سوريا بمواجهة الدبابات الفكرية
مشهور سندس
الاْردن
منذ اليوم الأول للبدء بتنفيذ المخطط الأمريكي الذي يستهدف وحدة سوريا، وتدمير مقدراتها تحت شعار (الشعب يريد)، واستغلال حالة ما سمي بالربيع العربي في أقطار عربية أخرى؛ استخدمت القوى المعادية الوسائل كافة لتحقيق أهدافها، من جماعات مسلحة مموّلة عربيًا ودوليًا، إلى دعوات انفصالية طائفية وإثنية، مع الشكل التقليدي للاعتداء عبر القصف الممنهج الذي مارسته الولايات المتحدة بحجّة مواجهة الإرهاب، واليوم وفي غمرة استغلال قوى النهب الدولي متمثلة بالولايات المتحدة الامريكية لتنفيذ مخطط ما بعد الكورونا كعنوان للنظام العالمي الجديد الذي ترى به بنوك الأفكار الامريكية وفق معايير الليبرالية بحجة الديمقراطية والعدالة والحرية؛ بقيت الحرب على سوريا وحلفائها تأخذ أشكالا عدة، وليس بالبعيد زمنيا اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الشهيد قاسم سليماني، وليس أخرا ما قاله هنري كيسنجر أن النظام العالمي الجديد لن تكون روسيا من قادته،وكل ذللك جاء ويجيء في سياق التمهيد للموجة الخامسة من التوحش الليبرالي .
غير أن المتتبع لمسار الحرب على سوريا لا يمكن أن يغمض عينيه عن جبهة كبيرة جدا، فتحت منذ الأيام الأولى وحتى ما قبلها، جبهة قذائفها صامتة، وحالات الكرّ والفرّ بها كانت رهنابالحسم السوري في جبهات النار والرصاص، إنها ساحة قتال رئيسية وذات أهمية ، لكنها تخفى عن جمهور الإعلام المذيل الذي ارتضى على نفسه أن يكون جزءا من القطيع،حيث كلما احتدمت المعركة بمواجهة أدوات مشروع الناهب الدولي يحمل يافطة (أغيثوا ) وفق توصيات الجبهة الصامتة ونتائج معركتها.
الدبابات الفكرية Think Tanksأداة التفتيت الناعمة
فتحت قوى العدوان جبهة الدبابات الفكرية؛حيث ساحتها مكاتب مغلقة ومكيفة، أدواتها عقول في خدمة المشروع الأمريكي للوطن العربي، ممولوها دول أسهمت بتمويل عصابات الإجرام الدموي أحيانا باسم الدين وأحيانا أخرى باسم الحرية، ومؤسسات غربية تعمل على اختراق الأقطار العربية عبر مايسمى بمؤسسات المجتمع المدني مثل مؤسسة فورد ( (fordومؤسسة المجتمع المفتوحOpen Society Foundations)) وللأخيرة أدوار بارزة منذ الحرب الباردة إلى يومنا هذا مرورا بتفكيك الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية مثل تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا، كما أنها الجهة الممولة لأحداث أوكرانيا وإيران بالفترة التي شهدت بها إيران تظاهرات ضد الحكم الحالي .
أما عراب هذه الجبهة فهي مؤسسة(Rand) الأمريكية والتي أنشئت في 14مايو 1948 من قبل الطيار السابق في سلاح الجو الامريكي ومدير شركة دوغلاس للطائرات دونالد دوغلاس Donald Douglas، وكانت الغاية المعلنة من إنشائها تقديم دراسات وتحليلات وأبحاث للقوات المسلحة الامريكية، وتقدم راند نفسها حسب موقعها "مؤسسة RAND مؤسسة غير ربحية تساعد على تحسين السياسات وعملية اتخاذ القرار من خلال البحث والتحليل.تستعين RAND، وعلى مدى ستة عقود وأكثر، بالبحث والتحليل الدقيق، الذي يعتمد على الحقائق، للمساعدة في جعل الأفراد والعائلات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم أكثر أمناً وسلامة وأكثر صحة وازدهاراً. حيث يشمل بحثنا أكثر القضايا أهمية مثل الطاقة والتعليم والصحة والعدالة والبيئة والشؤون العالمية والعسكرية.إن RAND كمنظمة غير ربحية تحظى باحترام واسع كونها حيادية تعمل بشكل مستقل بعيداً عن الضغوط السياسية والتجارية. فالجودة والموضوعية يمثلان قيمنا الأساسية.إن أبحاث RAND تتم بتكليف من عملاء عالميين بما يشمل الجهات الحكومية والمنظمات والمؤسسات الدولية. إن التبرعات الخيرية وعائدات RAND من أوقافها وأبحاثها يجعل برنامج RAND للأبحاث الجديدة ممكناً. حيث يتم دعم الأبحاث المبتكرة في المواضيع الحاسمة في النقاش السياسي والتي تتجاوز حدود التمويل التقليدي للعميل."
لكن الدبابة الفكرية هو التعريف الأبلغ لراند وشبيهاتها، فقد لعبت وما زالت تلعب أدوارا على اكثر من صعيد في الماضي والحاض؛ فكما كان لها دور بارز إبان الحرب الباردة، ومساهماتها بالأبحاث والتقارير التي وضعت في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية تحت حجة الأمن القومي ومصالح أمريكا الخارجية، ومن الأمثلة على ذلك إنشاؤها خلال فترة الحرب الباردة إذاعة باسم"صوت الشباب" كانت موجهة لشباب الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية.وفيما قامت بإصدار مجموعة من الدوريات وقنوات راديو أخرى تعمل اليوم في المنطقة العربية.
ومن المفيد أن نعلم أن من أبرز من عملوا بمركز سياسات الشرق أحد أذرع راند كعضو في المجلس الاستشاري له بول بريمرPaul Bremer صاحب الدور الأبرز في تدمير العراق،وفي ذلك إشارة واضحة لعلاقة هذه المؤسسة في صياغة المشاريع على الأرض. كما عمل السفير السابق لدى المملكة العربية السعودية (راي مابوس)وفق الرؤية ذاتها والأهداف عينها، وتديرالمركز حاليا ديلا داسا كايDalia Dassa Kaye.
راند بين التخطيط والواقع في سوريا
سوريًا اسهمت راند مساهمة مباشرة بالمعركة وعلى أكثر من صعيد؛ منها مايُعنى بالشأن السياسي والعسكري، ومنها ما يركز على قضايا النازحين السوريين إلى الدول العربية من بينها الاردن ولبنان واللاجئين لتركيا، حيث وضعت تصورات عدة وتوصيات لمشكلة اللاجئين.
أول الأبحاث حمل عنوان " الحدّ من التطرف بين اللاجئين " وبحث خلاله عما اذا كانت تجمعات اللاجئين السورين وخاصة المخيمات ستتحول إلى حاضنة للقوى المتطرفة والعنيفة بحسب راند وبحثها الذي صدر عام 2015.
وبذات العام نشر بحث بعنوان "تعلم أطفال اللاجئين السوريين: إدارة الأزمة في تركيا والأردن ولبنان " وقد وضع هذا البحث أهدافا سعى لتحقيقها منها جودة التعليم وإدارته والمجتمع، ومن المفيد أن نشير إلى أن حكومات الدول المستضيفة للنازحين وخصوصا الأردن قد امتثلوا لتوصيات هذه التقارير من خلال توفير فرص التعليم وتقديم تصاريح العمل للسوريين خارج مخيمات اللجوء، بالإضافة إلى توسيع مظلة الخدمات المقدمة لهم بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني وبدعم لاحظه الأردنيون من قبل جماعة الأخوان المسلمين.
وأخيرا تقرير بعنوان فرصة للجميع :" فرص تعود بالفائدة على السوريين والبلدان المستضيفة في أسواق عمل الشرق الأوسط " صدر عام2018 .وقد شارك في هذا الجزء بعض المؤسسات التي استفادت من الحرب تحت اسم مؤسسات إغاثة او تمكين،أوغيرها من المؤسسات التي استعانت بها راند بالبحث الميداني والاستقصائي من خلال العمل بين اللاجئين السوريين، حيث يقدم الجميع نفسه كمؤسسة غير ربحية إلا انها تتلقى نظير خدماتها مبالغ بحجة الإنفاق على المشاريع التي تنفذها كما يطلب منها.
غير أن الشق الآخر والاهم هو الشق السياسي حيث أفردت راند مساحة لمفكريها -الذين فشلوا بسوريا- لوضع خطط الحل والسلم في سوريا من منظور المصالح الأمريكية وحلفائها، ركزت جميعها على وصف ما يجري بسوريا بالحرب الاهلية، كما قسمت قوى الإرهاب الى معارضة سنية معتدلة ومتطرفة وقوى طائفية وعرقية، كانت بدايتها عام 2015 حيث رأت هذه الخطة ان ما يجري بسوريا يهدد أمن واستقرار الدول المجاورة ويهدد امن الولايات المتحدة وذلك من خلال التعصب الديني ويجهد التضامن الاوروبي . وترى أن ما يجري هو انتفاضة شعبية ضد الاستبداد وان "النظام" هو من يحرض ضد المعارضة؛ اي ان راند ترى بالارهابيين على اختلاف مشاربهم معارضة سلمية تحولت الى السلاح للدفاع عن نفسها،ثم تحولت الى جماعات متقاتلة بينها لاسباب طائفية وعرقية، وترى راند ان سنوات الحرب الاولى قد اسهمت بتقسيم سوريا وهذا ما اثبتت الوقائع عكسه تماما، وان هذا التقسيمات يجب القبول بها على المدى القريب الا انها ترى بأن ذلك قد لا ينجح بسبب الدعم الروسي الايراني للدولة السورية، وتتحدث الخطة عن المناطق الآمنة وامكانية تنفيذها والمعيقات التي تقف بوجهها.
وجاء الجزء الثاني من هذه الخطة تحت عنوان " خيارات لإدارة المستقبل " جاء فيها عدة خيارات منها اللامركزية المحدودة، والسيادة المحلية ذات الطابع المؤسساتي وفي هذا البند تم الحديث عن إدلب ودرعا كمدن محررة من الدولة السورية غير أن الواقع الحالي من درعا لادلب وقبلها حلب والغوطة في فترة ما بعد نشر هذا المنظور التحليلي من قبل راند كان هزيمة لدباباتها الفكرية بشكل صارخ . اما البند او الخيار الثالث فهو اللامركزية الغير متناظرة وبه حديث عن منح الكرد السوريين حكما ذاتيا ويمكن اعتبار مناطقهم مناطق محظور بها الطيران كما حصل بالعراق،إلا أن الامريكي يراعي أن التركي قد لايقبل بهذا الحل وهنا يجب أن لانغفل استضافة تركيا لأغلب ورش راند خلال السنوات العشر الاخيرة كما هو الحال مع قطر.
وفي خطة سلام للحل في سوريا الصادرة عام 2016 والتي لم تخرج من ذات السياقات السابقة انتهاء بخطة السلام بجزئها الرابع وهي مقاربة تنطلق حسب راند من القاعدة نحو الأعلى وتربط المساعدة بإعادة الاعمار وتشكيل حكومة محلية،
ونحن اليوم على أبواب إنهاء وحسم المعركة، مع بروز دور محور مقاوم متمثل بالدولة العربية السورية وجيشها، والمقاومة اللبنانية متمثلة بحزب الله، وحليف ايراني لم يغير أو يبدل موقفه من قضايا أمتنا العادلة منذ قيام الثورة الاسلامية الإيرانية حتى اليوم، لم تغفل راند الوجود الايراني ووجود حزب الله في سوريا ، لذلك اصدرت راند ورقة بعنوان " مصالح إسرائيل وخياراتها في سوريا " 2016 انصب الحديث من خلالها حول التهديد الذي تواجهه "اسرائيل" بوجود حزب الله شمال فلسطين المحتلة وقرب الجولان العربي السوري، وتخوفات من التسليح الايراني لحزب الله وتزويده بمنظومات صواريخ متطورة، وهنا يبدو ان الخوف لم يكن بمكانه فقط بل تجاوزه الى التهديد بوحدة الجبهات من سوريا ولبنان وغزة وحتى اليمن الذي يتعرض لحرب من ذات الأدوات وتشرف عليها الولايات المتحدة ايضا تسليحا مدفوعا ودفاعا عن حليف ثري لا تريد له الخسارة يتصارع مع التركي حول زعامة السنة بحسب ادبيات المهزومين .
إنها معركة حقيقية تلك التي يخوضها مفكرو راند وأعوانهم، وتلقى الهزيمة تلو الأخرى لتتحول أحيانا الى الحديث عن المواطن السوري الموجود في دول الجوار والمهاجرين عبر البحر إلى أوروبا لاستخدامه كأداة لتبرير وجودها كلاعب اساسي بالمعركة ونقطة. غير أنّ واقع الامور يجيء مغايرا لسبطانات دباباتها التي اثبتت سوريا أنها تقف على مسافة ابعد من مداها كما حزب الله والمقاومة حيثما وجدت .
بعيد التقرير الذي نشرته مديرة مركز السياسات العامة للشرق الاوسط CMEPP) ) احد أذرع RAND تقريرا بعنوان " Covid-19 Impacts On Strategic Dynamics In The Middle East" بتاريخ 26/نيسان 2020 والذي تحدثت انخراط روسي صيني بالشرق الاوسط مع وصف يدلل عل حالة الندية والعداء للدور الروسي بوصف روسيا بالانتهازية مع التلميح أن الامور لن تتغير والمواقف وفق التطورات الجارية بسوريا ، ويلي ذلك حملة إعلامية مشبوهة تتحدث عن خلافات روسية ايرانية تارة ، وعن تخلي روسيا عن دعمها لاستمرار بقاء السيد الرئيس بشار الأسد في الحكم تارة أخرى ، وكل ذلك في سياق الحرب على سوريا وحلفائها، بل وذهبت RAND ضمن تقريرها الى أن الاستبداد وغياب الديمقراطية هي من مشاكل الدول العربية في الشرق الاوسط دون أن تذكر"اسرائيل" كديمقراطية راسخة وتشيد بجهودها لمكافحة الوباء ، مع الاشارة الى انهيار قوة إقليمية رئيسية مع عدم نسب انهيارها للوباء، اضافة للاشارة الى مشكلة النازحين الداخليين خاصة بسوريا والتي يعتبره التقرير مشكلة ستواجه محاولات السيطرة على الوباء؛ هنا لابد من العودة الى الأدوار الخطيرة التي تمارسها الدبابة الفكرية منذ بداية الحرب على سوريا وتحميل المسؤلية للدولة السورية وكأن الامريكان حمائم سلام لم تتلطخ أيديهم بالدم السوري .
وفي العاشر من ايار جاء الرد السوري الذي يثبت أن الدولة العربية السورية ما زالت ربان سفينة نجاة الشعب السوري بل والامة حين اجتمع الرئيس السوري بخلية الأزمة وخرج بعدة قرارات من مصلحتها أن تصب في الصالح العام للشعب حيث أعاد الإعتبار للقطاع العام بتحمل مسؤولية تأمين المواد الغذائية الرئيسية للشعب وتعزيز دوره وحماية السوق من الاحتكارات في ظل أزمة كورونا كما قبلها ومنه نفهم أيضا سر الحرب الاعلامية التي استعرت وما زالت ضد سوريا وحلفائها ، وما الهجمات التركية والامريكية الأخيرة سوى محاولات لاثبات عكس ثبات سوريا ومحورها بمواجهة قوى النهب .
مشهور سندس عضو منتدى الفكر الاشتراكي الأردني باحث حول بنوك الأفكار الغربية، وبما يسمى المؤسسات غير الربحية ومخاطرها.
:::::
صفحة الكاتب على فيس بوك
مشهور سندس
الاْردن
منذ اليوم الأول للبدء بتنفيذ المخطط الأمريكي الذي يستهدف وحدة سوريا، وتدمير مقدراتها تحت شعار (الشعب يريد)، واستغلال حالة ما سمي بالربيع العربي في أقطار عربية أخرى؛ استخدمت القوى المعادية الوسائل كافة لتحقيق أهدافها، من جماعات مسلحة مموّلة عربيًا ودوليًا، إلى دعوات انفصالية طائفية وإثنية، مع الشكل التقليدي للاعتداء عبر القصف الممنهج الذي مارسته الولايات المتحدة بحجّة مواجهة الإرهاب، واليوم وفي غمرة استغلال قوى النهب الدولي متمثلة بالولايات المتحدة الامريكية لتنفيذ مخطط ما بعد الكورونا كعنوان للنظام العالمي الجديد الذي ترى به بنوك الأفكار الامريكية وفق معايير الليبرالية بحجة الديمقراطية والعدالة والحرية؛ بقيت الحرب على سوريا وحلفائها تأخذ أشكالا عدة، وليس بالبعيد زمنيا اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الشهيد قاسم سليماني، وليس أخرا ما قاله هنري كيسنجر أن النظام العالمي الجديد لن تكون روسيا من قادته،وكل ذللك جاء ويجيء في سياق التمهيد للموجة الخامسة من التوحش الليبرالي .
غير أن المتتبع لمسار الحرب على سوريا لا يمكن أن يغمض عينيه عن جبهة كبيرة جدا، فتحت منذ الأيام الأولى وحتى ما قبلها، جبهة قذائفها صامتة، وحالات الكرّ والفرّ بها كانت رهنابالحسم السوري في جبهات النار والرصاص، إنها ساحة قتال رئيسية وذات أهمية ، لكنها تخفى عن جمهور الإعلام المذيل الذي ارتضى على نفسه أن يكون جزءا من القطيع،حيث كلما احتدمت المعركة بمواجهة أدوات مشروع الناهب الدولي يحمل يافطة (أغيثوا ) وفق توصيات الجبهة الصامتة ونتائج معركتها.
الدبابات الفكرية Think Tanksأداة التفتيت الناعمة
فتحت قوى العدوان جبهة الدبابات الفكرية؛حيث ساحتها مكاتب مغلقة ومكيفة، أدواتها عقول في خدمة المشروع الأمريكي للوطن العربي، ممولوها دول أسهمت بتمويل عصابات الإجرام الدموي أحيانا باسم الدين وأحيانا أخرى باسم الحرية، ومؤسسات غربية تعمل على اختراق الأقطار العربية عبر مايسمى بمؤسسات المجتمع المدني مثل مؤسسة فورد ( (fordومؤسسة المجتمع المفتوحOpen Society Foundations)) وللأخيرة أدوار بارزة منذ الحرب الباردة إلى يومنا هذا مرورا بتفكيك الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية مثل تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا، كما أنها الجهة الممولة لأحداث أوكرانيا وإيران بالفترة التي شهدت بها إيران تظاهرات ضد الحكم الحالي .
أما عراب هذه الجبهة فهي مؤسسة(Rand) الأمريكية والتي أنشئت في 14مايو 1948 من قبل الطيار السابق في سلاح الجو الامريكي ومدير شركة دوغلاس للطائرات دونالد دوغلاس Donald Douglas، وكانت الغاية المعلنة من إنشائها تقديم دراسات وتحليلات وأبحاث للقوات المسلحة الامريكية، وتقدم راند نفسها حسب موقعها "مؤسسة RAND مؤسسة غير ربحية تساعد على تحسين السياسات وعملية اتخاذ القرار من خلال البحث والتحليل.تستعين RAND، وعلى مدى ستة عقود وأكثر، بالبحث والتحليل الدقيق، الذي يعتمد على الحقائق، للمساعدة في جعل الأفراد والعائلات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم أكثر أمناً وسلامة وأكثر صحة وازدهاراً. حيث يشمل بحثنا أكثر القضايا أهمية مثل الطاقة والتعليم والصحة والعدالة والبيئة والشؤون العالمية والعسكرية.إن RAND كمنظمة غير ربحية تحظى باحترام واسع كونها حيادية تعمل بشكل مستقل بعيداً عن الضغوط السياسية والتجارية. فالجودة والموضوعية يمثلان قيمنا الأساسية.إن أبحاث RAND تتم بتكليف من عملاء عالميين بما يشمل الجهات الحكومية والمنظمات والمؤسسات الدولية. إن التبرعات الخيرية وعائدات RAND من أوقافها وأبحاثها يجعل برنامج RAND للأبحاث الجديدة ممكناً. حيث يتم دعم الأبحاث المبتكرة في المواضيع الحاسمة في النقاش السياسي والتي تتجاوز حدود التمويل التقليدي للعميل."
لكن الدبابة الفكرية هو التعريف الأبلغ لراند وشبيهاتها، فقد لعبت وما زالت تلعب أدوارا على اكثر من صعيد في الماضي والحاض؛ فكما كان لها دور بارز إبان الحرب الباردة، ومساهماتها بالأبحاث والتقارير التي وضعت في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية تحت حجة الأمن القومي ومصالح أمريكا الخارجية، ومن الأمثلة على ذلك إنشاؤها خلال فترة الحرب الباردة إذاعة باسم"صوت الشباب" كانت موجهة لشباب الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية.وفيما قامت بإصدار مجموعة من الدوريات وقنوات راديو أخرى تعمل اليوم في المنطقة العربية.
ومن المفيد أن نعلم أن من أبرز من عملوا بمركز سياسات الشرق أحد أذرع راند كعضو في المجلس الاستشاري له بول بريمرPaul Bremer صاحب الدور الأبرز في تدمير العراق،وفي ذلك إشارة واضحة لعلاقة هذه المؤسسة في صياغة المشاريع على الأرض. كما عمل السفير السابق لدى المملكة العربية السعودية (راي مابوس)وفق الرؤية ذاتها والأهداف عينها، وتديرالمركز حاليا ديلا داسا كايDalia Dassa Kaye.
راند بين التخطيط والواقع في سوريا
سوريًا اسهمت راند مساهمة مباشرة بالمعركة وعلى أكثر من صعيد؛ منها مايُعنى بالشأن السياسي والعسكري، ومنها ما يركز على قضايا النازحين السوريين إلى الدول العربية من بينها الاردن ولبنان واللاجئين لتركيا، حيث وضعت تصورات عدة وتوصيات لمشكلة اللاجئين.
أول الأبحاث حمل عنوان " الحدّ من التطرف بين اللاجئين " وبحث خلاله عما اذا كانت تجمعات اللاجئين السورين وخاصة المخيمات ستتحول إلى حاضنة للقوى المتطرفة والعنيفة بحسب راند وبحثها الذي صدر عام 2015.
وبذات العام نشر بحث بعنوان "تعلم أطفال اللاجئين السوريين: إدارة الأزمة في تركيا والأردن ولبنان " وقد وضع هذا البحث أهدافا سعى لتحقيقها منها جودة التعليم وإدارته والمجتمع، ومن المفيد أن نشير إلى أن حكومات الدول المستضيفة للنازحين وخصوصا الأردن قد امتثلوا لتوصيات هذه التقارير من خلال توفير فرص التعليم وتقديم تصاريح العمل للسوريين خارج مخيمات اللجوء، بالإضافة إلى توسيع مظلة الخدمات المقدمة لهم بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني وبدعم لاحظه الأردنيون من قبل جماعة الأخوان المسلمين.
وأخيرا تقرير بعنوان فرصة للجميع :" فرص تعود بالفائدة على السوريين والبلدان المستضيفة في أسواق عمل الشرق الأوسط " صدر عام2018 .وقد شارك في هذا الجزء بعض المؤسسات التي استفادت من الحرب تحت اسم مؤسسات إغاثة او تمكين،أوغيرها من المؤسسات التي استعانت بها راند بالبحث الميداني والاستقصائي من خلال العمل بين اللاجئين السوريين، حيث يقدم الجميع نفسه كمؤسسة غير ربحية إلا انها تتلقى نظير خدماتها مبالغ بحجة الإنفاق على المشاريع التي تنفذها كما يطلب منها.
غير أن الشق الآخر والاهم هو الشق السياسي حيث أفردت راند مساحة لمفكريها -الذين فشلوا بسوريا- لوضع خطط الحل والسلم في سوريا من منظور المصالح الأمريكية وحلفائها، ركزت جميعها على وصف ما يجري بسوريا بالحرب الاهلية، كما قسمت قوى الإرهاب الى معارضة سنية معتدلة ومتطرفة وقوى طائفية وعرقية، كانت بدايتها عام 2015 حيث رأت هذه الخطة ان ما يجري بسوريا يهدد أمن واستقرار الدول المجاورة ويهدد امن الولايات المتحدة وذلك من خلال التعصب الديني ويجهد التضامن الاوروبي . وترى أن ما يجري هو انتفاضة شعبية ضد الاستبداد وان "النظام" هو من يحرض ضد المعارضة؛ اي ان راند ترى بالارهابيين على اختلاف مشاربهم معارضة سلمية تحولت الى السلاح للدفاع عن نفسها،ثم تحولت الى جماعات متقاتلة بينها لاسباب طائفية وعرقية، وترى راند ان سنوات الحرب الاولى قد اسهمت بتقسيم سوريا وهذا ما اثبتت الوقائع عكسه تماما، وان هذا التقسيمات يجب القبول بها على المدى القريب الا انها ترى بأن ذلك قد لا ينجح بسبب الدعم الروسي الايراني للدولة السورية، وتتحدث الخطة عن المناطق الآمنة وامكانية تنفيذها والمعيقات التي تقف بوجهها.
وجاء الجزء الثاني من هذه الخطة تحت عنوان " خيارات لإدارة المستقبل " جاء فيها عدة خيارات منها اللامركزية المحدودة، والسيادة المحلية ذات الطابع المؤسساتي وفي هذا البند تم الحديث عن إدلب ودرعا كمدن محررة من الدولة السورية غير أن الواقع الحالي من درعا لادلب وقبلها حلب والغوطة في فترة ما بعد نشر هذا المنظور التحليلي من قبل راند كان هزيمة لدباباتها الفكرية بشكل صارخ . اما البند او الخيار الثالث فهو اللامركزية الغير متناظرة وبه حديث عن منح الكرد السوريين حكما ذاتيا ويمكن اعتبار مناطقهم مناطق محظور بها الطيران كما حصل بالعراق،إلا أن الامريكي يراعي أن التركي قد لايقبل بهذا الحل وهنا يجب أن لانغفل استضافة تركيا لأغلب ورش راند خلال السنوات العشر الاخيرة كما هو الحال مع قطر.
وفي خطة سلام للحل في سوريا الصادرة عام 2016 والتي لم تخرج من ذات السياقات السابقة انتهاء بخطة السلام بجزئها الرابع وهي مقاربة تنطلق حسب راند من القاعدة نحو الأعلى وتربط المساعدة بإعادة الاعمار وتشكيل حكومة محلية،
ونحن اليوم على أبواب إنهاء وحسم المعركة، مع بروز دور محور مقاوم متمثل بالدولة العربية السورية وجيشها، والمقاومة اللبنانية متمثلة بحزب الله، وحليف ايراني لم يغير أو يبدل موقفه من قضايا أمتنا العادلة منذ قيام الثورة الاسلامية الإيرانية حتى اليوم، لم تغفل راند الوجود الايراني ووجود حزب الله في سوريا ، لذلك اصدرت راند ورقة بعنوان " مصالح إسرائيل وخياراتها في سوريا " 2016 انصب الحديث من خلالها حول التهديد الذي تواجهه "اسرائيل" بوجود حزب الله شمال فلسطين المحتلة وقرب الجولان العربي السوري، وتخوفات من التسليح الايراني لحزب الله وتزويده بمنظومات صواريخ متطورة، وهنا يبدو ان الخوف لم يكن بمكانه فقط بل تجاوزه الى التهديد بوحدة الجبهات من سوريا ولبنان وغزة وحتى اليمن الذي يتعرض لحرب من ذات الأدوات وتشرف عليها الولايات المتحدة ايضا تسليحا مدفوعا ودفاعا عن حليف ثري لا تريد له الخسارة يتصارع مع التركي حول زعامة السنة بحسب ادبيات المهزومين .
إنها معركة حقيقية تلك التي يخوضها مفكرو راند وأعوانهم، وتلقى الهزيمة تلو الأخرى لتتحول أحيانا الى الحديث عن المواطن السوري الموجود في دول الجوار والمهاجرين عبر البحر إلى أوروبا لاستخدامه كأداة لتبرير وجودها كلاعب اساسي بالمعركة ونقطة. غير أنّ واقع الامور يجيء مغايرا لسبطانات دباباتها التي اثبتت سوريا أنها تقف على مسافة ابعد من مداها كما حزب الله والمقاومة حيثما وجدت .
بعيد التقرير الذي نشرته مديرة مركز السياسات العامة للشرق الاوسط CMEPP) ) احد أذرع RAND تقريرا بعنوان " Covid-19 Impacts On Strategic Dynamics In The Middle East" بتاريخ 26/نيسان 2020 والذي تحدثت انخراط روسي صيني بالشرق الاوسط مع وصف يدلل عل حالة الندية والعداء للدور الروسي بوصف روسيا بالانتهازية مع التلميح أن الامور لن تتغير والمواقف وفق التطورات الجارية بسوريا ، ويلي ذلك حملة إعلامية مشبوهة تتحدث عن خلافات روسية ايرانية تارة ، وعن تخلي روسيا عن دعمها لاستمرار بقاء السيد الرئيس بشار الأسد في الحكم تارة أخرى ، وكل ذلك في سياق الحرب على سوريا وحلفائها، بل وذهبت RAND ضمن تقريرها الى أن الاستبداد وغياب الديمقراطية هي من مشاكل الدول العربية في الشرق الاوسط دون أن تذكر"اسرائيل" كديمقراطية راسخة وتشيد بجهودها لمكافحة الوباء ، مع الاشارة الى انهيار قوة إقليمية رئيسية مع عدم نسب انهيارها للوباء، اضافة للاشارة الى مشكلة النازحين الداخليين خاصة بسوريا والتي يعتبره التقرير مشكلة ستواجه محاولات السيطرة على الوباء؛ هنا لابد من العودة الى الأدوار الخطيرة التي تمارسها الدبابة الفكرية منذ بداية الحرب على سوريا وتحميل المسؤلية للدولة السورية وكأن الامريكان حمائم سلام لم تتلطخ أيديهم بالدم السوري .
وفي العاشر من ايار جاء الرد السوري الذي يثبت أن الدولة العربية السورية ما زالت ربان سفينة نجاة الشعب السوري بل والامة حين اجتمع الرئيس السوري بخلية الأزمة وخرج بعدة قرارات من مصلحتها أن تصب في الصالح العام للشعب حيث أعاد الإعتبار للقطاع العام بتحمل مسؤولية تأمين المواد الغذائية الرئيسية للشعب وتعزيز دوره وحماية السوق من الاحتكارات في ظل أزمة كورونا كما قبلها ومنه نفهم أيضا سر الحرب الاعلامية التي استعرت وما زالت ضد سوريا وحلفائها ، وما الهجمات التركية والامريكية الأخيرة سوى محاولات لاثبات عكس ثبات سوريا ومحورها بمواجهة قوى النهب .
مشهور سندس عضو منتدى الفكر الاشتراكي الأردني باحث حول بنوك الأفكار الغربية، وبما يسمى المؤسسات غير الربحية ومخاطرها.
:::::
صفحة الكاتب على فيس بوك