وقفات على طريق النجاة ..
الوقفة الأولى:
ألا هل من مشمر؟!
امنع جفونك أن تذوق مناما * * * وذرِ الدموع على الخدود سجاما
واعلم بأنك ميتٌ ومحاسبٌ * * * يا مَن على سخط الجليل أقاما
لله قوم أخلصوا في حبه * * * فرضي بهم واختصهم خداما
قيل للحسن البصري .. يا أبا سعيد .. كيف نصنع؟
نجالس اقواماً يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير .. فقال:
والله إنك إن تخالط أقواماً يخوفونك حتى يدركك أمن خير من ان تصاحب أقواماً يؤمنونك حتى يدركك الخوف ..
وقفتنا هذه مع آية عظيمة قد تورد في قلب قارئها الخوف ولكن من استعد لها نجا بإذن الله
إنها آية لو أنزلت على الجبال لتصدعت
آية كم سمعتها آذان فأنصتت
آية كم قرأتها أعين فبكت
وكم وعتها قلوب فخشعت
آية كم تمعنها غافل فتاب
كم تدبرها معرض فرجع إلى ربه وأناب
آية تحكي رحلة ،، وأي رحلة .. سفر ،، ويا له من سفر .. هي قول الله تعالى:
" كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ"
نعم أخي ،،
إنها رحلتك إلى الدار الآخرة .. إنه السفر الذي نسأل الله أن تكون نهايته الجنة وليس سقر
ولعظم هذه الرحلة وهذا السفر قال صلى الله عليه وسلم:
"لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبيكيتم كثيرا"
إي والله الذي لا إله إلا هو ..
لو علمنا حقيقة الموت وشدته .. والقبر وظلمته .. ويوم القيامة وكربته .. والصراط وزلته
ثم لو تأملنا الجنة ونعيمها والنار وجحيمها ؛ لتغيرت أحوالنا
ولكننا نسينا أو تناسينا هذه الرحلة وأقبلنا على هذه الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة
قال بعض السلف:
يقال لبعضهم تريد أن تموت ..؟ فيقول لا .. فيقال له لمَ ..
فيقول حتى أتوب وأعمل صالحا .. فيقال له إعمل .. فيقول سوف أعمل
ولا يزال يسوّف حتى يأتيه الموت على غير توبة ولا عمل صالح
أنا واثق أنك لا تحب أن تكون نهايتك هكذا،،،،
إذاً ،،،،،،
قدم لنفسك توبةً مرجوةً * * * قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غلق النفوس فإنها * * * ذخرٌ وغنمٌ للمنيب المحسن
وتذكر أخي حالك وأن تعاني من سكرات الموت
التي عانى منها أحب خلق الله إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم
فكان يقول بأبي هو أمي عند موته .. لا إله إلا الله إن للموت لسكرات
تصور نفسك يا مسكين وقد حل الموت بساحتك .. وملك الموت واقف عند رأسك
حشرج صدرك ، تغرغرت روحك ، ثقل منك اللسان ، وانهدت الأركان ، وشخصت العينان
أغلق باب التوبة دونك ، عرق منك الجبين ، وكثر حولك البكان ومنك الأنين
وأنت في كرب شديد لا منجا منه ولا محيد ، تعاين هذا الأمر العظيم بعد اللذة والنعيم
قد حل بك القضاء ثم عُرج بروحك إلى السماء فيا لها من سعادة أو .......... شقاء .
فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ -أي الروح-(83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ -عاجزون عن فعل أي شيء-(84)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87)
فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90)
فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93)
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
صنع هارون الرشيد طعاماًً وزخرف مجالسه وأحضر أبا العتاهية وقال له:
صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا .. فأجابه قائلاً:
عش ما بدا لك سالماً * * * في ظل شاهقة القصور
فقال الرشيد: أحسنت ثم ماذا .. فقال:
يُسعى عليك بما اشتهيت * * * لدى الرواح أو البكور
فقال حسنٌ .. ثم ماذا .. فقال:
فإذا النفوس تغرغرت * * * في ظل حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقناً * * * ما كنت إلا في غرور
فبكى الرشيد .. وقال أحد جلسائه لأبي العتاهية:
بعث إليك أمير المؤمنين كي تسره .. فأحزنته !
فقال الرشيد دعه .. فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا منه ..
نعم أخي .. كفى بالموت واعظا ..
كفى بالموت مقرحاً للقلوب .. ومبكياً للعيون .. ومفرقاً للجماعات .. وهادماً لللذات .. وقاطعاً للأمنيات ..
فيا مغروراً بدنياك ، ويا معرضاً عن الله ، ويا غافلاً عن طاعة مولاك ..
يا من كلما نصحه الناصحون صده عن قبول النصيحة هواه ..
يا من ألهته الشهوات وغره طول الأمل ..
هل تفكرت في هذه اللحظات إذا بقيت على ما أنت عليه ..
هل تدري ماذا سيحصل لك عند الموت .. متأكد أنك الآن تقول في نفسك سأقول ..
:: لا إله إلا الله ::
لا يا أخي ،،،
إذا بقيت على ضياعك وفي غفلتك وإعراضك حتى لحظة الموت فلن تستطيع أن تقولها بل ستتمنى الرجعة ..
"حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ....."
ولكنه قالها بعد فوات الأوان ..
أخي ،،،
هل تدري متى ستموت ؟؟؟ .. وأين ستموت ؟؟؟ ..
لا والله .. إنك لا تدري ..
إذاً .. لماذا تؤجل التوبة وتسوف بالأوبة .. اسمع هذه القصة لعلك تتعظ ..
حدثني من أحسبه والله حسيبه من الصادقين أن شاباً حصل له حادث فأسرع أحد رجال الأمن إلى السيارة لنجدته
فوجد الشاب يحتضر وسمع حشرجة وغرغرة تبين له ذلك فقال له قل لا إله إلا الله
فرفع الشاب أصبعه السبابة إلى السماء وقال لا إله إلا الله .. ثم فارق الحياة ..
وبعد أن غُسل وصُلي عليه ذهب رجل الأمن إلى بيت أهل هذا الشاب ليخبرهم أن ابنهم تشهد قبل أن يموت
فأتاهم وقال لهم: أبشركم أن ابنكم تشهد قبل أن يموت ..
فقال له أهل الشاب: ونحن نبشرك أنه تاب إلى الله قبل أسبوعين من الحادث فقط ..
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ
فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ....."
نعم أخي ،،،
"وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ "
وغمضوني وراح الكل وانصرفوا * * * بعد الإياس وجدوا في شرا كفني
وقال أولى الناس في عجل * * * إلى المغسل يأتيني يغسلني
فجاءني رجل منهم فجردني * * * من الثياب وأعراني وأفردني
وأسكب الماء من فوقي وغسلني * * * غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن
وألبسوني ثياباً لا كمام لها * * * وصار زادي حنوطاً حين حنطني
وقدموني إلى المحراب وانصرفوا * * * خلف الإمام فصلى ثم ودعني
صلوا عليّ صلاة لا ركوع لها * * * ولا سجود لعل الله يرحمني
تصور ما بعد ذلك وأنت تدخل تلك المقبرة محمولاً على الأعناق بعد أن كنت حاملاً أو زائرا ..
وليت شعري ما حديث جنازتك ؟!
هل ستقول: قدموني قدموني .. أم ستقول: يا ويلها أين تذهبون بها ..
وأنزلوني في قبري على مهل * * * وأنزلوا واحداً منهم يلحدني
ثم أنزلك في قبرك أحب أحبابك وأقرب أقربائك ووضعوك في صدعٍ من الأرض
ثم صفوا اللبنة على لحدك .. وانحجب الضوء عنك .. ثم بدءوا يحثون التراب على قبرك
وقال أحدهم: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل .. ثم ذهبوا وتركوك ..
نعم ،، تركوك وحيدا في ذلك الظلام الدامس ..
من فوقك تراب .. ومن تحتك تراب .. وعن يمينك تراب .. وعن شمالك تراب ..
ثم تعاد روحك إلى جسدك .. فيأتيك ملكان أزرقان أسودان يقال لأحدهما منكر وللآخر نكير
فيجلسانك وينتهرانك ويسألانك ..
من ربك ؟
ما دينك ؟
من نبيك ؟
فبماذا تحب أن تجيب؟
أما إن كنت عند موتك تائباً صادقاً مؤمنا .. فإن الله سيثبتك في تلك الأحوال ..
"يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ"
ستقول ربي الله .. وديني الإسلام .. ونبي محمد صلى الله عليه وسلم ..
فينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي ..
فافرشوا له من الجنة .. وألبسوه من الجنة .. وافتحوا له باباً من الجنة ..
ويأتيك من روحها وطيبها .. ويفسح لك في قبرك مد بصرك ..
ثم يأتيك رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح ويقول لك:
أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت تُوعد ..
فيقول له: من أنت ؟ فوجهك الذي يجيء بالخير .. فيقول أنا عملك الصالح ..
ثم يفتح لك باب من الجنة وباب من النار .. ويقال لك هذا منزلك لو عصيت الله .. أبدلك الله به هذا ..
فإذا رأيت ما في الجنة ستقول: ربِّ أقم الساعة .. ربِّ أقم الساعة ..
فيا لسعادتك من سعادة ويا لبشارتك من بشارة ويا لفوزك من فوز ..
"إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "
أما لو كان العبد -والعياذ بالله- مضيعاً لدينه .. تاركاً لصلاته .. يستهزئ بالصالحين ويفعل المنكرات ومات على ذلك ..
فهل ستدري بماذا سيجيب حين يسأله الملكان من ربك .. ما دينك .. من نبيك ..؟؟؟
سيقول هاه .. هاه .. لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ..
فينادي منادٍ من السماء أن كذب :
فافرشوا له من النار .. وافتحوا له باباً من النار ..
فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره .. حتى تختلف أضلاعه ..
ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت تُوعد ..
فيقول: من أنت ؟ فوجهك الذي يجيء بشر .. فيقول: أنا عملك الخبيث ..
ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضُرب بها جبل لصار ترابا فيضربه ضربة حتى يصير بها تراباً ..
ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس ..
ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار .. فيقول رب لا تقم الساعة .. رب لا تقم الساعة ..
وللمرء يوم ينقضي فيه عمره * * * وموت وقبر ضيق فيه يولج
ويلقى نكيراً في السؤال ومنكراً * * * يسومان بالتنكيل من يتلجلج
خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع بعض أصحابه إلي المقبرة فلما أشرف على القبور قال:
يا أهل القبور أخبرونا عنكم .. أم نخبركم عنا .. أما خبر مَن عندنا ..
فإن المال قد اقتسم .. والنساء قد تزوجن .. والمساكن قد سكنها غيركم ..
ثم سكت قليلاً والتفت إلى أصحابه فقال أما إنهم لو نطقوا لقالوا:
"وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى"
فيا ساكن القبر غداً ما الذي غرك من الدنيا ؟!!!..
هل تعلم أنك تبقى لها أو تبقى لك ؟!!!..
أين دارك الفيحاء ؟
أين رقاق ثيابك ؟
أين طيبك وبخورك ؟
أين خدمك وحشمك ؟
أين وجهك الحسن ؟
أين جلدك الرقيق ؟
أين جسدك الناعم ؟
كيف بك بعد ثلاث ليالٍ من دفنك وقد عاثت فيك الهوام والديدان ..
فرقت الأكفان ، ومحت الألوان ، وأكلت الحم ونخرت العظم ..
وأزالت الأعضاء ومزقت الأشلاء ، وسالت الحدق على الوجنات ..
فلولا القبر صار عليك ستراً * * * لأنتنتِ الأباطح والرَّوابي
وقف الحسن البصري رحمه الله على قبرٍ ونظر إليه ملياً ثم التفت إلى أحد الناس وقال له :
ماذا تراه يصنع لو خرج من قبره ؟
فقال: يتوب ويذكر الله ..
فقال له: إن لم يكن هو .. فكن أنت ..
أخيّ توخّ طريق النجاة * * * وقدّم لنفسك قبل الممات
وشمر بجدٍ لما هو آت * * * ولا تغتر بسراب الحياة
فإنك عما قريبٍ تمـــــوت ..
وقل لنفسك ماذا قدمت ليكون قبرك روضة من رياض الجنة ؟..
أخي ،،،
كيف تحب أن يكون حالك ؟!..
"وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)"
كيف تحب أن يكون حالك ؟!
"يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ"
كيف سيكون حالك ؟!
"إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)"
فخرجنا أنا وأنت للعرض على الله عز وجل ..
وهل تذكرنا أيها المسكين أيها العبد الضعيف الوقوف بين يدي الجبار في ذلك الموقف الرهيب المخيف الذي فيه ..
"يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا
وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ "
بماذا سنجيب عندما يسألنا ربنا عن كل صغيرة وكبيرة !
"وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا
وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً"
كيف أنت ؟؟؟!!!
إذا شهدت عليك العينان واليدان والقدمان والأذنان والفرج واللسان فيما عملت في هذه الدنيا الفانية ..
"الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"
العمر يُنقص والذنوب تزيد * * * وتقال عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنبٍ واحدٍ * * * رجلٌ جوارحه عليه شهود
عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال:
هل تدرون مم أضحك ؟ .. قلنا الله ورسوله أعلم .. قال: من مخاطبة العبد ربه ..
يقول يا رب ألم تجرني من الظلم .. قال يقول بلا .. قال: فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني ..
قال: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا ..
قال: فيُختم على فيه ويقال لأركانه انطقي .. قال: فتنطق بأعماله ..
قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام .. قال: فيقول: بعداً لكُن وسحقا .. فعنكن كنت أناضل ..
بماذا ستجيب إذا سألك ربك ....
عن عمرك فيما أفنيته ؟
وعن شبابك فيما أبليته ؟
وعن مالك من أبن اكتسبته وفيم أنفقته ؟
وعن علمك ماذا عملت به ؟
تصور حالة طفل صغير لم يعرف الذنوب ولا المعاصي ..
فتأمل حفظك الباري من كل شر حاله في ذلك المكان ...!!!!!
وإذا الجنين بأمه متعلق * * * يخشى القصاص وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف جنينه * * * كيف المُصرّ على الذنوب دهور؟!!!
هل أعددنا للسؤال جواباً .. وللجواب صوابا ...؟
أيها الأخ الكريم المبارك ،،،
تذكر -ذكرك الله الشهادة عند الممات- ذلك الموقف العظيم .. ثم تأمل أخي حال الخلائق ..
وقد قاسوا من دواهي القيامة وأهوالها ما قاسوا .. فبينما هم كذلك وقوفاً ينتظرون حقيقة أخبارها ..
إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات شعب وأطلت عليهم ناراً ذات لهب وسمعوا لها زفيراً وجرجرة تفصح عن شدة الغيظ والغضب ..
"إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً"
فعند ذلك أيقن المجرمون بالعذاب ..
"وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً"
وخرج المنادي من الزبانية قائلا:
أين فلان ابن فلان المسوف نفسه بطول الأمل ،، المضيع عمره بسوء العمل ..
فيبادرونه بمقامع من حديد ،، ويستقبلونه بعظائم التهديد ،، ويسوقونه إلى العذاب الشديد
وينكسونه على وجهه في قعر الجحيم .. ويقولون له:
"ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ"
فيسكن داراً ضيقة الأرجاء .. مظلمة المصابيح .. مبهمة المعالم ..
يدعون فيها بالويل والثبور وعظائم الأمور ..
"وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً (13)
لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً"
أمانيهم فيها الهلاك .. وما لهم من أصل جهنم فكاك ..
قد سدت أقدامهم إلى النواصي واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي ..
ينادون من أحداثها .. ويصيحون في نواحيها وأطرافها .....
يا مالك .. قد حق علينا الوعيد
يا مالك .. قد اثقلنا الحديد
يا مالك .. قد نضجت منا الجلود
يا مالك .. العدم خير من هذا الوجود
يا مالك .. أخرجنا منها فإنا لا نعود
" وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ"
ينـــــــــادون .....
"قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106)
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)
قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)"
فعند ذلك يقنطون وعلى ما فرطوا في جنب الله يتأسفون ..
فتصورهم يا أخي والنار من فوقهم والنار من تحتهم والنار عن أيمانهم والنار عن شمائلهم ..
"لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ"
فهم غرقى في النار .. طعامهم نار .. وشرابهم نار .. ولباسهم نار ..
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)
يتمنون الموت ولا يموتون ..
"وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ"
وسيق المجرمون وهم عراةٌ * * * إلى ذات السلاسل والنكال
فنادوا ويلنا ويلاً طويلاً * * * وعجوا في سلاسلها الطوال
فليسوا ميتين فيستريحوا * * * وكلهم بِِحر النار صال
فيا ليت شعري .. كيف بك لو نظرت إليهم !!!
وقد اسودت وجوههم .. وأعميت أبصارهم .. وأبكمت ألسنتهم ..
ليت شعري .. كيف لو نظرتهم ولهيب النار سارٍ في بواطن أجزائهم وحيات الهاوية وعقاربها متشبثة بظواهر أعضائهم ..
ليت شعري .. كيف بك لو أبصرتهم وهم بين مقطعات النيران وسرابيل القطران ..
"وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)
مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ (37)
ولكن أخي ،،،
إعلم -يا مَن رحمني الله وإياك- أن تلك الدار التي عرفت بعض همومها وغمومها تقابلها دار أخرى ..
فتعال معي .. تعال نتفكر في بعض نعيمها وسرورها !!!..
تفكر يا أخي في أهل الجنة بعد أن اجتازوا الصراط المنصوب على متن جهنم .. وهاهم واقفون عند باب الجنة ..
يأتي محمد صلى الله عليه وسلم فيطرق بابها ..
فيقول رضوان خازنها: من ؟!
فيقول: محمد ..
فيقول: لك أمرت أن أفتح ..
فيدخل صلى الله عليه وسلم ومن معه من أهلها ..
فتصور نفسك يا أخي .. إن كنت تائباً في دنياك نادماً على ذنوبك خائفاً من ربك ..
تصور نفسك .. وأنت تدخل الجنة مع الداخلين برحمة الله عز وجل ..
تدخل الجنة .. فيها ما لا عين رأت .. ولا أذن سمعت .. ولا خطر على قلب بشر ..
فتصور نفسك .. وأنت تتمتع بحورها .. وأنت تسكن قصورها .. وأنت تأكل من ثمارها .. وتشرب من أنهارها ..
نعم .. تصور نفسك .. وأنت تنظر إلى وجه الرحمن جل وعلا في يوم المزيد .....
"وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33)
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) "
أخي ،،،
قد تتساءل ما هي صفات الحور العين ؟!!!..
قد تتساءل عن أنهار الجنة .. عن طعام أهلها .. عن شرابهم .. عن آنيتهم .. عن أرضها وسقفها .. عن بنائها .. عن سعتها ..
قد تتساءل عن يوم المزيد ما هو ؟!!!...
وحيّ على يوم المزيد الذي به * * * زيارة رب العرش فاليوم موسم
وحيّ على وادٍ هنالك أفيح * * * وتربته من اذفر المسك أعظم
تعال أخي نجلس مع الإمام ابن القيم رحمة الله تعالى عليه ليجيبنا عن هذه الأسئلة وغيرها ..
تعال لنسمع سوياً ما يقوله هذا الإمام .. لعله يحذو الأرواح إلى بلاد الأفراح .....
قال رحمه الله تعالى:
فإن سألت عن عرائس الجنان ..
فهن الكواعب الأتراب اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب ..
إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيّرين ..
وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبين .. وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين .. ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيه ..
لا تزداد على طول الأحوال إلا حسناً وجمالا .. ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالا ..
مبرأة من الحمل والولادة والحيض والنفاس وسائر الأدناس .. لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها .. هذا ولم يطمثها قبله إنس ولا جان ..
وكلما نظر إليها ملأت قلبه سرورا .. وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً ومنثورا .. وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نورا ..
وإن سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك ..
فهن العُرب المتحببات .. وإن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع .. وإن آنست وأمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع ..
فيا خاطب الحسناء إن كنت راغباً * * * فهذا زمان المهر فهو المقدم
فحيّ على جنات عدنٍ فإنها * * * منازلنا الأولى وفيها المخيم
أخي ،،،
وإن سألت عن أنهار الجنة وما أدراك ما أنهار الجنة ..
فأنهار من ماء غير آسن ..
وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ..
وأنهار من خمر لذة للشاربين ..
وأنهار من عسل مصفى ..
وإن سألت عن طعامهم ..
ففاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتتهون ..
وإن سألت عن شرابهم ..
فالتسنيم والزنجبيل والكافور ..
وإن سالت عن آنيتهم ..
فآنيتهم الذهب والفضة ..
وإن سألت عن أرضها وتربتها ..
فهي المسك والزعفران ..
وإن سالت عن سقفها ..
فهو عرش الرحمن ..
وإن سالت عن بنائها ..
فلبنة من فضة ولبنة من ذهب ..
وإن سالت عن سعتها ..
فأدنى أهلها يسير في ملكه وقصوره وبساتينه مسيرة ألفي عام ..
وإن سالت عن وجوه أهلها وحسنهم ..
فعلى صورة القمر ..
وإن سألت عن غلمانهم ..
فولدان مخلدون .. كأنهم لؤلؤ مكنون ..
هذا وإن سالت عن يوم المزيد وزيارة العزيز الحميد .. فاستمع يوم ينادي المنادى :
يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه ..
فيقولون ما هو ؟!!!
ألم يبيض وجوهنا .. ويثقل موازيننا .. ويدخلنا الجنة .. ويزحزحنا عن النار ..
فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم وقال:
يا أهل الجنة سلام عليم ..
فلا تُرد هذه التحية بأحسن من قولهم:
اللهم أنت السلام .. ومنك السلام .. تباركت يا ذا الجلال والإكرام ..
ثم يقول:
أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني .. فهذا يوم المزيد ..
فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد رضينا فارضَ عنا ..
فيقول: يا أهل الجنة .. لو لم أرضَ عنكم ما أسكنتكم جنتي هذا يوم المزيد فاسألوني ..
فيجتمعون على كلمة واحدة .. أرنا وجهك ننظر إليه ..
فيكشف لهم الله جل جلاله الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا ..
ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه محاضرة ..
فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة ويا قرة عيون الأبرار بالنظر لوجهه الكريم في الدار الآخرة ..
"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)"
هي جنة طابت وطاب نعيمها * * * فنعيمها باقٍ وليس بفاني
"فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (20)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)"
وبعد إخواني ،،،
أليست هذه وقفة تستحق منا البكاء والدموع ..
أليست هذه الرحلة تستوجب منا التوبة إلى الله والرجوع ..
إخواني ،،،
البدار .. البدار .. واغتنموا أنفاسكم العظيمة المقدار ..
وتذكروا في جميع أعمالكم هل تقربكم إلى الجنة أم إلى النار ..
وفي ختام هذه الوقفة أقول لكل إنسانٍ قد غرق في الشهوات .. ونسي رب الأرض والسماوات ..
ولكل تائبٍ منيبٍ مستغفرٍ .. أقول لهم ما قاله صلى الله عليه وسلم :
"يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيسبغ في النار سبغة ثم يقال:
يا ابن آدم هل رأيت نعيماً قط ..؟ فيقول لا والله يا رب ..؟
ويؤتى بأبأس أهل الدنيا من أهل الجنة فيسبغ سبغة في الجنة فيقال له :
يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط ..؟ هل مرت بك شدة قط ..؟
فيقول: لا والله يا رب .. ما مر بي من بؤس قط .. ولا رأيت شدة قط ..
الوقفة الأولى:
ألا هل من مشمر؟!
امنع جفونك أن تذوق مناما * * * وذرِ الدموع على الخدود سجاما
واعلم بأنك ميتٌ ومحاسبٌ * * * يا مَن على سخط الجليل أقاما
لله قوم أخلصوا في حبه * * * فرضي بهم واختصهم خداما
قيل للحسن البصري .. يا أبا سعيد .. كيف نصنع؟
نجالس اقواماً يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير .. فقال:
والله إنك إن تخالط أقواماً يخوفونك حتى يدركك أمن خير من ان تصاحب أقواماً يؤمنونك حتى يدركك الخوف ..
وقفتنا هذه مع آية عظيمة قد تورد في قلب قارئها الخوف ولكن من استعد لها نجا بإذن الله
إنها آية لو أنزلت على الجبال لتصدعت
آية كم سمعتها آذان فأنصتت
آية كم قرأتها أعين فبكت
وكم وعتها قلوب فخشعت
آية كم تمعنها غافل فتاب
كم تدبرها معرض فرجع إلى ربه وأناب
آية تحكي رحلة ،، وأي رحلة .. سفر ،، ويا له من سفر .. هي قول الله تعالى:
" كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ"
نعم أخي ،،
إنها رحلتك إلى الدار الآخرة .. إنه السفر الذي نسأل الله أن تكون نهايته الجنة وليس سقر
ولعظم هذه الرحلة وهذا السفر قال صلى الله عليه وسلم:
"لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبيكيتم كثيرا"
إي والله الذي لا إله إلا هو ..
لو علمنا حقيقة الموت وشدته .. والقبر وظلمته .. ويوم القيامة وكربته .. والصراط وزلته
ثم لو تأملنا الجنة ونعيمها والنار وجحيمها ؛ لتغيرت أحوالنا
ولكننا نسينا أو تناسينا هذه الرحلة وأقبلنا على هذه الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة
قال بعض السلف:
يقال لبعضهم تريد أن تموت ..؟ فيقول لا .. فيقال له لمَ ..
فيقول حتى أتوب وأعمل صالحا .. فيقال له إعمل .. فيقول سوف أعمل
ولا يزال يسوّف حتى يأتيه الموت على غير توبة ولا عمل صالح
أنا واثق أنك لا تحب أن تكون نهايتك هكذا،،،،
إذاً ،،،،،،
قدم لنفسك توبةً مرجوةً * * * قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غلق النفوس فإنها * * * ذخرٌ وغنمٌ للمنيب المحسن
وتذكر أخي حالك وأن تعاني من سكرات الموت
التي عانى منها أحب خلق الله إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم
فكان يقول بأبي هو أمي عند موته .. لا إله إلا الله إن للموت لسكرات
تصور نفسك يا مسكين وقد حل الموت بساحتك .. وملك الموت واقف عند رأسك
حشرج صدرك ، تغرغرت روحك ، ثقل منك اللسان ، وانهدت الأركان ، وشخصت العينان
أغلق باب التوبة دونك ، عرق منك الجبين ، وكثر حولك البكان ومنك الأنين
وأنت في كرب شديد لا منجا منه ولا محيد ، تعاين هذا الأمر العظيم بعد اللذة والنعيم
قد حل بك القضاء ثم عُرج بروحك إلى السماء فيا لها من سعادة أو .......... شقاء .
فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ -أي الروح-(83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ -عاجزون عن فعل أي شيء-(84)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87)
فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90)
فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93)
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
صنع هارون الرشيد طعاماًً وزخرف مجالسه وأحضر أبا العتاهية وقال له:
صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا .. فأجابه قائلاً:
عش ما بدا لك سالماً * * * في ظل شاهقة القصور
فقال الرشيد: أحسنت ثم ماذا .. فقال:
يُسعى عليك بما اشتهيت * * * لدى الرواح أو البكور
فقال حسنٌ .. ثم ماذا .. فقال:
فإذا النفوس تغرغرت * * * في ظل حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقناً * * * ما كنت إلا في غرور
فبكى الرشيد .. وقال أحد جلسائه لأبي العتاهية:
بعث إليك أمير المؤمنين كي تسره .. فأحزنته !
فقال الرشيد دعه .. فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا منه ..
نعم أخي .. كفى بالموت واعظا ..
كفى بالموت مقرحاً للقلوب .. ومبكياً للعيون .. ومفرقاً للجماعات .. وهادماً لللذات .. وقاطعاً للأمنيات ..
فيا مغروراً بدنياك ، ويا معرضاً عن الله ، ويا غافلاً عن طاعة مولاك ..
يا من كلما نصحه الناصحون صده عن قبول النصيحة هواه ..
يا من ألهته الشهوات وغره طول الأمل ..
هل تفكرت في هذه اللحظات إذا بقيت على ما أنت عليه ..
هل تدري ماذا سيحصل لك عند الموت .. متأكد أنك الآن تقول في نفسك سأقول ..
:: لا إله إلا الله ::
لا يا أخي ،،،
إذا بقيت على ضياعك وفي غفلتك وإعراضك حتى لحظة الموت فلن تستطيع أن تقولها بل ستتمنى الرجعة ..
"حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ....."
ولكنه قالها بعد فوات الأوان ..
أخي ،،،
هل تدري متى ستموت ؟؟؟ .. وأين ستموت ؟؟؟ ..
لا والله .. إنك لا تدري ..
إذاً .. لماذا تؤجل التوبة وتسوف بالأوبة .. اسمع هذه القصة لعلك تتعظ ..
حدثني من أحسبه والله حسيبه من الصادقين أن شاباً حصل له حادث فأسرع أحد رجال الأمن إلى السيارة لنجدته
فوجد الشاب يحتضر وسمع حشرجة وغرغرة تبين له ذلك فقال له قل لا إله إلا الله
فرفع الشاب أصبعه السبابة إلى السماء وقال لا إله إلا الله .. ثم فارق الحياة ..
وبعد أن غُسل وصُلي عليه ذهب رجل الأمن إلى بيت أهل هذا الشاب ليخبرهم أن ابنهم تشهد قبل أن يموت
فأتاهم وقال لهم: أبشركم أن ابنكم تشهد قبل أن يموت ..
فقال له أهل الشاب: ونحن نبشرك أنه تاب إلى الله قبل أسبوعين من الحادث فقط ..
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ
فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ....."
نعم أخي ،،،
"وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ "
وغمضوني وراح الكل وانصرفوا * * * بعد الإياس وجدوا في شرا كفني
وقال أولى الناس في عجل * * * إلى المغسل يأتيني يغسلني
فجاءني رجل منهم فجردني * * * من الثياب وأعراني وأفردني
وأسكب الماء من فوقي وغسلني * * * غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن
وألبسوني ثياباً لا كمام لها * * * وصار زادي حنوطاً حين حنطني
وقدموني إلى المحراب وانصرفوا * * * خلف الإمام فصلى ثم ودعني
صلوا عليّ صلاة لا ركوع لها * * * ولا سجود لعل الله يرحمني
تصور ما بعد ذلك وأنت تدخل تلك المقبرة محمولاً على الأعناق بعد أن كنت حاملاً أو زائرا ..
وليت شعري ما حديث جنازتك ؟!
هل ستقول: قدموني قدموني .. أم ستقول: يا ويلها أين تذهبون بها ..
وأنزلوني في قبري على مهل * * * وأنزلوا واحداً منهم يلحدني
ثم أنزلك في قبرك أحب أحبابك وأقرب أقربائك ووضعوك في صدعٍ من الأرض
ثم صفوا اللبنة على لحدك .. وانحجب الضوء عنك .. ثم بدءوا يحثون التراب على قبرك
وقال أحدهم: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل .. ثم ذهبوا وتركوك ..
نعم ،، تركوك وحيدا في ذلك الظلام الدامس ..
من فوقك تراب .. ومن تحتك تراب .. وعن يمينك تراب .. وعن شمالك تراب ..
ثم تعاد روحك إلى جسدك .. فيأتيك ملكان أزرقان أسودان يقال لأحدهما منكر وللآخر نكير
فيجلسانك وينتهرانك ويسألانك ..
من ربك ؟
ما دينك ؟
من نبيك ؟
فبماذا تحب أن تجيب؟
أما إن كنت عند موتك تائباً صادقاً مؤمنا .. فإن الله سيثبتك في تلك الأحوال ..
"يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ"
ستقول ربي الله .. وديني الإسلام .. ونبي محمد صلى الله عليه وسلم ..
فينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي ..
فافرشوا له من الجنة .. وألبسوه من الجنة .. وافتحوا له باباً من الجنة ..
ويأتيك من روحها وطيبها .. ويفسح لك في قبرك مد بصرك ..
ثم يأتيك رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح ويقول لك:
أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت تُوعد ..
فيقول له: من أنت ؟ فوجهك الذي يجيء بالخير .. فيقول أنا عملك الصالح ..
ثم يفتح لك باب من الجنة وباب من النار .. ويقال لك هذا منزلك لو عصيت الله .. أبدلك الله به هذا ..
فإذا رأيت ما في الجنة ستقول: ربِّ أقم الساعة .. ربِّ أقم الساعة ..
فيا لسعادتك من سعادة ويا لبشارتك من بشارة ويا لفوزك من فوز ..
"إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "
أما لو كان العبد -والعياذ بالله- مضيعاً لدينه .. تاركاً لصلاته .. يستهزئ بالصالحين ويفعل المنكرات ومات على ذلك ..
فهل ستدري بماذا سيجيب حين يسأله الملكان من ربك .. ما دينك .. من نبيك ..؟؟؟
سيقول هاه .. هاه .. لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ..
فينادي منادٍ من السماء أن كذب :
فافرشوا له من النار .. وافتحوا له باباً من النار ..
فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره .. حتى تختلف أضلاعه ..
ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت تُوعد ..
فيقول: من أنت ؟ فوجهك الذي يجيء بشر .. فيقول: أنا عملك الخبيث ..
ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضُرب بها جبل لصار ترابا فيضربه ضربة حتى يصير بها تراباً ..
ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس ..
ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار .. فيقول رب لا تقم الساعة .. رب لا تقم الساعة ..
وللمرء يوم ينقضي فيه عمره * * * وموت وقبر ضيق فيه يولج
ويلقى نكيراً في السؤال ومنكراً * * * يسومان بالتنكيل من يتلجلج
خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع بعض أصحابه إلي المقبرة فلما أشرف على القبور قال:
يا أهل القبور أخبرونا عنكم .. أم نخبركم عنا .. أما خبر مَن عندنا ..
فإن المال قد اقتسم .. والنساء قد تزوجن .. والمساكن قد سكنها غيركم ..
ثم سكت قليلاً والتفت إلى أصحابه فقال أما إنهم لو نطقوا لقالوا:
"وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى"
فيا ساكن القبر غداً ما الذي غرك من الدنيا ؟!!!..
هل تعلم أنك تبقى لها أو تبقى لك ؟!!!..
أين دارك الفيحاء ؟
أين رقاق ثيابك ؟
أين طيبك وبخورك ؟
أين خدمك وحشمك ؟
أين وجهك الحسن ؟
أين جلدك الرقيق ؟
أين جسدك الناعم ؟
كيف بك بعد ثلاث ليالٍ من دفنك وقد عاثت فيك الهوام والديدان ..
فرقت الأكفان ، ومحت الألوان ، وأكلت الحم ونخرت العظم ..
وأزالت الأعضاء ومزقت الأشلاء ، وسالت الحدق على الوجنات ..
فلولا القبر صار عليك ستراً * * * لأنتنتِ الأباطح والرَّوابي
وقف الحسن البصري رحمه الله على قبرٍ ونظر إليه ملياً ثم التفت إلى أحد الناس وقال له :
ماذا تراه يصنع لو خرج من قبره ؟
فقال: يتوب ويذكر الله ..
فقال له: إن لم يكن هو .. فكن أنت ..
أخيّ توخّ طريق النجاة * * * وقدّم لنفسك قبل الممات
وشمر بجدٍ لما هو آت * * * ولا تغتر بسراب الحياة
فإنك عما قريبٍ تمـــــوت ..
وقل لنفسك ماذا قدمت ليكون قبرك روضة من رياض الجنة ؟..
أخي ،،،
كيف تحب أن يكون حالك ؟!..
"وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)"
كيف تحب أن يكون حالك ؟!
"يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ"
كيف سيكون حالك ؟!
"إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)"
فخرجنا أنا وأنت للعرض على الله عز وجل ..
وهل تذكرنا أيها المسكين أيها العبد الضعيف الوقوف بين يدي الجبار في ذلك الموقف الرهيب المخيف الذي فيه ..
"يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا
وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ "
بماذا سنجيب عندما يسألنا ربنا عن كل صغيرة وكبيرة !
"وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا
وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً"
كيف أنت ؟؟؟!!!
إذا شهدت عليك العينان واليدان والقدمان والأذنان والفرج واللسان فيما عملت في هذه الدنيا الفانية ..
"الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"
العمر يُنقص والذنوب تزيد * * * وتقال عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنبٍ واحدٍ * * * رجلٌ جوارحه عليه شهود
عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال:
هل تدرون مم أضحك ؟ .. قلنا الله ورسوله أعلم .. قال: من مخاطبة العبد ربه ..
يقول يا رب ألم تجرني من الظلم .. قال يقول بلا .. قال: فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني ..
قال: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا ..
قال: فيُختم على فيه ويقال لأركانه انطقي .. قال: فتنطق بأعماله ..
قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام .. قال: فيقول: بعداً لكُن وسحقا .. فعنكن كنت أناضل ..
بماذا ستجيب إذا سألك ربك ....
عن عمرك فيما أفنيته ؟
وعن شبابك فيما أبليته ؟
وعن مالك من أبن اكتسبته وفيم أنفقته ؟
وعن علمك ماذا عملت به ؟
تصور حالة طفل صغير لم يعرف الذنوب ولا المعاصي ..
فتأمل حفظك الباري من كل شر حاله في ذلك المكان ...!!!!!
وإذا الجنين بأمه متعلق * * * يخشى القصاص وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف جنينه * * * كيف المُصرّ على الذنوب دهور؟!!!
هل أعددنا للسؤال جواباً .. وللجواب صوابا ...؟
أيها الأخ الكريم المبارك ،،،
تذكر -ذكرك الله الشهادة عند الممات- ذلك الموقف العظيم .. ثم تأمل أخي حال الخلائق ..
وقد قاسوا من دواهي القيامة وأهوالها ما قاسوا .. فبينما هم كذلك وقوفاً ينتظرون حقيقة أخبارها ..
إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات شعب وأطلت عليهم ناراً ذات لهب وسمعوا لها زفيراً وجرجرة تفصح عن شدة الغيظ والغضب ..
"إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً"
فعند ذلك أيقن المجرمون بالعذاب ..
"وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً"
وخرج المنادي من الزبانية قائلا:
أين فلان ابن فلان المسوف نفسه بطول الأمل ،، المضيع عمره بسوء العمل ..
فيبادرونه بمقامع من حديد ،، ويستقبلونه بعظائم التهديد ،، ويسوقونه إلى العذاب الشديد
وينكسونه على وجهه في قعر الجحيم .. ويقولون له:
"ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ"
فيسكن داراً ضيقة الأرجاء .. مظلمة المصابيح .. مبهمة المعالم ..
يدعون فيها بالويل والثبور وعظائم الأمور ..
"وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً (13)
لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً"
أمانيهم فيها الهلاك .. وما لهم من أصل جهنم فكاك ..
قد سدت أقدامهم إلى النواصي واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي ..
ينادون من أحداثها .. ويصيحون في نواحيها وأطرافها .....
يا مالك .. قد حق علينا الوعيد
يا مالك .. قد اثقلنا الحديد
يا مالك .. قد نضجت منا الجلود
يا مالك .. العدم خير من هذا الوجود
يا مالك .. أخرجنا منها فإنا لا نعود
" وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ"
ينـــــــــادون .....
"قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106)
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)
قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)"
فعند ذلك يقنطون وعلى ما فرطوا في جنب الله يتأسفون ..
فتصورهم يا أخي والنار من فوقهم والنار من تحتهم والنار عن أيمانهم والنار عن شمائلهم ..
"لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ"
فهم غرقى في النار .. طعامهم نار .. وشرابهم نار .. ولباسهم نار ..
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)
يتمنون الموت ولا يموتون ..
"وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ"
وسيق المجرمون وهم عراةٌ * * * إلى ذات السلاسل والنكال
فنادوا ويلنا ويلاً طويلاً * * * وعجوا في سلاسلها الطوال
فليسوا ميتين فيستريحوا * * * وكلهم بِِحر النار صال
فيا ليت شعري .. كيف بك لو نظرت إليهم !!!
وقد اسودت وجوههم .. وأعميت أبصارهم .. وأبكمت ألسنتهم ..
ليت شعري .. كيف لو نظرتهم ولهيب النار سارٍ في بواطن أجزائهم وحيات الهاوية وعقاربها متشبثة بظواهر أعضائهم ..
ليت شعري .. كيف بك لو أبصرتهم وهم بين مقطعات النيران وسرابيل القطران ..
"وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)
مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ (37)
ولكن أخي ،،،
إعلم -يا مَن رحمني الله وإياك- أن تلك الدار التي عرفت بعض همومها وغمومها تقابلها دار أخرى ..
فتعال معي .. تعال نتفكر في بعض نعيمها وسرورها !!!..
تفكر يا أخي في أهل الجنة بعد أن اجتازوا الصراط المنصوب على متن جهنم .. وهاهم واقفون عند باب الجنة ..
يأتي محمد صلى الله عليه وسلم فيطرق بابها ..
فيقول رضوان خازنها: من ؟!
فيقول: محمد ..
فيقول: لك أمرت أن أفتح ..
فيدخل صلى الله عليه وسلم ومن معه من أهلها ..
فتصور نفسك يا أخي .. إن كنت تائباً في دنياك نادماً على ذنوبك خائفاً من ربك ..
تصور نفسك .. وأنت تدخل الجنة مع الداخلين برحمة الله عز وجل ..
تدخل الجنة .. فيها ما لا عين رأت .. ولا أذن سمعت .. ولا خطر على قلب بشر ..
فتصور نفسك .. وأنت تتمتع بحورها .. وأنت تسكن قصورها .. وأنت تأكل من ثمارها .. وتشرب من أنهارها ..
نعم .. تصور نفسك .. وأنت تنظر إلى وجه الرحمن جل وعلا في يوم المزيد .....
"وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33)
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) "
أخي ،،،
قد تتساءل ما هي صفات الحور العين ؟!!!..
قد تتساءل عن أنهار الجنة .. عن طعام أهلها .. عن شرابهم .. عن آنيتهم .. عن أرضها وسقفها .. عن بنائها .. عن سعتها ..
قد تتساءل عن يوم المزيد ما هو ؟!!!...
وحيّ على يوم المزيد الذي به * * * زيارة رب العرش فاليوم موسم
وحيّ على وادٍ هنالك أفيح * * * وتربته من اذفر المسك أعظم
تعال أخي نجلس مع الإمام ابن القيم رحمة الله تعالى عليه ليجيبنا عن هذه الأسئلة وغيرها ..
تعال لنسمع سوياً ما يقوله هذا الإمام .. لعله يحذو الأرواح إلى بلاد الأفراح .....
قال رحمه الله تعالى:
فإن سألت عن عرائس الجنان ..
فهن الكواعب الأتراب اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب ..
إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيّرين ..
وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبين .. وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين .. ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيه ..
لا تزداد على طول الأحوال إلا حسناً وجمالا .. ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالا ..
مبرأة من الحمل والولادة والحيض والنفاس وسائر الأدناس .. لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها .. هذا ولم يطمثها قبله إنس ولا جان ..
وكلما نظر إليها ملأت قلبه سرورا .. وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً ومنثورا .. وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نورا ..
وإن سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك ..
فهن العُرب المتحببات .. وإن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع .. وإن آنست وأمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع ..
فيا خاطب الحسناء إن كنت راغباً * * * فهذا زمان المهر فهو المقدم
فحيّ على جنات عدنٍ فإنها * * * منازلنا الأولى وفيها المخيم
أخي ،،،
وإن سألت عن أنهار الجنة وما أدراك ما أنهار الجنة ..
فأنهار من ماء غير آسن ..
وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ..
وأنهار من خمر لذة للشاربين ..
وأنهار من عسل مصفى ..
وإن سألت عن طعامهم ..
ففاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتتهون ..
وإن سألت عن شرابهم ..
فالتسنيم والزنجبيل والكافور ..
وإن سالت عن آنيتهم ..
فآنيتهم الذهب والفضة ..
وإن سألت عن أرضها وتربتها ..
فهي المسك والزعفران ..
وإن سالت عن سقفها ..
فهو عرش الرحمن ..
وإن سالت عن بنائها ..
فلبنة من فضة ولبنة من ذهب ..
وإن سالت عن سعتها ..
فأدنى أهلها يسير في ملكه وقصوره وبساتينه مسيرة ألفي عام ..
وإن سالت عن وجوه أهلها وحسنهم ..
فعلى صورة القمر ..
وإن سألت عن غلمانهم ..
فولدان مخلدون .. كأنهم لؤلؤ مكنون ..
هذا وإن سالت عن يوم المزيد وزيارة العزيز الحميد .. فاستمع يوم ينادي المنادى :
يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه ..
فيقولون ما هو ؟!!!
ألم يبيض وجوهنا .. ويثقل موازيننا .. ويدخلنا الجنة .. ويزحزحنا عن النار ..
فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم وقال:
يا أهل الجنة سلام عليم ..
فلا تُرد هذه التحية بأحسن من قولهم:
اللهم أنت السلام .. ومنك السلام .. تباركت يا ذا الجلال والإكرام ..
ثم يقول:
أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني .. فهذا يوم المزيد ..
فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد رضينا فارضَ عنا ..
فيقول: يا أهل الجنة .. لو لم أرضَ عنكم ما أسكنتكم جنتي هذا يوم المزيد فاسألوني ..
فيجتمعون على كلمة واحدة .. أرنا وجهك ننظر إليه ..
فيكشف لهم الله جل جلاله الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا ..
ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه محاضرة ..
فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة ويا قرة عيون الأبرار بالنظر لوجهه الكريم في الدار الآخرة ..
"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)"
هي جنة طابت وطاب نعيمها * * * فنعيمها باقٍ وليس بفاني
"فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (20)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)"
وبعد إخواني ،،،
أليست هذه وقفة تستحق منا البكاء والدموع ..
أليست هذه الرحلة تستوجب منا التوبة إلى الله والرجوع ..
إخواني ،،،
البدار .. البدار .. واغتنموا أنفاسكم العظيمة المقدار ..
وتذكروا في جميع أعمالكم هل تقربكم إلى الجنة أم إلى النار ..
وفي ختام هذه الوقفة أقول لكل إنسانٍ قد غرق في الشهوات .. ونسي رب الأرض والسماوات ..
ولكل تائبٍ منيبٍ مستغفرٍ .. أقول لهم ما قاله صلى الله عليه وسلم :
"يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيسبغ في النار سبغة ثم يقال:
يا ابن آدم هل رأيت نعيماً قط ..؟ فيقول لا والله يا رب ..؟
ويؤتى بأبأس أهل الدنيا من أهل الجنة فيسبغ سبغة في الجنة فيقال له :
يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط ..؟ هل مرت بك شدة قط ..؟
فيقول: لا والله يا رب .. ما مر بي من بؤس قط .. ولا رأيت شدة قط ..