«فتح» تعاني من خلل في جسمها التنظيمي لا بدّ من معالجته.. وعلينا معرفة من ساعد بقتل عرفات
الاثنين 24 شباط (فبراير) 2014 par فاروق القدومي
كان انتقال السلطة بعد استشهاد الأخ أبو عمار انتقالاً هادئاً وسلساً حسب قناعة الجميع لعلّنا نكمل مشوارنا النضالي بعيداً عن الخلافات والتناحر حول المناصب. وجرت الانتخابات، ورشّحت حركتنا الرائدة الأخ أبو مازن ليكون رئيساً للسلطة الفلسطينية بصفته عضواً في اللجنة التنفيذية، ومهندس التسوية السياسية على أساس اتفاق إعلان المبادئ في شهر أيلول عام 1993، حيث تمّ الاعتراف المتبادل مع «إسرائيل،» واستمرت المسيرة السياسية ووقعّنا اتفاق واشنطن عام 1995، وبعد مقتل رابين اضطربت المسيرة السياسية وسارت بشكل متعرّج ومتقطّع.
كنّا نشكو في تلك المرحلة من الانفرادية في اتخاذ القرارات والفساد بكل أشكاله، وكان البعض منّا يهمس مطالباً بالإصلاح، وتطوّر أخيراً الهمس إلى العلن وشهد المجلس التشريعي نقاشات جادة بهذا الصدد. لكن الحصار الظالم الذي فرض على شعبنا منذ انطلاقة انتفاضتنا، انتفاضة الأقصى المباركة، ثم الحصار الجائر الذي فرض على المغفور له أخي الشهيد أبو عمار، قائد الثورة الفلسطينية، كانا من أسباب عدم تناول الموضوع بالعلاج بصورة شاملة، إلا من ناحية الميزانية العامة التي نظّمها الأخ د. سلام فياض بالرغم من بخله الشديد علينا.
فوجئنا بحالة التسمّم التي أصابت المغفور له الأخ أبو عمار، وأدّت إلى استشهاده، وكان واضحاً أن إسرائيل قد دبّرت هذه المكيدة لقائد الصمود الشهيد أبو عمار، فكانت صدمة قاسية لنا جميعاً، كما فوجئت قوى السلام في العالم بهذه الجريمة، وأشارت بأصابع الاتهام إلى شارون وحكومته العنصرية.
كان الواجب علينا داخل الأرض المحتلة أن نجري تحقيقاً دقيقاً مع من هم حوله بصورة جدية لنتعرف على حقائق كنّا نجهلها، ولكننا لم نفعل. ونقول: أن هذه ليست مسألة انتهاء قائد، بل أنها مسألة سياسية سنصرّ على التحقيق والاستقصاء عنها مهما طال الزمن حتى نعرف الأيدي التي امتدت بالسم «الإسرائيلي» إلى جسد الشهيد رحمه الله، ومن تعاون في هذه الجريمة.
عند تشكيل أي وزارة محلية يكون هناك تزاحما على المناصب والتي هي ظاهرة سلبية وتشهد استقالات واتهامات ، وهذا تعبير عن وجود خلل ما في جسم التنظيم الفتحاوي لا بدّ من معالجته، ولكن لا يعالج بالقرارات المتسرعة والإقالات الانفعالية، أي فرض إرادة الفرد المسؤول دون دراسة الحدث وأسبابه ونتائجه.
لقد سئمنا من الانفرادية، والتحكم في اتخاذ القرار على كل المستويات المسؤولة، فكان أن تطاولت بعض القيادات الوسطى والدنيا على مرجعيتها وعلى اللجنة المركزية وعلى أعضاء الملجس الثوري. لقد وصل الحدّ أن نشاهد عدم احترام البعض للقيادات السياسية والعسكرية بل الاعتداء عليها بوسائل وطرق مرفوضة ونمت كراهية البعض من الكوادر للبعض الآخر في الجهة الأخرى، كما أن بعض كوادر الأجهزة نسوا مهماتهم الرسمية المحدّدة حسب النظام، وأصبح الكادر يجول ويصول دون رقيب أو حسيب، ويفرض الإتاوات والخاوات، ويستزلم الأتباع وإملاء سلطته على الكوادر والتنظيم خارج حدود صلاحياته، ولا من رادع يردعه.
لا أودّ أن أسرد لكم حالات مشابهة، فلقد عايشنا هذه الظواهر والشوائب. كل ذلك جرى ويجري بعيداً عن الحساب والعقاب.
عندما كانت الأمور تحتاج إلى السرية والكتمان، كان التنظيم سرّاً من الأسرار، ولم يبقَ من الأسرار سوى عمليات المقاومة المحظورة في الوقت الحاضر، ولم يبقَ من الإخوة المنظمين سوى رجال المقاومة الذين يحملون البنادق ويدافعون عن الشعب والوطن وكرامة الثورة. وها هم اليوم يتعرضون للضغوط لينضموا إلى أجهزة الأمن بعد أن يسلموا سلاحهم، وعفى الله عنهم كل ذلك باسم عدم عسكرة المقاومة، وكأن فتح عندما انطلقت مسيرتها الثورية كانت بالمظاهرات والهتافات؟! أسألكم بالله هل الشهيد أحمد موسى (رحمه الله) الشهيد الأول في مسيرتنا الثورية ورفاقه الآخرون بعد ذلك قد استشهدوا في مظاهرات صاخبة أم في معارك بالسلاح والأحزمة الناسفة؟ رحم الله الشهيد المهندس ربحي وأبو شريف وإخوانه شهداء فتح. إسألوا من عاش معنا من المناضلين الذين ما زالوا يعيشون بينا منذ معركة الكرامةحتى الآن عام 1968.
لماذا لا نقرأ تاريخ تجربتنا الثورية والسياسية؟ ألم يكن صدامنا مسلحاً أيام نتنياهو عام 1996 ردّاً على نقض ما تمّ الاتفاق عليه، ولا أودّ أن اذكر الحقد والعنصرية التي تملأ قلوب الصهاينة عندما قام طبيب صهيوني جولدشتاين بالاعتداء على المصلين في الحرم الإبراهيمي الشريف بالخليل واستشهاد العشرات من المصلين الأبرياء عام 1995.
إسألوا أنفسكم لماذا سمّموا الشهيد الأخ أبو عمار وهو من أصحاب إعلان المبادئ؟. لأنهم يريدون مسؤولين يطيعونهم ويتفقون مع تصوراتهم، وهم ما زالوا يبنون المزيد من المستوطنات ويحكمون الحصار على شعبنا، ويغتالون المواطنين ويكذبون ويماطلون. وكل اتفاقاتهم حول المسألة الأمنية فقط، ولا تتعداها إلى قرارات سياسية وفي نفس الوقت ينكرون ويتنكرون للسلطة والمنظمة و كذلك خارطة الطريق التي اندثرت بعد أن اخترقها الرئيس بوش من خلال الضمانات التي قدّمها لشارون في 14/04/2004 فاعترف بموجبها بكل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وبعدم شرعية (حدود الهدنة عام 1949 وحدود عام 1967). وأعطى الحق لمجرم الحرب شارون في الدفاع عن النفس وكأننا نحن الذين نحتل إسرائيل، ولسنا مقاومين لجيشه المحتل.
يحاول البعض أن يقنعنا بالتهدئة، وقد لبيّنا الطلب مرات عديدة خدمة لمصالح شعبنا، وحتى لا نتهم أننا نفتقد إلى المرونة التي يمكن أن تخدم السلام أحياناً، ونقنع الرأي العام العالمي برغبتنا الأكيدة في حل سلمي عادل.
لقد سبق للعدو الإسرائيلي أن نقض مراراً بعهوده بل استمر في إرهابه واغتيال العشرات من رجال الأمن الذين أدخلناهم حسب رغبة رابين للحفاظ على النظام العام في إدارة الحكم الذاتي المحدود (رحم الله الشهيد أبو حميد مسؤول الكفاح المسلح).
ألم يغتالوا الشهيد الشيخ المقعد أحمد يس ساعة أن خرج من صلاة الفجر، هل فرّقوا بين رجل من فتح وآخر من حماس، وثالث من الشعبية يوم أن اغتالوا الشهيد أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية، ألم يغتالوا الشهيد فتحي الشقاقي من الجهاد الإسلامي.
كانت حكومة شارون في مأزق كبير، بعد أن حكمت محكمة العدل الدولية وقف البناء بالجدار العنصري الفاصل وأقرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بهذا الحكم، وطلبت من الأعضاء بالعمل على تنفيذ هذا الحكم بأغلبية 150 صوتاً، ولا بدّ أن نتابع هذا القرار.
لقد عانى شارون من التهديد الجدّي الذي لاقاه من حزبه الليكود ومن غلاة المستوطنين المتطرفين الذين يرفضون السلام، واشتدت الخلافات بين الأحزاب الإسرائيلية تشتد بسبب الممارسات الإرهابية التي مارسها جنود الاحتلال والخسائر التي مني بها الجيش الإسرائيلي بفضل المقاومة الباسلة في غزة هاشم.
لقد خرج الجيش الإسرائيلي من غزة الباسلة رغم أنفه كما خرج من لبنان الأبيّ بسبب صلابة المقاومة والمخاسر التي تكبدها ليتسنى له بناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية
سوف لن نتعرض للمستوطنين عند خروجهم من الضفة الغربية إذا بدأوا الرحيل، بل سنؤمن هذا الخروج، كما أمّنا وحمينا خروج خمسة آلاف أمريكي من بيروت خلال حرب السنتين في لبنان من 1976 إلى 1978،وبعدها ساهمنا في خروج الرهائن الأمريكيين من إيران بعد قيام الثورة الإسلامية، ولكن مقاومتنا ضدّ وجود جيش الاحتلال مستمرة بدون توقف، أساليب إسرائيل معروفة، تنكث بالعهود، تماطل في التنفيذ، تحتال على النصوص، وقادتها يكذبون كما ينتفسون، لا تحترم إسرائيل التزامتها وتخرق الاتفاقات المعقودة إذا لاحت لها الفرص، والغدر من طباع الغزاة الصهاينة.
قالوا تفاهمات، فأين هي هذه التفاهمات! عندما يدّعون أنهم سيخرجون من مدينة أريحا أولاً، بعدها إذا اقتنع الجيش الإسرائيلي أن السلطة قادرة على إدارة المدينة فسوف يخرجون من المدن الأخرى وليس من منطقة A أو B بأكملها، أما عن الإفراج عن الأسرى فتقول التفاهمات أن الأسرى الملوثة أياديهم بالدماء لن يخرجوا، وعلى الأسير الذي سيخرج، أن يكون قد أمضى 2/3 محكوميته، على أن يكون الثلث الأخير لا يزيد عن سنتين. رفضوا في تفاهماتهم غير المعلنة وقف الاستيطان، رفضوا فتح المؤسسات الفلسطينية في القدس، وعدم فتح المطار وطالبوا بضرورة القيام بإجراءات بناء الثقة، وما زالوا يصرّون على المسائل الأمنية ويبتعدون عن القضايا والمفاوضات السياسية. إذن التفاهمات المعلنة كانت تهدف لعودة سفيري مصر والأردن .
لقد قلنا أنّنا ضدّ التطبيع العربي مع إسرائيل ومن يريد أن يطبّع العلاقات مع إسرائيل لخدمة مصلحته فلا يعلّقها على الشماعة الفلسطينية.
تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية جبهة وطنية شكّلت من فصائل المقاومة والمستقلين والاتحادات والنقابات المهنية ومن القوى الفدائية… معظم هذه الفصائل والقوى أصبحت مبعدة وغير ممثلة في اللجنة التنفيذية التي تعتبر قيادة وطنية بعد أن قبلنا الدخول إلى الأرض المحتلة، وشكلت السلطة الفلسطينية، ناهيك عن بروز حركة حماس والجهاد الإسلامي وما قامتا به من جهاد بارز ضدّ قوات الاحتلال الصهيوني.
كيف يكون ادعاؤنا صادقاً بكوننا العمود الفقري لحركة المقاومة ونحن عمود منتصب دون وجود أضلع وعظام ولحم يكسو الجسد الفلسطيني المقاوم.
كيف تفسرون البيانات والنشرات التي تصدرها جماعات متنوعة من الفتحاويين على كل المستويات التنظيمية، بماذا تفسرون القوائم الترشيحية المستقلة في الانتخابات البلدية وتدّعي أنها فتحاوية الانتماء ولا يحاسبها أحد أو يطلب محاسبتها، وتكثر زيارات البعض إلى الخارج ولا يتوانَ البعض منهم في التصريح أو المقابلات الفضائية، أين هم هؤلاء من الانضباط والالتزام بالنظام؟
هناك قرارات وبرامج العمل السياسي التي لا يلتزم بها البعض، يبدو أنّنا عدنا إلى اتخاذ القرارات الانفرادية دون تردد، فحركات التحرير لا تتبع نظام التقاعد وإنهاء الخدمات بل تحافظ على كرامة العضو وتؤمن له المعيشة الكريمة عندما يصاب بمرض أو إعاقة ،وتتكفل بأسر الشهداء، وتذكروا أن وطننا تحت الإحتلال وشعبنا محاصر،تحتم الضرورة على مساندته ودعمه.
هل تظنون أن فتح في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي فتح بكل أطرها؟ تذكروا أن فتح بمعظم كوادرها قد ولدت في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وسوريا، لبنان والعراق ومصر، ومعظم شهداء الثورة الفلسطينية سقطوا ونحن نكافح انطلاقاً من قواعد في أراضي الجوار العربي. إن ثورتنا بحاجة إلى أسوار وجدران الجوار العربي القومية المتماسكة والصامدة ويجب أن لا نيأس أو تتراخى عزيمتنا مهما جابهنا من عوائق وصعوبات، كما أننا ندعم ونساند كل الشعوب الإسلامية المتعاطفة والمتضامنة معنا.
كان قد قرّر المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية أن المرجعية السياسية والتشريعية للسلطة الفلسطينية هي منظمة التحرير الفلسطينية، حدّد المجلس الوطني عدد أعضاء المجلس الوطني في الضفة والقطاع (بـ87…) وأصبح بعد ذلك 132،وهم أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني.
ولكن لا بدّ لي أن أذكر الجميع أن تجاوز الأنظمة والقوانين والاتفاقات المعقودة أمر خطير لن نسمح به لأننا نحترم النظام والقانون ويجب أن لا تتعدى قراراتنا هذه الأنظمة وإلا سادت الفوضى واختلط الحابل بالنابل.
مازال الكونغرس الأمريكي يعتبر منظمة التحرير الفسطينية منظمة إرهابية، ويطلب من الرئيس الأمريكي أن يقدّم طلباً للسماح له بالتعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية مرة كل ستة أشهر.
أما الدول الأوروبية فلا تعترف بمنظمة التحرير، وأنما سمحت لنا بوجود مكاتب وممثلين كمفوضية فلسطينية أو مفوضية فلسطين مع بعض التسهيلات لأعضاء المفوضية لإنهاء فعالية ودور منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا الفلسطيني.
أما الدول الشرقية والآسيوية والإفريقية والعربية فلدينا فيها سفارات معتمدة ويقدّم هؤلاء السفراء للدول الشقيقة والصديقة أوراق اعتمادهم رسمياً كممثلين للدولة الفلسطينية وليس لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ما دمنا في مرحلة المقاومة، وأرضنا محتلة، فعلينا أن نراعي هذا الوضع الذي نفتقد فيه إلى السيادة والاستقلال وحرية التحرك، ولا نخدع أنفسنا بتسميات كاذبة حفاظاً على كرامتنا.
يبدو أن أمريكا التي طالبتنا بدستور مؤقت وبرئيس وزراء فلسطيني وبسلطة فلسطينية وبانتخابات تشريعية، أردات بها أن تستبعد منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وأن تجعل السلطة الوطنية تمثل الشعب الفلسطيني. وبذلك أهملت قضية اللاجئين وأصبحت قضية هامشية يمكن القفز عنها، وأن الشعب الفلسطيني هو من يقطن الضفة والقطاع، والدليل أن من كان يدخل الضفة والقطاع كان يعطى إقامة وليست بطاقة مواطنة كالمواطنين الذين كانوا في الأراضي الفلسطينية عندما حلَّ الاحتلال البغيض.