((من تكلم بلسان قوم فكر بعقلهم))
مقولة لسيدنا الامام عمر بن الخطاب الذي استنار عقله وقلبه بنور النبوة رضي الله عنه وارضاه، يوم اتخذ عقيدة الاسلام قاعدة لعقله ومنطلقا لفكره ومنظارا لبصيرته، بها يبصر الامور وبها يحكم على الاشياء وبما انبثق عنها من تشريع ونظام يحكم السلوك والافعال .
قالها لقوم اخذوا يتراطنون في حضرته تراطن الاعاجم بلسانها، موبخا لهم وناهرا، باسلوب الحكيم المستنير بهدي النبوة والقران، وواعظا لهم، وذلك ادراكا منه لاهمية اللغة العربية، ومدى ارتباطها الوثيق بالقران ودين الاسلام و عقيدته، و وسيلة فهمه واداة ادراك نصوص تشريعاته الوحيدة ... انها كلمات تستحق ان تكتب بماء الذهب في كل محفل وشارع وجدار، لان الامة التي لا تحافظ على لغة ثقافتها وفكرها تضيع هويتها،و يُمسخ وجودها.
ان اللسان هو اللغة، واللغة هي الماعون الناقل والحاوي لمفاهيم الامة وقيمها ومنتجها الفكري، والخادم لمعتقدها وبالتالي تفكيرها وطريقته . واننا حين نقول الادب الانجليزي او الفرنسي او العربي فانما نعني بالادب هنا مجموعة القيم والمفاهيم والافكار التي طرحت كمعالجات وفق تفكير اهل ذاك اللسان، وما يمجدوه من قيم ومفاهيم وعلاقات، يريدون نشرها والحفاظ عليها باساليبهم الكلامية، ومناهجهم البلاغية المحببة والمزينة لها في النفوس، والغارسة لها في الاذهان .
فلذلك نجد كل الامم والشعوب والحضارات تسعى جاهدة لفرض لغة حضارتها على الشعوب المقهورة والمغلوبة والتابعة لها، لتفكر بطريقتها ولتحمل مفاهيمها وقيمها وبالتالي معتقدها وملتها فتنسلخ عن ماضيها وتنصهر في بوتقة حضارتها المتغلبة، فتذوب هويتها وينتهي تميز شخصيتها، فاما ان تصبح جزءا من الامة الغالبة فتُحتوى، واما ان تصبح مسخا لالون ولاطعم ولا رائحة فتُستعبد وتُستخدم.
ومن هنا جاء ابراز القران الكريم للسان العربي ووصفه بالمبين الذي يبين مكنونات النفس، ويستوعب رسمها باجلى الصور البيانية وارقى الايجازات البلاغية، فيعبر المتكلم به بالفكرة فتخرج في ابهى صور الجمال والكمال والوضوح.
وقد امتزجت الطاقة التي يحتويها ويحملها اللسان العربي بالطاقة الجبارة التي تحملها وتولدها العقيدة الاسلامية، يوم ارتبط اللسان العربي بهذه العقيدة، واصبحت لغته هي وسيلة الاعجاز لاثبات النبوة ومصدرية الكتاب المعجز انه من جاء به سلام الله عليه : (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى) ومن شك قيل له:-(وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله ان كنتم صادقين فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة...) ورحم الله من عدد اسباب انحطاط المسلمين وضعفهم، فكان مما عدد ومن اهم ما ذكرمن عوامل ضعف الامة:- (فصل الطاقة العربية عن الطاقة الاسلامية عند المتاخرين من الفاتحين) حيث كان من اسرار قوة الفاتحين الاوائل في الصدر الاول انهم حملوا الطاقة العربية مع الطاقة الاسلامية الى الشعوب والبلاد المفتوحة، والتي كان نتيجتها تعريب البلاد واهلها كالقبط وأكفار الروم وكالبربر، حيث عرب الاسلام تلك البلاد واهلها، لان اللسان العربي حمل لهم عقيدة الاسلام وقيمه ومفاهيمه.التي اصبحت هي قيم العرب ومفاهيمهم والتي تشكل عقليتهم وتصبغ سلوكهم وتعطيهم هويتهم الاسلامية و شخصيتهم الايمانية. فلذلك ارتبط اسم العرب باسم الاسلام ارتباطا عضويا .
وقد يقول معترض بان النبي عليه السلام قال من تعلم لغة قوم امن شرهم . فنقول هذا صحيح، و ورد انه امر بعض اصحابه ان يتعلموا لغة بعض الاقوام والامم وذلك لغايات الدعوة والجهاد واستطلاع احوال واخبار الاعداء، وليس ليتباهو بها على حساب لغتهم ولغة دينهم وعقيدتهم ومبدأهم الذي يحملون للعالم وكافة للناس.
وانظر معي كيف عمل اعداؤنا الانجليز والفرنسيون بامتنا يوم غلبوها، ومحاولاتهم الدؤوب التي ما زالت مستمرة عبر الفرانكفورتيه ومجموعة الكومنولث وغيرها من المنظمات الدولية والاقليمية، لتغيير اللسان في البلدان المغلوبة، لطمس هوية اهلها وقطع صلتهم بالاسلام واهله، ليسهل تضليلهم واضلالهم، وانعدام قدرتهم على فهمهم للقران سر قوتهم، حين يستعجم فهمه عليهم فينحط فكرهم وبالتالي سلوكهم ، ومن ثم يسهل تدجينهم.
وها هو لساننا مازال يتعرض للهجمات من ابناء جلدتنا وممن ينطقون بالسنتنا، دعاة ابواب جهنم ممن جندهم الاستعمار بمشروع سايكس بيكو المشؤوم ، ليكونو حراس مصالحه وثقافته، لتمكين نفوذه وحراسته، ولا ادل على ذلك من النشر المتعمد والممنهج للعامية ولهجاتها المحلية، ووسائل التجهيل تحت مسمى الدراسات ومنح الشهادات العليا بل وبيعها لنساخ حتى ان الكثير منهم لا يجيد فن النسخ ولاحول ولا قوة الا بالله ووسائل الاعلام المختلفة ومواده التي ينشرها. مما فيها الحرب على لغتنا اساس هويتنا ومن اهم مقومات وجودنا.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2020-07-04, 1:22 pm عدل 2 مرات