بسم الله الرحمن الرحيم
18- من دروس القران التوعوية ؛-
تزكية النفس والمجتمع !!
التزكية في اللغة تعني التطهير والتنمية، وهي من الفعل زكى،ومعناه طاب وطهر ونما نموا حسناً ...
والتزكية في الاصطلاح نستطيع ان نقول عنها: هي الارتقاء بالنفس والسمو بها عن دنيء الصفات ومذموم الخصال وسيء الاعمال و الاخلاق؛ والاتصاف والتحلي بمكارمها ...
والتزكية في الاسلام تقوم على امرين :- 1- التخلي 2- التحلي
او كما قال علماؤنا رحمهم الله التخلية والتحلية؛ فاتخلية ان يتخلى الانسان عن كل مذموم هابط رديء يسقطه وينقصه؛ والتحلية ان يتحلى بكل ما هو ممدوح من الصفات والاخلاق والاعمال ليرتقي درجات سلم الكمال والتكامل.
فنجد اذا ان امر التزكية يحصل بتطهير النفس من خسائس الخصال ومذموم الصفات والاعمال ؛ و تطهير العقل والقلب من ادران و شوائب الفكر والشك والشرك، وتطهير القلب من الاحقاد وآفة الحسد والبغضاء .. وما شابه من مذموم الاخلاق والصفات والخصال . فلذلك كانت امنية ودعوة ابينا ابراهيم التي وصف فيها مهام النبوة والرسالة :- {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)البقرة} وقد استجاب الله تعالى دعوة ابينا ابراهيم وامتن على هذه الامة بان بعث فيها من يعلمها الكتاب والحكمة ويزكيهم هم ومن تبعهم وجاء بعدهم سائرا على طريقهم وملتزما طريقتهم :- {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) الجمعة}...
فبتلاوة الكتاب واتباعه فكرا وسلوكا وبالتعليم للعقائد والاحكام تحصل الطهارة والتزكية للنفس والسلوك.. وتحصيل الحكمة التي هي معرفة صلاح امر الناس وسياستهم بذلك حسب منهج الرسول التي ترثقي بعقلية الانسان ونفسيته التي تنهض بذلك عن الهبوط بفكر ضلال الجاهلية؛تتابع اجيالهم على ذلك ما استقاموا عليه فيحصلوا الخيرية التي وصف بها تعالى هذه الامة العظيمة بدينها العظيم :_ {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)ال عمران}.
والمتتبع في القران الكريم يجد ان التزكية دوما طلبها الله تعالى وجعل موضعها النفس ، (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (() قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9)الشمس)...
وقد بين لنا الله تعالى في القران الكريم ان التزكية فعال يستطيع الانسان فعلها واتيانها؛ فاخبر عن ميزاتها بالخبر الطالب للفعل في عدة ايات منها :-
{جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ ﴿٧٦ طه﴾}__{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴿١٨ فاطر﴾}_ففعل التزكية وتحصيلها عائد على الانسان في الدنيا بان يحيى حياة طيبة طاهرة؛ وفي الاخرة حيث الجزاء الحسن ..
وقد امر تعالى بطلبها من العباد فقال:-
{فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ ﴿١٨النازعات﴾}...
وبين ان طريق الفلاح والنجاح لا يبلغه الا من عمل على تزكية نفسه وحرص على تطهيرها : {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ﴿١٤ الأعلى﴾}..
وبين لنا ان اتيان المال واعطاءه لمحتاجه او انفاقه في وجهه المشروع انما هو جزء من اعمال التزكية وخطوة على طريق تحصيلها فقال سبحانه واصفا حال المؤمن في اتيان ماله:- {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ ﴿١٨ الليل﴾} اي يطلب باداء ماله تزكية النفس وتطهيرها من الحرص والجشع والطمع ويتخلى عنه ويتحلى بالكرم والجود بالانفاق مما جاد به عليه الجواد الكريم سبحانه ..
لقد أراد الله تعالى للمجتمع أن يعيش التزكية تصرفاً وسلوكاً عملياً، بحيث يتحول المجتمع كلّه إلى مجتمع نقيّ وخالص من المشاعر المنحرفة، ومن الكراهية والنفاق والغشّ والكذب والتّضليل، أن يكون مجتمعاً يتوجه بكلّ أفراده إلى ما يرضي الله في حركته ومواقفه، مجتمعاً يعتمد الحقّ، ويبتغي الحقيقة، ويحيا الوحدة والمصالحة الاخوة والتآخي والسّلام والامن .
وقد ذكر القلب في القران بالصلاح والسلامة بصلاح الفكر وسلامة الصدر من غوائل الاحاسيس والمشاعر؛ فتنقلب القلوب لتهوى وتحب في الله ولله؛ وتكره وتبغض في الله ولله.. فبين لنا ان النجاة في الاخرة لا تكون الا بسلامة القلب من الشرور والمفاسد ؛ حيث قال تعالى:- {(يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)الشعراء)}. قال سعيد بن المسيب : القلب السليم : هو القلب الصحيح ، وهو قلب المؤمن; لأن قلب [ الكافر و ] المنافق مريض ، قال الله : ( في قلوبهم مرض ) [ البقرة : 10 ] . وقد امتن الله على المؤمنين بان وفقهم لاختيار طريق الهدى والايمان فقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)[الْحُجُرَاتِ: 7] وبالايمان الصحيح الذي تنعقد عليه القلوب تكون الطمأنينة والسكينة والثبات في الحياة ؛ قال تعالى:- (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرَّعْدِ: 28]
وقد ارشد سبحانه الى وجوب استنارة العقل والقلوب فقال:- (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[الْحَجِّ: 46].
فصلاح القلب والفكر أعظم ما يسعى في تحصيله العبد؛ لأن بصلاحه يصلح سائر البدن كما قال صلى الله عليه وسلم: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ". متفق عليه.
وقد جاء في الحديث بيان ان القلب موقع نظر الله من جسد الانسان؛ فعلى ذلك وجب عليك تطهيره لينظر الله الى قلبك وهو سليم من كل حسد وبغضاء وحقد وكراهية وسوء طوية ؛ فقد قال صلى الله عليه واله وسلم ؛- "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وقد= روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مر بهذه الآية : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) وقف ، ثم قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وخير من زكاها " .
وكان من دعاءه عليه واله الصلاة والسلام : "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ). وكان يدعو ويقول:- "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).وكان صلى الله عليه وسلم يقول : - "اللَّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَ الْبَرَدِ، وَ نَقِّ قَلْبِيّ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ" متفق عليه .
وقَالَ سُبْحَانَهُ يصف وحدة مشاعر المسلمين وامتداد حبهم لبعضهم عبر الزمن: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]. وَمِنَ الدُّعَاءِ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ: "اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ..."(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).
وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وكان من دعاء النبي ﷺ الجامع في هذا الباب :- (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا. أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا).رواه مسلم .
وختاما ندعو بما علمنا وارشدنا الله تعالى بقوله:_ (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آلِ عِمْرَانَ: 7- 8].والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
18- من دروس القران التوعوية ؛-
تزكية النفس والمجتمع !!
التزكية في اللغة تعني التطهير والتنمية، وهي من الفعل زكى،ومعناه طاب وطهر ونما نموا حسناً ...
والتزكية في الاصطلاح نستطيع ان نقول عنها: هي الارتقاء بالنفس والسمو بها عن دنيء الصفات ومذموم الخصال وسيء الاعمال و الاخلاق؛ والاتصاف والتحلي بمكارمها ...
والتزكية في الاسلام تقوم على امرين :- 1- التخلي 2- التحلي
او كما قال علماؤنا رحمهم الله التخلية والتحلية؛ فاتخلية ان يتخلى الانسان عن كل مذموم هابط رديء يسقطه وينقصه؛ والتحلية ان يتحلى بكل ما هو ممدوح من الصفات والاخلاق والاعمال ليرتقي درجات سلم الكمال والتكامل.
فنجد اذا ان امر التزكية يحصل بتطهير النفس من خسائس الخصال ومذموم الصفات والاعمال ؛ و تطهير العقل والقلب من ادران و شوائب الفكر والشك والشرك، وتطهير القلب من الاحقاد وآفة الحسد والبغضاء .. وما شابه من مذموم الاخلاق والصفات والخصال . فلذلك كانت امنية ودعوة ابينا ابراهيم التي وصف فيها مهام النبوة والرسالة :- {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)البقرة} وقد استجاب الله تعالى دعوة ابينا ابراهيم وامتن على هذه الامة بان بعث فيها من يعلمها الكتاب والحكمة ويزكيهم هم ومن تبعهم وجاء بعدهم سائرا على طريقهم وملتزما طريقتهم :- {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) الجمعة}...
فبتلاوة الكتاب واتباعه فكرا وسلوكا وبالتعليم للعقائد والاحكام تحصل الطهارة والتزكية للنفس والسلوك.. وتحصيل الحكمة التي هي معرفة صلاح امر الناس وسياستهم بذلك حسب منهج الرسول التي ترثقي بعقلية الانسان ونفسيته التي تنهض بذلك عن الهبوط بفكر ضلال الجاهلية؛تتابع اجيالهم على ذلك ما استقاموا عليه فيحصلوا الخيرية التي وصف بها تعالى هذه الامة العظيمة بدينها العظيم :_ {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)ال عمران}.
والمتتبع في القران الكريم يجد ان التزكية دوما طلبها الله تعالى وجعل موضعها النفس ، (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (() قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9)الشمس)...
وقد بين لنا الله تعالى في القران الكريم ان التزكية فعال يستطيع الانسان فعلها واتيانها؛ فاخبر عن ميزاتها بالخبر الطالب للفعل في عدة ايات منها :-
{جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ ﴿٧٦ طه﴾}__{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴿١٨ فاطر﴾}_ففعل التزكية وتحصيلها عائد على الانسان في الدنيا بان يحيى حياة طيبة طاهرة؛ وفي الاخرة حيث الجزاء الحسن ..
وقد امر تعالى بطلبها من العباد فقال:-
{فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ ﴿١٨النازعات﴾}...
وبين ان طريق الفلاح والنجاح لا يبلغه الا من عمل على تزكية نفسه وحرص على تطهيرها : {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ﴿١٤ الأعلى﴾}..
وبين لنا ان اتيان المال واعطاءه لمحتاجه او انفاقه في وجهه المشروع انما هو جزء من اعمال التزكية وخطوة على طريق تحصيلها فقال سبحانه واصفا حال المؤمن في اتيان ماله:- {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ ﴿١٨ الليل﴾} اي يطلب باداء ماله تزكية النفس وتطهيرها من الحرص والجشع والطمع ويتخلى عنه ويتحلى بالكرم والجود بالانفاق مما جاد به عليه الجواد الكريم سبحانه ..
لقد أراد الله تعالى للمجتمع أن يعيش التزكية تصرفاً وسلوكاً عملياً، بحيث يتحول المجتمع كلّه إلى مجتمع نقيّ وخالص من المشاعر المنحرفة، ومن الكراهية والنفاق والغشّ والكذب والتّضليل، أن يكون مجتمعاً يتوجه بكلّ أفراده إلى ما يرضي الله في حركته ومواقفه، مجتمعاً يعتمد الحقّ، ويبتغي الحقيقة، ويحيا الوحدة والمصالحة الاخوة والتآخي والسّلام والامن .
وقد ذكر القلب في القران بالصلاح والسلامة بصلاح الفكر وسلامة الصدر من غوائل الاحاسيس والمشاعر؛ فتنقلب القلوب لتهوى وتحب في الله ولله؛ وتكره وتبغض في الله ولله.. فبين لنا ان النجاة في الاخرة لا تكون الا بسلامة القلب من الشرور والمفاسد ؛ حيث قال تعالى:- {(يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)الشعراء)}. قال سعيد بن المسيب : القلب السليم : هو القلب الصحيح ، وهو قلب المؤمن; لأن قلب [ الكافر و ] المنافق مريض ، قال الله : ( في قلوبهم مرض ) [ البقرة : 10 ] . وقد امتن الله على المؤمنين بان وفقهم لاختيار طريق الهدى والايمان فقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)[الْحُجُرَاتِ: 7] وبالايمان الصحيح الذي تنعقد عليه القلوب تكون الطمأنينة والسكينة والثبات في الحياة ؛ قال تعالى:- (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرَّعْدِ: 28]
وقد ارشد سبحانه الى وجوب استنارة العقل والقلوب فقال:- (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[الْحَجِّ: 46].
فصلاح القلب والفكر أعظم ما يسعى في تحصيله العبد؛ لأن بصلاحه يصلح سائر البدن كما قال صلى الله عليه وسلم: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ". متفق عليه.
وقد جاء في الحديث بيان ان القلب موقع نظر الله من جسد الانسان؛ فعلى ذلك وجب عليك تطهيره لينظر الله الى قلبك وهو سليم من كل حسد وبغضاء وحقد وكراهية وسوء طوية ؛ فقد قال صلى الله عليه واله وسلم ؛- "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وقد= روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مر بهذه الآية : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) وقف ، ثم قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وخير من زكاها " .
وكان من دعاءه عليه واله الصلاة والسلام : "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ). وكان يدعو ويقول:- "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).وكان صلى الله عليه وسلم يقول : - "اللَّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَ الْبَرَدِ، وَ نَقِّ قَلْبِيّ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ" متفق عليه .
وقَالَ سُبْحَانَهُ يصف وحدة مشاعر المسلمين وامتداد حبهم لبعضهم عبر الزمن: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]. وَمِنَ الدُّعَاءِ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ: "اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ..."(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).
وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وكان من دعاء النبي ﷺ الجامع في هذا الباب :- (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا. أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا).رواه مسلم .
وختاما ندعو بما علمنا وارشدنا الله تعالى بقوله:_ (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آلِ عِمْرَانَ: 7- 8].والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...