آل سعود، وكراهية التاريخ والحضارة والتُّراث
الطاهر المعز
عند تأسيس دولة آل سعود في نجد والحجاز، بالتحالف بين شيوخ القبيلة، وعلى رأسها "محمد بن سعود" ( حوالي 1700 – 1765)، وأتباع المذهب العقائدي الدّيني السّلَفِي المُحافظ الذي يتزعمه "محمد بن عبد الوهاب" ( 1703 – 1791)، دَمّر التّحالف الحاكم معظم المعالم الأثَرية في مكة والمدينة وغيرها، وتواصل الأمر مع الملك عبد العزيز آل سعود، ولا يزال متواصلاً في السعودية وفي اليمن، ودَمّر آل سعود بين نَبي المسلمين خلال عشرينيات القرن العشرين، ليصبح الموقع سوقًا للماشية، ثم مكتبة، وكتبت صحيفة "الكَوْن"، مقالا سنة 1926 عن تدمير الآثار والمعالم التاريخية، بما فيها الآثار الدينية وبُيُوت وقُبُور الأئمة والصحابة، وشكّلت خطة "توسيع الحَرَمَيْن"، سنة 2015، استكمالاً لخطة تغيير معالم مدينة مكة التي بدأت منذ خمسة عُقُود، وخصوصًا منذ بداية القرن الواحد والعشرين حيث شهدت تغييرات هامة، شَوّهت مُحيط موقع الحج، وتم هدم بيت السيدة خديجة، زوجة نبي المُسلمين، وإقامة مراحيض عامة مكانه، وأصبح فندق شبكة "هيلتون" يحتل موقع بيت أبي بكر، الذي هُدم، وأُقيم بُرج يُقلّد برج "بيغ بن" في لندن، مع مُجمّع سكني وترفيهي للأثرياء وفندق فاخر، يُطل على الكعبة، بقيمة مليارَيْ دولارا، مكان قلعة أجياد التاريخية المطلة على الحرم، والتي وقع هَدْمُها، لتتحول مكة من معلم ديني وروحاني إلى رمز للإقتصاد الرأسمالي الرّيعي المُشوّه وغير المُنْتِج، حيث وقع طرد السكان من أحياء مكة التاريخية والقديمة، المحيطة بالحَرَم، لإقامة فنادق ومراكز تسوق ومطاعم فاخرة، ومشاريع استثمارية وعقارية ضخمة، تُبعد الفُقراء ومُتَوسِّطي الحال من المُحيط المباشر لأحد أكبر المعالم التاريخية، منذ ما قَبْلَ الإسلام، وقَدّر "معهد واشنطن" (مؤسسة رجعية، مُقربة من آل سعود ومن الزعماء الصهاينة ) أن آل سعود أزالوا 95% من الآثار في مكة والمدينة، التي تجاوز عمرها ألْف عام، مثل الآثار والبيوت والمعابد المحفورة في صُخُور الجِبال والمَقابر والأضْرحة والمساجد وبيوت الرعيل الأول من المُسْلمين...
تجاوز عِداء آل سعود للتاريخ وللحضارة حُدُود نجد والحجاز، إلى اليمن، ومنذ ما لا يقل عن خمس سنوات، استهدفت الغارات الجوية للتحالف العدواني السعودي – الإماراتي المواقع الأثرية والمزارات الدينية في اليمن، وتقوم قوات العدوان بحملة تدمير للمتاحف وللمعالم والآثار التي تجاوز عمر بعضها ثمانية قُرُون، وخاصة في محافظات حضرموت وعدن والحديدة، وتستهدف طائرات السعودية والإمارات كذلك المواقع الأربعة التي صنفتها منظمة "يونسكو" كتراث عالمي ( أحياء صنعاء القديمة ومدينة "شبام" ومدينة "زبيد" وجزيرة سُقَطْرَى )...
إنها ليست الحرب السعودية الأولى ضد اليمن، بل بدأت الحُرُوب السعودية اليَمَنِيّة سنة 1924، خلال حكم الملك عبد العزيز آل سعود، (الذي أبدى رغبته بضَمّ اليمن بكامله للسعودية)، والإمام يحي حميد الدّين في اليمن، وأهمها حرب سنة 1934، حيث سيطر جيش آل سعود على مناطق يمنية نَفْطِيّة وساحلية عديدة، لم تتمكن دولة اليمن من استرجاعها أبدًا، وخلال حرب استقلال اليمن ضد بريطانيا (26 أيلول 1962 – الأول من كانون الأول/ديسمبر 1970)، دعمت السعودية القوات الرجعية اليمنية الموالية لبريطانيا، بينما دعمت مصر الثُّوّار الجمهوريِّين المناهضين للإستعمار، وعملت السعودية، خلال حُرُوبها العدوانية، على تهجير سكان "جيزان" في المناطق الحُدُودِيّة...
أطلق ولي العهد وحاكم السّعودية الفِعْلِي "محمد بن سَلْمان" برنامج "تحديث"، أعدّته شركة الإستشارات الأمريكية "ماكنزي"، بعنوان "رؤية السعودية 2030"، ويتضمّن مشاريع بنية تحتية وعقارية ضخمة، يتضمّن الجانب السياسي لهذا البرنامج تحالفًا السعودية مع حكومات الدّول المُطَبِّعَة رَسْمِيًّا (الأردن ومصر) ومع الكيان الصهيوني، بدءًا من تنازل مصر على جزيرتَيْن بالبحر الأحمر للسعودية، وهما تحت رقابة الجيش الصهيوني، مرورًا بصفقة القرن، التي تتضمن هيمنة الكيان الصهيوني على المنطقة، في مواجهة الطموحات الإيرانية، وربما التركية أيضًا، وإن كانت تركيا عضوًا في حلف شمال الأطلسي، ولها علاقات متطورة (تجاريا واقتصاديا وعسكريا) مع الكيان الصهيوني، ويُعتبر مشروع مدينة "نيوم"، على مساحة تفوق 26,5 ألف كيلومتر مربع، بقيمة تفوق نصف مليار دولارا، على الحدود بين السعودية (الشمال الغربي للبلاد) ومصر والأردن، من المشاريع الضّخمة ل"رؤية 2030"، ويتضمن المشروع أيضًا تهجير سُكّان العديد من المناطق، قبل تدمير المباني وتجريف الأراضي الزراعية، كما يفعل جيش الإحتلال الصهيوني، وكان سكان قرية "الخريبة" (شمال شرقي السعودية) من قبيلة "الحويطات" ضحية مشروع "نيوم"، حيث حاصرت قوى الأمن القرية، وأجبرت أبناء القبيلة على ترك منازلهم، وقتلت من رفَضَ بذريعة "مكافحة الإرهاب"، ووعدت حكومة آل سعود سُكّان قرى أخرى بتعويضات، لكن الوَعْدَ لم يتحولْ إلى إنجاز فعلي، وأدانت "المنظّمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان" انتهاك مشروع مدينة "نيوم" حقوق الناس، عبر اقتلاع وترحيل ما لا يقل عن عشرين ألف سعودي، من السكّان الأصليين، الموجودين على هذه الأراضي، قبل تأسيس دولة آل سعود، وهي عائلات تفرقت بفعل الإستعمار، بين السعودية وفلسطين والأردن ومصر.
لم تكن عملية الإستحواذ على منازل وممتلكات سكان الأحياء التاريخية القديمة المُحيطة بالحرم في مكة، وتهجيرهم، هي الأولى، بل هجّرت سلطات آل سعود آلاف السكان من الشمال ومن الجنوب، وخصوصًا في المنطقة الشرقية، التي بقي سُكّانها فُقراء، رغم وفرة النّفط، ويعانون من المَيْز الواضح، بدعوى إنهم شيعة، وفي شهر أيار/مايو 2017، فقامت جرافات آل سعود بتدمير المحاصيل وبتجريف الأراضي الزراعية، فأصبحت غير صالحة للزراعة، ثم جرفت السلطات أراضي ومنازل السكّان في مدينة "العوامية"، بعد مُظاهرات تُطالب بالمُساواة، وبوضع حدٍّ لتهميش سُكّان المنطقة، ودَمّرت جَرّافات السلطة السعودية حي "المُسوّرة" التاريخي، الذي يعود تأسيسه إلى أكثر من أربعة قُرُون، في تجسيد للحقد على الحضارة والتراث المَحلّي والإنساني...
يُشكّل آل سعود فئة هجينة، تجمع بين القيم السّلْبِية للبداوة، مع التّخلّي عن جوانبها الإيجابية، وقيم الرأسمالية الأوروبية التي تُقدّس المال والرّبح وتحتقر الإنسان، وإنجازات الأجداد، إذا لم تكن مُدِرّة للرّبح، والتّزلّف للقوي (الولايات المتحدة) وللكيان الصهيوني، والتزلف والخنوع والإنبطاح ليس من شيم السّكّان الأصليين للجزيرة العربية.
الطاهر المعز
عند تأسيس دولة آل سعود في نجد والحجاز، بالتحالف بين شيوخ القبيلة، وعلى رأسها "محمد بن سعود" ( حوالي 1700 – 1765)، وأتباع المذهب العقائدي الدّيني السّلَفِي المُحافظ الذي يتزعمه "محمد بن عبد الوهاب" ( 1703 – 1791)، دَمّر التّحالف الحاكم معظم المعالم الأثَرية في مكة والمدينة وغيرها، وتواصل الأمر مع الملك عبد العزيز آل سعود، ولا يزال متواصلاً في السعودية وفي اليمن، ودَمّر آل سعود بين نَبي المسلمين خلال عشرينيات القرن العشرين، ليصبح الموقع سوقًا للماشية، ثم مكتبة، وكتبت صحيفة "الكَوْن"، مقالا سنة 1926 عن تدمير الآثار والمعالم التاريخية، بما فيها الآثار الدينية وبُيُوت وقُبُور الأئمة والصحابة، وشكّلت خطة "توسيع الحَرَمَيْن"، سنة 2015، استكمالاً لخطة تغيير معالم مدينة مكة التي بدأت منذ خمسة عُقُود، وخصوصًا منذ بداية القرن الواحد والعشرين حيث شهدت تغييرات هامة، شَوّهت مُحيط موقع الحج، وتم هدم بيت السيدة خديجة، زوجة نبي المُسلمين، وإقامة مراحيض عامة مكانه، وأصبح فندق شبكة "هيلتون" يحتل موقع بيت أبي بكر، الذي هُدم، وأُقيم بُرج يُقلّد برج "بيغ بن" في لندن، مع مُجمّع سكني وترفيهي للأثرياء وفندق فاخر، يُطل على الكعبة، بقيمة مليارَيْ دولارا، مكان قلعة أجياد التاريخية المطلة على الحرم، والتي وقع هَدْمُها، لتتحول مكة من معلم ديني وروحاني إلى رمز للإقتصاد الرأسمالي الرّيعي المُشوّه وغير المُنْتِج، حيث وقع طرد السكان من أحياء مكة التاريخية والقديمة، المحيطة بالحَرَم، لإقامة فنادق ومراكز تسوق ومطاعم فاخرة، ومشاريع استثمارية وعقارية ضخمة، تُبعد الفُقراء ومُتَوسِّطي الحال من المُحيط المباشر لأحد أكبر المعالم التاريخية، منذ ما قَبْلَ الإسلام، وقَدّر "معهد واشنطن" (مؤسسة رجعية، مُقربة من آل سعود ومن الزعماء الصهاينة ) أن آل سعود أزالوا 95% من الآثار في مكة والمدينة، التي تجاوز عمرها ألْف عام، مثل الآثار والبيوت والمعابد المحفورة في صُخُور الجِبال والمَقابر والأضْرحة والمساجد وبيوت الرعيل الأول من المُسْلمين...
تجاوز عِداء آل سعود للتاريخ وللحضارة حُدُود نجد والحجاز، إلى اليمن، ومنذ ما لا يقل عن خمس سنوات، استهدفت الغارات الجوية للتحالف العدواني السعودي – الإماراتي المواقع الأثرية والمزارات الدينية في اليمن، وتقوم قوات العدوان بحملة تدمير للمتاحف وللمعالم والآثار التي تجاوز عمر بعضها ثمانية قُرُون، وخاصة في محافظات حضرموت وعدن والحديدة، وتستهدف طائرات السعودية والإمارات كذلك المواقع الأربعة التي صنفتها منظمة "يونسكو" كتراث عالمي ( أحياء صنعاء القديمة ومدينة "شبام" ومدينة "زبيد" وجزيرة سُقَطْرَى )...
إنها ليست الحرب السعودية الأولى ضد اليمن، بل بدأت الحُرُوب السعودية اليَمَنِيّة سنة 1924، خلال حكم الملك عبد العزيز آل سعود، (الذي أبدى رغبته بضَمّ اليمن بكامله للسعودية)، والإمام يحي حميد الدّين في اليمن، وأهمها حرب سنة 1934، حيث سيطر جيش آل سعود على مناطق يمنية نَفْطِيّة وساحلية عديدة، لم تتمكن دولة اليمن من استرجاعها أبدًا، وخلال حرب استقلال اليمن ضد بريطانيا (26 أيلول 1962 – الأول من كانون الأول/ديسمبر 1970)، دعمت السعودية القوات الرجعية اليمنية الموالية لبريطانيا، بينما دعمت مصر الثُّوّار الجمهوريِّين المناهضين للإستعمار، وعملت السعودية، خلال حُرُوبها العدوانية، على تهجير سكان "جيزان" في المناطق الحُدُودِيّة...
أطلق ولي العهد وحاكم السّعودية الفِعْلِي "محمد بن سَلْمان" برنامج "تحديث"، أعدّته شركة الإستشارات الأمريكية "ماكنزي"، بعنوان "رؤية السعودية 2030"، ويتضمّن مشاريع بنية تحتية وعقارية ضخمة، يتضمّن الجانب السياسي لهذا البرنامج تحالفًا السعودية مع حكومات الدّول المُطَبِّعَة رَسْمِيًّا (الأردن ومصر) ومع الكيان الصهيوني، بدءًا من تنازل مصر على جزيرتَيْن بالبحر الأحمر للسعودية، وهما تحت رقابة الجيش الصهيوني، مرورًا بصفقة القرن، التي تتضمن هيمنة الكيان الصهيوني على المنطقة، في مواجهة الطموحات الإيرانية، وربما التركية أيضًا، وإن كانت تركيا عضوًا في حلف شمال الأطلسي، ولها علاقات متطورة (تجاريا واقتصاديا وعسكريا) مع الكيان الصهيوني، ويُعتبر مشروع مدينة "نيوم"، على مساحة تفوق 26,5 ألف كيلومتر مربع، بقيمة تفوق نصف مليار دولارا، على الحدود بين السعودية (الشمال الغربي للبلاد) ومصر والأردن، من المشاريع الضّخمة ل"رؤية 2030"، ويتضمن المشروع أيضًا تهجير سُكّان العديد من المناطق، قبل تدمير المباني وتجريف الأراضي الزراعية، كما يفعل جيش الإحتلال الصهيوني، وكان سكان قرية "الخريبة" (شمال شرقي السعودية) من قبيلة "الحويطات" ضحية مشروع "نيوم"، حيث حاصرت قوى الأمن القرية، وأجبرت أبناء القبيلة على ترك منازلهم، وقتلت من رفَضَ بذريعة "مكافحة الإرهاب"، ووعدت حكومة آل سعود سُكّان قرى أخرى بتعويضات، لكن الوَعْدَ لم يتحولْ إلى إنجاز فعلي، وأدانت "المنظّمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان" انتهاك مشروع مدينة "نيوم" حقوق الناس، عبر اقتلاع وترحيل ما لا يقل عن عشرين ألف سعودي، من السكّان الأصليين، الموجودين على هذه الأراضي، قبل تأسيس دولة آل سعود، وهي عائلات تفرقت بفعل الإستعمار، بين السعودية وفلسطين والأردن ومصر.
لم تكن عملية الإستحواذ على منازل وممتلكات سكان الأحياء التاريخية القديمة المُحيطة بالحرم في مكة، وتهجيرهم، هي الأولى، بل هجّرت سلطات آل سعود آلاف السكان من الشمال ومن الجنوب، وخصوصًا في المنطقة الشرقية، التي بقي سُكّانها فُقراء، رغم وفرة النّفط، ويعانون من المَيْز الواضح، بدعوى إنهم شيعة، وفي شهر أيار/مايو 2017، فقامت جرافات آل سعود بتدمير المحاصيل وبتجريف الأراضي الزراعية، فأصبحت غير صالحة للزراعة، ثم جرفت السلطات أراضي ومنازل السكّان في مدينة "العوامية"، بعد مُظاهرات تُطالب بالمُساواة، وبوضع حدٍّ لتهميش سُكّان المنطقة، ودَمّرت جَرّافات السلطة السعودية حي "المُسوّرة" التاريخي، الذي يعود تأسيسه إلى أكثر من أربعة قُرُون، في تجسيد للحقد على الحضارة والتراث المَحلّي والإنساني...
يُشكّل آل سعود فئة هجينة، تجمع بين القيم السّلْبِية للبداوة، مع التّخلّي عن جوانبها الإيجابية، وقيم الرأسمالية الأوروبية التي تُقدّس المال والرّبح وتحتقر الإنسان، وإنجازات الأجداد، إذا لم تكن مُدِرّة للرّبح، والتّزلّف للقوي (الولايات المتحدة) وللكيان الصهيوني، والتزلف والخنوع والإنبطاح ليس من شيم السّكّان الأصليين للجزيرة العربية.