أهدي قصتي لسندريلا القصة الحقيقية Doha Dhakwan
سندريلا القبور
المدينةُ تمتلئ بالراياتِ السود..
سحبٌ دكناء تخنقُ السماءَ..
رجالٌ ونساءٌ يتَّشِحون بالحِداد..
عزاء ٌ، عزاءٌ..
كأنّ المدينةَ رهينةٌ لنعيق الغربان
.. صمت، اكتئاب، ترقب لهولٍ لا محال.
أم ضحى:
-اخفضي صوتكِ يا ضحى، ابن عمكِ رياض يجلسُ معَ أبيكِ.
- ما يفعلُ هذا الإرهابي عندنا؟
-اسكتي بسببِ لسانكِ سيقتلنا جميعًا.
-أكرههُ وزادَ كرهي لهُ بعدَ انتمائهِ للتنظيمِ الإرهابي.. حولوا المدينة لمقبرةٍ جماعية لسكانها.. لا مدارس، لا علوم، لا عمل نافعٌ، لا فنون أو أدب، لا رياضة، لا تلفاز، يُقْتَلُ ككافرٍ مَن يستخدم الهاتف.. سادَ ، الفقر ، الجوع .. لا سبيل للهرب.. أيّ جحيم هذا!!
- آه يا ضحى، لو تعلمينَ سبب الزيارة!! لقد جاء يخطبكِ.
- ما هذا الجشع!! إنّهُ متزوج لديهِ خمسة أبناء.. يكبرني عشرين سنة.. هو يعلم أنني أكرههُ..لن أتزوجهُ.. سأنتظر الفرج وعودة المدارس.. أُكمل دراستي، أحقق حلمي وأصبح مدرسة.. وبِمَ أجابه والدي؟
-ادَّعى أَنّكِ في بيتِ جدتكِ، وسيطرح الأمرَ عليكِ حينَ يلقاكِ.
-إذن غداً أذهبُ وأقيم معَ جدتي.. لن يعرفَ طريقي.. لن أكونَ زوجةً ثانية لهُ، بل أمةً لهذا المتغطرس.
……………..
الجدة:
- لِمَ أنتِ حزينة يا ضحى؟!
- كلمتني أختي عائشة متخفيةً فوقَ سطح الدار قائلةً: إنّ رياضًا عادَ من معركة في أطراف الموصل.. سائلاً أبي عنكِ مصراً على الزواج منكِ.
- تعلمين لقد خطبتكِ مني جارتي الأرملة لاِبنها مصطفى.. هي أرملة مكافحة ربت ولديها مصطفى وأحمد من عملها في المحاسبة.. كم أحب مصطفى هو شابٌ لطيفٌ يحاول أن يساعدني دائمًا.. بار بوالدتهِ، حريص على أخيهِ الأصغر، متعلم، مثقف.
- نعم، أنا أحترم هذهِ الأسرةَ، هم لطفاء معي، خاصة مصطفى.. وماذا قلتِ لها؟
-قلتُ : إنّكِ صغيرة في الرابعة عشرة من عمركِ..
ردت مستغربةً: إنّها طويلة جميلة، ناضجة، تبدو أكبر بكثير من عمرها.. مصطفى يكبرها ببضعِ سنين.
-إذن تقبلين الزواج من مصطفى؟
هو الخلاص من رياض.
-ليس لأنّهُ الخلاص، بل لأنّي أتوافق معهُ.. كلّ زميلاتي اللواتي بعمري تزوجن؛ حرصاً من أهاليهم كي لا تطولهم أيدي الإرهابيين وتجبرهم على الزواج منهم، وأستخدامهم كإماء لديهم.. تساهلوا بالمهر ومتطلبات الزواج.
- بلغي والديكِ بالحضور وعلى بركة الله.
…………..
ضحى:
- يا مصطفى، معركة تحرير الموصل قد بدأت.. تحررت الأحياء في الأطراف الشرقية للمدينة.. بدأ الكثيرون يهربون ويلجأون إليها، حيثُ توجد قوات الجيش، ومنظمات الإغاثة.. لِمَ لا نحاول الهرب؟
أقسم رياض ليقتلنكَ، مدعياً أنّكَ كافر، زواجنا باطل، وسوفَ يأخذني سبية.. لو اقتربت منا المعارك سوفَ ينالنا حتماً.
- كيف لوالدتي المسنة أن تجري هاربةً، تقطع مسافات مسرعةً، تتسلق السواتر وتنجو من رصاص الإرهابيين.. إنّها مغامرة فقد الكثيرون حياتهم ظنّاً منهم أنّها النجاة.
أم مصطفى:
- بقاء ضحى خطر على حياتها أيضاً.
-إذن هاهو ذا أحمد يتوق للهرب.. ليهرب مع ضحى وأبقى هنا معكِ لحين التحرير.. ولن ينالنا إلا ما كتب الله لنا.
……………..
أحمد:
- اتفقتُ مع جاري وصديقي عمر للهروب، ستكون معنا أختهُ خلود..تجهزي ياضحى، سنركب الحافلات الصغيرة إلى آخر نقطة، حيثُ المقبرة المحاطة بساترٍ يفصل بين المناطق المحررة وباقي أحياء الموصل.. أنسب وقتٍ قبل الغروب.. لا بدَّ أن يشاغل الإرهابيَّ أحدٌ منا ليتسنى للآخرين الهروب، ثم يتبعنا.. لابدَّ من أمرأة تشاغلهم فهم يصغون للنساء.. وسنكون عصبة لو أصاب أحدنا مكروه فيعينه الآخر.
-إذن سأتولى مهمة إشغال الإرهابي.. ألحق بكم بعد أن تقطعوا مسافة يصعب عليه أن يطولكم.. اتفقنا يا أحمد.
……………
أحمد:
- ها قد وصلنا لآخر الخط.. عليكِ مشاغلة ذاكَ الارهابي عندَ مدخل المقبرة يا ضحى.
ضحى تشاغل الإرهابي:
- إلى متى يستمر هذا السوق؟
-إلى الغروب.. مازال هناكَ نصف ساعة.. يا امرأة كيف تخرجين وحدَكِ بدون محرم؟!
- أخي معي.. لقد سبقني للسوق.. فقط أتساءل هل هناكَ حافلاتٌ عائدة إلى المدينة بعدَ موعد السوق؟
- عليكم العجلة.. بعد نصف ساعة سيحل الغروب، تكون هذهِ المنطقة فارغةً موحشة.. سيقتل من يحاول الاقتراب منها للتسلل إلى بلاد الكفر.
يهرب عمر وخلود في غفلة الإرهابي، يعبر عمر الساتر بسلام، تقترب خلود من الساتر، يسير أحمد بخطواتٍ بطيئةٍ يراقب ضحى.. تسرع ضحى تجري داخل المقبرة، مع آخرين ينتهزون الفرصة للهرب.. يشعر الإرهابي بخدعتهم، يحاول اللحاق بهم، يرشق الرصاص.. تسقط خلود مرعوبةً عاجزةً عن النهوض، يحملها أحمد ويجري متجهاً نحو الساتر.. تجري ضحى مسرعةً فوق القبور، هاربةً من قبر لآخر، سقط حذاؤها منغرساً في أحدِ القبور.. تصل للساتر، يلاحقها الإرهابي منادياً: عودوا أيّها المرتدون، تريدون الذهاب إلى بلاد الكفر..
سندريلا تركتِ حذاءكِ للقبر لا———للأمير.
تلتفت ضحى فيرشقها بالرصاص.. تصاب بساقها اليسرى، تعبر الساتر بجرحٍ نازفٍ.
سحر الرشيد
فانكوفر/ كندا
26/8/2023
سندريلا القبور
المدينةُ تمتلئ بالراياتِ السود..
سحبٌ دكناء تخنقُ السماءَ..
رجالٌ ونساءٌ يتَّشِحون بالحِداد..
عزاء ٌ، عزاءٌ..
كأنّ المدينةَ رهينةٌ لنعيق الغربان
.. صمت، اكتئاب، ترقب لهولٍ لا محال.
أم ضحى:
-اخفضي صوتكِ يا ضحى، ابن عمكِ رياض يجلسُ معَ أبيكِ.
- ما يفعلُ هذا الإرهابي عندنا؟
-اسكتي بسببِ لسانكِ سيقتلنا جميعًا.
-أكرههُ وزادَ كرهي لهُ بعدَ انتمائهِ للتنظيمِ الإرهابي.. حولوا المدينة لمقبرةٍ جماعية لسكانها.. لا مدارس، لا علوم، لا عمل نافعٌ، لا فنون أو أدب، لا رياضة، لا تلفاز، يُقْتَلُ ككافرٍ مَن يستخدم الهاتف.. سادَ ، الفقر ، الجوع .. لا سبيل للهرب.. أيّ جحيم هذا!!
- آه يا ضحى، لو تعلمينَ سبب الزيارة!! لقد جاء يخطبكِ.
- ما هذا الجشع!! إنّهُ متزوج لديهِ خمسة أبناء.. يكبرني عشرين سنة.. هو يعلم أنني أكرههُ..لن أتزوجهُ.. سأنتظر الفرج وعودة المدارس.. أُكمل دراستي، أحقق حلمي وأصبح مدرسة.. وبِمَ أجابه والدي؟
-ادَّعى أَنّكِ في بيتِ جدتكِ، وسيطرح الأمرَ عليكِ حينَ يلقاكِ.
-إذن غداً أذهبُ وأقيم معَ جدتي.. لن يعرفَ طريقي.. لن أكونَ زوجةً ثانية لهُ، بل أمةً لهذا المتغطرس.
……………..
الجدة:
- لِمَ أنتِ حزينة يا ضحى؟!
- كلمتني أختي عائشة متخفيةً فوقَ سطح الدار قائلةً: إنّ رياضًا عادَ من معركة في أطراف الموصل.. سائلاً أبي عنكِ مصراً على الزواج منكِ.
- تعلمين لقد خطبتكِ مني جارتي الأرملة لاِبنها مصطفى.. هي أرملة مكافحة ربت ولديها مصطفى وأحمد من عملها في المحاسبة.. كم أحب مصطفى هو شابٌ لطيفٌ يحاول أن يساعدني دائمًا.. بار بوالدتهِ، حريص على أخيهِ الأصغر، متعلم، مثقف.
- نعم، أنا أحترم هذهِ الأسرةَ، هم لطفاء معي، خاصة مصطفى.. وماذا قلتِ لها؟
-قلتُ : إنّكِ صغيرة في الرابعة عشرة من عمركِ..
ردت مستغربةً: إنّها طويلة جميلة، ناضجة، تبدو أكبر بكثير من عمرها.. مصطفى يكبرها ببضعِ سنين.
-إذن تقبلين الزواج من مصطفى؟
هو الخلاص من رياض.
-ليس لأنّهُ الخلاص، بل لأنّي أتوافق معهُ.. كلّ زميلاتي اللواتي بعمري تزوجن؛ حرصاً من أهاليهم كي لا تطولهم أيدي الإرهابيين وتجبرهم على الزواج منهم، وأستخدامهم كإماء لديهم.. تساهلوا بالمهر ومتطلبات الزواج.
- بلغي والديكِ بالحضور وعلى بركة الله.
…………..
ضحى:
- يا مصطفى، معركة تحرير الموصل قد بدأت.. تحررت الأحياء في الأطراف الشرقية للمدينة.. بدأ الكثيرون يهربون ويلجأون إليها، حيثُ توجد قوات الجيش، ومنظمات الإغاثة.. لِمَ لا نحاول الهرب؟
أقسم رياض ليقتلنكَ، مدعياً أنّكَ كافر، زواجنا باطل، وسوفَ يأخذني سبية.. لو اقتربت منا المعارك سوفَ ينالنا حتماً.
- كيف لوالدتي المسنة أن تجري هاربةً، تقطع مسافات مسرعةً، تتسلق السواتر وتنجو من رصاص الإرهابيين.. إنّها مغامرة فقد الكثيرون حياتهم ظنّاً منهم أنّها النجاة.
أم مصطفى:
- بقاء ضحى خطر على حياتها أيضاً.
-إذن هاهو ذا أحمد يتوق للهرب.. ليهرب مع ضحى وأبقى هنا معكِ لحين التحرير.. ولن ينالنا إلا ما كتب الله لنا.
……………..
أحمد:
- اتفقتُ مع جاري وصديقي عمر للهروب، ستكون معنا أختهُ خلود..تجهزي ياضحى، سنركب الحافلات الصغيرة إلى آخر نقطة، حيثُ المقبرة المحاطة بساترٍ يفصل بين المناطق المحررة وباقي أحياء الموصل.. أنسب وقتٍ قبل الغروب.. لا بدَّ أن يشاغل الإرهابيَّ أحدٌ منا ليتسنى للآخرين الهروب، ثم يتبعنا.. لابدَّ من أمرأة تشاغلهم فهم يصغون للنساء.. وسنكون عصبة لو أصاب أحدنا مكروه فيعينه الآخر.
-إذن سأتولى مهمة إشغال الإرهابي.. ألحق بكم بعد أن تقطعوا مسافة يصعب عليه أن يطولكم.. اتفقنا يا أحمد.
……………
أحمد:
- ها قد وصلنا لآخر الخط.. عليكِ مشاغلة ذاكَ الارهابي عندَ مدخل المقبرة يا ضحى.
ضحى تشاغل الإرهابي:
- إلى متى يستمر هذا السوق؟
-إلى الغروب.. مازال هناكَ نصف ساعة.. يا امرأة كيف تخرجين وحدَكِ بدون محرم؟!
- أخي معي.. لقد سبقني للسوق.. فقط أتساءل هل هناكَ حافلاتٌ عائدة إلى المدينة بعدَ موعد السوق؟
- عليكم العجلة.. بعد نصف ساعة سيحل الغروب، تكون هذهِ المنطقة فارغةً موحشة.. سيقتل من يحاول الاقتراب منها للتسلل إلى بلاد الكفر.
يهرب عمر وخلود في غفلة الإرهابي، يعبر عمر الساتر بسلام، تقترب خلود من الساتر، يسير أحمد بخطواتٍ بطيئةٍ يراقب ضحى.. تسرع ضحى تجري داخل المقبرة، مع آخرين ينتهزون الفرصة للهرب.. يشعر الإرهابي بخدعتهم، يحاول اللحاق بهم، يرشق الرصاص.. تسقط خلود مرعوبةً عاجزةً عن النهوض، يحملها أحمد ويجري متجهاً نحو الساتر.. تجري ضحى مسرعةً فوق القبور، هاربةً من قبر لآخر، سقط حذاؤها منغرساً في أحدِ القبور.. تصل للساتر، يلاحقها الإرهابي منادياً: عودوا أيّها المرتدون، تريدون الذهاب إلى بلاد الكفر..
سندريلا تركتِ حذاءكِ للقبر لا———للأمير.
تلتفت ضحى فيرشقها بالرصاص.. تصاب بساقها اليسرى، تعبر الساتر بجرحٍ نازفٍ.
سحر الرشيد
فانكوفر/ كندا
26/8/2023