الــتــشبيه
( شــبــه)
لغـة: الشِبْه: ضرب من النُّحاس يُلْقى عليه دواء فَيَصْفـر، وسمِيَّ شبها ، لأنَّه شُبِّهَ بالذهب ، لذا يقال : عنده أواني الشَبَه والشِبْه ، أي من النحاس الأصفر.[1] وفي فلان شَبَهٌ من فلان ، وهو شَبَهه وشِبْهُهُ، أي: شبيهه.
وتقول : شَبَّهْتُ هذا بهذا ، وأَشْبَهَ فلان فلانا ، وقال عزَّ وجل : "آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَر مُتَشَابِهات " [2] ، أي: يُشبه بعضها بعضا.[3]
وتَشَبَّهَ به : ماثله وجاراه في العمل ، ومنه : الشِبْهُ والشَّبه أي المِثْل ، والجمع : أشْباه .[4]
اصطلاحا :
الشبيه هو المثيل ، فأشبه الشيء إذا ماثله ، والتشبيه عند علماء العربية وبشكل خاص علماء البلاغة ، هو واحد من فنون البيان التي أضفت على الصورة الشعرية وغيرها جمالية خاصة ، وصارت مبعثا للتباهي بين الشعراء وفرسان الكلام، فهذا بشار بن برد عندما سُئل بِمَ فُقْتَ أهل عمرك ، وسبقتَ أبناء عصرك ؟ قال : 'لأنِّي لم أقبل كلَّ ما تُورده عليَّ قريحتي ويبعثه فكري ، ونظرتُ إلى مغارس الفِطَن ، ومعادن الحقائق ولطائف التشبيهات ، فَسِرْتُ إليها بفكر جيِّد وغريزة قوية ، فأحْكَمْتُ سَبْرَهَا ، وانْتَقَيْتُ حُرَّهَا ، وكشفتُ عن حقائقها ."[5]
أدوات التشبيه :
أشهر أدوات التشبيه المعروفة في النحو العربي ، الكاف و" كأنَّ " ، وعلى نهجهم صار ابن هشام في الحديث عن الأدوات التي تُؤدِّي هذا المعنى .
- الكـاف :
الكاف حرف جر ، يجر الظاهر ، يقع أصليا وزائدا ، وأشهر معانيه :التشبيه ، بل هو أصل معانيها ، وقد اقتصر عليه شيخ النحويين سيبويه في قوله: " وكاف التشبيه التي تجيء للتشبيه ، وذلك قولك : أَنْتَ كَزَيْدٍ ."[6]
وأطلق عليه اسم " كاف التشبيه " أي أنَّ الكاف المفردة لم ترد في العربية إلاَّ لمعنى التشبيه ، ويبدو ذلك واضحا في قوله : فأمَّا ما كان من هذه الحروف ...فإنَّ منها " كاف التشبيه " التي في قولك: أَنْتَ كَزَيْدٍ ، ومعناه : مثل زيدٍ..."[7]
ولم يذكر الزجاجي في كتابه حروف المعاني للكاف المفردة غير معنى التشبيه[8]، وهذا يؤيد ما ذكره المرادي بقوله : " لم يثبت أكثر النحاة غير هذا المعنى. "[9]
ولم يخرج ابن هشام عن إجماع النحاة في هذا الأمر ، فهو وإن ذكر للكاف المفردة خمسة معان ، إلاَّ أنَّه جعل في مقدمتها معنى التشبيه ، وهذا دليل على أنَّه المعنى الأصلي الذي تُفيده ، فقد جرت العادة عند النحويين أن يذكروا المعنى الأول والأصلي الذي تُعرف به أداة من الأدوات النحوية ، ثم يذكروا بعدها المعاني الأخرى التي تخرج إليها.
و يزخر القرآن الكريم بآيات عديدة أدَّت فيها الكاف المفردة معنى التشبيه ، لم يذكرها ابن هشام ، إذ اكتفى بالمثال الذي يتردَّد كثيرا في كتب اللغة
العربية عند الحديث عن هذا المعنى ، وهو : "زَيْدٌ كَالأَسَدِ "[10] ، ومن هذه الآيات الكريمة نذكر :
قوله : " فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ "[11] ، وقوله : " إنَّما مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ"[12] ، وقوله :" وَلَهُ الجَوَارِ المُنْشَآتُ فِي البَحْرِ كَالأَعْلاَمِ "[13]
- كَــأَنَّ:
قال أغلب النحاة بالتركيب في " كَأَنَّ " ، فهي مركبة عند الخليل وسيبويه [14]والأخفش وعند جمهور النحويين ، فأصلها عندهم "إِنْ " لحقتها كاف التشبيه ، حتَّى ادَّعى ابن هشام وابن الخبَّاز الإجماع عليه "[15] ، فالأصل في قولك : كَأَنَّ زَيْداً أَسَدٌ ، إِنَّ زَيْداً كَأَسَدٍ ، ثم قُدِّم حرف التشبيه اهتماما به ..."[16]
ونصادف مثل هذا الكلام عند ابن جني في كتابه الخصائص في باب أسماه : باب إصلاح اللفظ ، جاء فيه : " ومن إصلاح اللفظ قولهم : كَأَنَّ زَيْداً عَمْرو ، اعلم أنَّ أصل هذا الكلام : زَيْدٌ كَعَمْرو ، ثًمَّ أرادوا توكيد الخبر فزادوا فيه " إنَّ"
فقالوا : إِنَّ زَيْداً كَعَمْرو ، ثُمّ إِنَّهم بالغوا في توكيد التشبيه ، فقدَّموا حرفه إلى أوَّل الكلام ، عناية به وإعلاما أنَّ عقد الكلام عليه ، فلمَّا تقدَّمت الكاف وهي جارة ، لم تَجُزْ أن تُباشِر " إِنَّ " لأَنَّها ينقطع عنها ما قبلها من العوامل ، فوجب لذلك فتحها ، فقالوا : كَأنَّ زَيْداً عمرو ..."[17]
وعلى خلاف إجماع النحاة ، ذهب ابن هشام إلى القول ببساطتها ، وهو يعترف أنَّه قول لبعضهم ، لا لأغلبهم [18]، وهو ما حذا بالسيوطي إلى القول بأنَّ القول ببساطتها قول شرذمة ، أي قلة قليلة منهم.[19]
وذكر لها النحاة أربعة معان ، ومنهم ابن هشام ، ما يهمنا منها معنى التشبيه، فهو الغالب عليها، ففي الجنى الداني : " " الأول – من معانيها – التشبيه ، ولم يثبت لها أكثر البصريين غيره ، قال ابن مالك : هي للتشبيه المُؤكد ؛ فإنَّ الأصل: إنَّ زيداً كالأسد ، فقدمت الكاف ، وفُتحت أنَّ ، صار الحرفان حرفا واحدا مدلولا به على التشبيه و التوكيد "[20]، وفي شرح الكافية الشافية : " وكَأَنَّ للتشبيه. "[21]
وذكر ابن السيَّد البطليوسي أنَّ " كأَنَّ لا تكو ن للتشبيه إلاَّ إدا كان خبرها اسما جامدا نحو: كَأنَّ زَيْداً أَسَدٌ، بخلاف ما كان إذا الخبر مشتقا، كأنّ زيدا قائم، مفردا أو محذوفا متعلقا به جار ومجرور أو ظرف ، أو جملة فعلية.
وظاهر كلام ابن هشام أنَّها للتشبيه مطلقا سواء أكان خبرها جامدا أو مشتقا .[22]
وقال الرضي : " والأولى أن يقال : هي للتشبيه أيضا ، والمعنى : كَأَنَّكَ شخص قائم ، حتى يتغاير الاسم والخبر حقيقة، فيصح تشبيه أحدهما بالآخر ..."[23]
فالأداة " كَأنَّ " من أبرز معانيها التشبيه كالكاف ، وإذا كان ابن هشام لم يُوَضِّح لنا الفرق القائم بين التشبيه في كليهما ، فإنَّ غيره من النحاة جعل التشبيه بالكاف أصلا والتشبيه بـ " كَأَنَّ " فرعا محمولا عليها ، ومعنى التشبيه في الحالتين مُختلِف ، ويوضِّح ابن يعيش هذا الاختلاف : "فما الفرق بين الأصل والفرع في " كَأنَّ "؟ قيل : التشبيه في الفرع أقعد منه في الأصل ؛ وذلك إذا قلت : زيدٌ كالأسد ، فقد بنيت كلامك على اليقين ، ثم طرأ التشبيه بعد، فسري من الآخر إلى الأول ، وليس كذلك في الفرع الذي هو قولك : كأَنَّ زَيْداً أَسَدٌ ، لأنَّك بنيت كلامك من أوَّله على التشبيه ."[24]
فالخلاف الحاصل بينهما مردُّه إلى التغيير والتباين الحاصلين في موقعيهما ، ويؤكِّد هذا القول ابن جني بقوله : " ويدلك على أنَّ الشيئين إذا خُلِطا حدث لهما حُكم ومعنى ، لم يكن لهما قبل أن يمتزجا ."[25]
( شــبــه)
لغـة: الشِبْه: ضرب من النُّحاس يُلْقى عليه دواء فَيَصْفـر، وسمِيَّ شبها ، لأنَّه شُبِّهَ بالذهب ، لذا يقال : عنده أواني الشَبَه والشِبْه ، أي من النحاس الأصفر.[1] وفي فلان شَبَهٌ من فلان ، وهو شَبَهه وشِبْهُهُ، أي: شبيهه.
وتقول : شَبَّهْتُ هذا بهذا ، وأَشْبَهَ فلان فلانا ، وقال عزَّ وجل : "آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَر مُتَشَابِهات " [2] ، أي: يُشبه بعضها بعضا.[3]
وتَشَبَّهَ به : ماثله وجاراه في العمل ، ومنه : الشِبْهُ والشَّبه أي المِثْل ، والجمع : أشْباه .[4]
اصطلاحا :
الشبيه هو المثيل ، فأشبه الشيء إذا ماثله ، والتشبيه عند علماء العربية وبشكل خاص علماء البلاغة ، هو واحد من فنون البيان التي أضفت على الصورة الشعرية وغيرها جمالية خاصة ، وصارت مبعثا للتباهي بين الشعراء وفرسان الكلام، فهذا بشار بن برد عندما سُئل بِمَ فُقْتَ أهل عمرك ، وسبقتَ أبناء عصرك ؟ قال : 'لأنِّي لم أقبل كلَّ ما تُورده عليَّ قريحتي ويبعثه فكري ، ونظرتُ إلى مغارس الفِطَن ، ومعادن الحقائق ولطائف التشبيهات ، فَسِرْتُ إليها بفكر جيِّد وغريزة قوية ، فأحْكَمْتُ سَبْرَهَا ، وانْتَقَيْتُ حُرَّهَا ، وكشفتُ عن حقائقها ."[5]
أدوات التشبيه :
أشهر أدوات التشبيه المعروفة في النحو العربي ، الكاف و" كأنَّ " ، وعلى نهجهم صار ابن هشام في الحديث عن الأدوات التي تُؤدِّي هذا المعنى .
- الكـاف :
الكاف حرف جر ، يجر الظاهر ، يقع أصليا وزائدا ، وأشهر معانيه :التشبيه ، بل هو أصل معانيها ، وقد اقتصر عليه شيخ النحويين سيبويه في قوله: " وكاف التشبيه التي تجيء للتشبيه ، وذلك قولك : أَنْتَ كَزَيْدٍ ."[6]
وأطلق عليه اسم " كاف التشبيه " أي أنَّ الكاف المفردة لم ترد في العربية إلاَّ لمعنى التشبيه ، ويبدو ذلك واضحا في قوله : فأمَّا ما كان من هذه الحروف ...فإنَّ منها " كاف التشبيه " التي في قولك: أَنْتَ كَزَيْدٍ ، ومعناه : مثل زيدٍ..."[7]
ولم يذكر الزجاجي في كتابه حروف المعاني للكاف المفردة غير معنى التشبيه[8]، وهذا يؤيد ما ذكره المرادي بقوله : " لم يثبت أكثر النحاة غير هذا المعنى. "[9]
ولم يخرج ابن هشام عن إجماع النحاة في هذا الأمر ، فهو وإن ذكر للكاف المفردة خمسة معان ، إلاَّ أنَّه جعل في مقدمتها معنى التشبيه ، وهذا دليل على أنَّه المعنى الأصلي الذي تُفيده ، فقد جرت العادة عند النحويين أن يذكروا المعنى الأول والأصلي الذي تُعرف به أداة من الأدوات النحوية ، ثم يذكروا بعدها المعاني الأخرى التي تخرج إليها.
و يزخر القرآن الكريم بآيات عديدة أدَّت فيها الكاف المفردة معنى التشبيه ، لم يذكرها ابن هشام ، إذ اكتفى بالمثال الذي يتردَّد كثيرا في كتب اللغة
العربية عند الحديث عن هذا المعنى ، وهو : "زَيْدٌ كَالأَسَدِ "[10] ، ومن هذه الآيات الكريمة نذكر :
قوله : " فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ "[11] ، وقوله : " إنَّما مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ"[12] ، وقوله :" وَلَهُ الجَوَارِ المُنْشَآتُ فِي البَحْرِ كَالأَعْلاَمِ "[13]
- كَــأَنَّ:
قال أغلب النحاة بالتركيب في " كَأَنَّ " ، فهي مركبة عند الخليل وسيبويه [14]والأخفش وعند جمهور النحويين ، فأصلها عندهم "إِنْ " لحقتها كاف التشبيه ، حتَّى ادَّعى ابن هشام وابن الخبَّاز الإجماع عليه "[15] ، فالأصل في قولك : كَأَنَّ زَيْداً أَسَدٌ ، إِنَّ زَيْداً كَأَسَدٍ ، ثم قُدِّم حرف التشبيه اهتماما به ..."[16]
ونصادف مثل هذا الكلام عند ابن جني في كتابه الخصائص في باب أسماه : باب إصلاح اللفظ ، جاء فيه : " ومن إصلاح اللفظ قولهم : كَأَنَّ زَيْداً عَمْرو ، اعلم أنَّ أصل هذا الكلام : زَيْدٌ كَعَمْرو ، ثًمَّ أرادوا توكيد الخبر فزادوا فيه " إنَّ"
فقالوا : إِنَّ زَيْداً كَعَمْرو ، ثُمّ إِنَّهم بالغوا في توكيد التشبيه ، فقدَّموا حرفه إلى أوَّل الكلام ، عناية به وإعلاما أنَّ عقد الكلام عليه ، فلمَّا تقدَّمت الكاف وهي جارة ، لم تَجُزْ أن تُباشِر " إِنَّ " لأَنَّها ينقطع عنها ما قبلها من العوامل ، فوجب لذلك فتحها ، فقالوا : كَأنَّ زَيْداً عمرو ..."[17]
وعلى خلاف إجماع النحاة ، ذهب ابن هشام إلى القول ببساطتها ، وهو يعترف أنَّه قول لبعضهم ، لا لأغلبهم [18]، وهو ما حذا بالسيوطي إلى القول بأنَّ القول ببساطتها قول شرذمة ، أي قلة قليلة منهم.[19]
وذكر لها النحاة أربعة معان ، ومنهم ابن هشام ، ما يهمنا منها معنى التشبيه، فهو الغالب عليها، ففي الجنى الداني : " " الأول – من معانيها – التشبيه ، ولم يثبت لها أكثر البصريين غيره ، قال ابن مالك : هي للتشبيه المُؤكد ؛ فإنَّ الأصل: إنَّ زيداً كالأسد ، فقدمت الكاف ، وفُتحت أنَّ ، صار الحرفان حرفا واحدا مدلولا به على التشبيه و التوكيد "[20]، وفي شرح الكافية الشافية : " وكَأَنَّ للتشبيه. "[21]
وذكر ابن السيَّد البطليوسي أنَّ " كأَنَّ لا تكو ن للتشبيه إلاَّ إدا كان خبرها اسما جامدا نحو: كَأنَّ زَيْداً أَسَدٌ، بخلاف ما كان إذا الخبر مشتقا، كأنّ زيدا قائم، مفردا أو محذوفا متعلقا به جار ومجرور أو ظرف ، أو جملة فعلية.
وظاهر كلام ابن هشام أنَّها للتشبيه مطلقا سواء أكان خبرها جامدا أو مشتقا .[22]
وقال الرضي : " والأولى أن يقال : هي للتشبيه أيضا ، والمعنى : كَأَنَّكَ شخص قائم ، حتى يتغاير الاسم والخبر حقيقة، فيصح تشبيه أحدهما بالآخر ..."[23]
فالأداة " كَأنَّ " من أبرز معانيها التشبيه كالكاف ، وإذا كان ابن هشام لم يُوَضِّح لنا الفرق القائم بين التشبيه في كليهما ، فإنَّ غيره من النحاة جعل التشبيه بالكاف أصلا والتشبيه بـ " كَأَنَّ " فرعا محمولا عليها ، ومعنى التشبيه في الحالتين مُختلِف ، ويوضِّح ابن يعيش هذا الاختلاف : "فما الفرق بين الأصل والفرع في " كَأنَّ "؟ قيل : التشبيه في الفرع أقعد منه في الأصل ؛ وذلك إذا قلت : زيدٌ كالأسد ، فقد بنيت كلامك على اليقين ، ثم طرأ التشبيه بعد، فسري من الآخر إلى الأول ، وليس كذلك في الفرع الذي هو قولك : كأَنَّ زَيْداً أَسَدٌ ، لأنَّك بنيت كلامك من أوَّله على التشبيه ."[24]
فالخلاف الحاصل بينهما مردُّه إلى التغيير والتباين الحاصلين في موقعيهما ، ويؤكِّد هذا القول ابن جني بقوله : " ويدلك على أنَّ الشيئين إذا خُلِطا حدث لهما حُكم ومعنى ، لم يكن لهما قبل أن يمتزجا ."[25]