بسم الله الرحمن الرحيم
19- من دروس القران التوعوية :-
عالمية الرسالة وخاتميتها تقتضي من امتها الاستمرار في حمل دعوتها:-
لقد نص القران الكريم على عالمية هذه الرسالة العظيمة - الاسلام العظيم-الذي خُتم بوحيه الوحي؛ وخُتم بنبيه النبوات؛فلا نبي بعد محمد صلى الله عليه واله وسلم ؛ولا وحي ولا معجزة بعد القران؛ ولا رسالة بعد رسالة الاسلام ؛ قال الله تعالى :- ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 28].
وقال تعالى:-( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف: 158].
وقال تبارك و تعالى: ﴿تَبَارَكَ الذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان:1)..وقال سبحانه:- (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (19)الانعام) وقوله تعالى : " وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " ، جاء في تفسير الطبري رحمه اللهحدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: " وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " ، قال يقول: من بلغه القرآن فأنا نذيره. وقرأ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [سورة الأعراف: 158] . قال: فمن بلغه القرآن, فرسول الله صلى الله عليه وسلم نذيره .) ا ه .
وهذا الامر يوجب وحتم على ابناء هذه الامة واجبات :-
1- ان يحمل المسلمون الرسالة بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هديا وهدىً للعالمين؛ فيوصلوهم القران ويبلغوهم منهجه في الاعتقاد والتفكير؛ و لزوم انضباط السلوك والاخلاق واصطباغ الحياة به .. والدعوة مطلوبة من كل افراد الامة؛ لحديث البخاري : (بلغوا عني ولو اية)؛ فالدعوة إلى الله تعالى واجبة على عموم الأمة وجوباً كفائيًا وواجبة وجوباً عينيًا على كل فرد من المسلمين بحسب استطاعته وقدر علمهومستواه الفكري مقارنة مع مستوى من يخاطب ؛فمخاطبة العامة للعامة يحصل فيها التكافؤ واما مخاطبة العامة لاهل العلم والفلسفة من اهل الضلال فيحصل منها الضلال؛
فلذلك خاطب الله هذه الامة بوجوب افرازها لطائفة من الدعاة يحملون عنهم مسؤلية بلاغ هذا القران وتبليغ رسالته للعالمين .. فقال سبحانه آمرًا هذه الأمة بالدعوة إليه سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104].
قال الامام ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. وفي رواية: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. "انتهى.
2- ان هذا الامر - خاتمية الرسالة وعالميتها- يقتضي من حملة الرسالة ودعاتها الى ان يصلوا لمرحلة الهيمنة والسيطرة والرقابة؛ خاصة على اهل الكتاب الذين سيبقى صراع دعوتنا معهم مستمرا الى ان يشاء الله.. وهذه الهيمنة عليهم لانهم يدعون ان كتبهم اليهية ويدعون انهم على هدى من الله؛ فيشككون ويوهمون الناس بذلك ، فلذلك طلب سبحانه الهيمنة على الكتاب اي السيطرة والرقابة على ما يدعون ودحض باطلهم ؛ قال سبحانه: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ...﴾(المائدة:48).
و المهيمن هو الرَّقيب المسيطر، فكتاب النبي الأكرم مهيمن على جميع الكتب النازلة من قبل وهو (مهيمناً عليه) متمم لقوله: (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ). تتميم أيضاح، إذ لولاه لأمكن أن يتوهم من تصديق القرآن للتوراة والإنجيل أنّه يصدِّق ما فيهما من الشرائع والأحكام، تصديق إبقاء، من غير تغيير وتبديل، لكن توصيفه بالهيمنة يبين أنّ تصديقه لهما بمعنى تصديق أنّها شرائع حقّة من عند الله، وأنّ لله أن يتصرف فيها ما يشاء بالنسخ والإكمال، كما يشير إليه قوله في ذيل الآية: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾.
3- ان مهمة الهيمنة والسيطرة والرقابة على ثقافة العالمين وتوجيههم للحق يتطلب وجود كيان قوي يلتزم بحمل القران وتنفيذه وتبليغه ؛ فلذلك خاطب القران النبي صلى الله عليه وسلم بصفته حاكما يحكم الناس وقدوة يقتدي به الحكام واسوة لهم فقال سبحانه: -(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)النساء. وقال سبحانه :-
(وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) المائدة). ثم وجه الامة ان لا تقبل حكما غير حكم الاسلام والا كان هواها ونهجها جاهليا فقال سبحانه :- (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)المائدة، وتعزيزا لذلك فقد نفى الايمان عن الامة افرادا وجماعات الا اذا حكموا كتاب الله ووحيه الى نبيه في حياتهم وما ينتج عن تعاملاتهم من علاقات وينشب عنها من شجار وخلاف واختلاف فقال عز وعلا وجل مغلظا القسم حيث اقسم بنفسه سبحانه :- (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)النساء) ..
3- وبناءً على ما سبق فانه لا خلاف بين المعتبرين من أهل العلم في وجوب تنصيب حاكم واحد، يقوم بخلافة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بحملها على اتباع كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلوات ربي وسلامه عليه واله؛ و المسؤولية عن خلافته في حمل دعوته وتبليغها للناس؛ و تمكين الامة من رقابتها وهيمنة كتابها ومفاهيمه ومقاييسه وقيمه على العالمين ؛ فمثلا حين يمنع اهل الاسلام وامامهم التعامل بالربا في القروض والمداينة؛ فإن ذلك سيصبح عرفا دوليا للعالم؛ وكذا لباس الحشمة سيتبعنا وقلدنا فيه الاخرين من الناس؛ وهذا ما كان قد حصل ايام سيادة المسلمين للعالمين ..
وفي هذا الشأن قال الفقيه العالم الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية: الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع. اهـ.
وقال النووي في شرح مسلم: أجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة. اهـ.
وفي القران الكريم نجد عدة آيات قرآنية تتعلق بمعنى القيادة وما يرتبط بها مثل كلمة الإمامة ومشتقاتها: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان-74]. وكلمة الحكم ومشتقاتها، من مثل قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَأبَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) [الجاثية-16]. وكلمة الخلافة، من مثل قوله تعالى: (يَا دَأوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) [ص-26].
وقد استعمل القرآن الكريم أيضا مصطلح أمة مرة واحدة بمعنى القيادة: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَأنَ أُمَّةً قَأنِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا) [النحل-120](4). وكذلك من المصطلحات الدالة على القيادة مصطلح الأسوة، فقد ورد في القرآن في ثلاثة مواضع منسوبا في أولاها إلى الرسول ﷺ: (لَقَدْ كَأنَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب-21]، وورد في ثانيها منوطا بسيدنا إبراهيم عليه السلام وأتباعه: (قَدْ كَأنَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) [الممتحنة-4]، وتم التأكيد في ثالثها على الأسوة بشكل مفتوح: (لَقَدْ كَأنَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الممتحنة-6].
واكتفي بهذا القدر سائلا المولا عز وجل ان يعزنا بدينه وتحكيم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه واله وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
19- من دروس القران التوعوية :-
عالمية الرسالة وخاتميتها تقتضي من امتها الاستمرار في حمل دعوتها:-
لقد نص القران الكريم على عالمية هذه الرسالة العظيمة - الاسلام العظيم-الذي خُتم بوحيه الوحي؛ وخُتم بنبيه النبوات؛فلا نبي بعد محمد صلى الله عليه واله وسلم ؛ولا وحي ولا معجزة بعد القران؛ ولا رسالة بعد رسالة الاسلام ؛ قال الله تعالى :- ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 28].
وقال تعالى:-( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف: 158].
وقال تبارك و تعالى: ﴿تَبَارَكَ الذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان:1)..وقال سبحانه:- (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (19)الانعام) وقوله تعالى : " وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " ، جاء في تفسير الطبري رحمه اللهحدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: " وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " ، قال يقول: من بلغه القرآن فأنا نذيره. وقرأ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [سورة الأعراف: 158] . قال: فمن بلغه القرآن, فرسول الله صلى الله عليه وسلم نذيره .) ا ه .
وهذا الامر يوجب وحتم على ابناء هذه الامة واجبات :-
1- ان يحمل المسلمون الرسالة بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هديا وهدىً للعالمين؛ فيوصلوهم القران ويبلغوهم منهجه في الاعتقاد والتفكير؛ و لزوم انضباط السلوك والاخلاق واصطباغ الحياة به .. والدعوة مطلوبة من كل افراد الامة؛ لحديث البخاري : (بلغوا عني ولو اية)؛ فالدعوة إلى الله تعالى واجبة على عموم الأمة وجوباً كفائيًا وواجبة وجوباً عينيًا على كل فرد من المسلمين بحسب استطاعته وقدر علمهومستواه الفكري مقارنة مع مستوى من يخاطب ؛فمخاطبة العامة للعامة يحصل فيها التكافؤ واما مخاطبة العامة لاهل العلم والفلسفة من اهل الضلال فيحصل منها الضلال؛
فلذلك خاطب الله هذه الامة بوجوب افرازها لطائفة من الدعاة يحملون عنهم مسؤلية بلاغ هذا القران وتبليغ رسالته للعالمين .. فقال سبحانه آمرًا هذه الأمة بالدعوة إليه سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104].
قال الامام ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. وفي رواية: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. "انتهى.
2- ان هذا الامر - خاتمية الرسالة وعالميتها- يقتضي من حملة الرسالة ودعاتها الى ان يصلوا لمرحلة الهيمنة والسيطرة والرقابة؛ خاصة على اهل الكتاب الذين سيبقى صراع دعوتنا معهم مستمرا الى ان يشاء الله.. وهذه الهيمنة عليهم لانهم يدعون ان كتبهم اليهية ويدعون انهم على هدى من الله؛ فيشككون ويوهمون الناس بذلك ، فلذلك طلب سبحانه الهيمنة على الكتاب اي السيطرة والرقابة على ما يدعون ودحض باطلهم ؛ قال سبحانه: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ...﴾(المائدة:48).
و المهيمن هو الرَّقيب المسيطر، فكتاب النبي الأكرم مهيمن على جميع الكتب النازلة من قبل وهو (مهيمناً عليه) متمم لقوله: (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ). تتميم أيضاح، إذ لولاه لأمكن أن يتوهم من تصديق القرآن للتوراة والإنجيل أنّه يصدِّق ما فيهما من الشرائع والأحكام، تصديق إبقاء، من غير تغيير وتبديل، لكن توصيفه بالهيمنة يبين أنّ تصديقه لهما بمعنى تصديق أنّها شرائع حقّة من عند الله، وأنّ لله أن يتصرف فيها ما يشاء بالنسخ والإكمال، كما يشير إليه قوله في ذيل الآية: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾.
3- ان مهمة الهيمنة والسيطرة والرقابة على ثقافة العالمين وتوجيههم للحق يتطلب وجود كيان قوي يلتزم بحمل القران وتنفيذه وتبليغه ؛ فلذلك خاطب القران النبي صلى الله عليه وسلم بصفته حاكما يحكم الناس وقدوة يقتدي به الحكام واسوة لهم فقال سبحانه: -(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)النساء. وقال سبحانه :-
(وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) المائدة). ثم وجه الامة ان لا تقبل حكما غير حكم الاسلام والا كان هواها ونهجها جاهليا فقال سبحانه :- (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)المائدة، وتعزيزا لذلك فقد نفى الايمان عن الامة افرادا وجماعات الا اذا حكموا كتاب الله ووحيه الى نبيه في حياتهم وما ينتج عن تعاملاتهم من علاقات وينشب عنها من شجار وخلاف واختلاف فقال عز وعلا وجل مغلظا القسم حيث اقسم بنفسه سبحانه :- (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)النساء) ..
3- وبناءً على ما سبق فانه لا خلاف بين المعتبرين من أهل العلم في وجوب تنصيب حاكم واحد، يقوم بخلافة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بحملها على اتباع كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلوات ربي وسلامه عليه واله؛ و المسؤولية عن خلافته في حمل دعوته وتبليغها للناس؛ و تمكين الامة من رقابتها وهيمنة كتابها ومفاهيمه ومقاييسه وقيمه على العالمين ؛ فمثلا حين يمنع اهل الاسلام وامامهم التعامل بالربا في القروض والمداينة؛ فإن ذلك سيصبح عرفا دوليا للعالم؛ وكذا لباس الحشمة سيتبعنا وقلدنا فيه الاخرين من الناس؛ وهذا ما كان قد حصل ايام سيادة المسلمين للعالمين ..
وفي هذا الشأن قال الفقيه العالم الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية: الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع. اهـ.
وقال النووي في شرح مسلم: أجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة. اهـ.
وفي القران الكريم نجد عدة آيات قرآنية تتعلق بمعنى القيادة وما يرتبط بها مثل كلمة الإمامة ومشتقاتها: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان-74]. وكلمة الحكم ومشتقاتها، من مثل قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَأبَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) [الجاثية-16]. وكلمة الخلافة، من مثل قوله تعالى: (يَا دَأوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) [ص-26].
وقد استعمل القرآن الكريم أيضا مصطلح أمة مرة واحدة بمعنى القيادة: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَأنَ أُمَّةً قَأنِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا) [النحل-120](4). وكذلك من المصطلحات الدالة على القيادة مصطلح الأسوة، فقد ورد في القرآن في ثلاثة مواضع منسوبا في أولاها إلى الرسول ﷺ: (لَقَدْ كَأنَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب-21]، وورد في ثانيها منوطا بسيدنا إبراهيم عليه السلام وأتباعه: (قَدْ كَأنَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) [الممتحنة-4]، وتم التأكيد في ثالثها على الأسوة بشكل مفتوح: (لَقَدْ كَأنَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الممتحنة-6].
واكتفي بهذا القدر سائلا المولا عز وجل ان يعزنا بدينه وتحكيم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه واله وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته