قصة الفارس الملاك (1)
وقف صهيون إلى جانب رفاقه يطلقون الرصاص على المتظاهرين الفلسطينيين العزّل الذين لم يكن بحوزتهم من سلاح سوى الحجارة يدافعون بها عن أنفسهم وعن أرضهم المحتلّة، وما إن أطلقت إحدى دبابات الكيان الصهيوني نيرانها عليهم، حتى تفرقوا عنها متجهين الى ساحة أخرى للمعركة.
راقب جنود العدو المحتّل باهتمام حذر ابتعاد وتفرّق جموع المتظاهرين حتى خلت الساحة ولم يبق منهم سوى صبي صغير لا يتجاوز الرابعة عشر من عمره، استمر في قذف الحجارة بكل شجاعة وجرأة وهو يغني " لو كسروا عظامي مش خايف، لو هدوا البيت مش خايف"، ثم أنه ووسط دهشة وذهول الجبناء، اقترب بخطوات المجد وواجه دبابة الموت التي كانت في طريقها إلى باقي المدن الفلسطينية والتي كانت تنتشر فيها المظاهرات المناوئة للاحتلال.
الفارس الملاك (2)
وقف فارس أمام العدو المتحصن بالدبابات وتحداهم بكل جسارة وإقدام وهو يرميهم بحجارة الكرامة والعزّ غير مكترث للرصاص الذي كان ينهال عليه من كل حدب وصوب، وخاطبهم بصوته الحرّ الأبي: "لن تمروا .. لن تمروا.. "، وسمع صهيون أحد رفاقه يطالبه قائلا: "اقتله، اقتله، إذا كان بهذه البسالة وهو صغير، فماذا سيفعل بنا حين يكبر؟" وشحب وجه صهيون لهذه الفكرة وارتعدت فرائصه، ولم يشعر بأي تأنيب ضمير وهو يصوّب بندقيته نحو الفارس الصغير ويرديه شهيدا برصاصة مزّقت شرايين وأوردة عنقه الشريف.
الفارس الملاك (3)
بعد حوالي ستة أشهر من استشهاد البطل الصغير فارس عودة استيقظ صهيون من نومه مذعورا، فقد عاوده الكابوس المزعج الذي صار جزءا لا يتجزأ من ليله الطويل، وتقوقع على سريره متصببا بعرقه وسط ظلمة حجرته الباردة.
بلع لعابه بصعوبة وهو يلهث من الفزع بعد أن التقطت أذنيه أصوات غريبة مجهولة المصدر، فأرهف السمع كي يتأكد إن كانت هذه الأصوات الغريبة تلاحقه من حلمه المخيف أم هي حقيقة واقعية.
ازداد الصوت وضوحا، فبدأ صهيون يرتجف من قمة رأسه وحتى أخمص قدميه كريشة في مهب الريح، ولم تواته الجرأة كي ينتصب على قدميه ويتبين زائره الغريب، بل تجعدت ثنايا فكّه وهو يهمس مترددا: من هناك؟ من هناك؟
(4) الفارس الملاك
تردد صدى صوت صهيون في أرجاء الغرفة، ولم يسمع جوابا لتساؤله، فتهالك على نفسه من الرعب وقد انهارت أعصابه تماما حين رأى نورا وضّاحا يخترق سقف حجرته وينير عالمه المظلم، ويخاطبه بصوت ملائكي: لماذا أنت خائف؟ ألا تحب رؤيتي؟
صرخ صهيون بوحشية وهو ينتصب على قدميه بحركة فجائية: "أنت، أنت، لماذا تلاحقني؟ ماذا تريد مني؟ ألم أقتلك شرّ قتله .. شرّ موتة".
قاطعه الصوت الملائكي قائلا: "بل هي أفضل موتة، لقد متّ شهيدا، و أفضل الناس بعد الرسل عند الله عز وجل هم الشهداء"
أجهش صهيون بالبكاء بعد أن تلاشى النور والصوت الملائكي المصاحب له، ليتركاه مع وحدته القاتله وهو يخاطب الفراغ: "لقد قتلتك بيدي هاتين، وشاهدت بأم عيني مراسم دفنك، فلم لا ترقد في قبرك الأبدي وتتركني وشأني .. آه .. آه .... لقد خسرت كل شيء بسببك".
الفارس الملاك (5)
انبلج صباح يوم جديد فنهض صهيون بتثاقل وارتدى ثيابه وقد عزم على القيام بشيء خطير، إلا أنه سرعان ما تذكر بوجه مكفهر الطقوس الجديدة التي عليه القيام بها كلّما أراد مغادرة منزله، وكاد أن يجهش بالبكاء ثانية وهو يرتدي معطفا ثقيلا ويضع على رأسه خوذة حديدية على الرغم من قيظ حرارة صيف المدينة.
ولن نستغرب سلوكه هذا حين نعلم أن سببه هو تلك الحجارة الصغيرة والحادة التي تقبع بانتظاره خارج منزله وتبدأ بملاحقته ورشقه طيلة فترة تواجده في الخارج.
أطلق صهيون ساقيه للريح محاولا تفاديها، ولكنها ككل يوم منذ استشهاد البطل الصغير كانت تتحلق حوله بكثافة في الفضاء الرحب ولا تكلّ ولا تملّ من ضرب جسده الهش بكل خفّة ورشاقة.
وقف صهيون إلى جانب رفاقه يطلقون الرصاص على المتظاهرين الفلسطينيين العزّل الذين لم يكن بحوزتهم من سلاح سوى الحجارة يدافعون بها عن أنفسهم وعن أرضهم المحتلّة، وما إن أطلقت إحدى دبابات الكيان الصهيوني نيرانها عليهم، حتى تفرقوا عنها متجهين الى ساحة أخرى للمعركة.
راقب جنود العدو المحتّل باهتمام حذر ابتعاد وتفرّق جموع المتظاهرين حتى خلت الساحة ولم يبق منهم سوى صبي صغير لا يتجاوز الرابعة عشر من عمره، استمر في قذف الحجارة بكل شجاعة وجرأة وهو يغني " لو كسروا عظامي مش خايف، لو هدوا البيت مش خايف"، ثم أنه ووسط دهشة وذهول الجبناء، اقترب بخطوات المجد وواجه دبابة الموت التي كانت في طريقها إلى باقي المدن الفلسطينية والتي كانت تنتشر فيها المظاهرات المناوئة للاحتلال.
الفارس الملاك (2)
وقف فارس أمام العدو المتحصن بالدبابات وتحداهم بكل جسارة وإقدام وهو يرميهم بحجارة الكرامة والعزّ غير مكترث للرصاص الذي كان ينهال عليه من كل حدب وصوب، وخاطبهم بصوته الحرّ الأبي: "لن تمروا .. لن تمروا.. "، وسمع صهيون أحد رفاقه يطالبه قائلا: "اقتله، اقتله، إذا كان بهذه البسالة وهو صغير، فماذا سيفعل بنا حين يكبر؟" وشحب وجه صهيون لهذه الفكرة وارتعدت فرائصه، ولم يشعر بأي تأنيب ضمير وهو يصوّب بندقيته نحو الفارس الصغير ويرديه شهيدا برصاصة مزّقت شرايين وأوردة عنقه الشريف.
الفارس الملاك (3)
بعد حوالي ستة أشهر من استشهاد البطل الصغير فارس عودة استيقظ صهيون من نومه مذعورا، فقد عاوده الكابوس المزعج الذي صار جزءا لا يتجزأ من ليله الطويل، وتقوقع على سريره متصببا بعرقه وسط ظلمة حجرته الباردة.
بلع لعابه بصعوبة وهو يلهث من الفزع بعد أن التقطت أذنيه أصوات غريبة مجهولة المصدر، فأرهف السمع كي يتأكد إن كانت هذه الأصوات الغريبة تلاحقه من حلمه المخيف أم هي حقيقة واقعية.
ازداد الصوت وضوحا، فبدأ صهيون يرتجف من قمة رأسه وحتى أخمص قدميه كريشة في مهب الريح، ولم تواته الجرأة كي ينتصب على قدميه ويتبين زائره الغريب، بل تجعدت ثنايا فكّه وهو يهمس مترددا: من هناك؟ من هناك؟
(4) الفارس الملاك
تردد صدى صوت صهيون في أرجاء الغرفة، ولم يسمع جوابا لتساؤله، فتهالك على نفسه من الرعب وقد انهارت أعصابه تماما حين رأى نورا وضّاحا يخترق سقف حجرته وينير عالمه المظلم، ويخاطبه بصوت ملائكي: لماذا أنت خائف؟ ألا تحب رؤيتي؟
صرخ صهيون بوحشية وهو ينتصب على قدميه بحركة فجائية: "أنت، أنت، لماذا تلاحقني؟ ماذا تريد مني؟ ألم أقتلك شرّ قتله .. شرّ موتة".
قاطعه الصوت الملائكي قائلا: "بل هي أفضل موتة، لقد متّ شهيدا، و أفضل الناس بعد الرسل عند الله عز وجل هم الشهداء"
أجهش صهيون بالبكاء بعد أن تلاشى النور والصوت الملائكي المصاحب له، ليتركاه مع وحدته القاتله وهو يخاطب الفراغ: "لقد قتلتك بيدي هاتين، وشاهدت بأم عيني مراسم دفنك، فلم لا ترقد في قبرك الأبدي وتتركني وشأني .. آه .. آه .... لقد خسرت كل شيء بسببك".
الفارس الملاك (5)
انبلج صباح يوم جديد فنهض صهيون بتثاقل وارتدى ثيابه وقد عزم على القيام بشيء خطير، إلا أنه سرعان ما تذكر بوجه مكفهر الطقوس الجديدة التي عليه القيام بها كلّما أراد مغادرة منزله، وكاد أن يجهش بالبكاء ثانية وهو يرتدي معطفا ثقيلا ويضع على رأسه خوذة حديدية على الرغم من قيظ حرارة صيف المدينة.
ولن نستغرب سلوكه هذا حين نعلم أن سببه هو تلك الحجارة الصغيرة والحادة التي تقبع بانتظاره خارج منزله وتبدأ بملاحقته ورشقه طيلة فترة تواجده في الخارج.
أطلق صهيون ساقيه للريح محاولا تفاديها، ولكنها ككل يوم منذ استشهاد البطل الصغير كانت تتحلق حوله بكثافة في الفضاء الرحب ولا تكلّ ولا تملّ من ضرب جسده الهش بكل خفّة ورشاقة.