محذوران محظوران في الأردن..
فما هما.. وما هو السر وراء فك الارتباط مع الإصرار على عدم دسترته.. “هل تفكر اسرائيل” بوطن أصيل أم بديل في الأردن أم لا هذا ولا ذاك؟
فؤاد البطانية
عندما نكون أمام عملية ضم للضفة والأغوار في اطار يهودية الدولة. فهذا يعني ما يتجاوز مصادرة حقوق سيادية وسياسية أو مُلكية للفلسطينيين ويتجاوز نزع حقوق إقامتهم فيها، إذ أن العبرة في طبيعة الأرضية السياسية والعسكرية التي ستقف عليها “إسرائيل” والإطار الذي تؤخذ فيه عملية الضم ومجمل تفاصيل صفقة القرن كصاحبة مشروع صهيوني يتجاوز فلسطين. إنها تفسر ما نتوقعه من تداعيات بأنه ليس تهجيراً وابعاداً وسلب حقوق، بل تنفيذا لقرار التقسيم معتبرة أن الأردن جزءاً من فلسطين. فهل هذا الإعتبار ينطوي على اعتبار الأردن وطناً أصيلاً للفلسطينيين أم بديلاً أم لا هذا ولا ذاك.
إن ما يجب فهمه أردنياً على وجه الخصوص هو أن ليس هناك من منظور المشروع الصهيوني واستراتيجية كيانه وأدبياته ولا من منظور سايكس بيكو ووعد بلفور والممارسات الصهيونية على الأرض ما يتضمن غير وحدة وتكاملية استهداف فلسطين والأردن بالاحتلال. وليس هناك من مؤشر دولي مستجد أو ضغط عربي أو فلسطيني أو أردني يجعلنا نفكر بتقديم الكيان الصهيوني لتنازلات في مشروعه والنظر للأردن كوطن بديل أو أصيل، ولا أن يَنظر للأردن كوطن لأردني او فلسطيني أو عربي.
وحتى لو افترضنا بأن الصهيونية لا تريد أكثر من فلسطين من البحر للنهر، فإنها تحتاج لضمان بقاء كيانها الاحتلالي واستقراره إلى اخضاع الأردن وجغرافيته ووضعه تحت نفوذها لهذا الغرض. فالأمر عملية حساب أخطر بكثير من أن تؤخذ في اطار حسن النوايا أو محدودية الصياغات، وعملية الضم بالنسبة للأردن ليست مقتصرة على دفن امكانيات حل الدولتين وعلى التطهير العرقي واستقبال التهجير ونتائجه، بل منطوية على جدية الكيان الصهيوني بالبدء بتفكيك الأردن لوضع اليد عليه. فالدولة ولدت وظيفية من وجهة نظر المستعمر الذي أقامها ولم بخطط لها بالبقاء. بينما كانت من وجهة نظر القيادة الهاشمية فرصة للنجاة بالدولة والمُلك قي إطار تحالف استراتيجي مع الكيان الصهيوني، وهذا بالطبع وهم لم يكن له وجود في العقلية الصهيونية. فالنتيجة التي نشهدها اليوم هي وصول المستعمر لمبتغاه برضوخ أردني معزول عن إرادة الشعب.
وهناك علامات تشير الى أننا نعيش بوادر المرحلة التي تُستَهدف فيها الدولة الأردنية بالتفكيك. أما العلامة الأشد، فهي تلازم إغراق الدولة بالفساد مع حماية هذا الفساد. فليس هناك من عملية فساد ارتكبت إلا بأختام وتواقيع رسمية وما دون ذلك من فساد هو الذي يلاحق. فطبيعة الفساد وخصوصيته في الأردن هو تعبير عن رحيل الدولة بشكلها ومضمونها ونظامها. وهذا ما يفسر وصول فساد النهج لنزع ملكية الدولة لمقدراتها وإغراقها بالديون التي لا يمكن سدادها إلا بأثمان سياسية، والتعمد بتهزيء المنصب العام وإفراغه من مضمونه وهيبته. ونضيف لذلك أن للفساد في الأردن خصوصية “الكيماوي المزدوج ” حيث تفتقد الدولة بخلاف الدول النامية لمورد طبيعي أساسي لتغرف منه وتسدد قيمة الفساد لإسعاف موازنة الدولة كي تبقى الدولة قائمة. فتضطر لتحميل قيمة الفساد للمواطنين بالضرائب التي لا تتوقف، إلى أن يعود غير قادر على التحمل ويفقد ثقته وانتماءه للدولة ونظامها وتنهار الخزينة وعملتها وتصبح الساحة مهيئة لشرارة…
أما عن الوسيلة التنفيذية لتفكيك الدولة فهي الأشد خطورة وبوسعنا كأردنيين مواجهتها وإفشالها، وأقول بأرضيتها لكي لا يتجاهلها شعبنا، أن السياسة الاستعمارية المتطورة كما نعلمها تتخذ استراتيجية تدمير الدول من الداخل وبأيدي شعوبها بتوظيف أدوات تقوم على اختلاف الأعراق والأديان والمذاهب، وحيث أن هذه الأدوات وغيرها مفقودة في الأردن تماماً، فإن هذا المستعمر عمل عقودا على صنع بديل وهمي عنها لا أساس له. إذ استغل الظرف السياسي الاجتماعي السكاني المترتب على غزو فلسطين حين ضم الضفة مع شرق الأردن في الدولة الجديدة التي هي على نفس الأرض التي كانت تشكل مع فلسطين وحدة جغرافية وسياسية وسكانبة وادارية واحدة بشعب واحد ومتجانس وتحت حكم واحد على مر التاريخ، ودخل في سياسة ممنهجة لبث الفتنة والفرقة بين الشعب الواحد على أنه شعبان أحدهما يهدف للسطو على الأخر وحقوقه، رغم أن هذا الشعب بجناحيه قد تمتع لأول مرة في التاريخ بجنسية فرعية هي الجنسية الأردنية. ومن هنا فإن الأردنيين أمام محظورين مرتبطين بإفشال وسيلة تفكيك الدولة بدمائهم.
في المحظور الأول أقول بصرف النظر عن حقيقة أن لا حق قانونيا أو سياسيا أو تاريخيا أو أخلاقيا لكائن من كان أن يضع ختمه وتوقيعه على قرار المستعمر الأحنبي السايكوسبيكي بأقلمته للوطن الواحد، وعن حقيقة عدم وجود أي أثر أو اعتبار لمواطن عربي أو حاكم يُفتي بالوطن بناء على فتوة المستعمرين، إلا أن الأمر مختلف جداً وخارج الاجتهاد والرغبات عندما يتحدث ويركب بعض الشرق والغرب أردنيين المسألة السيكوسبيكية ويدعون الإقليمية متجاهلين أن الأردن وفلسطين لم تكونا دولتان سايكوسبيكيتان للعرب أو لسكانهما التاريخيين بل أبقاهما المستعمر وحدة جغرافية وسكانية واحدة كدولة سايكوسبيكية لليهود. وأنشأ من هذه الجغرافيا دولة وظيفية تنتهي بعد إنهاء مهمتها. حيث يبدأ الصهيو أمريكي بافتراسها من النقطة التي ستنتهي في فلسطين. وقد نشهد تجربة السلطة الفلسطينية تستنسخ في عمّان ونشهد في المحصلة نفس النتائج. مما يجعل نطقنا بأية عبارة أو كلمة تنطوي على أن هناك شعبان داخل الأردن وهدفان، أو أن هذا الوطن حكر على فئة، محذوراً ومحظوراً وبحكم الخيانة العظمى إن كان المُتكلم واعياً.
فهناك في هذه الظروف من الأردنيين غير الواعين على الواقع والحقائق التاريخية والسياسية والسكانية والقانونية المترسخة على الأرض الأردنية، ولا على الملعوب الصهيوني. فلا يمكن أن يصب كلام أحدنا في خانة دعم السياسة الصهيونية ومساعيها للفتنة الداخلية التي ستجعل من الصهيوني سيد الموقف بأيدينا ودمائنا، ومن الأردن بقبضتة وعندها سيفقد الأردني كل شيء يمتلكه حتى حق الإقامة في بلده..
المحظور الثاني نابع من استهداف القوى العميقة في المؤسسة الصهيو امريكية لمؤسسة العرش ولحكم الملك كآلية ضرورية لشيوع الفوضى والدم وتفكيك الدولة للوصول للمرحلة القادمة بأي شكل كانت. ليس من أردني واع لا يعلم بأهمية بقاء وحماية وسلامة مؤسسة العرش فغيابها في ظروفنا لا يسعفنا بل كارثي. وإن قلنا بأن الشعب واع وأقوى من الفتنة يبقى البديل الجاهز ضمن ظروفنا هو الكيان الصهيوني. وسواء يعلم الملك أو لا يعلم بأن نهجه السياسي غيب سلطة الشعب وغيب هويته الجامعة الملتصقة بالدولة وغيب بديلا وطنياً سياسياً أمنا، وأنه السبب فيما وصلنا إليه، فإن هذا الشعب مطالب بأولوية حماية الوطن وبالضغط السياسي الواعي باتجاه التغيير الاصلاحي الجذري الذي لا يكون مع هذا النهج السياسي القائم الذي يقف وراء ما وصل اليه الأردن، والنأي عن سلوك غير محسوب يُشتم منه التحريض أوالعبث بسلامة مؤسسة العرش، وأن نبتعد بنفس الوقت عن النفاق للملك والتسحيج أو إخلائه من المسئولية كونه مسُتبد بالقرار وما دونه منفذين، وعن تصوير الأمور له على غير واقعها. فهذه خيانة للوطن وللملك نفسه.
والان نأتي الى لغز تعليمات فك الارتباط من حيث صلتها بالوضع القانوني وما يترتب عليه من سياسي لسكان الضفة الغربية في ضوء صفقة القرن وعملية الضم والتهجير وكل مفردات القضية الفلسطينية. فالوضع القانوني للضفة الغربية ما زال أراض محتلة بنص قرارات الأمم المتحدة، وبأنها اغتصبت من السيادة الأردنية وما زالت تحت سيادته المغتصبة. لأن فك الإرتباط لم يصدر بقانون ولم يدستر. بينما وضع الضفة بحكم الأمر الواقع واتفاقية اوسلو هي أراض فلسطينية يتكلم باسمها ويُمثلها السلطة الفلسطينية رغم أن تعليمات فك الارتباط شملت السكان ولم تشمل الأرض. هذه المفارقه أو الخلل القانوني السياسي الخطير ليس غائباً عن “اسرائيل ” ولا عن المُشرع الأردني أو الفلسطيني ولا عن صاحبي القرار السياسي في عمان ورام الله. إنه خلل ينطوي على تعويم الهوية الفلسطينية الوطنية في فلسطين منذ صدور تعليمات فك الارتباط بمعزل عن الدستور ولا بد من تصويب هذا الوضع
إن ما يعنيه ذلك السلوك الرسمي الفلسطيني والأردني المتعامي، ومعايشته للتطورات السياسية المرافقة على الارض الفلسطينية هو أن القرار الاداري بفك الارتباط الذي قبله الأردن في السياق الذي نعرفه، وسعدت به منظمة التحرير الفلسطينية، هو بحد ذاته إلى جانب الاصرار على عدم تقنينه ينطوي على مؤامرة مستمرة يجني الكيان الصهيوني ثمرتها الفاسده الأن في هذا الظرف الذي فيه اسرائيل تفرض سيادتها على الأرض بأسس توراتية خرافية، وتُرحل السكان لتبعيتهم الأردنية القانونية بفعل عدم تقنين فك الارتباط. نعلم بأن إلغاء فك الارتباط الأن ليس عملياً ولا مقبولا من منظمة التحرير والمؤسسات الفلسطيتية والمقاومة. ولكن في ضوء ما سبق فإن عدم تقنينه سيعظم ويسهل تتويج المؤامرة على فلسطين والأردن. ومن حق كل مواطن أردني وفلسطيني على ارض الاردن وفلسطين أن يستمع لجواب من الملك يبرر عدم تقنين تعليمات فك الارتباط، ووقف تطنيش الرد على مدى عقود.
كاتب وباحث عربي
:::::
"رأي اليوم"