كشَّاشو الحَمام لا يحدِّدون مسارات الصواريخ وأقدارها!
نصار إبراهيم
هناك لحظات في التاريخ تعادل سنوات، ينتظرها الإنسان ويحلم بها ومن أجلها يتحمّل كلّ ما يحيط به من هبوط وخسة ونذالة، وحين تأتي يتنفس عميقاً وينهض وكأنه يولد من جديد…
هذا ما شعرت به وأنا أتابع صهيل الصواريخ السورية وهي تهدر بكامل عنفوانها وتضرب مواقع «الجيش الذي لا يُقهر» في الجولان المحتل فجر 10 أيار 2018.
الآن وبعد أن هدأت السماء قليلاً، فوصل من تلك الصواريخ من وصل وسقط منها من سقط، يمكننا التوقف أمام ردود الفعل وتأمّلها، سواء ما يتعلق منها بالصواريخ الإسرائيلية التي لقيت حتفها وتبعثرت أشلاءها في سماء دمشق، أو الصواريخ السورية التي تجاوزت وأقامت مع الفجر صلاتها في الجولان المحتلّ…
ما هو مؤكد هنا أنه قد سقطت في تلك الساعات الفاصلة رهانات ومقامرات ومعادلات، وفي ذات الوقت رُسِمت وترسّخت معادلات وحقائق وخيارات يدركها العارفون في الحرب والمواجهات، سواء كانوا هنا أو هناك… وهي معادلات يجهلها بالتأكيد كشاشو الحمام من العربان.
لقد غمرني الفرح ليس فقط لأنّ صواريخ دمشق العفية أشعلت البهجة في القلوب التي تعشق الأرض والسماء والأمل والحرية وتقاوم.. بل وأيضاً وقبل أيّ شيء لأنها أفقدت الجبناء والتافهين توازنهم.
فبعيداً عن التقليل أو المبالغة في حجم وطبيعة المواجهات ورسائل الصواريخ التي تمّ تبادلها، دفاعاً وهجوماً، فجر 10 أيار 2018، فإنّ ما سأتناوله في هذه المقالة لا يتعلق بتحليل أهمية المواقع والأهداف الإسرائيلية التي ضربتها صليات الصواريخ السورية، وهو ما يستوجب تقييماً خاصاً له معاييره وأدواته ومنهجياته وبما يتلاءم مع حجم الحدث وأبعاده في سياق المواجهات الجارية، كما لن أتناول أيضاً مستوى الصدمة والآثار التي أحدثتها تلك الصواريخ في وعي المجتمع الإسرائيلي الذي أدمن الانتصارات السهلة وما يحكمه من ثقافة تقوم على أنه خارج التهديد ودوائر النار والاستهداف، وأنه محصّن ولا يوجد من يجرؤ على المساس به أو بأيقونته ودرّة تاجه «جيش الدفاع الإسرائيلي» وما يستوطنه من غباء القوة، مع أنه ومنذ عام 1967 لم يحقق انتصاراً واضحاً وحاسماً وبقي يعتاش على حربين حقق فيهما الانتصار دون أن يقاتل: حرب 1948 وحرب 1967.
ما أريد الوقوف أمامه ولفت النظر إليه في هذا المقال هو شأن آخر يتجاوز «إسرائيل» وردود فعلها، أقصد بذلك الصدمة التي أحدثتها الصواريخ السورية في الوعي الهابط لكشَّاشي الحمام العرب من سماسرة وقوادين وسياسيّين وإعلاميّين ومثقفين ومن لفّ لفّهم.
لقد بدا المشهد نهار 10 أيار وكأنّ الصواريخ السورية أفقدت هؤلاء توازنهم أكثر بكثير مما حصل في الجانب الإسرائيلي، الذي بالتأكيد يعرف خطورة ومعاني ما جرى، ولهذا فقد تصرّف وتعامل مع معادلات المواجهة بهدوء يناسب ما يعرفه عن حدود القوة وأثمان التهوّر وردود الفعل غير المحسوبة في منطقة شديدة الحساسية، فقد قرأت «إسرائيل» النقلة الهجومية المفاجئة لسورية وحلفائها وفهمت أبعادها ومعانيها بعد سبع سنوات من الحرب العالمية التي لم يدّخر فيها الحلف المعادي لسورية اية إمكانيات من أجل تدميرها… فإذا بها في لحظة حاسمة تهاجم وبلا تردّد وبصورة مباشرة «قبضاي الإقليم – إسرائيل» وبما يلاقي الانتصارات الاستراتيجية التي حققتها سورية بعناصر القوة التي باتت تملكها ذاتياً أو كمحور مقاومة أو كدائرة حلفاء خلال سبع سنوات… وصولاً إلى الاستعداد لخوض حرب شاملة، بما يعني أنّ الشروط الاستراتيجية والعملية لخوض تلك الحرب قد أصبح واقعاً في ضوء ما راكمه وأبدعه الجيش السوري من بنى ومنظومات قوّة وتجربة أسطورية في القتال.
هذه هي الرسالة الكبرى أو السؤال العملي الذي طرحته الصواريخ السورية بالنار وليس كفرضية: هل «إسرائيل» قادرة ومستعدة للذهاب إلى حرب شاملة، وهل تمتلك مسبقاً شروط حسمها كما اعتادت سابقا أم لا!؟ إذا كان الجواب نعم فالآن هي اللحظة المناسبة للمبادرة وشنّ تلك الحرب.. وغير ذلك هو العجز والتراجع.
لقد تعاملت «إسرائيل» مع هذا السؤال المحمول على صهيل الصواريخ بغاية الجدية، وبصورة تتجاوز أوهام وأمنيات نعاج العرب وأبقارهم التي تواصل النوم في حظائر الغطرسة الإسرائيلية الأميركية، ويدفعون ثرواتهم مقابل وهم أنّ أميركا و«إسرائيل» تملكان أقدار المنطقة والعالم، بما في ذلك الاستعداد لخوض الحرب نيابة عن ملوك الكاز.
ما حدث بعد رسائل الصواريخ الحاسمة هو أنّ «إسرائيل» وقفت وقرأت وحللت وفهمت حقيقة ما جرى… وبدون تردّد راحت تتصرف وفقاً لما تمليه حقائق الميدان.. فأعلنت: أنها غير معنية بالتصعيد.. وأنها حققت ما تريد… وأنها تطالب المستوطنين في شمال فلسطين والجولان المحتلين بالعودة لمنازلهم والطلاب لمدارسهم… وهكذا كان.
المضحك حدّ القهقهة في هذا السياق هي ردود فعل «كشَّاشي الحَمام» العرب من المحيط إلى الخليج… ومستوى السقوط والغباء الذي وصلوا إليه بما في ذلك الاعتقاد بأنّ صفيرهم وتلويحهم بالعيدان أو رقصهم بالسيف مع ترامب سيغيّر مسارات الصواريخ وأقدارها.
لقد بدت ردود فعل هؤلاء وكأنهم يعيشون في غيبوبة تثير السخرية، تجلى ذلك بوضوح حين لم يفهموا حتى ردود فعل حارسة أقدارهم «إسرائيل» رغم وضوحها الشديد، فراحوا يحاولون تفسير وتبرير مواقفها وردود فعلها وصولاً إلى تقويلها ما لم تقل… وكأنهم كانوا يتمنّون في أعماقهم أنّ هذه «العقلانية» الإسرائيلية هي مجرد مزحة وليست تعبيراً عن فشل وخوف ورعب من المواجهة الحقيقية.
ليس هذا فحسب، بل إنهم فقدوا حتى كلّ منطق بسيط فسقطوا في التباسات السياسة بكلّ غباء، فبدوا مجرّد هواة يثيرون السخرية والشفقة لا أكثر… تجلى ذلك حين تجاوزوا الحقائق الواضحة وراحوا يطلقون ثرثرات غبية من نوع: أنّ الذي أطلق الصواريخ على الجولان ليست سورية وإنما إيران، وأنّ الصواريخ السورية تمّ تدميرها بقبة «إسرائيل» الحديدية، أو أن «إسرائيل» نجحت في تدمير القواعد والدفاعات الجوية السورية كلها…
ما يثير السخرية في هذا السياق هو تبرير الاصطفاف المخزي لكشاشي الحمام العرب مع «إسرائيل» ومباركة اعتداءاتها ووحشيتها ضدّ سورية ودعمها للمجموعات الإرهابية انطلاقاً من القناعة بأنّ ذلك هو المعادل لمواجهة التهديد «الإيراني الصفوي الفارسي الرافضي» الذي يستهدف «الأمة العربية» كما يقولون!
وهكذا راح هؤلاء الحمقى يسوقون التبريرات ويطلقون الشعارات بعيداً عن أيّ منطق، وبلا خجل فقط الكذب الصفيق والوقاحة التي ليس لها حدود…!
فما دامت إيران هي السبب في مواقفهم المهينة هذه، إذن أين كانت نخوتهم قبل أن يسمع الكثير من العرب بأنّ هناك دولة اسمها إيران… أين كان هؤلاء الفاشلون في دروس التاريخ والجغرافيا والاجتماع في عام نكبة العرب الكبرى عام 1948، أين كانوا أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وأثناء حرب حزيران عام 1967 وحرب تشرين عام 1973 هنا سيصفِّر أحد الكشّاشين ويقول: يا ناكر الجميل ألم يوقفوا النفط…! هنا لن أعلق على هذا النفط الذي يحاولون معادلته بالدم ، لنتابع: أين كانوا أثناء غزو لبنان عام 1982 وأثناء الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، وأين هم اليوم من إعلان ترامب القدس عاصمة أبدية لإسرائيل»، ولماذا لا تثور نخوتهم لفك حصار «إسرائيل» عن 2 مليون فلسطيني محاصرين في قطاع غزة منذ عام 2007!؟ في كلّ هذه الأحداث والويلات لم تكن إيران حاضرة… ولا قاسمي كان مولوداً… ولا حزب الله قد بلغ سنّ الرشد بعد… أليس كذلك!؟
لقد كشف صفير كشّاشي الحمام العرب هؤلاء الوعي الرث الذي وصلوا إليه وهم يتخبّطون في كلّ شيء وعلى كلّ المستويات… فأخطأوا حتى في ألف باء السياسة، التي تقول إنّ من حق الدول أن تبني التحالفات وتعقد اتفاقيات الدفاع وأن تتسلح وأن تقوم بكلّ ما يؤمّن لها شروط الصمود والانتصار… أليس هذا ما تقوم به حليفتهم «إسرائيل»…!؟ فلماذا يبرّرون لـ»إسرائيل» ما تقوم من تركيم لعناصر القوة وبناء التحالفات بينما سورية لا يحق لها ذلك…!؟
وفي ذات السياق كيف يفسّر لنا هؤلاء الفاشلون في دروس التاريخ يا ترى قبولهم أن تكون «شعوبهم» مجرد أبقار حلوبة في مزاراع القوى الاستعمارية و«بلدانهم» مجرد مساحات للقواعد الأميركية والأطلسية التي تعتاش على ثروات الأمة.. ثم وبكلّ صفاقة وخسّة يهاجمون سورية لأنها تحصّن ذاتها بحلفاء وأصدقاء أين منهم اللصوص وقطاع الطرق الذين يرقص معهم ملوك وأمراء الكاز في عواصم الخليج…؟
من خلال متابعة ردود فعل هؤلاء التعساء وما اتّسمت به من نزق وإسفاف ورعب وخوف ندرك مستوى الصدمة المروّعة التي تعرّض لها هذا الوعي المريض والمهزوم في العمق بعد ليلة الصواريخ المذكورة.
لقد وصلت هذه الصدمة وما ترتب عليها من سلوك وتصريحات حدّ التفاهة من نوع تصريحات وزير خارجية البحرين الذي أعلن «أنّ من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها»…! بالإضافة إلى الأبواق الصغيرة من مهرّجي شبكات التواصل الاجتماعي الذين يقاربون السياسة واستراتيجيات الصراع والحروب والاشتباكات بين الدول بعقلية «كشاشي الحمام» ذاتها .. أيّ من خلال الصفير والتلويح بالعصي والعيدان الطويلة من على السطوح والاستعداد للقسم بأنّ ما جرى هو مجرد طبخة وعملية منسقة مع «إسرائيل» لكي يبقى النظام السوري.
لهذا فإنّ الصدمة التي أحدثتها الصواريخ السورية تركزت بالأساس في أعماق وعي حثالات المهزومين العرب، الذين أسّسوا منذ عقود لمنظومات مهزومة سياسياً وعسكرياً وثقافياً واجتماعياً وإعلامياً…
بل لقد تجاوز الأمر هذا المستوى كثيراً.. فبينما كان هؤلاء الكشاشون يبرّرون في السابق مواقفهم بعدم القدرة على هزيمة «إسرائيل» وأنّ 99 من أوراق الحلّ والحرب والسلم هي في يد أميركا…
نجدهم في هذه الأيام قد تجاوزوا هذه الفرضية كثيراً، فذهبوا أبعد وأبعد… إنهم يرفضون اليوم حتى أيّ انتصار ملموس يحققه العرب.. إنهم يرفضون حتى الاعتراف بأنّ بالأمكان ضرب «إسرائيل» بالصواريخ حتى وهي تدك مواقع «الجيش الذي لا يُقهر».. إنهم لا يصدّقون ذلك.. ولا يريدون أن يصدّقوا.. بل ويقسمون على أنّ ذلك لم يحدث، وأنه مجرد تتمثيلية متفق عليها… وهم من أجل ذلك مستعدّون أن يقسموا بكلّ الألهة وكأيّ كشاش حمام كاذب بالضبط أنّ صواريخ سورية كانت مجرد ألعاب نارية.. وأنّ صواريخ «إسرائيل» قد أبادت منظومات الدفاعات الجوية للجيش السوري… إنهم يقسمون بذلك وإلا كيف سيبرّرون رضوخهم وقبولهم بدور النعجة أو البقرة الحلوب في مزارع أميركا و«إسرائيل» إذا اعترفوا بأنّ سورية قادرة على ضرب الجيش الإسرائيلي بالصواريخ، وأنّ «إسرائيل» تبتلع الضربة وتسكت وهي غير قادرة وغير راغبة وغير مستعدّة للذهاب إلى حرب مفتوحة كما كانوا يتمنّون ويتوهّمون!؟
بقليل من التأمّل نجد أنّ المرجعية الفكرية لهذا السلوك تعود إلى ثقافة الاستسلام والتسليم بالهزيمة بصورة مطلقة، وبأنّ أوراق القوة والحلّ هي في أيدي «إسرائيل» وحليفتها الولايات المتحدة، وبالتالي فإنّ التفكير خارج سياق هذه المعادلة أو المسلمة هو سلوك متطرف، غير واقعي أو عقلاني.
ثقافة الهزيمة هذه وترجماتها السياسية، استوطنت وعي هذا الفريق بما يتناقض مع أيّ خيار أو ثقافة تدافع عن الحقوق والكرامة والمقاومة، الوجه الآخر لهذا الموقف هو تبرير الخضوع والاستجداء والقبول بوظيفة النعاج أو الأبقار الحلوب في حظيرة الولايات المتحدة و«إسرائيل» هكذا بلا نقاش أو تردّد.
هذا ما جرى ويجري، ورغم ذلك ستبقى في النهاية حقائق الأرض والتاريخ والجغرافيا… وفي لحظة فاصلة ستخرج الأرض العربية أثقالها… أما الصواريخ المدهشة فلن يحرفها كشّاشو الحمام عن مساراتها ومداراتها المرسومة في سماء بلاد الشام وهي ذاهبة نحو أهدافها وأقدارها المحتومة
نصار إبراهيم
هناك لحظات في التاريخ تعادل سنوات، ينتظرها الإنسان ويحلم بها ومن أجلها يتحمّل كلّ ما يحيط به من هبوط وخسة ونذالة، وحين تأتي يتنفس عميقاً وينهض وكأنه يولد من جديد…
هذا ما شعرت به وأنا أتابع صهيل الصواريخ السورية وهي تهدر بكامل عنفوانها وتضرب مواقع «الجيش الذي لا يُقهر» في الجولان المحتل فجر 10 أيار 2018.
الآن وبعد أن هدأت السماء قليلاً، فوصل من تلك الصواريخ من وصل وسقط منها من سقط، يمكننا التوقف أمام ردود الفعل وتأمّلها، سواء ما يتعلق منها بالصواريخ الإسرائيلية التي لقيت حتفها وتبعثرت أشلاءها في سماء دمشق، أو الصواريخ السورية التي تجاوزت وأقامت مع الفجر صلاتها في الجولان المحتلّ…
ما هو مؤكد هنا أنه قد سقطت في تلك الساعات الفاصلة رهانات ومقامرات ومعادلات، وفي ذات الوقت رُسِمت وترسّخت معادلات وحقائق وخيارات يدركها العارفون في الحرب والمواجهات، سواء كانوا هنا أو هناك… وهي معادلات يجهلها بالتأكيد كشاشو الحمام من العربان.
لقد غمرني الفرح ليس فقط لأنّ صواريخ دمشق العفية أشعلت البهجة في القلوب التي تعشق الأرض والسماء والأمل والحرية وتقاوم.. بل وأيضاً وقبل أيّ شيء لأنها أفقدت الجبناء والتافهين توازنهم.
فبعيداً عن التقليل أو المبالغة في حجم وطبيعة المواجهات ورسائل الصواريخ التي تمّ تبادلها، دفاعاً وهجوماً، فجر 10 أيار 2018، فإنّ ما سأتناوله في هذه المقالة لا يتعلق بتحليل أهمية المواقع والأهداف الإسرائيلية التي ضربتها صليات الصواريخ السورية، وهو ما يستوجب تقييماً خاصاً له معاييره وأدواته ومنهجياته وبما يتلاءم مع حجم الحدث وأبعاده في سياق المواجهات الجارية، كما لن أتناول أيضاً مستوى الصدمة والآثار التي أحدثتها تلك الصواريخ في وعي المجتمع الإسرائيلي الذي أدمن الانتصارات السهلة وما يحكمه من ثقافة تقوم على أنه خارج التهديد ودوائر النار والاستهداف، وأنه محصّن ولا يوجد من يجرؤ على المساس به أو بأيقونته ودرّة تاجه «جيش الدفاع الإسرائيلي» وما يستوطنه من غباء القوة، مع أنه ومنذ عام 1967 لم يحقق انتصاراً واضحاً وحاسماً وبقي يعتاش على حربين حقق فيهما الانتصار دون أن يقاتل: حرب 1948 وحرب 1967.
ما أريد الوقوف أمامه ولفت النظر إليه في هذا المقال هو شأن آخر يتجاوز «إسرائيل» وردود فعلها، أقصد بذلك الصدمة التي أحدثتها الصواريخ السورية في الوعي الهابط لكشَّاشي الحمام العرب من سماسرة وقوادين وسياسيّين وإعلاميّين ومثقفين ومن لفّ لفّهم.
لقد بدا المشهد نهار 10 أيار وكأنّ الصواريخ السورية أفقدت هؤلاء توازنهم أكثر بكثير مما حصل في الجانب الإسرائيلي، الذي بالتأكيد يعرف خطورة ومعاني ما جرى، ولهذا فقد تصرّف وتعامل مع معادلات المواجهة بهدوء يناسب ما يعرفه عن حدود القوة وأثمان التهوّر وردود الفعل غير المحسوبة في منطقة شديدة الحساسية، فقد قرأت «إسرائيل» النقلة الهجومية المفاجئة لسورية وحلفائها وفهمت أبعادها ومعانيها بعد سبع سنوات من الحرب العالمية التي لم يدّخر فيها الحلف المعادي لسورية اية إمكانيات من أجل تدميرها… فإذا بها في لحظة حاسمة تهاجم وبلا تردّد وبصورة مباشرة «قبضاي الإقليم – إسرائيل» وبما يلاقي الانتصارات الاستراتيجية التي حققتها سورية بعناصر القوة التي باتت تملكها ذاتياً أو كمحور مقاومة أو كدائرة حلفاء خلال سبع سنوات… وصولاً إلى الاستعداد لخوض حرب شاملة، بما يعني أنّ الشروط الاستراتيجية والعملية لخوض تلك الحرب قد أصبح واقعاً في ضوء ما راكمه وأبدعه الجيش السوري من بنى ومنظومات قوّة وتجربة أسطورية في القتال.
هذه هي الرسالة الكبرى أو السؤال العملي الذي طرحته الصواريخ السورية بالنار وليس كفرضية: هل «إسرائيل» قادرة ومستعدة للذهاب إلى حرب شاملة، وهل تمتلك مسبقاً شروط حسمها كما اعتادت سابقا أم لا!؟ إذا كان الجواب نعم فالآن هي اللحظة المناسبة للمبادرة وشنّ تلك الحرب.. وغير ذلك هو العجز والتراجع.
لقد تعاملت «إسرائيل» مع هذا السؤال المحمول على صهيل الصواريخ بغاية الجدية، وبصورة تتجاوز أوهام وأمنيات نعاج العرب وأبقارهم التي تواصل النوم في حظائر الغطرسة الإسرائيلية الأميركية، ويدفعون ثرواتهم مقابل وهم أنّ أميركا و«إسرائيل» تملكان أقدار المنطقة والعالم، بما في ذلك الاستعداد لخوض الحرب نيابة عن ملوك الكاز.
ما حدث بعد رسائل الصواريخ الحاسمة هو أنّ «إسرائيل» وقفت وقرأت وحللت وفهمت حقيقة ما جرى… وبدون تردّد راحت تتصرف وفقاً لما تمليه حقائق الميدان.. فأعلنت: أنها غير معنية بالتصعيد.. وأنها حققت ما تريد… وأنها تطالب المستوطنين في شمال فلسطين والجولان المحتلين بالعودة لمنازلهم والطلاب لمدارسهم… وهكذا كان.
المضحك حدّ القهقهة في هذا السياق هي ردود فعل «كشَّاشي الحَمام» العرب من المحيط إلى الخليج… ومستوى السقوط والغباء الذي وصلوا إليه بما في ذلك الاعتقاد بأنّ صفيرهم وتلويحهم بالعيدان أو رقصهم بالسيف مع ترامب سيغيّر مسارات الصواريخ وأقدارها.
لقد بدت ردود فعل هؤلاء وكأنهم يعيشون في غيبوبة تثير السخرية، تجلى ذلك بوضوح حين لم يفهموا حتى ردود فعل حارسة أقدارهم «إسرائيل» رغم وضوحها الشديد، فراحوا يحاولون تفسير وتبرير مواقفها وردود فعلها وصولاً إلى تقويلها ما لم تقل… وكأنهم كانوا يتمنّون في أعماقهم أنّ هذه «العقلانية» الإسرائيلية هي مجرد مزحة وليست تعبيراً عن فشل وخوف ورعب من المواجهة الحقيقية.
ليس هذا فحسب، بل إنهم فقدوا حتى كلّ منطق بسيط فسقطوا في التباسات السياسة بكلّ غباء، فبدوا مجرّد هواة يثيرون السخرية والشفقة لا أكثر… تجلى ذلك حين تجاوزوا الحقائق الواضحة وراحوا يطلقون ثرثرات غبية من نوع: أنّ الذي أطلق الصواريخ على الجولان ليست سورية وإنما إيران، وأنّ الصواريخ السورية تمّ تدميرها بقبة «إسرائيل» الحديدية، أو أن «إسرائيل» نجحت في تدمير القواعد والدفاعات الجوية السورية كلها…
ما يثير السخرية في هذا السياق هو تبرير الاصطفاف المخزي لكشاشي الحمام العرب مع «إسرائيل» ومباركة اعتداءاتها ووحشيتها ضدّ سورية ودعمها للمجموعات الإرهابية انطلاقاً من القناعة بأنّ ذلك هو المعادل لمواجهة التهديد «الإيراني الصفوي الفارسي الرافضي» الذي يستهدف «الأمة العربية» كما يقولون!
وهكذا راح هؤلاء الحمقى يسوقون التبريرات ويطلقون الشعارات بعيداً عن أيّ منطق، وبلا خجل فقط الكذب الصفيق والوقاحة التي ليس لها حدود…!
فما دامت إيران هي السبب في مواقفهم المهينة هذه، إذن أين كانت نخوتهم قبل أن يسمع الكثير من العرب بأنّ هناك دولة اسمها إيران… أين كان هؤلاء الفاشلون في دروس التاريخ والجغرافيا والاجتماع في عام نكبة العرب الكبرى عام 1948، أين كانوا أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وأثناء حرب حزيران عام 1967 وحرب تشرين عام 1973 هنا سيصفِّر أحد الكشّاشين ويقول: يا ناكر الجميل ألم يوقفوا النفط…! هنا لن أعلق على هذا النفط الذي يحاولون معادلته بالدم ، لنتابع: أين كانوا أثناء غزو لبنان عام 1982 وأثناء الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، وأين هم اليوم من إعلان ترامب القدس عاصمة أبدية لإسرائيل»، ولماذا لا تثور نخوتهم لفك حصار «إسرائيل» عن 2 مليون فلسطيني محاصرين في قطاع غزة منذ عام 2007!؟ في كلّ هذه الأحداث والويلات لم تكن إيران حاضرة… ولا قاسمي كان مولوداً… ولا حزب الله قد بلغ سنّ الرشد بعد… أليس كذلك!؟
لقد كشف صفير كشّاشي الحمام العرب هؤلاء الوعي الرث الذي وصلوا إليه وهم يتخبّطون في كلّ شيء وعلى كلّ المستويات… فأخطأوا حتى في ألف باء السياسة، التي تقول إنّ من حق الدول أن تبني التحالفات وتعقد اتفاقيات الدفاع وأن تتسلح وأن تقوم بكلّ ما يؤمّن لها شروط الصمود والانتصار… أليس هذا ما تقوم به حليفتهم «إسرائيل»…!؟ فلماذا يبرّرون لـ»إسرائيل» ما تقوم من تركيم لعناصر القوة وبناء التحالفات بينما سورية لا يحق لها ذلك…!؟
وفي ذات السياق كيف يفسّر لنا هؤلاء الفاشلون في دروس التاريخ يا ترى قبولهم أن تكون «شعوبهم» مجرد أبقار حلوبة في مزاراع القوى الاستعمارية و«بلدانهم» مجرد مساحات للقواعد الأميركية والأطلسية التي تعتاش على ثروات الأمة.. ثم وبكلّ صفاقة وخسّة يهاجمون سورية لأنها تحصّن ذاتها بحلفاء وأصدقاء أين منهم اللصوص وقطاع الطرق الذين يرقص معهم ملوك وأمراء الكاز في عواصم الخليج…؟
من خلال متابعة ردود فعل هؤلاء التعساء وما اتّسمت به من نزق وإسفاف ورعب وخوف ندرك مستوى الصدمة المروّعة التي تعرّض لها هذا الوعي المريض والمهزوم في العمق بعد ليلة الصواريخ المذكورة.
لقد وصلت هذه الصدمة وما ترتب عليها من سلوك وتصريحات حدّ التفاهة من نوع تصريحات وزير خارجية البحرين الذي أعلن «أنّ من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها»…! بالإضافة إلى الأبواق الصغيرة من مهرّجي شبكات التواصل الاجتماعي الذين يقاربون السياسة واستراتيجيات الصراع والحروب والاشتباكات بين الدول بعقلية «كشاشي الحمام» ذاتها .. أيّ من خلال الصفير والتلويح بالعصي والعيدان الطويلة من على السطوح والاستعداد للقسم بأنّ ما جرى هو مجرد طبخة وعملية منسقة مع «إسرائيل» لكي يبقى النظام السوري.
لهذا فإنّ الصدمة التي أحدثتها الصواريخ السورية تركزت بالأساس في أعماق وعي حثالات المهزومين العرب، الذين أسّسوا منذ عقود لمنظومات مهزومة سياسياً وعسكرياً وثقافياً واجتماعياً وإعلامياً…
بل لقد تجاوز الأمر هذا المستوى كثيراً.. فبينما كان هؤلاء الكشاشون يبرّرون في السابق مواقفهم بعدم القدرة على هزيمة «إسرائيل» وأنّ 99 من أوراق الحلّ والحرب والسلم هي في يد أميركا…
نجدهم في هذه الأيام قد تجاوزوا هذه الفرضية كثيراً، فذهبوا أبعد وأبعد… إنهم يرفضون اليوم حتى أيّ انتصار ملموس يحققه العرب.. إنهم يرفضون حتى الاعتراف بأنّ بالأمكان ضرب «إسرائيل» بالصواريخ حتى وهي تدك مواقع «الجيش الذي لا يُقهر».. إنهم لا يصدّقون ذلك.. ولا يريدون أن يصدّقوا.. بل ويقسمون على أنّ ذلك لم يحدث، وأنه مجرد تتمثيلية متفق عليها… وهم من أجل ذلك مستعدّون أن يقسموا بكلّ الألهة وكأيّ كشاش حمام كاذب بالضبط أنّ صواريخ سورية كانت مجرد ألعاب نارية.. وأنّ صواريخ «إسرائيل» قد أبادت منظومات الدفاعات الجوية للجيش السوري… إنهم يقسمون بذلك وإلا كيف سيبرّرون رضوخهم وقبولهم بدور النعجة أو البقرة الحلوب في مزارع أميركا و«إسرائيل» إذا اعترفوا بأنّ سورية قادرة على ضرب الجيش الإسرائيلي بالصواريخ، وأنّ «إسرائيل» تبتلع الضربة وتسكت وهي غير قادرة وغير راغبة وغير مستعدّة للذهاب إلى حرب مفتوحة كما كانوا يتمنّون ويتوهّمون!؟
بقليل من التأمّل نجد أنّ المرجعية الفكرية لهذا السلوك تعود إلى ثقافة الاستسلام والتسليم بالهزيمة بصورة مطلقة، وبأنّ أوراق القوة والحلّ هي في أيدي «إسرائيل» وحليفتها الولايات المتحدة، وبالتالي فإنّ التفكير خارج سياق هذه المعادلة أو المسلمة هو سلوك متطرف، غير واقعي أو عقلاني.
ثقافة الهزيمة هذه وترجماتها السياسية، استوطنت وعي هذا الفريق بما يتناقض مع أيّ خيار أو ثقافة تدافع عن الحقوق والكرامة والمقاومة، الوجه الآخر لهذا الموقف هو تبرير الخضوع والاستجداء والقبول بوظيفة النعاج أو الأبقار الحلوب في حظيرة الولايات المتحدة و«إسرائيل» هكذا بلا نقاش أو تردّد.
هذا ما جرى ويجري، ورغم ذلك ستبقى في النهاية حقائق الأرض والتاريخ والجغرافيا… وفي لحظة فاصلة ستخرج الأرض العربية أثقالها… أما الصواريخ المدهشة فلن يحرفها كشّاشو الحمام عن مساراتها ومداراتها المرسومة في سماء بلاد الشام وهي ذاهبة نحو أهدافها وأقدارها المحتومة