أمريكا وزواج المصلحة مع المسلمين المعتدلين
يوسـف قـزاز
هناك مقولة مشهورة : في السياسة لا توجد صداقة دائمة بل مصالح دائمة ، لكن الغرب يزيد على ذلك أن السياسة فن الكذب والتضليل ، وأن الغاية تبرر الوسيلة ، يقول كيسنجر : في السياسة عليك أن تبحث عن الحقيقة كما تبحث عن الإبرة في كومة القش . ونحن هنا لا نؤيد هذه الأفكار الغربية فهي تنبع من وجهة نظر خاطئة في الحياة ، ومع اقرارنا بأن في السياسة بحث عن المصالح ولكنها مصالح توافق الشرع ولا توافق الهوى ، وكل مسلم يشتغل بالسياسة لا بد أن يراعي تقوى الله أولا فلا يعصيه مهما كانت المغريات .
بدأت ثورات الربيع العربي بمشاركة واسعة لأناس فنيت أعمارهم وهم يعيشون في ظل القهر والظلم والاستعباد تحت مسميات مختلفة ، ففي تونس كان النظام يدعي حشد الجهود للتقدم ومحاربة الرجعية والتخلف ، ويدعي أنه يأخذ بأيدي الناس ليعيشوا كما يعيش الفرنسيون حريتهم ، وكي لا يبقى في البلاد فقير ولا محروم ، ويزعم أن من يقف في وجه ذلك هو دعاة التخلف والرجعية وهم المسلمون الأصوليون ، وعندما انكشف الحال بنجاح الثورة وفرار بن علي وجدنا بلدا فيه التخلف والرجعية والفقر المدقع والذل والهوان والاستعباد و... و...... ولم نجد شيئا مما ادعى النظام طوال عقود .
وفي مصر لم يختلف الحال كثيرا ، بل كان الفقر أكثر مما هو في تونس أضعافا مضاعفة ، وأذل مبارك الناس لدرجة لا يمكن تصورها ، فقد كشفت الصور التي شكلت ارهاصات الثورة ما لا يصدقه عقل ، ولا يخطر على بال عاقل ، وساد أراذل الناس وجهلائهم بدل أشرافهم وعلمائهم ، حتى قيل أن آخر انتخابات (في عهد مبارك) لمجلس الشعب قد أفرزت الكثير من تجار المخدرات ليصبحوا أعضاء في ذلك المجلس ، وما كشفت عنه الصحافة من نفوذ البلطجية كان أكثر فظاعة .
لقد أدركت أمريكا أن الدفاع عن هؤلاء الحكام يعتبر حماقة ، فهي تملك طاقما كبيرا من الخبراء في بلاد المسلمين وخصوصا في مصر . وقد توصلت إلى معادلة غاية في المكر تتلخص في أن تجعل من المعارضة حكاما ، ومن الفلول والعلمانيين معارضة ، وهي بذلك تضمن تنفيذ مشاريعها دون عناء كبير بعد ترويض الحكام الجدد . لقد ظل الناس عقودا يطالبون بالحرية والعدل والعزة والكرامة ، وكان على رأس هؤلاء علماء الناس وأشرافهم ، أفضلهم وأكرمهم استشهدوا في السجون تحت سياط جلاديهم من العلمانيين حلفاء الغرب (مصدّر الديمقراطية والحرية للعالم) . وبعد أن كسر الناس حاجز خوفهم من النظام حيث لم يبق لديهم ما يخسرونه ، أصبحت هناك حاجة أمريكية كبيرة لنوع من المعارضة تستطيع السيطرة عليها ، فتجعل منها حكام المستقبل .
ان مصلحة أمريكا في أن تجد حكاما ذوي شعبية كبيرة عند الناس وفي نفس الوقت لديهم الاستعداد الفكري والنفسي للتعامل مع أمريكا ، وذلك يعني أن يكون الحكام الجدد ممن يفتقر إلى الرؤية والهدف ، وهو ما يعبر عنه في لغة السياسة بعدم وجود رجال دولة ، فليس كل حاكم هو رجل دولة خصوصا في بلاد المسلمين . فقد استطاعت الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين أن تصنع جيلا يغلب عليهم القهر والتبعية بحيث انفصلوا عن عقيدتهم ومبدأ حياتهم ، سواء أكانوا أفرادا أم كانوا أحزابا ، وقبلوا الفهم المغلوط للإسلام بأنه دين مثل النصرانية أو اليهودية ، وبذلك صاروا بلا مشروع حضاري يشكل رؤيتهم وطموحهم ويرفع هممهم فاستكانوا . ولم ينج من الناس إلا من اعتصم بحبل الله من خلال حمل الاسلام كمبدأ والدعوة لتطبيقه كمنهاج حياة ، أنار لهم هذا الفهم الصحيح طريقهم إلى المستقبل الذي يطمحون إليه بجعل الإسلام واقعا حضاريا متميزا ينقل المسلمين من حالة الانحطاط إلى حالة العز والسؤدد التي كانوا عليها عقودا قبل أن تنتهي دولة الاسلام من الوجود بفعل التآمر والخيانة عام 1924م .
لقد هالني ما سمعته قبل أيام على قناة التركية التي تبث برامجها باللغة العربية عندما استضافت أحد مشايخ حزب النهضة التونسي ، وهو يتحدث عن الحريات ويقول أن الله وحده سيحاسب من يشرب الخمر أو يزني أما نحن فوظيفتنا تسيير أمور الحياة الدنيا ، وتذكرت ما ردده أحد أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة حماس عندما سأله مذيع الجزيرة بعد فوزه في الانتخابات عن لباس المسلمات في الشارع وهل سيتم اجبارهن على لبس الجلباب وغطاء الرأس فكان جوابه لا إكراه في الدين . إنهم ينهلون من معين واحد رغم اختلاف المكان والزمان ، فقد برروا حينها الجواب بالضعف الذي تعيشه الحركة الاسلامية ولكنهم اليوم يصرون على ذلك رغم كونهم أصحاب القوة والقرار .
يفتقر الحكام الجدد في كل من مصر وتونس إلى رؤية واضحة تنبثق من عقيدة الإسلام ، وبدلا من ذلك نراهم يتخبطون في الحكم والإدارة ، وهذا طبيعي لأنهم لم يعملوا لمثل هذا اليوم الذي يصبحون فيه حكاما ، كان حسن البنا رحمه الله يقول لسنا طلاب حكم ، ثم ساروا على هذا النهج وأقصوا من خالفه ، قبل سنوات وصف أحد مفكريهم وعلمائهم الكبار مشروع الدستور الذي وضعه حزب التحرير بأنه ترف فكري ، واليوم يتخبطون في دستور لا يقبله الله ولا عباده المخلصين لأنه يؤسس للشرك ( يشرك البشر مع الله في التشريع ) ، بل نجد صفوت حجازي يصف ذلك الدستور الذي وضعه حزب التحرير بأنه مرعب .
إن الناظر إلى أدبيات الاخوان المسلمين لا يجد لديهم رؤية سياسية تعبر عن وجهة نظر الاسلام في الحياة ، فنجدهم يقبلون فكرة الولايات المتحدة الاسلامية مثالا للحكم ، ويقبلون النظام الجمهوري دون النظر الى مخالفته لنظام الحكم في الاسلام ، ولا يرون بأسا في التعامل مع صندوق النقد والبنك الدوليين وما يتبعه من نظام ربوي للاقتصاد ، والأقبح من ذلك قبولهم الاستفتاء على تحكيم الشرع الاسلامي ، كل ذلك وغيره الكثير يأخذون به سيرا على منهاج الغرب في الحياة بما يناقض الاسلام ومشروعه الحضاري كمنهج حياة ، لذلك نجدهم اليوم عندما وصلوا إلى الحكم لم يتمكنوا من ادراك الاستحقاقات الحضارية من وجودهم على رأس هرم السلطة . وبدلا من العودة للأمة بكل أطيافها ذهبوا للتحالف مع أعداء الأمة وأعداء حضارتها يستقون منهم منهج الحكم والإدارة .
لم يعد خافيا على أحد أن الحكام الجدد في مصر وتونس يسيرون في خطى واضحة للعمل مع أمريكا في ادارتها لما يسمى الشرق الأوسط ، وذلك تأسيا بالنظام التركي الذي يرأسه أردوغان ، وقد بدا هذا الأمر واضحا في تونس بعد حادثة هجوم المتظاهرين على سفارة أمريكا هناك ، مع أنه سبقت هذا التعاون كثير من التعاملات ، كما يلحقه كل يوم المزيد والمزيد من توثيق العلاقات في أشكال المساعدات والمعونات العسكرية وغيرها . وأما في مصر فقد رأينا كيف هرع أعضاء الفريق الرئاسي المصري إلى واشنطن عندما حدثت أزمة الإعلانات الدستورية الأخيرة بما فيها الاستفتاء على الدستور ، وكيف استطاعت أمريكا اظهار الدستور الجديد على أنه الاسلام المرجو وأن اقراره يمثل سيادة الشرع في مصر ، ولم يكن ليتحقق لها ذلك لو كان الحكام في مصر يدركون الاستحقاقات الحضارية لوجودهم ، أو بعبارة أوضح لو كانوا على وعي بمشروع الأمة الحضاري الذي سيخلص المسلمين من نفوذ وهيمنة الغرب .
إن منظومة الادارة والحكم وأبرزها ما يتعلق بالسياسة والتشريع والاقتصاد تشكل الوجه الحضاري لكل أمة على وجه الأرض مهما كان حجمها أو ثروتها ، وهذه المنظومة لا بد أن تعكس وجهة النظر في الحياة ولا يجوز أن تكون اقتباسا من الأمم الأخرى مهما كانت ، لكن الناظر فيما يفعله المسلمون المعتدلون عند ممارستهم للحكم يجد أنهم يأخذون ذلك من الغرب وهو ما يدلل على افتقار هؤلاء للرؤية والهدف ، وهو أيضا ما يجعلهم أداة سهلة طيعة في يد الغرب وعلى رأسه أمريكا ، وما لم ينتبهوا إلى ما هم فيه وما هم مقدمون عليه فإن أمريكا ستجعل منهم وسيلتها في تغييب الإسلام عن العودة إلى الساحة الدولية والاكتفاء بحال التبعية التي يسير عليها أردوغان وتركيا من خلفه ، ولو كان أردوغان قد أخذ الإسلام كمشروع حضاري ومنهج حياة متميز عن الغرب وحضارته لما كانت تركيا في مثل هذا الحال اليوم ، فهل يقبلون النصيحة ويدركون فداحة ما يفعلون .
لقد التقت مصلحة أمريكا في بحثها عمن يحظى بالتأييد بين الناس ويفتقر في نفس الوقت للرؤية والهدف ، مع مصلحة الحكام الجدد الذين يحتاجون إلى من يوفر لهم منظومة الحكم والإدارة ، لقد شكلت تلك القيادة الجديدة قوة شعبية كبيرة لكنها تفتقر إلى العقل الذي يسيّر تلك القوة الشعبية لمصلحة الأمة ، فقامت أمريكا بالسيطرة على تلك القوة الكبيرة من خلال السيطرة على العقل الذي يسيطر على منظومة الحكم والإدارة . وكان ذلك زواج مصلحة تقوم به أمريكا التي تكره الاسلام والمسلمين ، بل تكره حتى النصارى الذين يعيشون في بلاد المسلمين لأنها تعتبرهم جزءا من الحضارة الاسلامية ، فهل يدرك الحكام الجدد زواج المصلحة هذا ويعملوا على إنهائه والعودة لأمتهم ومشروعها الحضاري ( خلافة على منهاج النبوة ) ؟
يوسـف قـزاز
هناك مقولة مشهورة : في السياسة لا توجد صداقة دائمة بل مصالح دائمة ، لكن الغرب يزيد على ذلك أن السياسة فن الكذب والتضليل ، وأن الغاية تبرر الوسيلة ، يقول كيسنجر : في السياسة عليك أن تبحث عن الحقيقة كما تبحث عن الإبرة في كومة القش . ونحن هنا لا نؤيد هذه الأفكار الغربية فهي تنبع من وجهة نظر خاطئة في الحياة ، ومع اقرارنا بأن في السياسة بحث عن المصالح ولكنها مصالح توافق الشرع ولا توافق الهوى ، وكل مسلم يشتغل بالسياسة لا بد أن يراعي تقوى الله أولا فلا يعصيه مهما كانت المغريات .
بدأت ثورات الربيع العربي بمشاركة واسعة لأناس فنيت أعمارهم وهم يعيشون في ظل القهر والظلم والاستعباد تحت مسميات مختلفة ، ففي تونس كان النظام يدعي حشد الجهود للتقدم ومحاربة الرجعية والتخلف ، ويدعي أنه يأخذ بأيدي الناس ليعيشوا كما يعيش الفرنسيون حريتهم ، وكي لا يبقى في البلاد فقير ولا محروم ، ويزعم أن من يقف في وجه ذلك هو دعاة التخلف والرجعية وهم المسلمون الأصوليون ، وعندما انكشف الحال بنجاح الثورة وفرار بن علي وجدنا بلدا فيه التخلف والرجعية والفقر المدقع والذل والهوان والاستعباد و... و...... ولم نجد شيئا مما ادعى النظام طوال عقود .
وفي مصر لم يختلف الحال كثيرا ، بل كان الفقر أكثر مما هو في تونس أضعافا مضاعفة ، وأذل مبارك الناس لدرجة لا يمكن تصورها ، فقد كشفت الصور التي شكلت ارهاصات الثورة ما لا يصدقه عقل ، ولا يخطر على بال عاقل ، وساد أراذل الناس وجهلائهم بدل أشرافهم وعلمائهم ، حتى قيل أن آخر انتخابات (في عهد مبارك) لمجلس الشعب قد أفرزت الكثير من تجار المخدرات ليصبحوا أعضاء في ذلك المجلس ، وما كشفت عنه الصحافة من نفوذ البلطجية كان أكثر فظاعة .
لقد أدركت أمريكا أن الدفاع عن هؤلاء الحكام يعتبر حماقة ، فهي تملك طاقما كبيرا من الخبراء في بلاد المسلمين وخصوصا في مصر . وقد توصلت إلى معادلة غاية في المكر تتلخص في أن تجعل من المعارضة حكاما ، ومن الفلول والعلمانيين معارضة ، وهي بذلك تضمن تنفيذ مشاريعها دون عناء كبير بعد ترويض الحكام الجدد . لقد ظل الناس عقودا يطالبون بالحرية والعدل والعزة والكرامة ، وكان على رأس هؤلاء علماء الناس وأشرافهم ، أفضلهم وأكرمهم استشهدوا في السجون تحت سياط جلاديهم من العلمانيين حلفاء الغرب (مصدّر الديمقراطية والحرية للعالم) . وبعد أن كسر الناس حاجز خوفهم من النظام حيث لم يبق لديهم ما يخسرونه ، أصبحت هناك حاجة أمريكية كبيرة لنوع من المعارضة تستطيع السيطرة عليها ، فتجعل منها حكام المستقبل .
ان مصلحة أمريكا في أن تجد حكاما ذوي شعبية كبيرة عند الناس وفي نفس الوقت لديهم الاستعداد الفكري والنفسي للتعامل مع أمريكا ، وذلك يعني أن يكون الحكام الجدد ممن يفتقر إلى الرؤية والهدف ، وهو ما يعبر عنه في لغة السياسة بعدم وجود رجال دولة ، فليس كل حاكم هو رجل دولة خصوصا في بلاد المسلمين . فقد استطاعت الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين أن تصنع جيلا يغلب عليهم القهر والتبعية بحيث انفصلوا عن عقيدتهم ومبدأ حياتهم ، سواء أكانوا أفرادا أم كانوا أحزابا ، وقبلوا الفهم المغلوط للإسلام بأنه دين مثل النصرانية أو اليهودية ، وبذلك صاروا بلا مشروع حضاري يشكل رؤيتهم وطموحهم ويرفع هممهم فاستكانوا . ولم ينج من الناس إلا من اعتصم بحبل الله من خلال حمل الاسلام كمبدأ والدعوة لتطبيقه كمنهاج حياة ، أنار لهم هذا الفهم الصحيح طريقهم إلى المستقبل الذي يطمحون إليه بجعل الإسلام واقعا حضاريا متميزا ينقل المسلمين من حالة الانحطاط إلى حالة العز والسؤدد التي كانوا عليها عقودا قبل أن تنتهي دولة الاسلام من الوجود بفعل التآمر والخيانة عام 1924م .
لقد هالني ما سمعته قبل أيام على قناة التركية التي تبث برامجها باللغة العربية عندما استضافت أحد مشايخ حزب النهضة التونسي ، وهو يتحدث عن الحريات ويقول أن الله وحده سيحاسب من يشرب الخمر أو يزني أما نحن فوظيفتنا تسيير أمور الحياة الدنيا ، وتذكرت ما ردده أحد أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة حماس عندما سأله مذيع الجزيرة بعد فوزه في الانتخابات عن لباس المسلمات في الشارع وهل سيتم اجبارهن على لبس الجلباب وغطاء الرأس فكان جوابه لا إكراه في الدين . إنهم ينهلون من معين واحد رغم اختلاف المكان والزمان ، فقد برروا حينها الجواب بالضعف الذي تعيشه الحركة الاسلامية ولكنهم اليوم يصرون على ذلك رغم كونهم أصحاب القوة والقرار .
يفتقر الحكام الجدد في كل من مصر وتونس إلى رؤية واضحة تنبثق من عقيدة الإسلام ، وبدلا من ذلك نراهم يتخبطون في الحكم والإدارة ، وهذا طبيعي لأنهم لم يعملوا لمثل هذا اليوم الذي يصبحون فيه حكاما ، كان حسن البنا رحمه الله يقول لسنا طلاب حكم ، ثم ساروا على هذا النهج وأقصوا من خالفه ، قبل سنوات وصف أحد مفكريهم وعلمائهم الكبار مشروع الدستور الذي وضعه حزب التحرير بأنه ترف فكري ، واليوم يتخبطون في دستور لا يقبله الله ولا عباده المخلصين لأنه يؤسس للشرك ( يشرك البشر مع الله في التشريع ) ، بل نجد صفوت حجازي يصف ذلك الدستور الذي وضعه حزب التحرير بأنه مرعب .
إن الناظر إلى أدبيات الاخوان المسلمين لا يجد لديهم رؤية سياسية تعبر عن وجهة نظر الاسلام في الحياة ، فنجدهم يقبلون فكرة الولايات المتحدة الاسلامية مثالا للحكم ، ويقبلون النظام الجمهوري دون النظر الى مخالفته لنظام الحكم في الاسلام ، ولا يرون بأسا في التعامل مع صندوق النقد والبنك الدوليين وما يتبعه من نظام ربوي للاقتصاد ، والأقبح من ذلك قبولهم الاستفتاء على تحكيم الشرع الاسلامي ، كل ذلك وغيره الكثير يأخذون به سيرا على منهاج الغرب في الحياة بما يناقض الاسلام ومشروعه الحضاري كمنهج حياة ، لذلك نجدهم اليوم عندما وصلوا إلى الحكم لم يتمكنوا من ادراك الاستحقاقات الحضارية من وجودهم على رأس هرم السلطة . وبدلا من العودة للأمة بكل أطيافها ذهبوا للتحالف مع أعداء الأمة وأعداء حضارتها يستقون منهم منهج الحكم والإدارة .
لم يعد خافيا على أحد أن الحكام الجدد في مصر وتونس يسيرون في خطى واضحة للعمل مع أمريكا في ادارتها لما يسمى الشرق الأوسط ، وذلك تأسيا بالنظام التركي الذي يرأسه أردوغان ، وقد بدا هذا الأمر واضحا في تونس بعد حادثة هجوم المتظاهرين على سفارة أمريكا هناك ، مع أنه سبقت هذا التعاون كثير من التعاملات ، كما يلحقه كل يوم المزيد والمزيد من توثيق العلاقات في أشكال المساعدات والمعونات العسكرية وغيرها . وأما في مصر فقد رأينا كيف هرع أعضاء الفريق الرئاسي المصري إلى واشنطن عندما حدثت أزمة الإعلانات الدستورية الأخيرة بما فيها الاستفتاء على الدستور ، وكيف استطاعت أمريكا اظهار الدستور الجديد على أنه الاسلام المرجو وأن اقراره يمثل سيادة الشرع في مصر ، ولم يكن ليتحقق لها ذلك لو كان الحكام في مصر يدركون الاستحقاقات الحضارية لوجودهم ، أو بعبارة أوضح لو كانوا على وعي بمشروع الأمة الحضاري الذي سيخلص المسلمين من نفوذ وهيمنة الغرب .
إن منظومة الادارة والحكم وأبرزها ما يتعلق بالسياسة والتشريع والاقتصاد تشكل الوجه الحضاري لكل أمة على وجه الأرض مهما كان حجمها أو ثروتها ، وهذه المنظومة لا بد أن تعكس وجهة النظر في الحياة ولا يجوز أن تكون اقتباسا من الأمم الأخرى مهما كانت ، لكن الناظر فيما يفعله المسلمون المعتدلون عند ممارستهم للحكم يجد أنهم يأخذون ذلك من الغرب وهو ما يدلل على افتقار هؤلاء للرؤية والهدف ، وهو أيضا ما يجعلهم أداة سهلة طيعة في يد الغرب وعلى رأسه أمريكا ، وما لم ينتبهوا إلى ما هم فيه وما هم مقدمون عليه فإن أمريكا ستجعل منهم وسيلتها في تغييب الإسلام عن العودة إلى الساحة الدولية والاكتفاء بحال التبعية التي يسير عليها أردوغان وتركيا من خلفه ، ولو كان أردوغان قد أخذ الإسلام كمشروع حضاري ومنهج حياة متميز عن الغرب وحضارته لما كانت تركيا في مثل هذا الحال اليوم ، فهل يقبلون النصيحة ويدركون فداحة ما يفعلون .
لقد التقت مصلحة أمريكا في بحثها عمن يحظى بالتأييد بين الناس ويفتقر في نفس الوقت للرؤية والهدف ، مع مصلحة الحكام الجدد الذين يحتاجون إلى من يوفر لهم منظومة الحكم والإدارة ، لقد شكلت تلك القيادة الجديدة قوة شعبية كبيرة لكنها تفتقر إلى العقل الذي يسيّر تلك القوة الشعبية لمصلحة الأمة ، فقامت أمريكا بالسيطرة على تلك القوة الكبيرة من خلال السيطرة على العقل الذي يسيطر على منظومة الحكم والإدارة . وكان ذلك زواج مصلحة تقوم به أمريكا التي تكره الاسلام والمسلمين ، بل تكره حتى النصارى الذين يعيشون في بلاد المسلمين لأنها تعتبرهم جزءا من الحضارة الاسلامية ، فهل يدرك الحكام الجدد زواج المصلحة هذا ويعملوا على إنهائه والعودة لأمتهم ومشروعها الحضاري ( خلافة على منهاج النبوة ) ؟