بسم الله الرحمن الرحيم
مع المعوذتين=الوقفة الاولى
روى مسلم في صحيحه من حديث بن أبي حازم عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله:" ألم تر آيات أنزلت الليلة، لم ير مثلهن قط: أعوذ برب الفلق، وأعوذ برب الناس " وفي لفظ آخر من رواية محمد بن إبراهيم التيمي عن عقبة أن رسول الله قال له:" ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون؟ قلت: بلى! قال: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس " . وفي الترمذي والنسائي وسنن أبي داود عن عبد الله بن حبيب قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة، نطلب النبي؛ ليصلي بنا، فأدركناه فقال:" قل فلم أقل شيئا ثم قال: قل فلم أقل شيئا ثم قال: قل قلت يا رسول الله! ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء " قال الترمذي حديث حسن صحيح.
الاستعاذة وبيان معناها:-
لفظ عاذ يعوذ عوذا لجأ واحتمى واحترز وتحصن طلبا للحماية وفرارا من الوقوع في الشر المراد به او لحوق الاذى به. فالاستعاذة هي الاحتماء والتحصن والاعتصام بمعاذ يحميك من شر ما تخافه وخاصة المجاهيل من الاشياء والامور فهي خفية على الانسان وهو بطبعه يرهب المجهول . والمعاذ هو المستعاذ به كما دل عليه حديث البخاري " أن ابنة الجون، لما أدخلت على النبي عليه الصلاة والسلام، فوضع يده عليها قالت: أعوذ بالله منك. فقال لها: قد عذت بمعاذ! الحقي بأهلك ".
اما عن ابتداء السورة بقل كما كان في الاخلاص وهنا في الفلق ثم في الناس فاننا في الاخلاص عرفنا انه كان مأمورا سلام الله عليه بان يرد الجواب على من ساله عن الماهية
وموضوع التجسيم التصور فامره بان يقول قل هو الله احد .ومن معانيه ادامة القول بهذا واستمراريته..وهنا امر ان يستعاذ به سبحانه يوم علمنا انه لا يقبل الشرك وانه فقط يحب اخلاص العبد له كونه لا والد ولا ولد له ولا جنس ومستغن عن الوارث والمعين. وليس هناك كفوا له فكيف يكون له شريك في الملك والشراكة تقتضي المكافئة عقلا فلذلك قالوا شريكك نصفك .وبالتالي هو المتفرد في الامر والنهي والتصرف في الوجود والخلق..؟! اذا الامر هنا بان نقول نحن وان نامر غيرنا ان يقول باحدية الله تعالى وبالتالي الاستعانة والاحتماء به والاستعاذة من شر ما نعلم ومن شر مالا نعلم مما خفي علينا وجهلناه وهو كثير لا ينحصر حيث هو اعلم به منا سبحانه ..قل -اي على الدوام قل انت وامر غيرك ان يقول ليبقى الامر مستمرا في جنس العباد الى يوم المعاد ليقولوا ويدعوا الى القول غيرهم..اعوذ..الجأ الى الله واحتمي واعتصم به رب الفلق..رب كل شيء اوجده اي رب الكون ومافيه والرب المدبر الخالق المربي المسير للامور في الخلق والايجاد والابداع وملهمها ما يقوم به وجودها من سنن يقتضيها استمرار الوجود وصلاحه واستقامته بما اختار لها وفرض لها من انظمة وقوانين ونواميس لا تصلح بغيرها لا حياة ولا وجود ولا كائنات ..رب الفلق ..والفلق فلق الشيء اذا شقه وقسمه.{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }الشعراء63
والانفلاق: الانشقاق.ومن امثال العرب :-ابين من فلق الصبح..اي يضرب للوضوح قال أبو تمام:
نسبٌ كأنَّ عليهِ منْ شمسِ الضحى نوراً ومنْ فَلَقِ الصَّباحِ عَمُودا
فجل المفسرون على انه الصبح لانفلاقه عن الظلمة والليل الدامس الحالك الذي به تنعم الكائنات بالامن وتحس بالامان فتنطلق طالبة ارزاقها ومعايشها مطمئنة لاننسحاب واختفاء الهوام والسباع في اوكارها واوجارها وجحورها..ورجحوا ما ذهبوا اليه بقوله تعالى في الانعام ..( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ 95 فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ96))..وهو راي وجيه وقول مستند الى الى ما يؤيده..ولنا عودة باذن الله تعالى للوقوف مرة اخرى مع هذه الكلمة سائلين الله تعالى ان يجعلنا واياكم من اهل القران والذكر الذين يتدبرون اياته ويتبعون احكامه فيتلونه حق تلاوته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.