَمَّت بها ملمةٌ، أو وقعت بها نازلةٌ استصرخت من حولها فكان الغوثُ والعونُ يأتونها جماعاتٍ ووُحداناً يتنسمون منها نسمات الجنة، ويبتغون الفضل من الله والمنة .
ومنذ فجر الإسلام، وقوافلُ المجاهدين، ومواكبُ المقاتلين، ورَكْبُ الميامين تسيرُ نحو هذه البلاد المقدسة لتنال الشهادةَ على أرضها، وتلقى ربها راضيةً مرضيةً، وتَنعم في جوارِه بالحياةِ الطيبةِ، والرزق الكريم .
لقد كانت أشرفُ أُمنيةٍ، وأنبلُ غايةٍ يرجوها المؤمنُ الصادقُ من ربه أن يموتَ شهيداً في ساحات بيت المقدس؛ لِتُضم رفاتُه، ويُمزج دمُه مع دمِ الآلاف من الشهداء الأبرار الذين استشهدوا في موقعة مؤتة، واليرموك، وحطين وغيرها من المعارك الخالدة.
وأنَّ أسلافَنا الأكرمين قد سلَّموا لنا هذه البلاد المقدسةَ سالمةً نقيةً، وهي أمانةٌ في أعناقِنا علينا أن نُسلمها إلى الأجيالِ القادمةِ كما تسلَّمناها سالمةً نقيةً .
ولقد تآمرت علينا دولُ الاحتلال والدَّمار( ) في الشرق والغرب في حين غفلةٍ منا فأقامت لليهود دولةً في أرضنا، وملَّكتهُم ديارَنا ومقدساتنِا لتكون هذه الدولةُ شوكةً في قلب البلاد الإسلامية، ومصدرَ شرٍ وفساد في هذه المنطقة الحيوية الهامة من العالم، ولتكون أيضاً تكأةً يقفزون منها للاستيلاء على ما بقي من البلاد المجاورة، ولإخماد كلِّ حركةٍ إصلاحيةٍ، أو انتفاضةٍ جهاديةٍ تحرريةٍ .
وهنا علينا أن نعترف أننا بابتعادنا عن الله، وعن دينه، والعمل بتعاليمه، وإقامة حدوده، وإثارنا مصالحنَا الشخصية على مصالح الأُمة العامة، واختلاف كلمتنا، وإهمالنا إعداد العُدَّة المادية والروحية التي أمرنا الله بإعدادها، وتفرُّقنا شيعاً وأحزاباً كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون؛ كلُّ ذلك قد سهَّل للأعداء تنفيذ مؤامراتهم، وتحقيق مكائدهم فسلبوا أرضنا، وانتهكوا حرمة مقدساتنا، وساموا أهلنا الخسف والاضطهاد وسوء العذاب .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا تبايَعتُم بالعِيْنَةِ، وأخذتُم أذنابَ البقر، ورضيتُم بالزَّرعِ، وتركتُم الجهاد، سلَّطَ الله عليكم ذُلاً لا يَنْزِعُهُ حتى تَرجِعوا إلى دينكم " أحمد وأبو داود( ) .
فنحن اليوم نخوضُ معركةً مصيريةً مع عدونا الغادرِ الماكرِ، وليس لنا من سبيل إلى التَّغلُّبِ عليهم إلا بالرجوع إلى الله، والاعتصام بحبله المتين، واتباع تعاليم الإسلام ومبادئه الرشيدة، التي كان التمسك بها عند المسلمين الأوائل، والعمل بموجبها سبباً في انتصارهم على أعدائهم، وامتدادَ فتوحاتهم في الشرق والغرب .
وهذه التعاليمُ واضحة جلية : " قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرةٍ أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين " يوسف 107 .
فهي تدعوا إلى الإيمان الصادق بالله عز وجل، والاحتفاظ بالعقيدة الصحيحة، وإلى إعداد العُدَّة المادية والروحية الكافية لإرهاب الأعداء؛ كما تدعوا إلى الجهاد بالنفس والمال، والاتحاد والصبر والثبات في الميدان .
وإنَّه ممَّا يؤلمُ النفوسَ ويُدمي القلوبَ أن يَبقى عدوُ المسلمين محتلاً لبلادِهم سنوات وسنوات، ويجول فيها ويصول، ويتجبَّر ويعلوا ويتيه؛ وفي كلِّ يومٍ يظهر علينا بشيءٍ جديد؛ اعتداءات هنا وهناك، وإجراءات تعسفية بالآمنين من السكان، وقوانين ظالمة يُطرد بموجبها أصحاب الحق من بلادهم، وتصادر أموالهم وأراضيهم وممتلكاتهم، وتآمر على المسجد الأقصى المبارك تارة بإحراقه، وأخرى بإجراء الحفريات تحته وبجانبه من أجل انهياره وسقوطه لإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه بالإضافة إلى هدم العقارات الوقفية وإقامة العمارات السكنية لإسكان المهاجرين اليهود فيها لتغيير معالم بيت المقدس وتهويدها، وإزالة الصِّبغة العربية والإسلامية عنها؛ غير عابيء بالمسلمين، ولا مهتم بالعالم أجمع ! .
فاسترداد الأقصى المبارك، وتحرير الأراضي المحتلة لا يَتمُّ بالأقوال والاحتجاجات، ولا بالمسيرات والبرقيات، ولا بأي عُنصرٍ خارجٍ عن إطار الإرادة الإسلامية المخلصة وتعاليم الإسلام السَّامية التي لا ترضى لأصحابها سوى العزةِ والكرامة : " ولله العزةُ ولرسولِه وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " المنافقون 8
فالاحتجاج والمسيرات لا تُعيدُ حقاً، ولا تُرجعُ وطناً، ولا تُنقذُ مسجداً، ولا تدفعُ شراً وكلُّ من يُحاول الوصول إلى أهدافه بمثل هذه الأمور إنما يحاول عبثاً فلغةُ الاحتجاجات أصبحت في هذا الوقتِ العصيبِ وقتِ الحديدِ والنارِ - عقيمةً عديمةَ الجدوى !، فلا يَفِلُّ الحديدَ إلاَّ الحديدُ، ولا يُقابلُ القوةَ إلاَّ القوةُ، وليس للضعيفِ مكانٌ في هذه الحياة ! .
وإنه لمن أوجب الواجبات على المسلمين أن يَهُبوا هبةَ رجلٍ واحدٍ، وينفروا خِفافاً وثِقَالاً لنجدةِ الأقصى من أيدي إخوان القردة والخنازير .
فلا يحقُّ لمسلمٍ أن يَغمضَ له جِفنٌ، أو تنامَ له عينٌ والمسجد الأقصى المبارك في قبضة الأعداء وسيطرتهم .
والفرصة لا تزال سانحةً أمامنا فانتهزوها، فعلينا أن نملأ جوانبنا بالثقة بالله، وأن نُصمِّمَ العزم ونخلص في العمل، وأن نأخذ بالأسباب المجدية الموصلة إلى حقوقنا، وأن نجعل من أسباب هزيمتنا عناصرَ قوةٍ وشجاعةٍ، ومن أشلاءِ كارثتِنا مصدرَ بسالةٍ وإقدام.
وعلى المسلمين أن يعلموا : أنَّ هذه هي الأيامُ الخطيرةُ في تأريخهم؛ بل هذه هي الأوقاتُ الرهيبةُ التي تُمتحنُ فيها قوةُ إيماِنهم، وسلامةُ يقينِهم، وصدقُ عزيمتِهم، وثباتُهم على الحق والدفاع عنه حتى يُشرقَ الحقُّ بنوره، ويزهقَ الباطلُ أمامه ( ) . قال تعالى : " ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، وعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ الله وعدَه ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون " الروم 4-6 .
وبعد هذا؛ فقد جمعنا لك أخي المسلم حلولاً لرفع راية الجهاد نحو تحرير بيت المقدس من أيدي يهود، وهي حلولٌ قابلةٌ للأخذ والعطاء؛ بل أكثرها يحكمه الواقع !. لذا لن يكون الكلام عن الجهاد اليوم كلاماً ارتجالياً نظرياً تسعه الدفاتر، والخطب والمحاضرات كما بيَّنَّاه آنفاً كلاَّ؛ بل طرحاً فيه شيءٌ من الواقعية – إن شاء الله - ! .
فعند هذا؛ عذراً إليك أخي : إذا خانني اجتهادي، أو كذَّبتني آرائي؛ ولكن حسبي قول الله تعالى : " ... إنْ أُريدُ إلاَّ الإصلاحَ ما استطعتُ وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكلتً وإليه أُنيب " هود 88، وقوله : " فاتقوا الله ما استطعتم ..." التغابن 16، وقوله : " لا يكلف الله نفساً إلاَّ وسعها " البقرة 286 .
فطرحنا إذن للجهاد في أرض فلسطين، مجملٌ في طرائقَ، ومسالكٍ كثيرةٍ كما يلي :
ـ صدقُ النِّية، وقوَّةُ العزيمة، وجلاءُ الرغبة في جهادنا لليهود في أرض فلسطين .
نعم؛ لا شك أن أكثرَ المسلمين صادقون في رغبتهم في جهاد يهود، وإخراجهم من أرض فلسطين، ولا أبالغ يوم أقول : والله وبالله وتالله !؛ لو فُتح بابٌ إلى فلسطين لرأيت عجباً ما كان لك أن تَحلم به؛ فضلاً أن تراه أو تسمع به، وذلك يوم ترى المسلمين يركبُ بعضُهم بعضاً وهم يتدافعون على باب الجهاد كهولاً، وشباباً، وكباراً، وصغاراً؛ وكأني أتشنَّفُ صوتَ قائلهم : السكينةَ السكينةَ عبادَ الله !! فأرضُ فلسطين لا تسع لمليارِ من البشر !!.
إلاَّ أننا مع هذا التفاؤل الكبير ينبغي لنا ألاَّ ننسَ أمراً مهماً؛ أحسبه من الأهميَّة بمكان !، وإلاَّ ذهبت آمالُنا، وحلولُنا هباءً منثوراً أدراج الرياح كما يُراد لها من قبلُ ومن بعدُ !! .
وذلك كامنٌ في معرفةِ حقيقةٍ خطيرةٍ، وهي : أن قضايا الأمة الإسلامية لن تتغير أبداً، كما أنها ستبقى أمداً؛ إذا ما علَّقنا آمالنا، وحلولَنا يوماً من الأيام بأيدي وسياسة أكثر حكام المسلمين !! .
إن هذه الحقيقةَ ينبغي أن تكون نصب أعيننا، وقضيةً مسلَّمةً عندنا ! .
كما يجبُ علينا أن نعلم حقائقَ مهمةً، وإن سألتني عن بعض هذه الحقائقِ ؟!، أقول لك : إن العالم الإسلامي لا ينسى قضيةَ أفغانستان مع الشيوعيين، يوم انتظر المسلمون من دولةٍ إسلاميةٍ أن ترفع راية الجهاد، وأن تتقدَّم بجيوشها وعتادها لتحرِّر بلاد المسلمين من قبضة الشيوعيين !! .
وعندما طال الانتظار، ويأس أهل أفغانستان عند ذلك انتفضت حفائظ المسلمين هناك، وثار طلبة العلم، وقام المصلحون في إنقاذ بلادهم من طغيان، ووحشية النظام الشيوعي الكافر ... نعم؛ قاموا قومت الليث الكاسر، والتفَّ المسلمون حول طلبة العلم ليقوموا بواجبهم نحو بلادهم؛ ضاربين بتنديدات واستنكارات أكثر حكام المسلمين عُرض الحائط !، فكان منهم أن طهَّروا بلادَهم، ورفعوا راية الإسلام خفَّاقةً ترفرف فوق جثثِ العابثين ببلادهم ! . الله أكبر .
كما لا ننس ما صنعه أبطال المسلمين وليوث المجاهدين في أرض البوسنة والهرسك يوم أعلن العالم الغربي الكافر وقف القتال، ووضع الهدنة، وطرح السلام !!. كلُّ هذا لمَّا علم طلبة العلم والمجاهدون أن التنديدات والاستنكارات لن تفعل شيئاً !. لذا هبُّوا وحداناً وزرافات ممتثلين قول الشاعر :
قَومٌ إذا الشَّرُّ أبْدَى ناجِذَيْهِ لهمْ طَارُوا إليـه زَرَافاتٍ وَوُحْدَانـا
لا يَسْألُونَ أخاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهمْ في النَّائِباتِ عَلى مـا قَالَ بُرْهَانـا( )
وهل ينسى أحدٌ من المسلمين ما فعله رجال وأسود الشيشان يوم انتظروا أن ترفع راية الجهاد من بلاد المسلمين، أو تأتي الجيوش العربية لتنقذ مسلمي الشيشان !!، فلمَّا كان ما كان قام المجاهدون يدافعون عن أرضهم وبلادهم ورفع الظلم عن إخوانهم ... فكان لهم ما سجله التأريخ لهم، وما عَلِمَه العالَمُ الغربي أجمع عنهم، بأن هنالك رجالاً لا كالرجال، ونفوساً لا كالنفوس، وأبطالاً لا كالأبطال !! . إنهم مسلمون اشتروا الجنة بالحياة الدنيا !!، وباعوا أنفسهم من الله تعالى !! نعم : " ربحت البيعة ".
وليست أرتيريا عنا ببعيد يوم قام طلاب العلم بواجبهم نحو بلادهم ودينهم فرساناً وأبطالاً يجولون الصحاري، ويصعدون الجبال، ويخوضون البحار ... كلُّ هذا لعلمهم الصادق أن بلادهم لن تتخلص من أيدي النصارى والعلمانيين إلاَّ بدمائهم، وأرواحهم!، في حين أنهم قد ركلوا بأقدامهم ما يتشدق به غيرهم من أذناب الغرب !.
وهذه كشمير، فحدث عنها ولا حرج، يوم قامرت بقضيتها حكومةُ باكستان غير مرَّةٍ، وهذه الهندُ لم تزل تقتل منهم كيف تشاء، وتعبثُ بأرواحهم كما تشاء، والعالم الإسلامي بعدُ يستنكرُ ويندِّدُ !!، وغيرها كثيرٌ من بلاد المسلمين لا سيما جنوب الفلبين، وأندونيسية ...الخ .
ومحصَّلةُ كلامي هذا : أن نعلم أن قضية فلسطين متوقِّفةٌ على أبنائها من المسلمين، كالمجاهدين من العلماء، وطلبة العلم، والمصلحين الناصحين ... ! .
فلابد أن يقومَ أحدٌ من أبناء المسلمين هذه الأيام - خاصة - بحمل راية الجهاد، ويرفعها خفَّاقةً فوق رؤوس يهود في أرض فلسطين، أو غيرها من بلاد المسلمين . وعند ذلك سوف تلتفُّ جموع المسلمين بطريق أو آخر حوله، وسيبدأ عندئذٍ جهادُنا مع اليهود - إن شاء الله - .
كما أنَّني من هذا المكان أنادي كافة المسلمين قائلاً لهم :
" مَنَ َيأخُذُ السَّيفَ بحَقِّه " ؟!
لأجل هذا فإني أريد أن أُبرهن صدق تفاؤلنا اليوم مع يهود بموقف النبي صلى الله عليه وسلم مع يهود بني النظير !، لا سيما إذا علمنا أن قصَّة بني النظير في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مماثلةٌ في أبعادها، وأحوالها، وملابساتها بيهود اليوم في فلسطين، فما أشبه الليلة بالبارحة !، فاليهودُ يهود ولو هملجت بهم حميرُ أمريكة، أو طبَّلت لهم دولُ الكفر قاطبة ! .
كما مرَّ معنا أن يهود بني النظير قد نكثوا العهد، ونقضوا الوعد يوم أرادوا إلقاء الحجر على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، فعند هذا قام رسول عليه الصلاة والسلام بمحاصرتهم بالكتائب، وقال : " إنكم لا تأمنون عندي إلاَّ بعهدٍ تُعاهِدوني عليه، فأبوا أن يعطوه عهداً، فقاتلهم يومهم ذلك هو والمسلمون، ثمَّ غدا الغد على بني قُريظة بالخيل والكتائب – وترك بني النضير – ودعاهم إلى أن يُعاهِدوه، فعاهدوه فانصرف عنهم، وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أنَّ لهم ما أقلَّت الإبل إلاَّ الحلقة – السلاح -، فجاءت بنو النضير، واحتملوا ما أقلَّت الإبل من أمتعتهم، وأبواب بيوتهم، فيهدمونها فيحملون ما وافقهم من خشبها( ) .
ويقول ابن هشام في " سيرته" :" ونزل في بني النظير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله به من نِقمته . وما سلَّط عليهم به رسولَه صلى الله عليه وسلم، وما عَمِلَ به فيهم، فقال تعالى : " هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرُجوا، وظنُّوا أنهم مانِعتُهم حُصُونُهم من الله، فأتاهم الله من حيثُ لم يحتسبوا، وقذف في قلوبِهم الرُّعبَ يخرِّبون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين )، وذلك لهدمهم بيوتهم عن نُجُفِ أبوابهم إذا احتملوها . : " فاعتبروا يا أُولي الأبصار، ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء "، وكان لهم من الله نِقمة : " لعذَّبهم في الدنيا ) أي بالسيف : " ولهم في الآخرة عذاب النار " مع ذلك ( ) .