11- من دروس القران التوعوية:-
بناء الوعي الشخصي الطريق الى بناء الوعي الجمعي العام :
جاء القرآن الكريم معجزة مقروءة انتقلت بالإنسان من معجزات الحسّ إلى معجزات الفكر والكلمة، لتخرج الناس من ظلمات الجهل والكهنوت والسحر والشعوذة الى نورالفكر والتأمل والتفكير؛ فهناك الكثير من الآيات التي وردت في القرآن الكريم تحض على الوعي، واستعمال العقل، والحث على الفهم والوعي.. قال الله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}(219: البقرة) كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم: "ما من الأنبياء نبيّ، إلا أعطي من الآيات، ما مثله آمن عليه البشر، وإنّما كان الذي أوتيته وحيا، أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة". فهنا يتبين لنا الانتقال بالبشرية والعقل البشري الواعي الراقي من المعجزات الحسية المؤقتة، الى المعجزة الفكرية الدائمة الخالدة، القائمة على تحدي الانس والجن، ان يأتوا بمثلها على مر الدهور والعصور حتى لو تظاهروا وتساندوا على ذلك...فلذلك كان أوّل ما نزل من القرآن قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق: 1-5). وهذه إشارة مهمة إلى أولوية القراءة، فقراءة العقل التفكر والتدبر، وقراءة العين التبصر والتأمل، وقراءة الاذن ان تعي وتفقه ما تسمع وتتثبت منه،وقراءة الحواس بالاحساس وتوافق المشاعر والاحاسيس واستجابتها للمثير ات التي تتطلبها المواقف الفكرية اللازمة تجاه القضايا الحادثة!! وأهمية العلم في بناء اصول الدين والشرع بان يكون مبنيا على العلم القطعي، وإشارة إلى أن هذه المعجزة القرآنية و السبيل إلى فهمها وإعمالها هو فعل القراءة بالتفكر والتدبر وتلاوة الوحي، وطريق التعلم، وليس الطرق المعهودة من قبل القائمة اما على المشاهدات الحسية او النقولات الوهمية والخرافية والخزعبلات الكهنوتية!!.
ان الوعي الفردي لا ينفصل عن صناعة الوعي الجمعي والجماعي؛ لان الوعي يفرض على صاحبه مهمات قيادية؛ ومن اكبر هذه المهمات ان يحاول الواعي ومن توعى بوعيه ان ينتشل الناسين من كبوة النسيان، وان ينتشلوا الغافلين والجاهلين من اوحال الجهل؛ و وهدة السقوط في منحدرات وحفر الغفلة و مصائد الاستغفال !!
ان النقلة النوعية التي احدثها وصنعها القران الكريم في العرب في غضون عقدين من الزمن؛ فحولهم من اتباع خرافة وخزعبلات ونظر محدود، وفكر هابط اناني لا يتجاوز الى تخليد الذكر بمكارم الاخلاق والمآتر؛ الى اصحاب فكر عالمي ينظرون الى انفسهم على انهم بعثوا هداة لانقاذ الناس من ظلمات الظلم والجهل والاستعباد الى نور الهداية والعبودية للاله الواحد الاحد المستحق للعبودية وحده بحق !! ومن معجزات هذا الفكر النوراني الرباني المصدر والاساس تحول العرب في زمن قياسي من رعاة ابل وشاء واغنام؛ الى بناة حضارة مجيدة و قادة للانام ..
ولا يزال القرآن العظيم يمتلك تلك الإمكانيات نفسها التي تسبب النهوض وتصنع النهضة الحقيقية؛لا المزيفة ولا الباطلة، ولكنه ينتظر المسلم العامل المؤمن الجاد، ليحدث به نقلة جديدة تتجاوز سقف الوعي المعاصرالمادي المزيف، وتنقذ الإنسانية ممّا وقعت فيه من أوهام ما سموه له واوهموه انه النهضة المادية، و التي ادت الى انتكاس الفطرة، والهبوط بالانسان الى دون مستوى الانعام؛ واوهموه انه اتباع العلم والحق بما صنعوه من النزاع المفتعل بين الدين والعلم. ليتبع الناس منهجهم الذي غلفوه بلباس العلم الذي لا يتجاوز ظواهر الامور؛ ولا يغوص في بواطنها ليبقى سطحيا و ينشرون سطحية التفكير، بربط العقل بدوره الاشباعي واعماءه باباحة كل المحرمات والانحراف بالشهوات واشباع الحاجات والغرائز بما لا تسلك مسالكه الحيوانات والانعام ..
وهذا مما يستنفر المؤمنين لان ينهضوا لحراسة الفكر والعقيدة والدين والفضيلة؛ ويبطلوا الباطل ويحقوا الحق؛ بابطال فكر الباطل واحقاق فكر الحق واقامة العدل في الارض ..
ان القران الكريم وجهنا لندرك أن سنن الهداية توجهنا إلى إدراك سنن الآفاق والأنفس والتاريخ، وأن سنن الآفاق والأنفس والتاريخ تدلنا على أن سنن الهداية حقّ، يقول تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53].
و يقول سبحانه و تعالى أيضا: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [سبأ: 6].
وختاما استودعكم الله تعالى واسأله النصر والنصرة والعزة والتمكين لدينه الحق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...