Seif_eldawla@hotmail.com
هى حكاية حزينة وقديمة و معلومة للجميع، ولكن قد تستدعى الظروف أحيانا قليلا من التذكرة :
حين حصلت مصر والأقطار العربية على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، قامت الشعوب العربية بكل براءة وحسن نية، بتفويض قادتها العسكريين للحكم .
وتنازلت لهم عن العديد من حقوقها السياسية، مقابل تكليفهم بالقضاء على الفقر والظلم والاستعباد والاستعمار، واستكمال معارك الاستقلال، و تحرير فلسطين، وتحقيق حلم الوحدة العربية،
وسارت الأمور فى البداية على ما يرام رغم بعض التجاوزات : فاستقلت عدة أقطار عربية وكادت الوحدة ان تتحقق بين مصر وسوريا وأُممت قناة السويس وتفجرت الثورة الجزائرية والفلسطينية ...الخ ، إلى أن انقلبت الأمور بعد سنوات قليلة رأسا على عقب وآلت الى ما آلت اليه من بيع فلسطين والصلح مع إسرائيل واحتلال العراق والاقتتال العربي العربى والارتماء فى أحضان الأمريكان مع الاستئثار بالحكم والسلطة والثروة .
***
فلما حاولت الشعوب أن تسحب تفويضها وأن تغير أنظمتها وان تسترد زمام أمورها، ما كان من هذه الأنظمة العسكرية الا انها تمسكت بالسلطة الى آخر نفس وقاومت بشراسة كل محاولات التغيير وقامت بمطاردة واضطهاد كل معارضيها وعصفت بالحياة السياسية واستبدلتها بقبضة أمنية وبوليسية حديدية وزجت بالناس فى السجون والمعتقلات وأعادت نظام التوريث الى الحكم، وزورت الانتخابات والاستفتاءات وزورت الوعي والثقافة والتعليم والإعلام، وصنعت جيوشا من الانتهازيين والمنافقين والمخبرين والمرتزقة لتواجه بهم شعوبها، وأضفت على نفسها ستارا حديديا وقدسية زائفة بذريعة انها أنظمة عسكرية تحمى الأوطان من الأخطار الخارجية، وان فى إسقاطها او رحيلها تهديدا للأمن القومى، وأن البديل عنها هو الفوضى كما قال مبارك فى آخر أيامه.
حينها فقط أدركت الشعوب خطأها التاريخي و تعلمت درس عمرها، بانه لا تفويض لأحد بعد اليوم كائنا من كان، وان الشعوب وحدها هى القادرة على تحقيق أحلامها فى الحرية والاستقلال والعدالة والوحدة، وتفجرت ثورات الغضب العربى .
***
ولو كانت استمرت، لتمكنت من تحقيق أحلام الشعوب، ولاستطاعت، ان عاجلا أم آجلا، أن تنتصر وتنجح. ولكن ما حدث هو أن الأنظمة القديمة العميقة، وظفت كل امكانياتها و بذلت كل جهودها للارتداد على الثورات وإفشالها وتعويق مسارها، والانقضاض على الثوار، وبث الفرقة بين تياراتها، مستفيدة من الأخطاء الجسيمة التى ارتكبها الجميع. ثم شرعت فى إعادة الأمور الى ما كانت عليه، وكان لابد لها من رواية تروج بها لعودتها الى صدارة المشهد مرة أخرى.
وكانت الرواية هى أن الثلاث سنوات الماضيات أثبتت أن الثورات و الحريات، فوضى و شر مبين، وأنه لو تركت البلاد للتيارات السياسية لخربتها، اسلامية كانت أم مدنية، فهم قوم لا يعتمد عليهم، معدومو الخبرة بشئون الدولة وإدارتها، وغالبية قادتهم ارهابيون أو خونة وعملاء أو مرتزقة، وأن الأمل الوحيد هو تنصيب وزير الدفاع رئيسا للجمهورية، وتسليم البلد للقوات المسلحة، لتضبط ايقاعها و تعيد الأمور الى نصابها، وتنقذ ما يمكن إنقاذه وان تطبق قبضتها الحديدة من جديد على الجميع، وتعيد الاستقرار المفقود منذ الثورة، تعيدنا الى ما كان قائما قبل 25 يناير 2011 .
فى مواجهة هذه الرواية التى تأثر بها قطاع عريض من الرأى العام بسبب ماكينات الاعلام الجهنمية الموحدة، كان لابد من التذكرة بحكايتنا معهم؛ مع الانظمة العسكرية.
*****
القاهرة فى 14 ابريل 2014