الالتفاف على الثوابت والالتفاف حولها
قال وزير أوقاف سلطة بيع فلسطين محمود الهباش بأن يوم 17 مارس سيكون يومًا للالتفاف حول الثوابت، وأن عباس يجب أن يذهب لواشنطن بدعم شعبي، وكانت حركة فتح قد نظمت بعض الوقفات تحت شعار دعم عباس في مواجهة الضغوط الأميركية حسب ظنهم، وقال سفير السلطة لدى مصر بركات الفرانحن معك لأجل عودة اللاجئين بموجب قرار الأمم المتحدة 194 ووفق مبادرة السلام العربية ومعك حتى تحرير الأسرى من سجون الاحتلال)!
للتعليق على هذه الأحداث يتوجب علينا أولا الوقوف على ماهية الثوابت، ومن الذي يحددها؟
عند الحديث عن قضية إسلامية شرعية كقضية فلسطين فإن ما يتعلق بها يحدده الشرع لا العقل ولا الدول الاستعمارية وأدواتها من أشباه الزعماء، ففلسطين أرض خراجية مقدسة، أي أنها ملك للأمة الإسلامية جمعاء، من سبق منها ومن هو حاضر ومن هو لاحق إلى يوم القيامة، وكذلك هي أرض مقدسة مباركة فيها قبلة المسلمين الأولى، ومنها عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وإليها أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة، وترابها خالطه دماء الصحابة الأبطال ومن خلفهم من المجاهدين للحفاظ عليها خالصة للمسلمين.
فهي ليست مجرد عقارات أو أملاك شخصية، إنها أرض الإسراء والمعراج، وقضيتها قضية حرب بين إسلام وكفر وليست قضية مقايضة أو تعويض، وهي ليست قضية بيتي وأرضي إنها قضية أرض إسلامية خراجية مقدسة يحتلها الكفار المجرمون، ويجب إعادتها لسلطان المسلمين وليس عودة بعض أهلها إليها مع بقاء سلطان الكافرين المحتلين.
لذلك فإن التعامل مع قضية فلسطين لا يكون إلا بالأحكام الشرعية المتعلقة بها، وليس بتجريدها من حقيقتها وتصويرها على أنها مجرد قضية أرض أو عقارات يمكن التفاهم حولها و المتاجرة بجزء منها مهما صغر أو كبر، وما دامت الأحكام الشرعية هي التي تحدد ما يتعلق بهذه الأرض المقدسة، فإن ثوابت هذه القضية تحددها الأحكام الشرعية وليس أهل فلسطين أو السلطة أو حكام العرب أو حتى المسلمين جميعًا.
ومن أهم الثوابت المتعلقة بقضية فلسطين هو أنه لا يجوز بحال من الأحوال التصرف بجزء منها ومنحه للمحتل مهما كانت المبررات ومهما طال الاحتلال، فإن الأمة ولّادة الأبطال لن تلبث أن تستعيد وعيها وتستجمع قوتها وتقضي على كيان يهود، كما قضت من قبل على التتار والصليبيين وقهرتهم في معارك فاصلة حاسمة.
وأما ما يروج له على أنه ثوابت ويسمونها وطنية، فإن فلسطين ليست حقًا فلسطينيًا، بل هي حق إسلامي، وما يضعونه من ثوابت تتغير وتنحدر كل جولة مفاوضات ما هي إلا ما تسمح به أميركا وتطمح إليه ضمن خطة حل الدولتين، فقد كانت ثوابتهم تقول أن فلسطين كلها لأهل فلسطين، ثم صارت فلسطين عند رئيس السلطة هي 22% من فلسطين، والباقي ليس فلسطين، كما قال في إحدى لقاءاته: فلسطين بالنسبة لي هي على حدود الـ67 فقط، وهذا هو الآن وإلى الأبد.!
وكانت من ثوابتهم المزعومة وقف الاستيطان، ثم انحدرت إلى تجميد الاستيطان، ثم ها هو الاستيطان يتغوّل والمفاوضات تستمر، وكانت من ثوابتهم المزعومة عدم القبول باتفاق إطاري وعدم تمديد فترة التسعة الأشهر، ثم لعقوا لاءاتهم كلها وقالوا بقبول كل ذلك، والحقيقة أنه ليس لدى السلطة سوى ثابت واحد وهو المفاوضات حتى إنهاء تصفية قضية فلسطين.
فالسلطة كمشروع استعماري لتصفية قضية فلسطين التفت على ثوابت الأمة الإسلامية وثوابت الدين الإسلامي، وزيفت الهوية الإسلامية إلى هوية وطنية مزعومة، وجردت قضية فلسطين من حقيقتها الإسلامية، تحت شعار الثوابت الوهمية المزيفة وتحت شعار الالتفاف حولها، والحقيقة أن الالتفاف حول ثوابت السلطة هو التفاف على ثوابت الإسلام وثوابت الأمة الإسلامية.
وما تريده السلطة الآن هو التغرير ببسطاء التفكير من الناس واللعب على وتر المشاعر وتمرير المغالطات بتصوير عباس كبطل حرب تحرير، لأنه لا يريد حتى الآن الاعتراف بيهودية الكيان، والحقيقة أن هؤلاء البسطاء المحبون لفلسطين يتم جرفهم نحو تأييد بيع فلسطين وهم لا يشعرون، من خلال التصوير لهم بأن عباس يواجه ضغوطًا ليتنازل وهو ثابت على المبادئ!!
إنها مغالطة مستهلكة، لأن طريق الخيانة والتفاوض على الأرض المقدسة مرفوض مبدئيًا بغض النظر عن الأداء،وتأييد عباس في رفضه الاعتراف بيهودية "إسرائيل"، دون الجهر برفض الاعتراف بـ"إسرائيل" أساسًا، يعني تأييد الاعتراف بـ"إسرائيل"، وتأييد مبدأ التفاوض وما نتج عنه حتى الآن..
ورفع الشعار الذي يتحدث عن كافة الحقوق الشرعية بالتوازي مع تأييد المفاوضات وما نتج عنها، يعني أن 78% من فلسطين من حق يهود، وأن حق المخدوعين هو 22% حسب "الشرعية" الدولية!
فأي موقف لتأييد عباس تحت غطاء رفض يهودية الكيان هو في حقيقته تأييد للمفاوضات التصفوية، وتأييد لبيع معظم فلسطين.
إن عباس وسلطته باعوا فعلاً معظم فلسطين، ومهما باعوا فلن يرضى عنهم يهود حتى يستهلكوهم ويلقوا بهم إلى حيث يستحقون من مثوى، وإن فظائع السلطة بحق فلسطين وأهلها كشمس ساطعة لا يمكن حجبها بشاش أو غربال، ولن تلبث الغشاوة أن تزول عن بعض البسطاء، ليرجع المنتفعون والمضللون خائبي المسعى.
فهذه السلطة حولت أهل فلسطين إلى جنود شغلهم الشاغل حماية أمن الاحتلال ومنع استخدام السلاح ضده، وهذه السلطة تنادي باحتلال صليبي لفلسطين لمحاربة "الإرهاب"، وهذه السلطة تاجرت بأعراض بناتنا لإرضاء الغرب، وهذه السلطة أعطت 78%من فلسطين ليهود، وهذه السلطة لا تريد إغراق كيان يهود باللاجئين!، و..
فكيف لعاقل أن يؤيدها أو يقف معها؟
وإن مما هو خير لأهل فلسطين ولفلسطين رفض مبدأ المفاوضات الذي ضيّع فلسطين، وإعلان البراءة من المفاوضات والقائمين عليها، والإعلان أن كيان يهود ليس له حق في ذرة تراب من فلسطين المباركة.
وبهذا ينصرون أرض الإسراء والمعراج ولا يخذلونها، وليذهب المفاوضون على أرضكم المقدسة إلى مزابل التاريخ.
016-03-2014م