24= حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
اضاءات في موضوع الايمان وتعريفه والفرق بينه وبين التصديق وعلاقته بالعمل!!
الكلام في لغة العرب احد امرين 1=اما طلب سواء كان طلب ترك او طلب فعل، فلو قال لك احدهم اكتب او اقرأ فالامر هنا متعلق بالامتثال او العصيان
2= واما خبر ؛ وهو ما احتمل التصديق او التكذيب فلو قال لك احدهم جئتكم من القمر او من المريخ !فالامر هنا متعلق بخبر يحتمل الصدق ان طابق الخبر الواقع وصدقه وقامت البينة عليه؛ او التكذيب حال عدم مطابقته للواقع وعدم قيام البينة ...
ومكان بحث الطلب هو احكام الافعال؛ وهو ما نسميه الفقه؛ وهو الشرع المنظم للسلوك الانساني المستنبط من ادلته المعتبرة شرعا..
ومكان بحث الاخبار هو ما يتعلق بالتصديق او التكذيب وهو علم العقيدة او التوحيد؛ وهو العلم الذي يبحث في الاخبار عن الله تعالى واليوم الاخر والنبوات والكتب والغيبيات من معاد ومآل.. وعلاقة ذلك بالوجود الانساني ليحدد للانسان وجهة نظره و منهجرمساره في الحياة .. والعقيد في الاسلام برهانها العقلي ثبوت الاعجاز في وبالقران ،، فالقران مصدر بناء العقيدة بعد عجز العقل ومهاراته امام اياته و قناعته باثباتاته، والقران المصدر التشريعي الاول ، فهو اساس الايمان وباني الاعتقاد،، وهو نفسه اساس التشريع للاحكام والافعال والعلاقات ... ومن هنا ناتي الى علاقة الايمان و العقيدة بالسلوك والعمل ؛؛؛؛
فاذا ادركنا ان معنى الايمان او الاعتقاد بانه التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل؛ و عرفنا مطابقته للواقع اي ان الواقع لا يناقض خبره؛ وان خبره يصدقه الواقع ،وقام الدليل عليه شاهدا له ليجزم بصحة المُخبَر عنه ؛ اي موضوع الخبر؛ فان هذا التصديق يكون جازما؛ وتولد الجزم به عن صحة وقوة الدليل والبرهان؛ ومطابقة الخبر للواقع وعدم نفي الواقع له وتكذيبه..
وليس كل خبر يفيد القطع والجزم اي ليس كل خبر يفيد الايمان لان الخبر بطبعه لغة يحتمل التصديق ويحتمل التكذيب بذاته..
بعكس الطلب فان الطلب لايحتمل تصديقا او تكذيبا بذاته بل يحتمل رفضا او قبولا من المخاطب المكلف به.. فلو قال لك قائل اشرب فان؛ الطلب -اشرب- لا يتعلق به تصديق او تكذيب !! بل يتعلق به ارادة المخاطب به؛ هل يفعل او لايفعل؛ اي قبول وطاعة فتنفيذ؛ او رفض وعصيان واحجام عن التنفيذ . !!
لذلك يجب التنبه لادراك ذلك عند البحث... و لذا وجدنا احكام الافعال خمسة احكام؛ واجب التنفيذ؛ ومندوب؛ ومحرم؛ ومكروه؛ ومباح .... واندرجت كلها تحت باب الطلب؛ والتخيير ؛؛اي ان الواجب والمندوب والمحرم والمكروه اندرجت تحت مسمى صيغة الطلب لأداء الفعل او الطلب بالترك له، وجائت صيغة التخيير للاباحة !!!. اما احكام العقيدة فكانت فقط حكمان لا ثالث لهما؛ وهما اما كفر؛ واما ايمان.
فالايمان حكم لمن صدق جازما فاعتقد بما افاد القطع من الاخبار المطلوب الاعتقاد بها والكفر حكم لمن كذب بما افاد القطع من تلك الاخبار المطلوب التصديق الجازم بها.
والاخبار بطبيعتها اما معاينة ترتب الشهادة واما منقولة...
فالخبر المستفاد من المعاينة يفيد لصاحبه القطع واليقين ..
والخبر المنقول الاصل فيه التصديق مع احتمال نفيه و تكذيبه؛ لذلك حتى يبنى عليه اعتقاد لا بد من الجزم بمصدره وطرق نقله لينتفي عنه احتمال التكذيب؛؛ لذلك قال العلماء اذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال؛؛ لانه لا يبنى اعتقاد مع وجود احتمال؛ ولايتولد يقين مع وجود شك... والايمان جزم بالتصديق وقطع به عن الظن والشك المتولد من دخول الاحتمال او وجوده؛ (افي الله شك؟) لذلك كانت ادلة العقيدة لا بد فيها من قطعيتين 1=قطعية الثبوت 2=قطعية الدلالة ..
فالنص الباني للعقيدة لا بد ان يكون مقطوع به من جهة وروده؛ فلا تبنى عقيدة الا على قطعي الثبوت؛ ثم لابد ان يكون دالا بما لا لبس فيه ولا احتمال؛ على المعنى المقصود؛ و الذي جاء النص لخدمة افادته واثباته؛ كقوله تعالى قل هو الله احد، وكقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير...فهي نصوص قطعية الثبوت كونها قرانا منقولا بالتواتر وقطعية الدلالة على مضمونها كونها لا تحتمل وجها اخر من المعاني حيث رتبت الفاظها من الالفاظ الصريحة الدلالة والمعنى الذي لا يختلف عليه اثنان من اهل اللسان.
ذلك ان العقيدة هي الفكرة الكلية البانية لشخصية وهوية الانسان؛ ووجهة نظره عن الكون والوجود والانسان والحياة، و كذالك المحددة والموجهة لدوره في الحياة والوجود؛؛ وهي القاعدة الفكرية التي تنبثق افكاره منها وبالتالي هي مقياس افكاره ومفاهيمه وقيمه؛؛ ومن هنا دخل دور العقيدة في توجيه السلوك والعمل؛؛ لان تصرفات الانسان الاصل فيها الدوافع الاشباعية لغرائزه وحاجاته العضوية .. ولكنه يسمو ويرتقي عن الحيوان في اشباعها حين تكون طرق اشباعها موجهة بما عنده من فكر عن الكون والانسان والحياة ؛ وبحسب هذا الفكر المبني على المعتقد طبعا او المنبثق منه؛ اما ان ينهض بسلوكه فيكون مكرما على العالمين؛ واما ان ينحط فيكون اضل سبيلا من الانعام؛ التي في الاصل خلقت لخدمته. لذلك كانت العقيدة لها الدور المهم في بناء شخصيته وفي بناء نظام حياته بما ينبثق عنها من فكر ونظام تشريع لحياته ينتظم بها سلوكه وتتقيد بمفاهيمها افعاله؛ ويرتقي بها فكره ؛فلا بد اذا من كون العقيدة صحيحة قطعية لتبني بدورها الانسان السوي القويم المستقيم بفكره وسلوكه ليستقيم وجوده في الخلق متوافقا مع سنن الخالق جل وعلا في الوجود. وبذلك الفهم تكون العقيدة اساس النهوض للانسان ..
ونلاحظ ان من سنن الله تعالى في اسباب هلاك الامم هو سفولها في معتقداتها وبالتالي سفولها في سلوكها فيهلكهم الله ولا يابه بهم فالعقيدة هي اساس الوجود الانساني وهي اساس استقامته والخلل فيها سبب للخلل في سلوكه وهبوطه فهي الوجود وهي الهوية وهي العنوان وهي الشخصية الانسانية للانسان.
و المتتبع لاستعمال كلمة الايمان في النصوص الشرعية ؛ سواء في القران او الحديث يجد انها لا تستعمل الا متعدية بحرفين فقط ، وهما اما الباء؛ واما اللام ..
وانها اذا تعدت بالباء فانها تعني قولا واحدا التصديق الجازم؛ كقوله تعالى{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ... } [البقرة:285] فاذا تعدت بالباء فان المقصود منها يكون ايمان القطع اي التصديق الجازم الذي لا يحتمل موضوعه الشك او الظن.
واذا تعدت باللام فانها تعني التصديق فقط كقوله تعالى على لسان اخوة يوسف عليه السلام لابيهم { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [يوسف:17] وهذا هو مجرد التصديق ، لكنه مع ذلك يقبل الشك؛ لأن شهادة العدل -مثلاً- الأصل فيها أنها تفيد علماً، ولكن هذا العلم غير يقيني، ومن هنا اختلف أهل الحديث في الحديث الصحيح الذي رواه العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه دون انقطاع ولا شذوذ ولا علة، هل هو يقتضي اليقين الجازم أو لا يقتضيه؟ فجمهورهم على أنه لا يقتضي القطع . لان احتمال الظن وارد !!
وهذا لا يعني تكذيبه ولا رده بل يجب تصديق خبر الاحاد الصحيح؛ ولا يجوز تكذيبه؛ ولا يجوز رده بغير مسوغ لاهل الدراية ان لم يمكن تأويله؛ كمناقضته صريح القران مثلا؛ ؛؛ و كذلك لا يجوز بناء المعتقد به لانه ظني الدلالة وظني الدلالة ما احتمل وجوها من المعاني وان كان قطعي الثبوت فمثلا راينا البعض قال باثبات اليد لله تعالى واخذه من قوله تعالى ..يد الله فوق ايديهم .. والنص قطعي الثبوت كونه قرانا الا انه لا يقطع باثبات اليد لان من معاني اليد القدرة التي بها فسرها جل المفسرون؛والتي جاء سياق النص لخدمة اثباتها.. فطالما ان الاحتمال دخل للاستدلال واللفظ احتمل اليد على الحقيقة واليد على المجاز؛ بمعنى القدرة لم يصح الاستدلال على اثبات اليد ولم يصح على نفيها كذلك؛ فبطل الاستدلال على اليد الجارحة بهذا النص؛ لان الله لم يطلب منا اثبات اليد او نفيها بل جاء في اثبات قدرته ومعونته للمؤمنين؛ ومباركته لهم؛ ولم يكن سياق الحديث عن الاثبات او النفي كما في قوله تعالى ..وهو السميع البصير..او.. ان الله عليم حكيم..وختاما فانقل اقوالا لابن تيمية رحمه الله لها صلة بالموضوع:-
فقد قال ابن تيمية – رحمه الله-: "فإن القول الصدق إذا قيل فإن صفته الثبوتية أن يكون مطابقًا للخبر، أما كونه عند المستمع معلومًا، أو مظنونًا، أو مجهولاً، أو قطعيًّا، أو ظنيًّا، أو يجب قبوله، أو يحْرُم، أو يكْفُر جاحده، أو لا يكْفُر؛ فهذه أحكام عملية تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال" اهـ من "مجموع الفتاوى" (6/ 60) وقال في موطن اخر
"وكون المسألة قطعية أو ظنية؛ هو من الأمور الإضافية، وقد تكون المسألة عند رجل قطعية لظهور الدليل القاطع له، كمن سمع النص من الرسول، وتيقَّن مراده منه، وعند رجل لا تكون ظنية، فضلاً عن أن تكون قطعية؛ لعدم بلوغ النص إياه، أو لعدم ثبوته عنده، أو لعدم تمكنه من العلم بدلالته"(23/ 347)وقال ايضا
: "فكون المسألة قطعية أو ظنية هو أمر إضافي، بحسب حال المعتقدين، ليس هو وصْفًا للقول نفسه، فإن الإنسان قد يقطع بأشياء علمها بالضرورة، أو بالنقل المعلوم صِدْقُه عنده، وغيره لا يعرف ذلك لا قطْعًا ولا ظنًّا، وقد يكون الإنسان ذكيًّا، قويَّ الذهن، سريع الإدراك، فيعرف من الحق، أو يقطع به ما لا يتصوره غيره، ولا يعرفه لا علمًا ولا ظنًّا، فالقطع والظن يكون بحسب ما وصل إلى الإنسان من الأدلة، وبحسب قدرته على الاستدلال، والناس يختلفون في هذا وهذا، فكون المسألة قطعية أو ظنية ليس هو صفة لازمة للقول المتنازع فيه، حتى يقال: كل من خالفه خالفَ القطعي، بل هو صفة لحال الناظر المستدِل المعتقِد، وهذا مما يختلف فيه الناس"(19/ 210:
وختاما اكتفي بهذا القدر واسال الله تعالى السلامة لنا في الاعتقاد والسداد في القول والعمل والتوفيق لسبل الهداية والرشاد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته