هذه المقولة صدرتْ عن قارون، حين نصحه الصالحون من قومه، وقالوا له: ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص: 77]، فكان جوابه: أنا لستُ بحاجة إلى هذا التوجيه؛ فإن الله - تعالى - إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأنِّي أستحقه، ولِمَحَبَّتِه لي، والمعنى كما يزعم قارون: أن الله - تعالى - عَلِم أني أهلٌ لهذا العطاء، ومحلٌّ لهذا التكريم، فأعطاني هذه الأموال الطائلة، ونظير هذا قوله - تعالى -: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي ﴾ [فصلت: 50]؛ أي: أستحقُّه عن جدارة.
إنَّ هذا الفَهم المنحرِف الذي ظَهَر من قارون، لا يكاد يسلم منه بعض الناس، إما بلسان المقال، أو بلسان الحال، فإن مَن يعتقد أنه جَمَع ماله بجهوده الشخصية وتعبه وكدِّه، يَتَصَرَّف فيه وحده، فكما أنه لم يكنْ لغيره دور وجهد في جمعه، إنما اقتصر ذلك عليه وحده، فكذلك ليس لأحد غيره دور أو تدخُّل في طريقة إنفاقه له، وليس لأحد كذلك حق توجيهه، أو محاسبته.
فصاحبُ المال هذا في ضوء تصوُّراته هذه، ينفق كيف يشاء، ويعطي مَن يشاء، ويمنع مَن يشاء، فهو سيد نفسه، إنه منهج شخص مغرور، تافه، تلاعَبَ به الشيطان.
إن الإسلام يقدر الجهود، ويحترم العمل، ويقرُّ الملكية الفردية، ويحث على جمع المال من طرق الحلال؛ ولكنه في الوقت نفسه يفرض منهجًا متوازنًا للتصرُّف في هذا المال.
هذا النهج يقوم على قاعدة: ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [القصص: 77]، وهو التوجيه نفسه الذي نُصِح به قارون، فلم ينتصح، فكان أن خسف الله به وبماله الأرض.
إنها قاعدةٌ جليلة، واتفاقية عادلة، أن يحسنَ المسلم استعمال ماله في إنفاقه واستثماره، كما أحسن الله إليه، وَرَزَقَهُ إياه، فالإحسان المتمثِّل في عطاء الله، يقابلُه إحسان منَ العبد في حُسن التصرُّف.
لقد فَهِم السلفُ هذا المعنى السامي، فكان أحدهم كثير الإنفاق في وجوه الخير، فقيل له: لو اقتصدت قليلاً، فقال: لا أستطيع؛ لأنني أنفِّذ اتفاقية بيني وبين ربي، يوضِّحها الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، أنفِق أُنفِق عليك))، فإن أمسك ابن آدم عن الإنفاق، أمسك ربي عن العطاء.
{ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيه كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ }القصص
61إنَّ هذا الفَهم المنحرِف الذي ظَهَر من قارون، لا يكاد يسلم منه بعض الناس، إما بلسان المقال، أو بلسان الحال، فإن مَن يعتقد أنه جَمَع ماله بجهوده الشخصية وتعبه وكدِّه، يَتَصَرَّف فيه وحده، فكما أنه لم يكنْ لغيره دور وجهد في جمعه، إنما اقتصر ذلك عليه وحده، فكذلك ليس لأحد غيره دور أو تدخُّل في طريقة إنفاقه له، وليس لأحد كذلك حق توجيهه، أو محاسبته.
فصاحبُ المال هذا في ضوء تصوُّراته هذه، ينفق كيف يشاء، ويعطي مَن يشاء، ويمنع مَن يشاء، فهو سيد نفسه، إنه منهج شخص مغرور، تافه، تلاعَبَ به الشيطان.
إن الإسلام يقدر الجهود، ويحترم العمل، ويقرُّ الملكية الفردية، ويحث على جمع المال من طرق الحلال؛ ولكنه في الوقت نفسه يفرض منهجًا متوازنًا للتصرُّف في هذا المال.
هذا النهج يقوم على قاعدة: ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [القصص: 77]، وهو التوجيه نفسه الذي نُصِح به قارون، فلم ينتصح، فكان أن خسف الله به وبماله الأرض.
إنها قاعدةٌ جليلة، واتفاقية عادلة، أن يحسنَ المسلم استعمال ماله في إنفاقه واستثماره، كما أحسن الله إليه، وَرَزَقَهُ إياه، فالإحسان المتمثِّل في عطاء الله، يقابلُه إحسان منَ العبد في حُسن التصرُّف.
لقد فَهِم السلفُ هذا المعنى السامي، فكان أحدهم كثير الإنفاق في وجوه الخير، فقيل له: لو اقتصدت قليلاً، فقال: لا أستطيع؛ لأنني أنفِّذ اتفاقية بيني وبين ربي، يوضِّحها الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، أنفِق أُنفِق عليك))، فإن أمسك ابن آدم عن الإنفاق، أمسك ربي عن العطاء.
{ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيه كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ }القصص