[rtl] أبو سمرة[/rtl]
[rtl]سامر قَطَّان[/rtl]
[rtl]لم أكن أدري، وأنا في زيارة إلى سويسرا قبل نحو عشر سنوات، أنني سـأُحرج أصدقائي السويسريين هناك بسؤال عارض خطر على بالي في سياق أحاديثنا عن موضوعات شتّى، وتَبَادُلِنا لبعض النكات والتعليقات الخفيفة، كما هي العادة في اللقاءات الأولى، وأنني عبثاً، سأحاول التراجع عنه، ولكن دون جدوى![/rtl]
[rtl]كنت العربي الوحيد في الجلسة، غير أن أحد الأصدقاء السويسريين كان يجيد العربية ويقوم بالترجمة. من قلب الدنيا وجدتني أميل نحو صديقي هامساً بسؤال: "وما اسم رئيسكم الحالي؟" فوجدته- بعد أن هرش رأسه- يميل نحو الجالس قربه، ليميل الأخير- بعد أن مطّ شفته ورفع كتفيه- نحو آخر مال بدوره، فبدوا لي مثل أحجار الدومينو إذ انخرطوا في الكلام بالألمانية، وازداد احمرارُ وجوههم جراء عدم تمييزهم (كما فهمت) بين اسم الرئيس الماضي والحالي والقادم! وهذا ما أشعرني بثقل دمي و"غلاظة" سؤالي، إذ لم أكن معنياً إن كان اسمه جون أو ألبرت أو إدغار أو عبد الجبّار!! غير أنني تورطتُ وسألتُ، وتورطوا في البحث عن الجواب الصحيح!![/rtl]
[rtl]من ارتباكهم البادي، ومن تداولهم السريع للكلام (كما لو كانوا يشاركون في مسابقةٍ قصيرةِ الوقت) همست لصديقي بأنني أسحب سؤالي، إذ أن الاسم لا يعنيني، وإنْ هو إلاّ مجرد سؤال عابر. لكن سؤالي العويص كان قد أحرجهم، كما يبدو من حركات أيديهم، فأرادوا حفظ ماء وجوههم أمامي، ولذا استمروا في التداول محاولين تذكّره!.[/rtl]
[rtl] قبل ذلك، كنتُ علمت أن منصب الرئاسة عندهم يتمّ تداوله بين سبعة أشخاص (مدة عام واحد لكل شخص) وحين تنتهي الأعوام السبعة، يتداول سبعة آخرون المنصبَ… وهكذا دواليك.[/rtl]
[rtl]ولم نكن لنتخلّص من ورطة معرفة اسم الرئيس لولا- من نِعَم الله- أنْ اقترح أحدُهم القيام بجولة في المدينة، حيث دخلنا منطقة خالية من السيارات تماماً، يكثر فيها المشاة إضافة إلى بعض راكبي الدراجات الهوائية.[/rtl]
[rtl]وفيما كان يشرح لي صديقي سبب إخلاء هذه المنطقة من السيارات وتخصيصها للمشاة، فإذ به يقطع شرحه ليهتف مشيراً بسبابته: "انظر! انظر! ذاك هو رئيس الدولة! اسمه ايريك. نعم اسمه ايريك".[/rtl]
[rtl]التفتُ إلى حيث أشارت سبابته، فلم أستطع تمييز الرئيس، فسارعت إلى سؤاله: "مَنْ منهم؟" أجابَ: "راكب الدراجة الزرقاء، تولّى الرئاسة حديثاً" استطعت تمييزه فسألته متعجباً: "هذا رئيس بلادكم؟!" قال: "بلى" قلت مندهشاً: "إنه متواضع!" قال: "مَنْ؟" قلت: "رئيسكم". فقال بنبرة حيادية كأنه يُخبر عن الوقت: "لا أدري." عقّبتُ بحميّة: "وكيف لا تدري! ألا تراه يركب دراجة؟!" قال: "منذ قليل أخبرتك أنهم منعوا السيارات هنا حفاظاً على البيئة بحيث…" قاطعته: "عرفتُ ذلك، لكنه متواضع حقاً" فسألني باستغراب: "وهل تعرفه شخصياً!؟" أجبته وقد ضاق صدري: "بالطبع لا أعرفه! ولكن لأنه يركب دراجة فلا بدّ أن يكون متواضعاً". مطّ شفتيه كأنه يستغرب استنتاجي، وجحظت عيناي مستغرباً استغرابه!!.[/rtl]
[rtl]وفيما راح صديقي يتابع شرحه عن أهمية البيئة لديهم، كنت أشعر بتعطّل في تلافيف دماغي، وبخربطة في برنامجها، فلذتُ بالصمت، ناوياً الاستمرار به طوال الأيام المتبقية لزيارتي، مكتفياً بالتصويت بـ "إمممم" على كل حديث يجري أمامي، إذ من شأن أي سؤال جديد أطرحه أن يورطني مزيداً، ويوطّن اليقين لدي من أنني جئت من كوكبٍ بعيد لأزور كوكباً آخر!!.[/rtl]